** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 أي وعي، وأية ممارسة؟

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
سميح القاسم
المد يــر العـام *****
المد يــر  العـام *****
سميح القاسم


التوقيع : تخطفني الغاب، هذه امنيتي الحارقة حملتها قافلتي من : الجرح الرجيم ! أعبر من ازقة موتي الكامن لاكتوي بلهب الصبح.. والصبح حرية .

عدد الرسائل : 3161

تعاليق : شخصيا أختلف مع من يدعي أن البشر على عقل واحد وقدرة واحدة ..
أعتقد أن هناك تمايز أوجدته الطبيعة ، وكرسه الفعل البشري اليومي , والا ما معنى أن يكون الواحد منا متفوقا لدرجة الخيال في حين أن الآخر يكافح لينجو ..
هناك تمايز لابد من اقراره أحببنا ذلك أم كرهنا ، وبفضل هذا التمايز وصلنا الى ما وصلنا اليه والا لكنا كباقي الحيونات لازلنا نعتمد الصيد والالتقاط ونحفر كهوف ومغارات للاختباء
تاريخ التسجيل : 05/10/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 10

أي وعي، وأية ممارسة؟ Empty
12012011
مُساهمةأي وعي، وأية ممارسة؟


ما دمنا جزمنا بأن النشاط الجماهيري لا يؤدي إلى
اكتساب الوعي الثوري، وما دامت الإشكالية القائمة في مجتمع متخلف، تتمثل
في تقدير أهمية عنصر الوعي، فإن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو كيف يتكون
الوعي؟ إن المعادلة المصاغة في هذا المجال تتمثل في ربط الوعي بالممارسة،
واعتبار أن الممارسة جزء عضوي من تكوين الوعي، وتعني الممارسة هنا النشاط
العملي. حيث من الواضح أنه يجري القفز عن أن النشاط الفكري ممارسة، لهذا
من الضروري تحديد كيف يتكون الوعي، وما هي الممارسة في النشاط الثوري؟
انطلاقاً من أن الوعي هو أعلى أشكال انعكاس الواقع الموضوعي في دماغ
الإنسان(64). إذن، يفرض البحث عن إجابة لسؤال كيف يتكون الوعي صياغة
جديدة، قد تسهم في استيعاب الإشكالية مدار البحث، حيث يمكننا التساؤل: كيف
نفهم الواقع؟
أكد كارل ماركس «أن الفلاسفة لم يفعلوا غير أن فسروا
العالم بأشكال مختلفة، ولكن المهمة تتقوم في تغييره»(65)، وهو بذلك يربط
بين الوعي والممارسة، بين وعي الواقع وتغييره. ولعله يشير بشكل أو بآخر
إلى أولوية «تفسير العالم»، حيث يكون التغيير لاحقاً للتفسير. رغم أن
الفهم الذي درج هو تجاوز التفسير من أجل التغيير، وهذه مسألة مناقضة
للماركسية ذاتها، حيث أنها تقوم على الوعي لأنها فكر. إذن كيف نفهم
الواقع؟ إن للاضطلاع والدراسة والبحث، أي للثقافة عموماً، دوراً أولياً في
هذه المجال، ما دام النشاط الجماهيري لا يقود إلى اكتساب الوعي. مادام خوض
النضال الثوري لا يؤدي إلى اكتساب الوعي الثوري. وبشكل منطقي لا يقود إلى
تحديد الاستراتيجية الثورية. إن معرفة الواقع تفرض عمقاً ثقافياً، وسعى
اضطلاع، ودراسة مستمرة، للسببين التاليين:
أولاً: إن دراسة الواقع
تفترض وجود منهج معين، نظام معرفي معين، كي نرى الواقع من خلاله. وامتلاك
المنهج، وهذه قضية فلسفية، يفترض الدراسة. إن امتلاك المنهج الماركسي
(المادية الجدلية) يتطلب قراءة كل ما جاءت به الماركسية، ولكن أيضاً
الاضطلاع على جذورها، أي على كل ما جاءت به البشرية، مادامت الماركسية
استكمالاً وإتماماً للتيارات الفكرية الرئيسية التي نشأت في الدول الأكثر
تقدماً في القرن التاسع عشر. إن دراسة الواقع من خلال وجهة النظر السائدة
يعني إعادة إنتاج الوعي السائد، لهذا كان من الضروري إمتلاك وجهة نظر
جديدة، أكثر تقدماً من الايديولوجيا السائدة، وتخدم مصلحة الجماهير
الشعبية. وامتلاك المنهج المادي الجدلي قضية بحاجة إلى الدراسة الجادة،
وليس إلى اعتماد نصوص محنطة، أو كتب مدرسية(66). لأن الهدف من كل ذلك ليس
ترداد الجمل والشعارات، واقتباس النصوص، بل اكتساب طريقة علمية في
التفكير، تساعدنا في فهم الواقع فهماً علمياً.
ثانياً: كما أن دراسة
الواقع تفترض توفر «مادة خام»، أي توفر المعلومات والإحصاءات والدراسات،
التي تسمح بالخروج باستنتاجات دقيقة نسبياً. وفي إطار ذلك تجري دراسة
التاريخ، مادام الحاضر هو استمرار للماضي، وتكثيفاً له، ويجري البحث في
الظروف الاقتصادية ـ الاجتماعية ـ السياسية، والتطور الفكري.... إلخ. وكل
ذلك يوجد في الكتب وليس للرؤية العيانية أي دور فيها.
وهنا يكون
امتلاك المنهج ودراسة الواقع طريق رسم الاستراتيجية الثورية، التي هي
بالضرورة أساس العمل الثوري، وبدونهما لا يمكن رسم هذه الاستراتيجية. من
هنا يمكن القول إن تكون الوعي يتم بشكل أساسي من الدراسة والتثقيف
المستمر، لأن اكتساب الوعي مرتبط بالفكر، والفكر موجود في الكتب، حيث ترجم
دماغ الإنسان الواقع إلى أفكار، في المراحل التاريخية المختلفة، وبأشكال
شتى، مما كوَّن هياكل (أشكال، إفرازات، رموز) وسيطة بين الإنسان والواقع،
فأصبحت معرفة الواقع تقتضي دراسة هذه الأفكار. إن «وعي المجتمع ككل» يتكون
من «المعرفة المتراكمة بالتاريخ والأفكار السياسية والقانونية، والمنجزات
الفنية والأخلاقيات والدين وعلم النفس الاجتماعي»(67). وهذا ليس تقديساً
للكتب، بل طريق معرفة الواقع، هذا الواقع الذي نعيشه، لكن تمنعنا
التعقيدات التي تقولبه من معرفته عيانياً، رغم أن للمعايشة والمشاهدة ـ أي
للإحساس ـ دور محدد في تكوين الوعي، لكنه دور بدائي لا يؤدي إلى المعرفة
العلمية للواقع، «وهكذا فإن الإحساس ثانوي بالنسبة للواقع المادي»(68).
كما أن للممارسة دور. فالممارسة تغني الوعي وتصوبه. لكن تجب ملاحظة أن
الممارسة دون وعي لا تؤدي إلى تراكم الوعي، كما أوضحنا سابقاً، ولا إلى
تطور الممارسة كذلك.
ولهذا فإن معرفة الواقع تقتضي دراسته. لكن المشكلة
التي قد تتأسس على ذلك في حال الإخلال في الفهم الصحيح لذلك، تتمثل في
موقفين، الأول: قد تؤدي دراسة الفكر العالمي ـ ما دمنا نسعى لاستيعاب أرقى
الأفكار الفلسفية، وأكثرها تعبيراً عن مصلحة الجماهير الفقيرة ـ إلى أن
ننقل الفكر من الآخرين، وبذلك لا نكون قد أسسنا نظرية ثورية، ولا نكون قد
حددنا استراتيجية لثورتنا، لأننا لا نكون قد عرفنا واقعنا. وعندها لا نكون
قد جعلنا الوعي جزءاً من العملية الثورية، من النشاط الثوري في وطننا، بل
نكون قد تحولنا إلى مرددين لا دارسين، ناقلي شعارات لا محللين. لنعاني من
جراء ذلك من حالة «فُصام»، حيث نردد ما ليس له علاقة بواقعنا في المجال
النظري، وننساق وراء الحركة العفوية في النشاط العملي. أما الموقف الثاني
فيتمثل في أن تقودنا الدراسة إلى أن نعي واقعنا، لكن لا نكون ثوريين بما
فيه الكفاية فلا نخوض النشاط الثوري لتحقيق التغيير الثوري المطلوب. وهنا
يكون وعينا عاملاً مساعداً في التغيير، وإن لم نكن نحن المعنيين بذلك.
ونحن حين نتحدث عن الوعي من الضروري أن نرفض الموقفين، وأن نصّر على أن
نفهم الواقع وأن نغيره، وهذا يقتضي أن نطور وعينا، وأن نخوض غمار النشاط
الثوري.
إننا هنا أمام ثلاث مهام مترابطة، يمكن تلخيصها بالتالي:
1)
الاهتمام الجدي بالدراسة والبحث ومعرفة الواقع. فالمطلوب تكوين وعي جديد،
انطلاقاً من رؤية منهجية جديدة (نظام معرفي جديد) ـ ونقصد بالجديد هنا أن
يكون جديداً بالنسبة لواقعنا ـ يتناقض مع الرؤية المنهجية السائدة، وكذلك
انطلاقاً من معرفة علمية للواقع الراهن، الواقع بمختلف أوجهه الاقتصادية
الاجتماعية والفكرية السياسية. إن الهدف العملي الراهن يتمثل في تأسيس
ايديولوجية جديدة (أي نظرية ثورية جديدة، ونحدد ذلك خشية الوقوع في لبس
أننا نسعى لتجاوز الماركسية مثلاً)، ننطلق من تحليل مادي جدلي لوضعنا،
لنصل إلى استنتاجات نظرية تسهم في تأسيس وعي جديد، والقراءة والدراسة
والبحث قضايا ضرورية في هذا المجال ضرورة مطلقة، حيث لا تنظيم ثوري دون
وعي ثوري، كما أسلفنا القول.
2) إن التغيير لا يقتضي القراءة والدراسة
فقط، بل يقتضي «العمل» أيضاً، العمل التنظيمي أولاً، هذا العمل الذي يقوم
على أساس بناء الخلايا واللجان، تطوير وعي الأعضاء، وتأسيس حياة داخلية
ديمقراطية، أي باختصار تأسيس تنظيم متماسك، صلب، وديمقراطي. ولكن يعني
«العمل» أيضاً، العمل النقابي الجماهيري، أي الاشتراك في النشاط
الجماهيري، الديمقراطي والثوري، من خلال العمل في النقابات واللجان، وكذلك
من خلال الاشتراك في الإضرابات والمظاهرات وكل أشكال الاحتجاج الجماهيري،
والعمل على إيجادها وقيادتها. ويستتبع كل ذلك الاهتمام بالعمل التربوي
التثقيفي، الهادف إلى تطوير وعي القطاعات الجماهيرية، وتعريفها بمصالحها،
والاهتمام أيضاً بالعمل السري القائم ـ إضافة إلى بناء التنظيم، والعمل
السري في النقابات وبين الجماهير ـ على توزيع النشرات، والبيانات،
والكراسات، المعبّرة عن وجهات نظر التنظيم، والتي توضح وتحرض.
3) إن
ارتباط هذه وتلك يقود إلى أن يقدم التنظيم رؤية نظرية شاملة، تسمح بتحديد
الاستراتيجية الثورية، القادرة على هزيمة الإيديولوجيا السائدة، كما يصبح
التنظيم قادراً على استقطاب فئات واسعة من الفئات الطليعية في المجتمع،
وبالتالي الاندماج بالطبقة العاملة وبالفلاحين الفقراء، كما يكون قادراً
على قيادة النشاط الجماهيري إلى الانتصار.
وإذا كانت معرفة الواقع
تعتمد، بشكل كبير، على الدراسة والبحث والتثقيف، فإن «التجربة الثورية،
والمهارة التنظيمية أمران يكتسبان اكتساباً»(69).
هل استطعنا، بما جاء
سابقاً، توضيح الإشكالية المتعلقة بقدرتنا على تحديد طبيعة العلاقة التي
تربط الوعي بالممارسة؟ وبالتالي فهم دور الممارسة في تكوين الوعي؟ لاشك أن
ما سبق حدد تصوراً للقضية، لكن مازالت بحاجة إلى التكملة.

دور الظروف العينية

لكن
هل يكفي الحديث المجرد عن الوعي والممارسة؟ أليس لظروف العمل الثوري دور
محدد في تعيين أهمية هذا أو ذاك؟ ما قيل في الصفحات الماضية هو حديث مجرد
إلى حد معين، لأنه لم يرتبط بواقع محدد، وبظروف محددة. وأعتقد أن الحديث
المجرد لا يكفي، لأنه لا يعطي صورة دقيقة للقضية التي نبحث. فالواقع
الموضوعي هو الذي يحدد أهمية أي منهما، حيث يفرض التركيز على الدراسة
والبحث حيناً، ويفرض التركيز على العمل وخوض غمار النشاط الجماهيري حيناً
آخر.
فإذا اعتبرنا أن هناك علاقة جدلية بين النظرية والممارسة، خلال
العمل التنظيمي، فإن الظروف العينية هي التي تحدد لأي منهما الأولوية،
والذي على حله يتوقف تقدم النشاط الثوري. وهذا ما أشار إليه لينين مراراً،
وحاول تأكيده، حيث «إن الثوروية المبتذلة لا تدرك أن الكلام هو أيضاً عمل،
وهذه الحقيقة ثابتة لا جدال فيها، مطبقة على التاريخ بوجه عام، أو على
المراحل التاريخية التي ينعدم فيها نشاط الجماهير السياسي السافر. وهذا
النشاط لا يمكن اصطناعه، ولا الاستعاضة عنه بالفتن التآمرية. أما ذنبية
الثوريين، فإنها لا تدرك أنه متى دقت ساعة الثورة، متى تداعى (البناء
الفوقي) الاجتماعي القديم، من كل الجهات، متى غدا نشاط الطبقات والجماهير
التي تبني لنفسها بناء فوقياً جديداً، متى غدا نشاطها السياسي السافر
أمراً واقعاً، متى بدأت الحرب الأهلية، فإن الاكتفاء (بالكلام)، كما في
السابق، دون صياغة هذا الشعار الواضح، شعار الانتقال إلى (العمل)،
والتهريب من العمل آنذاك بحجة (الشروط النفسانية) و(الدعاية) بوجه عام،
إنما يعنيان الانزلاق في النظرية الميتة المتحجر، في التزمت العقيم، أو
تسليم الثورة، خيانتها...)(70).
إن (الكلام) عمل. وهذه حقيقة لا يمارى
فيها، وهذه من المهام الأولية (الأساسية، البديهية) للتنظيم، حيث إن العمل
الدعاوي التحريضي أساسي وضروري طيلة مسيرة النشاط الثوري، وخصوصاً في
المراحل الأولى للنشاط، لأن هذه الأشكال من العمل الثوري هي مدخل «تطوير»
وعي الجماهير، وإكسابها وعياً ثورياً. إن «الكلام» عمل، وله دور أساسي في
مرحلة. والاشتراك في النشاط الثوري، والعمل على تنظيمه والسعي لقيادته
عمل، وله دور أساسي في مرحلة أخرى. والذي يعطي الأولوية (للكلام)، أي
للدراسة والبحث والتثقيف والتنظير والدعاوى، هو وجود حالة ركود لدى
الجماهير، مما يعطي الأولوية، ويوفر الظروف، لإعداد القادة، وتنظيم
الخلايا واللجان، وتطوير فاعليتها ونشاطها، وإكسابها خبرات جديدة، ووعي
جديد، كما يوفر الظروف لتصعيد النضال الإيديولوجي(71)، عبر التصدي
للايديولوجيا السائدة، وإعمال معول الهدم فيها لتفسيخها، وإضعاف تأثيرها
في الجماهير. أما حين تتقدم الجماهير الصفوف، فيكون لزاماً علينا أن ندخل
الحرب، لا منعزلين، بل مدججين بحشد هائل، وصفوف طويلة من الجماهير، وحماس
لا يضاهيه حماس. وهنا تكون الأولوية (للعمل)، حيث من الضروري أن تكون
القوى الثورية على رأس النشاط الجماهيري، أن تندفع بحماس، وأن تقاتل لكي
تنتصر هذه الجماهير في الحرب الطبقية المتأججة.
لقد أكد لينين منذ بدء
نشاطه الثوري، على أهمية عنصر الوعي الثوري، وخاض صراعاً إيديدلوجياً ضد
اتجاهات مختلفة، لكنه مع انفجار ثورة 1905، دعا إلى خوض غمارها، ثم حين
فشلت الثورة، رأى أنه من الضروري المشاركة في الانتخابات ودخول (البرلمان
الرجعي). وبعد فشل الثورة، وخفوت النشاط الجماهيري، أكد «أن ديالكتيك تطور
التاريخ قد ارتدى (في روسيا) في المرحلة الأولى شكلاً، وضعت معه على جدول
الأعمال، مسألة تحقيق تحويلات مباشرة، في جميع ميادين الحياة في البلاد،
كما ارتدى شكلاً في المرحلة الثانية وضعت معه مسألة صياغة التجربة
المكتسبة، وحمل أوساطاً أوسع على استيعابها، وإدخالها إذا جاز التعبير، في
باطن الأرض، في الصفوف المتأخرة من مختلف الطبقات»(72).
إذن، لكل مرحلة
سماتها، التي علينا أن نقوم بتحديدها، لكي تتحدد على ضوئها مهماتنا،
وأولويات عملنا، فلا نقع في (الديماغوجية الثورية) حيناً، وفي (التنظير)
حيناً آخر. ويمكننا أن نؤكد أنه في مرحلة النشاط الثوري للجماهير ما علينا
سوى خوض الحرب. وأي موقف غير هذا الموقف، ضارٌّ، وربما يكون مدمراً. أما
في مرحلة الركود والتراجع فإن نشاط التنظيم يتمحور في ثلاث طرق، تبرز
واضحة للعيان، وتكون ملحة إلى الحد الذي يجعل تجاوزها أمراً ضاراً ومدمراً
أيضاً، فهناك أولاً طريق النضال الايديولوجي، وهناك ثانياً طريق البناء
التنظيمي، وهناك ثالثاً طريق النضال الاقتصادي المطلبي. فالحروب تخاض
بالجماهير المهيأة، والجماهير لا تكون مهيأة دائماً «إنها تنفجر حينما
تشعر أنها لا تستطيع العيش، ثم تعود راكدة، حتى لكأنك تحسبنها جثة ميتة".

بداية النشاط الثوري

لكن
مازال الحديث في العام، كما يبدو، رغم تحديد معنى النظرية، ومعنى
الممارسة، ثم ربط أهمية هذه وتلك في المراحل المختلفة. إننا نريد أن نعرف
أهميتها في ظروف نشوء الحزب ، أي بداية العمل الثوري المنظم، حيث يكون
الحزب ناشئاً، أو أن هناك من المناضلين الذين يعملون على إنشائه. فأية
أهمية تكتسب هذه أو تلك في هذا الوضع؟.
لنلاحظ أولاً، أن هناك سمتين
تبدوان واضحتين في الوطن العربي، السمة الأولى هي أن الاتجاه العام يسير
نحو التراجع، حيث تسيطر البرجوازيات الكومبرادورية، وتحكم قبضتها، ويضعف
دور الحركة السياسية. ثم إن الحالة الجماهيرية العامة، هي حالة الركود،
رغم أن الجماهير في عدد من الدول العربية تنتفض بين فترة وأخرى، وهذه
بداية نشاط جماهيري كبير، قد يتسع في السنوات القادمة. والسمة الثانية: أن
الحزب المعبر عن مصالح ومطامح الطبقة العاملة والفلاحين الفقراء، وعن
الطبقات الأكثر فقراً، غير موجود. وأن هناك قوى ومجموعات عديدة، تتكون،
تطرح نفسها كمعبرة عن هذه الطبقة. وهي قوى مبعثرة وغير مبلورة التوجه
الفكري السياسي بعد. لذلك فإن لمرحلة تأسيس حزب يعبر عن هذه الطبقة مهام
محدودة، حيث يكون وعي المناضلين محدوداً، وبالتالي لا يكون التنظيم قد
بلور تصوراً نظرياً شاملاً، ويكون ضعيف الروابط، غضاً في الممارسة،
ومنعزلاً عن الطبقة ذاتها التي لن يكون حزباً جديراً بها إلا حينما ينغرس
في بنيانها.
وهنا يتصاعد الاختلاف حول أهمية الوعي، وضرورة الممارسة،
ويثور النقاش، البعض يؤكد على أهمية الوعي، فيتهمه البعض الآخر بأنه يمثل
«ظاهرة مثقفين»، ويؤكد البعض الآخر على «العمل.... العمل» فيتهمه البعض
بأنه تجريبي عفوي. فلمن الأولوية في مرحلة النشوء والتكوين إذن؟ لقد
أسبقنا في الصفحات الماضية الوعي على «العمل»، وإن بتحفظ محدود، حيث لا
تنظيم ثوري دون وعي ثوري، وحيث إن الممارسة تغني النظرية وتصوبها وحيث إن
للظروف العينية دوراً في تحديد أولويات هذه «الوحدة الجدلية». وها نحن
نعود إلى نفس الإشكالية.
لقد أثير هذا النقاش في روسيا في سنوات تأسيس
حزب العمال الاشتراكي الديمقراطي، وحاول كل طرف أن يدعم وجهة نظره
بتحليلات ونصوص، وأدلة. فاستشهد بعضهم بفقرة من ماركس، كتبها في كراس «نقد
برنامج غوتا»(73)، تقول الفقرة «إن كل خطوة تخطوها الحركة العملية أهم من
دزينة من البرامج»، فيعلق لينين على ذلك ساخراً «إن تكرار هذه الكلمات في
مرحلة التفكك النظري، يشبه صراخ من يصرخ (إن شاء الله دايمة) عند رؤية
جنازة»، ثم يؤكد أنه «لا حركة ثورية بدون نظرية ثورية»، ليصل إلى النقطة
الهامة، حيث «تزداد أهمية النظرية بالنسبة للاشتراكية ـ الديمقراطية
الروسية لثلاثة أسباب، كثيراً ما ينسونها»، أولها، «إن حزبنا مايزال في
دور التأسيس، ما يزال في دور تشكيل سيمائه، وهو ما يزال بعيداً عن أن يصفي
اتجاهات الفكر الثوري الأخرى، التي تهدد بإخراج الحركة عن الطريق القويم».
وثانيها، دراسة تجارب البلدان الأخرى والتمحيص فيها، والتحقق منها.
وثالثها، المهام الوطنية للثورة الروسية(74).
إن لمرحلة التأسيس
ظروفها، وتكون النقطة الهامة فيها هي الانتقال من العفوية إلى الوعي
والتنظيم، في ظروف ضعف القوى الثورية وغياب أفكارها، وقوة الاتجاهات
الأخرى، سواء المعبرة عن الايديولوجيا السائدة أو التي تحاول تجاوز ذلك،
لكنها «تهدد باخراج الحركة عن الطريق القويم»، أو التي لا تستطيع تحقيق
القدر الكافي من الوعي والتنظيم، فتكرس عفوية الجماهير، وبالتالي لا تؤدي
إلى انتصار حركتها. ونحن نشهد فيضاً من الاتجاهات الفكرية، بعضها قوي وله
جذور عميقة، وبعضها الآخر نامٍ وفاعل. وبذلك يكون خوض المعركة
الايديولوجية ضرورة ماسة، ولكن لكي نخوض المعركة الايديولوجية ، من
الضروري أن نؤسس خطنا الفكري، أن يكون لنا أيديولوجية. ولن يكون ممكناً
إنجاز بناء تنظيمي صلب دون تأسيس هذا الخط وهذه الأيديولوجية، حيث التنظيم
انعكاس للفكرة، وهو شكل التوسط بين النظرية والممارسة(75). شكل التوحد بين
النظرية والنشاط العملي للطبقة العاملة والفلاحين الفقراء. إنه الوحدة
بينهما، أو هو هما متحدين.
تفرض مرحلة التأسيس إذن، بلورة اتجاه فكري
يعبر عن حركة المجتمع الصاعدة، حركة عماله وفلاحيه الفقراء. كما تفرض
العمل على تأسيس الخلايا المتماسكة الصلبة، والقادة الأشداء، تشكيل النواة
الفاعلة. مما يعني إيلاء القضية النظرية إهتماماً خاصاً. وهنا لا يكون
التركيز على هذه القضية تعبيراً عن «اتجاه ثقافي»، أو«دعوة حزبية ضيقة»،
بل تعبر عن حاجة موضوعية، تفرضها الظروف العينية. إنها العمل الأكثر أهمية
في هذه المرحلة من أجل فتح آفاق مرحلة ثورية جديدة، فالمطلوب هو بلورة
الدليل المرشد لحركة الجماهير العفوية. وهو ما لم يستطع أحد بلورته بعد،
رغم الجهود الكبيرة التي بذلها ويبذلها مثقفون ثوريون كثر.
إن الخطوة
الأولى تبدأ بالنظرية، الرؤية العلمية لواقعنا الراهن، لكي نكون قادرين
على مواجهة القوة الأخطر، أي الايديولوجيا اللاهوتية السائدة، بمختلف
تفرعاتها وألوانها، سواء الدينية ـ الطائفية، أو البرجوازية المثالية، أو
الماركسية الجامدة.
وهذا يعني السعي لتأسيس رؤية علمية محددة، تنطلق من
المنهج المادي الجدلي، ومن تحليل الظروف الواقعية في الوطن العربي، لتخرج
بتصور نظري علمي، يصلح لأن يكون مرشد عمل. وإذا كان الواقع هو الذي يحدد
النظرية، فإن «اكتشاف» النظرية ليس قضية آلية (ميكانيكية)، ولا تأتي من
الممارسة ـ بمعنى العمل الجماهيري ـ ، بل تأتي من الدراسة والبحث، وفتح
آفاق الحوار والنقاش، والصراع الايديولوجي.
إن أي تنظيم ناشىء من
المفترض أن يعمل من أجل أن يبلور النظرية الثورية، وفي خضم ذلك تطوير وعي
الأعضاء بما يؤهلهم، أو يؤهل فصيلة منهم، لأن يكونوا طليعة واعية، قادرة
على اكتشاف الحركة التاريخية في المجتمع، والدفع بها إلى الأمام.
* * *
إننا
لا نتحدث عن الوعي والممارسة (أو النظرية والممارسة) في اللامكان
واللازمان، ولا ندرس قضية فلسفية من أجل الدراسة فقط. بل إننا نحاول
أساساً أن نؤسس عملاً ثورياً في واقع محدد، كما في زمان محدد أيضاً، وفي
هذا الوضع يكتسب عنصر الوعي أهمية محددة، ومعنى محدداً.
فإذا كان العمل
الثوري يقوم على أساس اكتساب العلم من أجل دحض إيديولوجية وتأسيس أخرى. أي
من أجل بلورة مرشد للعمل الثوري، وهزيمة إيديولوجيا تشكل «وعي» الجماهير
في اللحظة الراهنة. وإذا كان العمل الثوري يقوم على أساس الاندماج بحركة
الجماهير لإكسابها وعياً مطابقاً، وتنظيمها، وقيادتها من أجل الظفر
بالسلطة السياسية، وإعادة تأسيس المجتمع على ضوء هذه الحقيقة، وفي مصلحة
الطبقات الشعبية، فإن هذه العملية تخضع، ولاشك، للواقع المحدَّد أيضاً،
ولا تخضع لأمزجة و«مركبات ذهنية»، لأن حركة الواقع متعرجة، حيث إن نشاط
الجماهير متفاوت، متقلب، متذبذب، والظروف السياسية متغيرة. وفي هذا الوضع
يختلف عمل الثوريين من مرحلة إلى أخرى، يكون التثقيف وإتقان العمل السري،
وبناء الخلايا واللجان، مهمة أساسية في بعضها، كما يكون الإسهام الكامل في
النضال الجماهيري (المظاهرات، الإضرابات، العمل المسلح) مهمة أساسية في
بعضها الآخر.
كما تخضع هذه العملية لوضع التنظيم وظروفه، خصوصاً حين
يكون في مرحلة التأسيس، حيث يكون تصوره النظري غير مكتمل، وربما مشوشاً.
ويكون وعي أعضائه بسيطاً، وخبرتهم محدودة، وقدرتهم على العمل السري ليست
ذي بال. ويفرض هذا الوضع التركيز على مهمات محددة، فحين يغيب التصور
النظري، وتكون الايديولوجيا السائدة قوية، مؤثرة، وقادرة على أن تجعل وعي
الجماهير مستلباً، تصبح المهمة الأولى لتنظيم يتأسس، هي التركيز على
الوعي، من أجل تطوير قدرات الأعضاء (أو جزء منهم)، لكي يصبح ممكناً بلورة
تصور نظري، ورؤية شاملة، تشكل ايديولوجيا جديدة، تعبر عن مصالح الجماهير
الفقيرة، وتؤسس لديها وعياً جديداً، مطابقاً لمصالحها ومطامحها. ولكنها،
من جهة أخرى، تكون قادرة على هزيمة الايديولوجيا السائدة، وهزيمة تأثيرها
في أوساط الجماهير الفقيرة.
إن العمل الثوري، مادام يهدف إلى تنظيم
حركة الجماهير وإعطائها وعياً ثورياً شمولياً يقطع «الحبل السري» الذي
يربط «وعيها» بالايديولوجيا السائدة، هذه الحركة العفوية، التي غالباً ما
تكون راكدة هامدة، لكنها تنفجر بين الحين والآخر بشكل عفوي، ولسبب قد يكون
بسيطاً(*)، وبالتالي ما دامت هذه الحركة تعاني من العفوية والتخلف، وما
دام العمل الثوري يهدف إلى التصدي للقوى الحاكمة بكل بنية سلطتها، فإن هذا
العمل يحتاج إلى توفر مسألتين مترابطتين، أولاهما الوعي، أي اكتساب الوعي
الثوري القادر على تأسيس نظرية ثورية جديدة، كما أسلفنا الحديث، وبذلك
يكون الوعي أساس العمل الثوري إذا كان الهدف «عقلنة» الحركة العفوية،
وتنظيمها، ولكن إذا كان الهدف أيضاً تأسيس مجتمع جديد، وثانيهما التنظيم
السري القادر على العمل «غير الشرعي» ما دام الهدف تحقيق التغيير الجذري
للوضع.
ولهذا فإن تأسيس عمل ثوري جديد يفرض إيلاء القضايا النظرية
اهتماماً خاصاً، مادام أن المطلوب هو «عقلنة» الحركة الجماهيرية،
وتنظيمها، لأنه من باب أولى أن يجري العمل على تأسيس ايديولوجية ثورية
مادام التغيير لا يتحقق إلا من خلال اكتساب الجماهير وعياً مطابقاً. إن
تأسيس الايديولوجيا المعبرة عن الحركة التقدمية للمجتمع تغدو المهمة
الملحة، أو بشكل أدق، المهمة الأكثر إلحاحاً. إن المطلوب وضع أسس صحيحة
لعمل ثوري كبير، وهذا يعني تحديد الاستراتيجية الثورية، وتكوين الثوريين
القادرين على تحقيق هذه الاستراتيجية. والذي يجعل المشكلة ذات أبعاد معقدة
هو إن العمل الثوري ينطلق دون تراث فكري كبير، ودون وعي كاف بالظروف
العربية الراهنة. ولهذا يجد من الصعوبات الكثير. وهو إن لم يميز نفسه عن
كل التيارات والاتجاهات القائمة، إن لم يستطع التحديد الدقيق لمبررات
وجوده الايديولوجية والسياسية، التنظيمية والثورية، فلن يكتب له التطور
والتقدم.
وأخيراً لا بد أن نؤكد أن النظرية تتأسس من دراسة الواقع، لكن
انتصار الثورة لا يتم إلا بالعمل الثوري. ولذلك فإن مهماتنا الآن تتمثل في
دراسة الواقع الذي نعيشه، ولكن أيضاً العمل من أجل انتصار الثورة. ولهذا
فإن تكوين ثلة من الثوريين الأكفاء والواعين هو الطريق لتدعيم النشاط
الثوري، وتطوير الحركة العفوية للجماهير، وبالتالي فتح آفاق الانتصار. كيف
يتم ذلك؟ هذا ما يجب أن يدرس
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

أي وعي، وأية ممارسة؟ :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

أي وعي، وأية ممارسة؟

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» يُقال ان ممارسة أكثر للجنس تعني سعادة أكثر. لكن دراسات جديدة وجدت أن استمرار العلاقة لايعتمد على ممارسة الجنس أكثر من مرة واحدة أسبوعيًا. هذه الدراسة تتعلق بصورة عامة بالأشخاص المرتبطين بعلاقات ثابتة وليس العازبين. و ذلك بعد أن تم اقتراح أن دور الجنس هام
» كيف يمكن ممارسة فعل التفكير الفلسفي؟
» كيف يمكن ممارسة فعل التفكير الفلسفي؟
» ماليزيا: ممارسة التعذيب المنظم بالضرب بالخيزران على نطاق واسع
» كل ما تحتاج لمعرفته من أجل إطالة مدة ممارسة الجنس قدر الإمكان

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: