زوار دمشـق: لا التـزامـات سـورية للحـريـري بـل العكـس
واشنطن تهزّ آمال التسوية اللبنانية
مصـادر رئيـس الحكومـة: لا تأجيـل للقـرار الاتهامي بـل احتـواء آثاره!
دخلت التسوية السعودية ـ السورية للملف اللبناني، في ممر «الدول»
الإلزامي، من زاوية محاولة الجانب العربي حماية نصوصه من الكمائن
الخارجية، وخاصة الأميركية، استنادا إلى تجارب وتفاهمات سابقة للأزمة
اللبنانية الحالية، منذ اتفاق الرياض في خريف العام 2005، وصولا إلى مرحلة
ما بعد القمة الثلاثية في بعبدا، عندما تدخل الأميركيون على وجه السرعة،
للضغط على الجانب السعودي، وأحيانا، بناء على نصائح لبنانية، من أجل منع
ولادة أي تسوية قبل صدور القرار الاتهامي في قضية الرئيس رفيق الحريري.
وإذا
كان الحوار السوري ـ الأميركي يتم حتى الآن، بالواسطة الفرنسية، والحوار
السعودي الأميركي يتم مباشرة، فإن القمة الأميركية الفرنسية، التي عقدت،
أمس، في البيت الأبيض، شكلت بحسب جهات دبلوماسية لبنانية متابعة، محطة
محورية، في مسار المسعى العربي، اذ بيّنت المعلومات الأولية التي توافرت
للجهات نفسها، أن الجانب الأميركي لم يتجاوب مع الأفكار الفرنسية، وهي أقل
سقفا من الأفكار السعودية والسورية، قاطعا بذلك الطريق على أي ضمانة دولية
محتملة للمسعى العربي، وأضافت المعلومات ان الأميركيين تمسكوا بالمحكمة
الدولية وبصدور القرار الاتهامي في موعده، وأن تتركز الجهود على احتواء
آثاره وتداعياته المحتملة.
تزامن ذلك مع تسريبات مصدرها لاهاي، بأن
القرار الاتهامي قد أصبح جاهزا وأن بيلمار سيختار التوقيت المناسب لرفعه
الى قاضي الاجراءات التمهيدية دانيال فرانسين قبل نهاية كانون الثاني.
كما
تزامن مع نبرة عالية لوزيرة الخارجية الاميركية هيلاري كلينتون التي عبّرت
من أبو ظبي عن قلقها الشديد مما سمتها محاولات «زعزعة» استقرار لبنان،
وقالت في مقابلة تلفزيونية ان واشنطن تعمل مع السعوديين والفرنسيين
والمصريين وغيرهم «لمحاولة ضمان استقرار لبنان ومنع اي جهة خارجية، او اي
جهة داخل لبنان تأخذ تعليماتها من جهات خارجية، من اتخاذ اي خطوات يمكن ان
تزعزع استقرار لبنان وربما تتسبب في نشوب نزاع».
وفي بيروت، أظهرت
لغة فريق رئيس الحكومة سعد الحريري، بعد ساعات قليلة من لقاء «الفجر
النيويوركي» بينه وبين العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز، أن
الأمور تتخذ منحى سلبيا، بدليل اللاءات الكثيرة حول المحكمة وغيرها، وزاد
البيان المقتضب الصادر عن مكتب رئيس الحكومة الأمور غموضا، علما بأن
الاستعدادات في العاصمة المغربية، قد اكتملت لاستقبال العاهل السعودي
قريبا، لمدة أسابيع، بحسب أوساط دبلوماسية عربية في نيويورك.
الأمم المتحدة: لقاءات ولا معلومات
وأفاد
مراسل «السفير» في نيويورك خالد داود بأن المشاورات المكثفة التي يجريها
رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في نيويورك، تواصلت، أمس، وذلك بلقاء
جمعه مع الرئيس ساركوزي الذي وصل إلى الولايات المتحدة في زيارة خاطفة
التقى خلالها الرئيس الأميركي باراك أوباما وعرج بعدها إلى نيويورك للقاء
العاهل السعودي الملك عبد الله ورئيس الوزراء اللبناني.
وجرت هذه
المشاورات في أجواء من التكتم الشديد من قبل أعضاء الوفد اللبناني المرافق
للحريري في نيويورك، وخاصة في ما يتعلق بتفاصيل اللقاء الذي جرى فجر
الاثنين بتوقيت بيروت مع العاهل السعودي الملك عبد الله واعتبره المراقبون
شديد الأهمية من ناحية تحديد مستقبل ما يعرف بالوساطة السورية ـ السعودية
لتهدئة الأوضاع في لبنان تمهيدا لصدور القرار الاتهامي في قضية اغتيال
الرئيس رفيق الحريري الذي تعتقد غالبية الدوائر الدبلوماسية أنه سيصدر قبل
نهاية الشهر الحالي.
ورفض مصدر لبناني مرافق للحريري اعطاء أي تفاصيل
للصحافيين بشأن تفاصيل اللقاء بين الحريري والملك عبد الله الذي يقيم في
نيويورك منذ أسابيع بعد إجراء عملية جراحية له في الظهر. وقال المصدر «هذه
مشاورات ومسيرة جارية، وبالتالي لا يمكن الحديث عن أي تفاصيل في هذه
المرحلة»، ورفض المصدر حتى الكشف عن المدة التي استغرقها لقاء الحريري
والملك عبد الله. كما غادر ساركوزي نيويورك بعد اللقاءات التي عقدها مع
الملك عبد الله ورئيس الوزراء اللبناني من دون الإدلاء بأي تصريحات.
وقال
مصدر مطلع مرافق للحريري وشارك في حضور بعض الاجتماعات لـ«السفير» ان
«المحور الأساسي الذي تقوم حوله كل الجهود الحالية هو كيفية احتواء أي
آثار محتملة للقرار الاتهامي بعد صدوره، وليس السعي لتأجيل صدور القرار أو
تعطيل عمل المحكمة بأي شكل من الأشكال»، لكن المصدر المطلع رفض الدخول في
أي تفاصيل تتعلق بمضمون التسوية السعودية السورية، أو الخطوات التي
تتضمنها.
زوار دمشق: الحريري يتنصل
في غضون ذلك، نقل زوار دمشق
ان القيادة السورية تنتظر اتصالا سعوديا لوضعها في أجواء المشاورات التي
أجراها الملك عبد الله على أكثر من خط في نيويورك، وما أفضت اليه من
نتائج، وعندها يبنى على الشيء مقتضاه، مع العلم - كما يضيف هؤلاء - بأن
الاعلان عن أي اتفاق يجب ان توازيه قدرة على حمايته كنص، ثم، وهنا الاهم،
حماية تنفيذه.
وأوضح زوار دمشق ان لا صحة على الاطلاق لوجود التزامات
سورية مسبقة من أي نوع حيال الرئيس الحريري، مشيرين الى ان رئيس الحكومة
هو المُطالَب بمبادرة جريئة، تحت سقف التسوية السورية - السعودية، وبعدها
من الطبيعي ان يتدفق الدم تلقائيا في عروق هذه التسوية، بحيث تواكب
المعارضة الحريري في خطوات موازية، تقود في نهاية المطاف الى «تصفيح»
الساحة اللبنانية في مواجهة القرار الاتهامي والمحكمة الدولية.
ويشدد
زوار دمشق على ان مسألة مذكرات التوقيف الصادرة عن القضاء السوري بحق عدد
من الشخصيات السياسية والامنية والقضائية والاعلامية المحسوبة على فريق 14
آذار، ليست مطروحة للبازار او للمساومة تحت الطاولة او فوقها، وطريق
التعامل معها واضحة ومعروفة، ومن كان محرجا بسببها، فهذا شأنه وهو يعرف
كيف يعالج مشكلته.
ويلفت زوار دمشق الانتباه الى ان أحدا لا يستطيع
إيقاف مفاعيل مذكرات التوقيف او شطبها بشحطة قلم، لأنها ليست وليدة قرار
من الحكومة السورية حتى تتراجع عنه، بل هي إجراء قضائي تم اتخاذه وفق
الاصول المرعية الاجراء، بناء على دعوى شخصية من اللواء الركن جميل السيد
بعد استنفاد كل المراحل القانونية التي تسبق عادة صدور مذكرة التوقيف.
ويؤكد
زوار دمشق ان معالجة مسألة مذكرات التوقيف هي في يد من يشتكي منها، إذ
يكفي ان يوافق رئيس الحكومة وحلفاؤه على إحالة ملف شهود الزور على المجلس
العدلي، حتى يُفتح باب واسع لمتابعة هذا الملف امام القضاء الوطني المختص،
وحينها يُفترض ان تزول العقبات امام عودة دعوى اللواء السيد الى لبنان، لا
سيما انه كان ملزما في الاساس باللجوء الى القضاء السوري بعدما أقفلت في
وجهه السبل الاخرى.
ويرى زوار دمشق ان اتهام الحريري للفريق الآخر
بعدم تنفيذ ما تعهد به، ليس سوى مناورة ومحاولة هروب الى الامام من
إحراجات داخلية وخارجية تواجهه، معتبرين ان ذرائع رئيس الحكومة لا تفيد في
تبرير إحجامه حتى الآن عن الإقدام على الخطوة المنتظرة منه في الدرجة
الاولى، وإذا كانت هناك التزامات لم تُطبق، فليست سوريا هي التي تنصلت من
تطبيقها، وإنما الرئيس سعد الحريري الذي كان يقول شيئا للرئيس الاسد ويفعل
شيئا آخر، وليس أدل على ذلك من الموقف المبتور الذي اتخذه حيال شهود
الزور، إذ كان يعلم جيدا بأن عليه استكمال إدانته لهم في مقابلته الشهيرة
في جريدة «الشرق الاوسط»، بإجراءات عملية تتيح محاسبتهم ومعرفة خلفياتهم،
عبر إحالة قضيتهم على المجلس العدلي، الامر الذي تهرب منه، ولا يزال