من أجل إنقاذ "دولة القانون"
جمال سلطان |
26-12-2010 00:39 المجموعة السياسية الممسكة بمقاليد السلطة ،
والتي استمرأت الاستهزاء بقضاء مصر والاستخفاف بالقانون من أجل الاستحواذ
على مقاعد في برلمان غير شرعي لا تضر بسلوكها هذا العمل السياسي فقط ،
وإنما تضر بنية الدولة المصرية ذاتها ، لأن الدول يمكن أن تتعايش نسبيا مع
غياب الديمقراطية ولكن يستحيل أن تتعايش ويتماسك مجتمع بغير قانون ، أو في
ظل تهميش لسلطة القضاء ، وأخشى أننا في المستقبل القريب سيكون مطلب كل قوى
الإصلاح في مصر ليس الحصول على دولة ديمقراطية ، وإنما الحصول على دولة
القانون .
مع احترامي الكامل لكل ما قاله الرئيس مبارك في افتتاح البرلمان وما
قاله أمس في افتتاح مؤتمر الحزب الوطني ، عن آماله وطموحاته في خطط
ومشروعات تنموية وإصلاحية ، أؤكد أن شيئا من ذلك لن يتحقق ، ومصر تتجه الآن
إلى منحدر خطير ، لأن الثقة بالقانون تتدنى الآن وتصل إلى حد الانعدام لدى
قطاعات كثيرة في المجتمع ، بفعل سياسات رسمية درجت على تهميش قيمة القانون
وإعلاء الإرادة السياسية للحزب أو حتى لرئيس الجمهورية ، وهو ما يجعلنا
أمام حالة من الميوعة القانونية والعدالة المطاطية ، وبالتالي لا تستطيع أن
تنظم أي فعل في المجتمع من أول حركة السيارات في الشوارع وحتى مشروعات
الاستثمار الكبرى .
لم يعد خافيا أن استثمارات عربية وأجنبية كبيرة ورؤوس أموال عديدة ،
تحجم الآن عن اقتحام السوق المصري لذات الأسباب ، الرؤية منعدمة للمستقبل ،
لا أحد يعرف صورة البلد العام المقبل فقط ، فكيف يمكن أن تضع استثمارات
لخمس أو عشر سنوات ، صورة قيادة مصر السياسية شديدة الغموض ، إضافة إلى أن
المستثمر أصبح يرى بعينيه أن المعايير القانونية مجرد نصوص وقوالب وأشكال
أقرب إلى الديكور ، ولا يكفي أن تعمل وفق القانون لكي تضمن حقوقك وتثق في
خطواتك ، لأن القانون ليس هو كلمة الفصل في أي خلاف ولم يعد كلمة الفصل في
إثبات الحقوق ، وهذا ما عزز من وضوحه سلوك أجهزة الدولة وإداراتها في
الانتخابات البرلمانية الأخيرة ، إنهم يتصرفون باعتبار أنه لا يوجد قانون ،
أو أن القضاء مجرد ديكور أو تزجية لأوقات الفراغ السياسي ، آلاف الأحكام
تصدر ولا أحد يلقي لها بالا ، ويقولون أن الأمور ستمضي رغم أنف هذه الأحكام
، طيب لماذا أوجدتم تلك المحاكم من حيث الأصل ، ولماذا تدعون الناس للجوء
إلى القضاء .
هذا التهميش الخطير للقانون والقضاء مهد لظواهر من الجهالة والعنف
والانفلات لم تعرفها مصر من قبل ، أصبح أي نزاع على قطعة أرض أو عقار يكون
أول تفكير في حسمه بالقوة وبالسلاح خارج إطار القانون ، وأي نزاع آخر يكون
التفكير في حسمه بقدرات كل طرف ومستويات العنف الممكنة لديه ، دون نظر
لمحاكم وقانون ودولة ، واتساع نطاق البلطجة في عموم مصر من أقصاها إلى
أقصاها بشكل غير مسبوق هو أحد النتائج المباشرة لإهدار أجهزة الدولة لقيمة
القانون .
أي مواطن يبحث عن حق أو وظيفة أو حتى تنفيذ حكم ، يبحث عن أدوات أخرى
خارج سياق القانون وبعيدا عن مرجعية المحاكم ، إما بحركة المال والرشوة
وإما بالعلاقات الخاصة "الوساطات" ، وأي سياسات اقتصادية أو خطط أو مشروعات
مفترضة ستتنزل على هذا الواقع الاجتماعي المهترئ وعلاقات العمل الفاسدة ،
وهو اهتراء يشمل جميع قطاعات الدولة من مؤسسات التعليم العادي والجامعي
وحتى مؤسسات البحث العلمي والمؤسسات المالية والاقتصادية والإدارات المحلية
وغيرها .
أحد أخطر الكوارث التي أورثها الحزب الوطني للبلاد في السنوات الثلاثين
الماضية في مصر هو التهميش المنهجي لفكرة القانون وسيادته وإهدار حرمة
العدالة وقدسيتها في ضمير الناس ووعيهم وهو ما فتح الباب للفساد على أوسع
نطاق في جميع أجهزة الدولة وجعل العبء ثقيلا للغاية على أي مشروعات إصلاح
حقيقية في المستقبل ، والتي من المؤكد أنها ستعاني كثيرا من أجل أن تستعيد
"دولة القانون" في الواقع وفي قناعات الناس وسلوكهم .