لعل الماركة ومالها من أثر على
الحراك البشري، وعلى الاقتصاد العالمي، يتضح جلياً مع كل اصطدام بواقع
الصناعة المتردية. وقد شقت صناعة الماركة طريقها في الغرب وكانت لها اليد
الطولى في السوق الأمريكي، والذي يعتبر صانع الماركات والمسيطر الأول بدون
منافس له.
لم يكن لهذه النزعة وجود في المجتمعات العربية، ولم تدخل حتى في
استراتيجيات التسويق لصناعاتهم و زادت حالة الانبهار بالماركات العالمية،
مما جعل أسواقنا غير ذات فائدة في سوق صناعة الماركات. هذا ما يتجاهله
أعضاء لجنة تمكين اللغة العربية التي تشن حرباً ضروس ضد المحال التجارية
لإجبارها على إما تغيير اسم المحل نهائياً وتحويله للغة العربية أو تعريبه
بشكل جزئي، أي وضع اسم المحل مع نظيره بحروف عربية.. لذا يقترح عليك أحد
أشد المغالين في اللجنة أن تمشي في الأسواق وأنت تتأمل أسماء المحلات
العجيبة، رغم أنك مازلت في البلد ولم تزر بلاد العجائب حتى الآن. هكذا
يتحول (stefanel) الشهير إلى (أزياء النشمية)، تشتري بنطال الجينز من الرجل
الأنيق الذي لم يخرج من دفتي روايةً ما، بل تمتع بهذه الصفة حسب مفهوم أبو
أحمد الشخصي صاحب المحل للأناقة..! تدور ثلاث دورات قبل أن تدوخ وتجلس في
مقهى الدوار الذي كان يدعى (elgora).
قبل قرارات اللجنة، ربما ستقصد اضطرارياً مقهى الروضة لأنه أشد أصالة ولا
يثقل على هويتك العائمة على واجهات المحلات المقترحة من قبل الرجل حامي حمى
لغته العربية.. رغم صراخ آخر يمتلك محل صوتيات (virgin mega store)، في
هذه الحالة سيبتاع الزبائن سيديات الميتال والروك آند رول والبوب والجاز
الساحر من محل (العذراء)!!
ها أنت تأكل شاطر ومشطور وما بينهما، أي الصندويش، من مطعم بسيط يدعى
(عجاج السنين).. لن تجرؤ عزيزي على طلب النسكافيه خاصتك، فقد يراقبك أحد
أعضاء اللجنة من خلف الزجاج؛ ستطلب قهوة (النس) بكل شهامة العربي الأصيل ثم
تجر عباءتك المثقوبة إلى فندق أمية حيث تثمل مردداً قصائد الأطلال حتى
الصباح دون أن يتهمك أحداً بالعولمة..
في الحقيقة هناك محل للألبسة يدعى العابرة ، لا أكاد أمر من أمامه دون أن
يقشعر بدني.. العابرة، هل أقول مثلاً إنني ابتعت بلوزة لطيفة من هناك دون
أن يسبق كلامي دمعتين..؟
البيتزا (وهي وضع محير للغاية بالنسبة للجنة فما هو مرادف اللفظة؟)؛
البيتزا الساخنة التي أردت بعد أن اتصلت هاتفياً.. مطعم البيتزا الساخنة
تفضل؟! ستأكلها حارة أو باردة ماطرة أو معتدلة مثلجة ربما إذا كنت في فندق
الفصول الأربعة four seasons)) انتبه إلى ما طلبته بكل الأحوال فقد تتورط
بكلب ساخن يجلبه أحدهم إلى بيتك ..!!
في المقابل هناك بلدان كالهند على سبيل المثال لا تعاني من أزمة لغوية
كهذه، وهي التي حققت الكثير على مستوى صناعة الماركات، و لم يستطع الغرب
الصناعي أن يخترقها ويتحكم بثقافة مستهلكها، وذلك لان رجالات السوق كانوا
يتحسسون ما يجري في الأسواق العالمية، وعلى ضوئها يتخذون الخطوات العملية
في طريق حماية الماركة التي تقترب من ثقافتهم دون التقليل من شأن لغتهم من
جهة أو الإخلال بالمعنى، ليس على مستوى التصنيع والإنتاج الداخلي بل حتى في
هندسة ثقافة المستهلك… من جهة أخرى دعنا نتأمل المجزرة التي ارتكبتها
لغتنا الرومانسية في السلع، وجولة واحدة تفي بالغرض من حفاظات الطفل السعيد
إلى صابونة النحلة ومبيض الأفراح، شراب عمار، ثم أفران غاز كندة القبيلة
العربية التي سكنت في وادي حضرموت وربما كانت تحتسي شاي الزين .. زين الشاي
قبل أن يتهدم سد مأرب على رؤوس أفرادها..
لا نستطيع إنكار سطوة الماركات فهي رقم خيالي في صناعة التجارة العالمية،
تصل إلى حد يساوي ميزانيات عدة دول نامية مجتمعة مع بعض. بدأت بعض الدول
العربية تتجه إلى هذا الاتجاه في تحرك متأخر نحو ماركنة البلد والتسويق على
الإقليمي والعالمي، وذلك من خلال استغلال الحالة العالمية في الانفتاح على
الآخر، وقد تحركت بعض الدول من خلال تسويق مدنها، كخطوة أولى، والاهتمام
أكثر بالسياحة في اتجاهاتها المختلفة. وهنا انبثقت الفكرة العظيمة من أحد
أعضاء لجنة تمكين اللغة العربية، يزورنا السائح من بلاد الفرنجة ليقضي
ليلته الأولى في بلدنا العريق بفندق الرجل الميت* هذا لجهل الأعضاء باللغة
التركية أو احتياطاً من احتلال عثماني حديث في المنطقة