أجلس في القطار. يسير بنا القطار إلى الخلف.
في بلادي كلّ شيء يسير بنا إلى الخلف…
ما عدا وسائل النقل.
يجلس بقربي رجل يقرأ صحيفة فرنسية تهزأ بالسياسية والفنّ… والمجتمع.
في بلادي كلّ شيء يهزأ بالسياسة والفنّ والمجمتع…
ما عدا الإعلام.
في بلادي، عند السفر، أحجز مقعدين لنفسي.
لا لتحاشي الذكور، فشركة النقل تتحاشى بنفسها إجلاس الرجال والنساء في
مقعدين متلاصقين، ومجتمعي بأكمله يتحاشى الجنس الآخر وكأنه خطر مبيت، أو
كأنه شرف مطعون…
أحجز مقعدين لأتحاشى جلوس امرأة بقربي…
فإن كان الذكر الخطر المبيت، والقنبلة الجنسية الموقوتة، وإن كنت أنا
الشرف القابل للطعن، فالمرأة هي قنبلة اجتماعية موقوتة، ما إن تخلصت من
قفلها نزلت بي رشاً ودراكاً، كلاماً وقصصاً وحشرية…تدخّلاً بأدق تفاصيل
حياتي.
أتثاءب… وأتثاءب بكلّ ما أوتيت من قوة…
لا أحد ينظر إلي..لا أحد يحاكمني.
أرتدي قميصاً يكاد لا يملك أكماماً..
لا أحد ينظر إلي… لا أحد يشتهيني برأسه المريض المكبوت.
لا أحد يحاكمني…
في بلادي أتثاءب من الملل… فيحكم عليّ بالاختلاف.
أرتدي قمصاناً بأكمام في الشتاء… فتخترق النظرات كل ملابسي.
في الصيف يحكم على جميع النساء… ويحكم على أجسادهن بالقنابل الموقوتة… لا
بل بحقول مفخخة…
يبدو بأنّ كلّ أيامنا، نحن النساء هناك، حقول مفخّخة…
يبدو بأنّ كلّ نزهاتنا محكوم عليها بالإياب قبل الذهاب…
في مكان ما… في هذه البلاد الباردة أحببت نفسي…
وفي مكان ما في بلادي خبّأت نفسي وجررتها في زواريب المدينة القديمة…خوفاً
من الخروج إلى متاهة الحداثة بقميص ذي أكمام…
في مكان ما… في هذه البلاد الباردة تركت نفسي وحيدة بصمت…
وفي أحياء مدينتي ركضت ذكرياتي تضجّ ليلاً…
بقميص بلا أكمام..
وبفم متثاءب فجّرت كلّ الحقول…
وبدأت كلّ النزهات…