في الذكرى 92 لثورة أكتوبر:
كيف انتصرت الثورة؟
نوفمبر 2009
92 سنة مرت على ثورة أكتوبر المجيدة. ثاني
تجارب حيازة الكادحين على الحكم بعد كمونة باريس 1871 وأولى نماذج بناء
الدولة الاشتراكية في التاريخ. ففي هذه الأيام من سنة 1917 خاضت الطبقة
العاملة الروسية معارك ضارية وطويلة برهنت خلالها عن استبسالها وتوقها
اللامحدود إلى الحرية ووضع حدّ للاستغلال والنهب، انتهت بانتصار ساحق
للثورة على أعدائها لتصبح بذلك برهانا قاطعا عن قدرة الجماهير العمالية على
صنع تاريخ جديد للإنسانية قائم على العدل والمساواة، ودليلا لعمال العالم
وثورييه يستنيرون به ليحذو حذو البروليتاريا الروسية من أجل الانتصار
الحاسم للاشتراكية.
لقد تزامن انطلاق شرارة الثورة مع الحرب
الاستعمارية الأولى التي نشبت بسبب تطور لامتكافئ بين الدول الرأسمالية
وقناعة حاصلة عند البورجوازية العالمية بضرورة إيجاد تقسيم جديد للعالم
بواسطة الحرب مما جعل الأقطار الرأسمالية الكبرى تنقسم إلى معسكرين
متقاتلين، وهو ما ألهاها عن الاهتمام بما يجري في روسيا فلم تتدخل بشكل
مباشر. وهذا العامل ساهم في نجاح الثورة.
لم يكن أمام استعداد البلاشفة وحسن
تنظيمهم وتجربتهم الزاخرة (ثورة 1905- ثورة مارس 1917) عدو بنفس درجة
الاستعداد والتنظيم. فقد كانت البورجوازية الروسية ناشئة اقتصاديا ومبتدئة
سياسيا، إذ أنها لم تكن تتمتع بالاستقلال السياسي عن النظام القديم
(القيصري) عندما سعت إلى إحياءه بعد الإطاحة به وعجزت عن وقف اتباعها
لسياساته حتى بعد وصولها إلى الحكم فواصلت تشديد استغلالها للطبقة العاملة
بأشكال أبشع من الذي كان معمولا به في الحقبة القيصرية مما ضاعف من حقد
العمال عليها. واتبعت نفس نهج القيصر بمواصلتها المشاركة في الحرب مثقلة
بذلك كاهل الشعب وخاصة جماهير الفلاحين الذين كانوا يعانون الأمرين من جراء
التجنيد الإجباري ومن نير كبار ملاكي الأراضي. إن البورجوازية الروسية
كانت عاجزة،عكس جارتيها الأنجليزية والفرنسية، عن المناورة والتضليل
والمساواة السياسية الشكلية وإيجاد الحلول والمخارج المناسبة وامتصاص غضب
الجماهير الغاضبة أمام تصاعد المدّ الثوري. فلم يكن أمام الشعب الروسي أدنى
فرق بين سياسية ومناهج القيصر وسياسة ومناهج البورجوازية.
إن دفاع شيوعيي روسيا عن فكرة زعامة
البروليتاريا مرحلة النضال الديمقراطي قبل ثورة 1905 مستندين في ذلك إلى
كونها الطبقة الأكثر ثورية وتقدمية، وانتصار الثورة الديمقراطية يهمها أكثر
مما يهمّ البورجوازية باعتبارها ستمهد الطريق نحو الاشتراكية. وبخوض هذه
الطبقة كل هذه المراحل بعزيمة واقتدار على مدى ثلاث ثورات أكسبها النضج
لقيادة الشعب الروسي في النضال من أجل الخبز والحرية والسلام والاشتراكية.
وإن كانت الطبقة العاملة على رأس الثورة
فإنه لا يمكن تجاهل الحليف الذي اكتسبته في تلك المرحلة وهو جماهير
الفلاحين الفقراء التي لم تكن أقل اهتماما من البروليتاريا بالثورة، بعد أن
فقدت ثقتها في الأحزاب الليبيرالية (الكاديت) والأحزاب الانتهازية
(المنشفيك والاشتراكيين الثوريين) التي لم تكن مستعدة لفك ارتباطها
بالكولاك (الملاكين العقاريين الكبار). وعندما أخذ الحزب البلشفي مهمة
القضاء على كبار الملاكين العقاريين وجد إلى جانبه الفلاحين الفقراء.
إن التحالف بين الطبقة العاملة وبين
الفلاحين الفقراء أضعف من جهة احتياطي البورجوازية التي وجدت نفسها معزولة،
وأعطى من جهة أخرى حظوظا أوسع للثورة بجلب الفلاحين المتوسطين إلى الصف
الثوري بعد طول تذبذب. وبصورة عامة يمكن القول أنه ما كان لنصر أكتوبر أن
يتحقق دون هذا التحالف المبدئي.
أما العامل الثالث الذي ساهم في نصر
أكتوبر فهو حنكة الحزب البلشفي الذي قاد البروليتاريا في كل معاركها
الطبقية وأحسن تنظيمها مراوحا بين السرية والعلنية. ونجح في الحفاظ على
صلابة تنظيمه وحماية صفوفه عندما انتقل من فترة السرية (القيصرية) إلى
العلنية (حكومة كرنسكي). واستغل كأحسن ما يكون ظروف النضال العلني لتعزيز
تواجده في صفوف الطبقة العاملة والفلاحين مع التصدي لكل محاولات التفسخ
والانحراف والنزعات التكتلية. ونجح في رسم البرنامج السياسي للطبقة العاملة
مراعيا الظروف الموضوعية والذاتية وواضعا مصلحة هذه الطبقة فوق كل اعتبار.
إن ما يميز الحزب البلشفي أنه استطاع أن
يصهر في مد ثوري واحد حركة الفلاحين وحركة التحرر الوطني لدى الشعوب
المستعمرة من أجل الاستقلال الوطني وتطويعهما في سبيل خدمة قضية الطبقة
العاملة وبناء الاشتراكية. وانصهار كل هذا الحركات في خط ثوري واحد هو أحد
أهم أسباب نجاح ثورة أكتوبر.