لا للأوهام، الأزمة الرّأسمالية تتواصل
15 نوفمبر 2009
مرّت الآن قرابة السنة على اندلاع الأزمة
المالية والعقارية التي بدأت بالولايات المتحدة الأمريكية: انهارت عديد
البنوك وشركات التأمين وشركات المضاربة بالسندات قبل أن تنتقل العدوى إلى
كافة أنحاء العالم نظرا لهيمنة النمط الرأسمالي في صيغته النيوليبرالية على
كل البلدان. ورغم الجهود التي بذلتها الحكومات البورجوازية من أجل وضع حد
للانحدار المريع للاقتصاد الرأسمالي وذلك عبر عمليات الإنقاذ والتأميم
الرأسمالي أي عبر تدخل الدول لضخ الأموال اللازمة لإنقاذ رأسماليي العالم
من الإفلاس التام فإن الأزمة لم تتوقف.
لقد ألقي بملايين العائلات على قارعة
الطريق وانتزعت منهم منازلهم لعجزهم عن سداد القروض المتخلدة بذمتهم وسدّ
باب الاقتراض في وجوههم لذلك تحولت الأزمة تدريجيا إلى الاقتصاد الحقيقي أو
المنتج لتدفع الطبقة العاملة فاتورة أزمة غير متسببة فيها. لكن وسائل
الإعلام الرأسمالية ومنظريها ظلوا طيلة الفترة الماضية يقللون من أهمية
وخطورة الأزمة محاولين قدر الإمكان استعادة ثقة الشعوب والطبقات الفقيرة
عبر نشر أرقام ومعطيات توهم بقرب تعافي الاقتصاد العالمي وبداية الانتعاش
في مختلف القطاعات المنتجة (صناعة، فلاحة...) لكن الواقع فند ذلك إذ مسّت
الأزمة قطاع الميكانيك وصناعة السيارات. ورغم التشجيعات ودعم الاستهلاك
بإعطاء القروض وقبول السيارات المستعملة فإن هذا القطاع يشكو أزمة لا مثيل
لها في تاريخه إذ خفضت شركة "نيسان" مثلا عدد العمال من 245 ألف إلى 215
ألف في ظرف ستة أشهر. ونفس الصعوبات تشهدها شركات الطيران مثل بوينغ وآرباس
التي تخلت عن آلاف الوظائف وانعكس ذلك على قطاع الصناعات الكهربائية
المرتبط بقطاعي البناء والسيارات. فما هي حقيقة الأوضاع وهل الأزمة مرشحة
للتفاقم لما لذلك من أهمية على حياة الكادحين والشعوب عامة؟
انخفاض الناتج
الدّاخلي الخام لسنة 2008سجل الناتج الداخلي تراجعا في كل بلدان
العالم سنة 2008 وفي نسبة النمو المتوقعة نتيجة الأزمة الاقتصادية الهيكلية
ولم تشذ حتى الدول العملاقة مثل أمريكا 5،5- بالمائة وفرنسا 3- بالمائة
والصين التي افتضحت مؤخرا بتزوير الإحصائيات وجعل الناتج في حدود الـ8
بالمائة عبر تزوير أرقام التشغيل والبطالة.
إن نسب النمو تتطور أساسا بالتصدير لكن
الأزمة قلـّصت ودمّرت قوى الإنتاج وألقت بملايين الكادحين في الطريق فانخفض
الاستهلاك وتراكمت البضائع وتحوّل المستثمرون مجددا إلى المضاربة في
البورصة والطاقة (البترول).
البطالة تبلغ أرقاما
قياسيةإن الإحصائيات الرسمية المنشورة رغم عدم
نزاهتها تعطينا فكرة تقريبية على واقع عالم الشغل والبطالة التي تمس
الجماهير الكادحة، فقد سُجلت الأرقام التالية:
فرنسا 9،3 بالمائة، إسبانيا 18،7 بالمائة،
ألمانيا 7،7 بالمائة، أمريكا 8،4 بالمائة، اليابان 5،2 بالمائة، السويد
8،9 بالمائة، روسيا 9،5 بالمائة. وقد تطورت هذه النسب بين شهري ماي وجويلية
لتصل بأمريكا إلى 9،5 بالمائة واليابان 5،7... ويبدو أن الأعداد مرشحة
للتفاقم مع تزايد طرد العمال بالملايين، علما وأن مواطن الشغل المفقودة حسب
المنظمة العالمية للشغل بلغ 51 مليون، أي مليون موطن شغل في الأسبوع. وقد
مست البطالة خاصة الشباب إذ يتوقع أن تصل نسبة البطالة لدى هذه الشريحة إلى
40 بالمائة لسنة 2011 مقابل 34 بالمائة سنة 2008. إن العالم لم يشهد مثل
هذا التدمير لقوى الإنتاج منذ أزمة 1929، ويقع الالتجاء حاليا إضافة إلى
مرونة الشغل، إلى التشغيل الجزئي الذي يصل إلى 1000 ساعة في السنة أي أكثر
من ستة أشهر كما يقع اللجوء إلى تسليف العمال من شركة إلى أخرى.
الأزمة تنعكس سلبا
على حياة الطبقة العاملةمن انعكاسات الأزمة الاقتصادية العالمية
الحالية تدني مستوى الأجور وارتفاع وتائر العمل للضغط على تكلفة الإنتاج
بينما تزداد مرابيح الرأسماليين. ونسجل فيما يلي أرقاما عن تدني نسبة
الأجور من الدخل الوطني الخام علما وأنها تخفي الجانب الطبقي في التوزيع
غير العادل للخيرات فهي معدلات للأجور الدنيا مضاف إليها الأجور الخيالية
لموظفي الدولة والبنوك إلخ..
62 بالمائة سنة 1960، 65 بالمائة سنة 1980، 61 بالمائة سنة 1990، 59
بالمائة سنة 2000، 57 بالمائة سنة 2008.
نستنتج إذن تدني نصيب الأجراء من الثروات
المنتجة مقابل تطور مداخيل الرأسماليين. وتدفع هذه الوضعية الأجراء وعموم
الكادحين إلى تقليص النفقات المنزلية والتخلي عن عديد المواد الاستهلاكية.
وقد سجل نقص في التغذية بنقطة في ظرف عشر سنوات (1989-2001) بينما سجل نقص
بنقطة ونصف في أربع سنوات (2003-2007) وسيزداد عدد الجياع سنة 2009 بمائة
مليون. كما نلاحظ عودة العمال إلى عادة أخذ فطورهم معهم في قفاف إلى العمل
عوضا عن ارتياد المطاعم. كما سجلت مطاعم الفقراء تزايد الوافدين عليها. ففي
فرنسا مثلا زيادة بـ90 ألف وجبة سنة 2009 بزيادة من 12،5 بالمائة إلى 20
بالمائة. كما انتشرت عديد الأمراض الاجتماعية مثل الكحولية والإدمان على
المخدرات والإجرام والسرقة والبغاء إلخ...
بداية نهوض الطبقة
العاملةشهدت سنة 2008 نضالات الطبقة العاملة في
عدة بلدان ونخص بالذكر انتفاضة الشباب بأثينا واعتصامات العمال بأوروبا
وانتفاضات إيفني بالمغرب والحوض المنجمي بتونس إلخ.. وهي نضالات مرشحة
للتطور. وعلى الطبقة العاملة النضال من أجل تغيير القيادات النقابية
البيروقراطية الخائنة والمتواطئة مع الأعراف والدول الرأسمالية، وعليها
العمل على فرز القيادات المحلية والوطنية التي تتبنى مطالبها ونضالاتها من
أجل الحفاظ على مواقع العمل وكسب المستحقات والمنح الناجمة عن الطرد
التعسفي. وعلى طلائع الطبقة العاملة أن يبثوا الوعي الطبقي والدعاية
للمشروع الاشتراكي وشد أزر النقابيين والعمال المطرودين بالدعم في شكل
صناديق تضامن.