الفقراء... ضحية مفضلة للتغيّرات المناخية!
20 فيفري
أكدت عديد المنظمات الدولية أن ما تشهده
الكرة الأرضية من تغيّرات مناخية جراء تزايد نشاطات الإنسان في الصناعة
والتكنولوجيا، وما تفرزه من غازات سامة أضرت بالبشر والحيوان والنبات،
سيؤدي لا محالة إلى ازدياد معدلات الجوع خاصة في البلدان التابعة.
ومعلوم، أن انبعاث الغازات وتزايده بشكل
ملحوظ ومخيف من الدول الرأسمالية المصنعة، خاصة المشاركة منها في سباق
التسلح، سيؤثر على نسبة إنتاج الغذاء، حتى أن منظمة الأغذية والزراعة للأمم
المتحدة (الفاو) أكدت أن توزيع الإنتاج الغذائي إلى حدود سنة 2050 سيشهد
عواقب وخيمة وقد يواجه هبوطا يتراوح بين 9 و21 بالمائة نتيجة لارتفاع
معدلات درجة الحرارة بسبب تضرّر طبقة الأوزون. وفي الوقت الذي لم تتفق فيه
الدول الرأسمالية المتورّطة في تلويث الأرض على بروتوكول يحدد نسبة انبعاث
الغازات، فإن نظم الزراعة والغابات ستتأثر وسيزداد تركز غاز ثاني أكسيد
الكربون وستتبدل أشكال وأنماط سقوط الأمطار إلى جانب تزايد انتشار الأعشاب
الطفيلية والآفات والأمراض. ومن المتوقع أن يتعمّق انتشار الجفاف وموجات
الحرارة المرتفعة والفيضانات والعواصف العنيفة في المستقبل المنظور.
ومن الطبيعي، أنه في مثل هذه الظروف
والمتغيّرات المناخية، أن تزداد تقلبات الإنتاج الزراعي خاصة في المناطق
الفقيرة من العالم. وعلى صعيد آخر، فهذه التقلبات المناخية ستنعكس بالسلب
على سلامة المواد الغذائية وتأمينها مع انتشار واسع للأمراض المنقولة عبر
الماء والهواء وحتى بواسطة الغذاء في حدّ ذاته الأمر الذي سيفرز تقلصا
كبيرا في الإنتاج والإنتاجية. وطبيعي أيضا أن تتضرر الطبقة العاملة ويزداد
فقرها ومعدلات الجوع والوفيات في أوساطها.
ولم تستبعد عديد الدراسات فكرة أن القارة
الإفريقية هي من أكثر المناطق تضرّرا من تغيّر المناخ نظرا لكونها من
المناطق الأكثر عرضة لآثار الجفاف والفيضانات والأعاصير. وبما أنها الأشد
فقرا في العالم وأقلها أمنا في مستوى الغذاء، فمن المفترض أن تعيش ضررا
بليغا على هذا المستوى. وبلادنا تونس ليست بمعزل عن التقلبات المناخية،
باعتبار أن تأثيرات تغيّر المناخ على الزراعة التونسية والثروة السمكية
والغابية لا يمكن أن يقاومها اقتصاد هش وتابع، ومستويات دخل أفراده محدودة.
والنظام الحاكم الآن لن يتمكن من الحدّ من انعكاساتها السلبية، في الوقت
الذي لا نرى ولا نسمع فيه أصواتا جدية تنادي بالدفاع عن البيئة والمحيط إلا
من خلال الخطاب الرسمي الخشبي للنظام، أو من بعض الأحزاب والتنظيمات التي
لم تتمكن من التعبير عن آرائها والتشهير بالسياسة البيئية لبلادنا بسبب قمع
الحريات وخاصة حرية الإعلام وحرية التنظم والتظاهر...
إن استراتيجيا جديدة للحدّ من التغير
المناخي وتأثيراته على الأمن الغذائي للبشرية هي من الأولويات المباشرة
التي على الإنسانية والمنتظم الدولي أن يطرحها بشدة ويدافع عنها، فإذا لم
تقع محاصرة الأقطاب الرأسمالية التي تنشـّط انبعاث الغازات السامّة والضغط
عليها للحدّ من ذلك على الأقل، فإن الكارثة ستكون وخيمة على البشرية بشكل
عام والفقراء بشكل خاص. كما وجبت الإشارة إلى أن هذه الدول الرأسمالية التي
تدفع إلى شن الحروب واستعمال الكيميائية لقتل الناس في فلسطين ولبنان
والعراق وأفغانستان... فهي بذلك تقتل القشرة الأرضية التي نأكل ونشرب منها،
وتترك آثار مخيفة لعديد السنوات على الأرض والماء والهواء. هذه الأقطاب
الرأسمالية وجب التشهير بها وفضحها وعزلها لا فقط لأنها تقتل البشرية بسبب
جشعها وسرقتها ثروات وخيرات الشعوب، بل لأنها أيضا تساهم في القضاء على
الحياة على الأرض.