سميح القاسم المد يــر العـام *****
التوقيع :
عدد الرسائل : 3149
تعاليق : شخصيا أختلف مع من يدعي أن البشر على عقل واحد وقدرة واحدة ..
أعتقد أن هناك تمايز أوجدته الطبيعة ، وكرسه الفعل البشري اليومي , والا ما معنى أن يكون الواحد منا متفوقا لدرجة الخيال في حين أن الآخر يكافح لينجو ..
هناك تمايز لابد من اقراره أحببنا ذلك أم كرهنا ، وبفضل هذا التمايز وصلنا الى ما وصلنا اليه والا لكنا كباقي الحيونات لازلنا نعتمد الصيد والالتقاط ونحفر كهوف ومغارات للاختباء تاريخ التسجيل : 05/10/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 10
| | الاصولية الغربية المتسترة بالتنوير , كوابيسٌ وأوهام | |
نظرة الأصولية الغربية للصحوة الإسلامية قراءة في افكار هنتغتون إهداء للاخ سرحـان الركـابـي الصحوة الإسلامية Islamic Resurgence ظاهرة تشغل السياسيين الغربيين كثيراً ، وكما يظهر من قراءتنا لدراسة صموئيل هنتغتون في " صدام الحضارات " ، فإن هذه الصحوة ، كما يراها الأكاديميون الغربيون ، جزء من ظاهرة عالمية تلف العالم كله منذ حقبة الحرب الباردة كسعي مجموعي من قبل شعوب العالم لتأكيد هويتها الحضارية ، هذه الظاهرة تكون قد بلغت الذروة في ظل العولمة وتحديات العالم المعاصر الاقتصادية والثقافية والسياسية ، لكن الصحوة الإسلامية تحتل المكانة الأبرز بين اهتمامات مراكز الدراسات الغربية بسبب تجاور الحضارة الإسلامية ( ككيان ثقافي وفق القراءة الحديثة لتوينبي للتاريخ كما اعتمدها هنتغتون ) مع أوربا وما يمثله هذا التجاور من عمق استراتيجي للغرب في العالم الإسلامي ، هذا التجاور الذي اعتبره هنتغتون " خط الصدع الدموي " بين الإسلام والغرب ، فما هو سائد في الوعي الثقافي الجمعي الأوربي عن الإسلام كدين بأنه " عدواني " ونصوصه الدينية تؤكد على " الجهاد " و إقصاء الآخر ، وليس الغرب وحده هو مصدر مثل هذه التصورات ، حتى الفضاء الثقافي " الليبرالي " العربي يحفل بمثل هذه الرؤى ذات الرؤية السطحية للواقع الجيوسياسي العالمي الذي يحاول التعتيم على حقيقة مهمة : العالم الإسلامي يتعرض للهجوم السياسي والثقافي والعسكري منذ مئات السنين من قبل كيانات الحضارة الغربية الامبريالية الاستعمارية ، ومن الطبيعي جداً أن يكون صوت الأصولية الإسلامية المتشددة عالياً ويلقى الأصداء في أوساط الشباب في ظل ما يعانيه العالم .. كل العالم من " انبعاث " ثقافي من جهة وما تعانيه الأمة الإسلامية من انبعاث واستعباد من قبل الغرب من جهة أخرى . من الطبيعي جداً أن تتصاحب الصحوة الإسلامية مع صعود لتيارات الأصولية الراديكالية كردة فعل تجاه الغربنة القسرية التي مارسها الفرنسيون والإنكليز و الأميركان على مدى قرون في المنطقة ! من الطبيعي جداً أن تكون هناك تطلعات لدولة الخلافة التاريخية ما دامت " إسرائيل " صورة نمطية مقتبسة من التاريخ لمملكة يهوذا مزروعة في قلب العالم الإسلامي ! ألا تعترض تركيا لقيام دولة كردية في شمال العراق حتى لا تحفز أكراد تركيا على الانفصال ؟ ألا يحفز وجود دولة قومية – دينية تاريخية ( إسرائيل ) على تأجيج روح الأصولية الإسلامية في الشرق الأوسط خصوصاً ..؟؟ هي حالة تشبه " الحث الكهرومغناطيسي " أو ظاهرة " الرنين " في الفيزياء ، فعندما تطرق شوكة رنانة تهتز شوكة مجاورة لها دون ان تطرقها إذا ما كان ترددها الطبيعي مقارباً لها .. ! التردد الطبيعي ذاته في خطاب الاصوليات ، الذهنية النقلية – التاويلية للنصوص : فوجود إسرائيل والوعد الإلهي بها يوازي " خير امة " والوعد الإلهي للمسلمين ( وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ليستخلفنهم في الارض ) .. كما إن النزعة التاويلية للاصولية المستترة هي ذات الأُطر للاصولية الإسلامية والفكر السلفي المتشدد ، والتطرف يخلق تطرفاً مضاداً بصورة طبيعية .. الخطاب السياسي الأورو- أمريكي مدعوماً بالخطاب الليبرالي العربي ينظر للتاريخ والحاضر بعينٍ واحدة ، العين التي ترى ردود الفعل " الأصولية " فقط ، متغاضياً بإصرار عن المسببات الحقيقية لمشكلة التطرف الإسلامي التي يتحمل الغرب كامل المسؤولية عنها بواسطة ( الحث أو الرنين الفكري )كما سندرسها هنا .
الاختلاف الجوهري مع الأصوليات المتطرفة
إن اختلاف العقل الأكاديمي المعرفي عن الذهنية الأصولية المروجة للإيديولوجيا على إنها " أبحاث " علمية كما يفعل الأصوليين الإسلاميين ، أو تحشية " البحث العلمي الرصين " أفكاراً وتصورات إيديولوجية مسبقة في ذهن الباحث كما فعل هنتغتون ، هذا الاختلاف هو الحد الفاصل الحقيقي بين " الأيديولوجيا " و " العلم " .. فالايدولوجيا تؤمن بان " النص الديني أو العقائدي " هو السبب في تحريك التعصب والتطرف لدى المسلمين كما يحلو لخطاب الليبرالية الغربية و أذياله العربية التابعة أن يصور هذا ، و وفاء سلطان و كامل النجار أنموذجاً ، فيما إن منهج البحث الاجتماعي و الانثروبولوجي موقن حق اليقين بأن النص التاريخي و الإيديولوجي يتم تفريغه من محتوى دلالته التي وظف لأجلها يوم طرحه ليتحول إلى تفسيرات تواكب التوجهات السياسية والاجتماعية العامة في واقع زمان ومكان جديد ، كالماركسية أوربية الجذور تحولت إلى لينينية في روسيا و ماوية في الصين وتفسيرات كثيرة أخرى حسب البيئة الجيو تاريخية ، كما أن ليس أدل من " صيرورة التفسير " هذه إن المسلمين ، كل المسلمين ، راسخ في ذهنهم إن أول كلمة نزلت من القرآن على الرسول " محمد " هي : .. اقرأ .. فلماذا لا يكون النص الديني حافزاً تقدمياً لهم في زمن يكونوا فيه من أكثر شعوب العالم أمية وفقراً ..؟! هذا النص ، نصُ إقــرأ ، كان حافزاً لتقدم الحضارة الإسلامية في عهودها الذهبية ، بعد ترجمة تراث اليونان و تراث الشعوب المنضوية تحت لواء الإسلام حديثاً ، فكانت نهضة فكرية ثقافية عارمة في التاريخ إلى درجة تلون " دجلة " باللون الأزرق من حبر الكتب بعد سقوط بغداد في القرن الثالث عشر الميلادي ، والحقيقة ، الأمة في ذلك الزمن " اختارت " نصَ اقرأ .. وعطلته في أيامنا هذه ..!! إنها حالة تشبه إلى حدٍ بعيد ظاهرة التعبير الجيني Genetic expression ، فالجينات التي في خلايا أجسامنا لا تعمل جميعها في كل خلية حية ، الجينات ( المورثات ) العاملة فقط هي التي تناسب العضو الذي تكونه الخلايا .. على سبيل المثال ، خلايا الجهاز العصبي لا تعمل فيها إلا الجينات المسئولة عن " كهربائية " و " هورمونية " ووظيفة وبناء الجهاز العصبي ، ورغم وجود جينات العين والجهاز الهضمي وكل الأعضاء الأخرى في نفس الخلية لكنها معطلة في الجهاز العصبي وتعمل فقط في محل العضو المناسب من " فضاء " الجسد المكاني ..! الحال نفســه ينسحب على المجتمع ، الأمة ، و في علم الاجتماع و الإنثروبولوجيا حيث الذاكرة الاجتماعية الكلية أو ما يسميه محمد أركون " المخيال الاجتماعي " هو الذي يتفاعل مع النصوص التاريخية حسب واقع الزمان والمكان الذي تمر به امةٌ من الأمم .. علم الاجتماع و الإنثروبولوجيا و الاثنيوجرافيا تكشف لنا بان " المقدس " الحقيقي هو أمل الأمة و أهدافها وتطلعاتها المشكلة للمخيال الاجتماعي و التي تنعكس في مرآة النص المقدس الذي تتجلى القداسة فيه بكل ما في المقدس من معنى وغموض ، فالجهاد يمكن أن يعطله المخيال الاجتماعي الإسلامي إذا ما وجد نفسه في محل لا يحتاج فيه للجهاد , أو لا طاقة له به من " فضاء " التاريخ ! فحضارات التاريخ المعاصرة للإسلام كلها " تقريباً " كانت تتوسع بالفتوح ، تلك كانت روح العصر ، والإسلام كان مجرد رداء لإمبراطورية جديدة ممتدة كبرى في ظرف تاريخي موائم لهذا التمدد ، كان قوامها الأساس " المجتمع العربي " لكنها بامتدادها وتوسعها تحولت إلى " إمبراطورية الإسلام الكبرى متعددة الأعراق " .. كذلك " اقرأ " أو " اطلب العلم ولو في الصين " مثل هذه النصوص يمكن للأمة أن " تقدسه " في مرحلة رخائها وازدهارها ، أما في ظل " الاستعمار " و " الامبريالية " فلن تكون قراءة الأمة لتاريخها ، إلا جهادية ، ولن " تفرخ " مثل هكذا قراءة إلا أصوليات تقرأ الحق بمنظار ليس بأقل دموية من الذي كان يقرأه الجيش الجمهوري الأيرلندي السري ضد حكومات بريطانيا ..! ومثل هذا الموضوع يحتاج لدراسة منفصلة مفصلة مستقبلاً ، سنبقى في دراسة الأصولية الغربية وتحليلها .
ظاهرة الإحياء الثقافي العالمي واستفاقة الأصولية المسيحية
هنتغتون ، أستاذ العلوم السياسية في هارفارد ، كتب في العام 1996 في " صدام الحضارات " بترجمته العربية من قبل مالك عبيد ، وفي الصفحة 144 : (( ..في العالم المعاصر الدين قوة ٌ رئيسية ، وربما القوة الرئيسية التي تحرك وتعبئ الشعوب و من الغرور الصرف أن نعتقد بأن سقوط الشيوعية عنى أن الغرب فاز بكل العالم لكل الوقت ، وأن المسلمين والصينيين والهنود وغيرهم سيهرعون لاحتضان الليبرالية الغربية على إنها الخيار الوحيد )) .. نلاحظ في عبارة هنتغتون الأخيرة نقداً واضحاً لرأي فوكوياما في " نهاية التاريخ " ، المسلمون والصينيون والهنود لن يقوموا بتبني الليبرالية على الطريقة الغربية كخيار وحيد كما رآى ذلك فوكوياما ، بل إن هنتغتون يرى العكس ، سيقتبسون من الحضارة الغربية ما يوافق نهوضهم فقط ، لماذا يرى هنتغتون أن الشعوب لن تتبنى المنهج الغربي إلا بهذه الطريقة ..؟؟ وما هي الأسس التي يتبناها الأخير في طرح هذه الفكرة ؟ في الحقيقة اعترف ، بأن هنتغتون يقرأ التاريخ بموضوعية عالية وبقراءة أكثر عصرية من الذي يفعله مثقفونا من ليبراليين ويساريين ممن لا يزالون ينظرون للتاريخ و كأنه " تاريخ الجنس البشري " وليس تاريخ " حضارات الجنس البشري " ..! فالتاريخ العالمي هو " تاريخ الحضارات " كما يرى ذلك كل من شبنغلر و توينبي ، و هنتغتون في تقسيمه للحضارات العالمية وخطوط الصدع فيما بينها في كتابه يسير على خطى توينبي إلى حدٍ بعيد .. و توينبي كان من المؤرخين البارزين والمعاصرين الذين رفضوا فكرة " الاقتباس الحضاري " ، أي أن تكون حضارة بأسرها تقتبس نموذجها من حضارةٍ أخرى حسبما يذكر هذا جميل موسى في كتابه ( فلسفة التاريخ ) ، فالحضارة الإسلامية لم تقتبس فكر اليونان على رأي شبنجلر و توينبي وإنما " حدثت " نموذجها بواسطة جانب من فلسفة وتراث اليونان .. فيما أهملت وتركت جوانب عديدة أخرى ، وهكذا ، هنتغتون وفي الضد من نظرة فوكوياما " الأحادية " عن التاريخ وأن العالم كله في طريقه لاقتباس نموذج الحكم والحضارة الغربية ، إذ كان هنتغتون متخوفاً في رؤيته من " التحديث " الذي تمارسه حضارات العالم اليابانية والصينية والإسلامية لثقافتها باقتباسها ما يوائم تكوينها التاريخي ونبذ ما هو عكس ذلك والذي يشكل برأيه تهديداً لقوة الحضارة الغربيـة ! فالأدبيات السياسية الغربية ومنذ قرون كانت تؤمن بأن التاريخ الإنساني واحد ، وعليه فإن نموذج الحضارة الغربية هو النموذج الذي تجب عولمته في كل العالم حسب مفاهيمها ما قبل الحرب الباردة ، وبنموذج الديمقراطية الليبرالية الغربية تحديداً، و فوكوياما كانت حماسته نابعة من هذه النظرة " الوحدوية " للتاريخ ، والتي تسعى إلى عولمة الديمقراطية بعد سقوط المعسكر الاشتراكي بما يعرف بمصطلح " الغربنة westernization " أي تحويل العالم إلى نسخة طبق الأصل من الحضارة الغربية ...! آمن الغربيون مؤخراً بأن " الغربنة " باتت من الماضي الاستعماري وإن التحديث " Modernity " بانتقاء الملائم للنمط الحضاري هو مصير الحضارات والثقافات كما يحدث في اليابان وكوريا الجنوبية و الهند و الصين ودول أميركا اللاتينية ، وهذا التحديث سيجلب الوبال على الغرب ولن يشيد العالم الوردي الجميل الذي رسمته النرجسية الأوربية القديمة كما سنقرأ هذا مفصلاً لهنتغتون بعد قليل ، لذلك ، كانت نظرية صدام الحضارات لهنتغتون " صيحة "عالية ومدوية للعقل السياسي الغربي بأن يستفيق من سباته و أحلامه بغربنة العالم ، كانت إشارةً بأن قد آن الأوان ليدرك الغرب إن العالم لن يكون بلونٍ واحد ، فهو عالم الحضارات ، ولكي نفهم هذه الحضارات علينا أن نعيد قراءة تاريخ كل حضارة على حدة ، كانت رؤيا هنتغتون صيحة كبرى تقول : هذا العالم لم يعد مكاناً جميلاً كما كنا نتصوره نحن الغربيين ، وبالخصوص مع " جيراننا " المسلمين الذين أصبحوا أكثر عدوانية ..! هنتغتون بالطبع لم يذكر الأسباب التي تجعل المسلمين هكذا ، بل اعتمد على " البديهة " النمطية الليبرالية الاستشراقية المسبقة عن الإسلام بأنه دينٌ عدواني في صميم تكوينه ، وهو الراي المعلب الجاهز الذي يتبناه النادي الاصولي المقنع ..!
صموئيل هنتغتون والبكاء على أطلال " القــوة " الغربية
يقول هنتغتون في نفس الكتاب : (( انقسام العالم إلى معسكرين في الحرب الباردة انتهى ، الانقسامات الأكثر جوهرية للبشرية في شكل الأعراق و الأديان والحضارات ( الثقافات ) باقية وستولد صراعات جديدة ( لاحظ حتميــة الصـراع لدى هنتغتون - المؤلف ) ............التحديث Modernity يقوي الثقافات غير الغربية كاليابانية والصينية والإسلامية ويؤدي لهبوط القوة النسبية للغرب ))
لماذا هذه " الحتمية " في رؤى هنتغتون ؟ يذكر بروديل Braudel في ( on history) ، كما ينقل هذا هنتغتون في نفس كتابه عنه ، بأن الغرب يحتاج لغربنة Westernization الثقافات والأخرى وليس تحديثها ، تحديثها سيكون نقمة على الحضارة الغربية ، سيضعفها ويخطف منها عالميتها .. ! إذن ، فهناك أزمة " رؤية " تعانيها المنظومات السياسية الغربية و " التحديث " سيعود بنتائج عكسية على الغرب كما حدث مع " اليابان " حسب باتريك سميث في كتابه ( اليابان : رؤيا معاصرة ) ، ومع إيمان هنتغتون باستحالة الغربنة ، فهو يتوقع إن الحضارات أو " الثقافات " الأخرى ماضية في طريقها للحداثة وإضعاف القوة النسبية للغرب نحو عالم متعدد الحضارات ، لكن ، لا تخلو هذه التعددية من المخاطر برأيه خصوصاً مع المسلمين والصينيين ، و يلخص هنتغتون نتائج هامة : الاقتصاد العالمي تسير مركزيته نحو أقصى شرق آسيا الهند تبدأ انطلاقتها الاقتصادية العالم الإسلامي صار بشكلٍ متزايد أكثر عدوانيةً نحو الغرب وهذه تعني إن القدرة الاقتصادية الغربية لم تعد هي الوجه الجذاب للحضارة الغربية فيلمح نحو الاستعارة بوجه جديد آخر للغرب ، إذ يذكر هنتغتون عن وليام ماكنيل (( أن قبول المجريين و الليتوانيين والبولنديين المسيحية والقانون الروماني خلال القرن الثالث عشر كان سببه الإعجاب والخوف المختلط من شجاعة أمراء الحرب الغربيين .. )) بمعنى هو يعيد الوجه " الصليبي " للحضارة الغربية في القرن الثالث عشر ، و الوجه الأمريكي العسكري هو البديل العصري المؤكد ، وهي سياسة الهيمنة الأمريكية ذاتها المطبقة في الخليج خصوصاً والعالم الإسلامي عموماً والتي تولد مشاعر " الإعجاب والخوف المختلط " من السطوة العسكرية الأمريكية ! فهل أعطت دراسة هنتغتون تلك التي كانت قبل خمسة عشر سنة الإشارة للبديل " العسكري " لمنعة الغرب بدلاً من الاقتصاد الذي خطفته دول الشرق الآسيوي اليوم بمعية الصين ؟ في حقيقة الأمر ، وبعد أن بدأت القبضة الغربية الاقتصادية العالمية تضعف خصوصاً بمطلع القرن الحادي والعشرين ، فإن " تزامن " حدث سبتمبر 2001 ، وظهور الحرب على الإرهاب الإسلامي أو بداية الحملة الصليبية الغربية كما سماها جورج بوش الابن تؤكد بان بديل " الإرهاب العسكري " الهنتغتوني اخذ محله بدلاً من الوجه الليبرالي الاستهلاكي للغرب الذي تغنى به فرنسيس فوكاياما في " نهاية التاريخ " .. فكتاب " صدام الحضارات " عبارة عن وعي معكوس بصورة مطلقة لكتاب " نهاية التاريخ " لفوكوياما ! فبعد أن اعتبر الأخير أن الليبرالية الديمقراطية الغربية هي ذروة نجاح تطور الفكر السياسي الدولي والعالم كله في طريقه إلى تبنيها عاجلاً أو آجلاً ، فقد ذكر فوكوياما بان للديمقراطية عيوب أهمها : الديمقراطية تجعل الناس بعيدين عن تأييد قرار الحرب حتى لو كان ظرورياً ! لان الحرب تحتاج لعلاقات التماسك الاجتماعي التي تضعف في المجتمعات الليبرالية الديمقراطية الرأسمالية ، فيما نجد النزوع " الديني " لدى هنتغتون رد فعل مضاد لتصور فوكوياما ، الوعي الديني يستنفر مشاعر الوحدة والتماسك هذه حسبما يقوله هنتغتون نفسه ، كذلك الاستعداد للحرب والنفير من " خطوط الصدع " مع العالم الإسلامي ستقود " مهندسي " السياسة الاوروامريكية إلى توحيد المجتمعات الغربية وسوقها دون معوقات بيروقراطية تضعها الديمقراطية السياسية بوجه التحرك العسكري البديل لتثبيت الهيمنة الغربية بعد تراجع الدور الاقتصادي .. وبالتالي ، فإن المجتمع الغربي بامس الحاجة إلى استعادة صورة الإسلام النمطية القروسطية في الذهن المسيحاني كي يصبح معبئاً لمواجهة فكرة " الإضمحلال " أو تراجع النفوذ الغربي التي سبق وان كتب عنها شبنغلر في القرن الماضي ، لكن هذه المرة جاء هنتغتون ليعلن الصدام كقناع لفوبيا تراجع نفوذ الولايات المتحدة الامريكية في العالم .. ! و السؤآل الآن هو : هل تخوف هنتغتون من " المسلمين " لــه أي مبررات واقعية " علمية " في كتابه قبل 11 أيلول 2001 م ؟ في الحقيقة لا نجد لدول العالم الإسلامي أي مسار موحدٍ لبناء حضارة جديدة ناشئة في كتابات هنتغتون نفسها ، والمعطيات التي يذكرها تحاول التنبؤ بمصير الغرب في ضوء تنافسه مع القوى الآسيوية الصاعدة ، فلماذا يقحم المسلمين في الصدام مع الغرب ؟ الجواب بسيط لو أعدنا قراءة " نهاية التاريخ " لفوكوياما ، هنتغتون يحاول استنفار المشاعر السياسية الغربية وتوحيدها لترقيع " خرم " الديمقراطية الغربية التي ذكرها فرنسيس فوكوياما ، وقد حقق تنظيـم " القاعدة " هذا الترقيع بصورة " غير مقصودة " كما يحاول الفكر الليبرالي أن يصور هذا لنا ، فالمسلمون متوحشون دمويون ... وهم عدو مناسب لتوحيد المجتمعات الغربية ضدهم ابتداءاً ، لكن ، يبقى الإسلام ومسلميه عدواً ضعيفاً بالنسبة للعقل السياسي الغربي ، المسلمون اليوم بإرهابهم مجرد عامل توحيد للمشاعر واللحمة الغربية المفككة اجتماعياً حتى يدخل الغرب القرن الحادي والعشرين على أهبة الاستعداد والقوة والمنعة العسكرية في ظل تنافس اقتصادي وحرب اقتصادية يخسرها الغرب لا محال مع الشرق الأقصى ... العدو الحقيقي للغرب هو الشرق الأقصى ، وخط الصدع مع المسلمين مجرد " بروفا " أو معسكر تدريبي للمواجهة الكونية الحقيقية مع " الحضارات الكونفوشية " كما يسميها هنتغتون !
تسويقات مخاوف الأصولية " الليبرالية " الغربية الإيمان التوراتي الميتافيزيقي بحتمية المذبحة العالمية هرمجدون
يرى هنتغتون إن قوة الغرب إذا ما اضمحلت فستضمحل معها أيضاً قدرة الغربيين على فرض القيم الغربية حول حقوق الإنسان والليبرالية والديمقراطية على الحضارات الأخرى .. ويرى أيضا أن " قيم " الشرق الأقصى هي التي ستحل محل بعض القيم الغربية الحداثية المعاصرة السائدة عالمياً .. كتاب هنتغتون كان الفكرة المضادة لكتاب فوكوياما " نهاية التاريخ " الذي اعتبر انتصار الليبرالية وبداية عصر الإنتشار الديمقراطي ، " صدام الحضارات " كان يقرأ التاريخ بزاوية جديدة تنطلق من عقدة " الخوف " و " القلق " الحضاري المزمن الذي تعانيه الثقافة الغربية والتي تتجلى في رؤى هنتغتون التي كانت صيحة لاستنهاض العقل السياسي الغربي باليقظة والحذر من " ثورة " الحضارات على الحضارة الغربية .. فهنتغتون يذكر بأن جيلز كيبل كان يرى بمظاهر الصحوات الدينية أحداثاً تلف كل العالم منذ السبعينيات ، ويتحدث هنتغتون عن تزايد أعداد الكنائس الأرثوذوكسية في العالم السلافي الروسي بمدد قياسية ، وكذلك المساجد والمدارس الدينية في العالم الإسلامي ووسط آسيا خصوصاً ، و يتساءل : (( كيف يمكن تفسير الصحوة الدينية العالمية ، الإحياء الديني ظاهرة عالمية تتطلب أيضاً تفسيراً عالمياً )) ونحن هنا نسأل لماذا يحاول هنتغتون التحول بصورة لاشعورية من العقل الأكاديمي الرصين المميز لدراسته عدا بعض السقطات إلى العقل " الميتافيزيقي " الهيجلي فجأة ؟ و مالذي يعنيه وصول دراسة موسعة كدراسة هنتغتون هذه إلى نقطة " اللاتفسير " بالبحث عن التفسير .. العالمي .. الكوني .. النهائي الشامل ؟ هنتغتون يحاول الإجابة عن ذلك بمفهوم " الهوية " ، إذ يرى إن الإنسانية وبعد صدمة " العولمة " أدركت شعوبها بأنها تحتاج إلى إثبات وجود عبر ثقافتها الخاصة على المسرح الدولي المتقارب للتمييز بينها وبين الآخر ..! هو يخاطب " اللاشعور " الغربي ، المخيال الاجتماعي الغربي الذي وإن ارتدى العلمانية والتنوير والليبرالية ، يبقى هذا المخيال هو الجانب الميتافيزيقي من الوعي الغربي التوراتي الإنجيلي ! ويرى هنتغتون أيضاً أن الإحياء الديني ، على نقيض ما اعتقده فوكوياما ، هو رد فعل ضد الليبرالية الغربية وما صاحبها من نسبية أخلاقية وانغماس في الذاتية ..مع ذلك ، لا يزال هنتغتون يتجنب أن يكون واضحاً في مقصده ! لقد رآى هنتغتون الإحياء الديني ( الصحوة ) على إنه إعادة لتوكيد قيم التنظيم والعمل الجماعي وتبادل المساعدة والتماسك الإنساني ، فالجماعات الدينية تستجيب للحاجات الاجتماعية هذه التي تهمل عادة من قبل بيروقراطية الدولة كما يذكر هذا في كتابه نفسه.. وهو ما كانت تفتقر له الليبرالية الغربية في كتاب فوكوياما ، هنتغتون يقوم بتحديث الليبرالية بالعودة للهوية المسيحية ، اي تحويل الديمقراطية إلى خطاب الاصولية المبطن ! بالتالي ، وعبر تراكم كل هذه المعطيات ، ألا يبدو واضحاً إن " اللاتفسير " في خلاصة كتاب هنتغتون يعني لجوءه للميتافيزيقيا اللاهوتية التوراتية في ذهنه وإن لم يذكرها في كتابه بوضوح ..؟ أليست رؤآه استكمالاً لمقولة " رونالد ريجان " الرئيس الأمريكي الأسبق ، احد وجوه النيوليبرالية في الحرب الباردة بأنهم هم الجيل الذي سيشهد واقعة " هرمجدون " التوراتية التلمودية الكبرى التي سيموت بها ثلثي سكان العالم ، والتي سيتحالف بها المسلمون مع أقوام يأجوج GOGو مأجوج Magogضد المسيح الذي تجسده النيوليبرالية الغربية وشعب إسرائيل الذي " قام " من الأموات بعد الهولوكوست في فلسطين ؟؟ ألا تتجسد هرمجدون في خطوط الصدع الدموية بين الإسلام والغرب من جهة وبين الحلف الكونفوشي – الإسلامي ( المحتمل ) والغرب من جهة أخرى ، ألا تشكل هذه الرؤية استنهاضاً لتفسير " الصحوة الإسلامية " وفق الميتافيزيقيا المسيحانية القديمة التي يسعى هنتغتون لتشكيلها من جديد في العقل السياسي المعاصر حتى تكون سداً منيعاً تجاه " التكاثر " النسبي لأعداد المسلمين في أوربا ؟ ألا يعني اعتبار هنتغتون للصين والإسلام اكبر أعداء الحضارة الرأسمالية الليبرالية الغربية وحياً خفياً من خلفية لاهوتية يؤمن بها الأخير حول " ضد المسيح Antichrist " أو الإسلام المتحالف مع " يأجوج ومأجوج Gog – magog " الممثلة في أقوام شرق آسيا بعد أن كانت الليبرالية الغربية في الحرب الباردة أيام تاتشر وريجان تعتبر الاتحاد السوفييتي هو " Gog – magog " الذي سيتحالف مع ضد المسيح التاريخي " الثابت " ممثلاً بالإسلام ضد قوى الخير المسيحانية الغربية بعد عودة المسيح لفلسطين ممثلاً بشعب إسرائيل ، اي كل اليهود يمثلون تجسيداً للمسيح ، مستنداً إلى ميول القومية العربية نحو الاتحاد السوفييتي ايام عبد الناصـر ؟؟ حتى لو زالت القوة الاقتصادية الشرقية ، لابد للعقل الأصولي المتطرف هذا أن يبحث عن " Gog – magog " جدد ، وهذه القوة العالمية برأيهم تؤدي غرضاً وحيداً وهــو :
دعم قوى المسيح الكاذب Anti Christ ممثلاً بمحمد والإسلام " ليتم ما قيل بأشعياء الرسل ... " القالب التوراتي الإنجيلي الجاهز الذي يفرض " الحتمية " المقدسة بحدوث موقعة هرمجدون الفاصلة التي سيحل بعدها السلام العالمي لألف عام !
القلق من " نهضة " إسلامية على غرار النهضة الأوربية
في الصفحة 217 من نفس كتابه بترجمة مالك عبيد ، يرى هنتغتون بأن هناك توازيا بين جون كالفن وآية الله الخميني ، فمن حيث البرامج التي حاولت الثورة الإيرانية فرضها على المجتمع تشابه تلك التي سعت حركة الإصلاح الديني إلى ترسيخها ، كذلك فإن الروح المركزية لكل من التيارين المتوازيين هي روح " الإصلاح " و " الإحياء " أو .. الصحوة .. إن تجاهل تأثير الصحوة الإسلامية برأي هنتغتون على سياسة نصف الكرة الأرضية الشرقي في أواخر القرن العشرين متساوي مع تجاهل حركة الإصلاح الديني و أثرها على السياسة الأوربية في أواخر القرن السادس عشر ....... ويرى هنتغتون أن الصحوة الإسلامية Islamic Resurgence وفي مظهرها السياسي تحمل بعض التشابه مع الماركسية : نصوص دينية وثوابت مسلم بها ، نظرة كلية للمجتمع الكامل ، التغيير الجذري ، رفض القوى والدولة القومية القائمة ( ويقصد الأممية أو العالمية لرسالة الإسلام ) ( سنلاحظ نفس هذه المقابلة بين الشيوعية والإسلام لدى كامل النجار في الفصل الثالث في غاية اساسية لتوجيه الانظار لعدو بديل عن الشيوعية لدى المخيال الاجتماعي المسيحاني الغربي ) . وبالتالي ، وعندما نحاول القراءة بين السطور للفكر الأصولي الليبرالي نجد بأن حتمية المواجهة مع الإسلام المتحد مع قوى ظلامية شرقية أخرى واقع لا محال بما يذكره هنتغتون من مقابلة أو موازاة الإسلام مع الماركسية و الكونفوشية ، والتي نلمسها أيضاً في الخطاب الليبرالي العربي المتأثر بالأصولية الغربية ، بل الأبعد من هذا في الخوف الكبير الذي يبديه هنتغتون من التحديث في الإسلام واعتبار الثورة الإيرانية و تأثيرها في المنطقة موازية لجون كالفن وكذلك التشدد السلفي بموازاة مارتن لوثر ، هناك قلق من دخول التحديث للإسلام بعد مراحل من الإصلاح ديني تلك عبر النموذج التركي الذي اعتبره هنتغتون نموذجاً " مركزياً " لبناء وانبعاث حضارة إسلامية جديدة بعد أن استبعد كلا من السعودية وإيران في تشكيل نواة لحضارة إسلامية جديدة كبرى في مواجهة الغرب ( الحتمية ) ، ونذكر القارئ أن فكرة الدولة المركزية في الحضارة هي من رؤى المؤرخين المعاصرين الذين يسير على دربهم هنتغتون ومنهم شبنغلر و توينبي ، فايطاليا مثلاً هي الدولة المركزية التي تتشكل حولها الحضارة الغربية ، وهي أساس انبثاق الاتحاد الأوربي ، يرى هنتغتون في العام 1996 إن تركيا ستكون هي الدولة المركزية للانبعاث الإسلامي الحضاري الجديد.
حصاد الغرب بعد خمسة عشر سنـة
لا ننكر بأن " صدام الحضارات " لهنتغتون وبعد خمسة عشر سنة يكاد أن يكون نبوءة ناجحة ، إلا أننا في نفس الوقت نحتمل أن تكون أصابع المؤآمرة فيها حقيقية ، إذ لم يكن لنبوءته أن تكون صادقة بخصوص خط الصدع مع " الإسلام " بدون تنظيم راديكالي إسلامي واحد فقط وهو : القاعدة ... ! القاعدة فقط ، التي أنشأتها المخابرات الأمريكية ضد السوفييت ، هي التي جعلت هنتغتون صادقاً في توقعه عن عدوانية الفكر الإسلامي في حربه العشوائية المضطربة ضد الغرب التي كانت هجمات الحادي عشر من سبتمبر ابرز ملامحها التي سوغت للغرب حربه المستعرة منذ ما يزيد على العشرة سنوات ضد " الإرهاب الإسلامي " .. أما باقي ردود الفعل الممثلة في صعود تيارات التشدد الفكري فهي طبيعية وعالمية في ضوء ما ذكره هنتغتون في دراسته ونزيد عليها ما تجنب ذكره وهو إن الغرب يمارس الهيمنة السياسية والعسكرية والاقتصادية في المنطقة ، إذ نزلت قواته في الخليج واحتلت العراق وأفغانستان وهي حليف استراتيجي لإسرائيل السبب المباشر الأساس ليقضة المارد التاريخي المتشدد في الفكر الإسلامي كما ذكرناه سابقاً .. هذا الفكر الديني التاريخي جاء كرد فعل عضّد حركات المقاومة الوطنية في دول إسلامية عديدة ترزح تحت التبعية الغربية ابتداءاً من مصر السادات ومرورا بإيران ونجاح ثورتها الشعبية ضد الشاه ، كلب الحراسة الأمريكي في الخليج ، وصولاً إلى حزب الله ضد الاجتياح الإسرائيلي للبنان ولن تنتهي ردة الفعل هذه بطالبان أو حماس أو المقاومة العراقية المتاسلمة بشقيها السني والشيعي ، الاستثناء " العالمي " الوحيد للتشدد الإسلامي والذي له اثر حقيقي يذكر كان : القاعدة فالقاعدة في اليمن والقاعدة في العراق والقاعدة في المغرب العربي ، التنظيم الامريكي تاسيساً ، هي المظهر الوحيد لصدام الإسلام الراديكالي مع القيم الغربية الذي يأخذ صبغة العالمية في الحرب العشوائية المباشرة مع الغرب ، كل الحركات الإسلامية الأخرى تأخذ صبغة المقاومة الوطنية مثل طالبان والمقاومة العراقية وحزب الله وحماس .. نعم ، هذه الحركات و الأحزاب تاريخية ماضوية غير قابلة للنهوض بواقع مجتمعاتها لو استلمت السلطة ، لكنها واقع حال يفرض نفسه بفعل التغيرات الجيو سياسية في المنطقة منذ الحرب الباردة ! عالمية " القاعدة " وسعيها لضرب الغرب في عمقه فنطازية إعلامية أكثر من كونها واقعية فعلية ، فقياساً للعمليات " الجهادية " الفعلية مع عدد الخطابات والتسجيلات الصوتية للقاعدة فإن الحرب ضد " الكافرين " هي حربٌ إعلامية بامتياز تزيد من تماسك الغرب وتؤجج فيه صحوة أصولية ، القاعدة تمارس بروباغندا " تهويل " للخطر الإسلامي ولا تكاد تشكل خطراً حقيقياً فعلياً للحضارة الغربية ، أما تضخيم الإعلام العربي " الموجه " لدور القاعدة و إنتاج البرامج التلفزيونية الضخمة عنها لتكبير حجمها وتضخيمها أكثر مما يجب في القنوات الاجنبية ، وكذلك القنوات العربية مثل برنامج " صناعة الموت " أو البرامج والتقارير ذات الصوت العالِ في كشفها لعلاقات تنظيمات القاعدة وامتداداتها ، هذا كله لا يعدو أن يكون إظهاراً لدور الإسلام المتطرف المحوري في مواجهة الغرب للتعتيم على الفكر الإسلاموي المقاوم للاحتلال والهيمنة قدر المستطاع في المخيال الجمعي العربي ..! وهو دورٌ مبرر وفق الانتلجنسيا الغربية المعاصرة للقضاء على كل ما هو إسلامي .. لان التركيز على الإسلام المتشدد النابع من بؤر المقاومة والممانعة للهيمنة الغربية سيكون مبررا وواضحاً لا محال في المخيال الجمعي " الغربي " ، والذي جاء بنتائج ضغط الشعوب الغربية لسحب القوات من أفغانستان والعراق ، القاعدة وتشددها تقدم خدمة للعقول السياسية الغربية بتخفيف الضغوط الشعبية لسحب القوات الأطلسية ، وكذلك تؤدي مهمة جوهرية أساس في سياق حركة التاريخ بتوحيد الغرب كل الغرب في مواجهة الشرق كل الشرق وفق الإطار الميتافيزيقي التوراتي الأصولي الهرمجدوني المتخفي بالليبرالية والتنوير هناك ! وبالتالي فإن تقييمنا لنتائج هنتغتون بعد خمسة عشر سنة هو أن لا يزال الوقت مبكراً للتنبؤ بنتائج دراسته سواء عن توحيد الغرب واحياء ثقافته ( اصوليته المبطنة ) أو النجاح في استبعاد السعودية لتكون دولة اسلامية مركزية لنهضة اسلامية عبر ترويج وكشف صورة التشدد الوهابي ، أو برؤيته الحتمية عن الدولة المركزية التركية في تشكيلها لصميم الحضارة الإسلامية الجديدة ، مع إن بوادر دخول تركيا لهذا الباب إعلامياً وسياسياً قد بدأت في العالم العربي ، لكن ، وحسب توينبي عن " التحدي والاستجابة " في نشوء الحضارات فقد تنجح أو لا تنجح تركيا في ذلك .. خصوصاً وأن الدور العسكري القوي لإيران في المنطقة بدا بالإنكشاف تدريجياً بعد انكسار الأميركان في العراق وهزيمة إسرائيل التاريخية في لبنان . حين كتب هنتغتون كتابه كان الاقتصاد التركي ضعيف نسبياً ، وكانت الأخيرة تستجدي أبواب الاتحاد الأوربي لدخوله , لكن اليوم ، الاقتصاد التركي يحقق نمواً كبيراً إلى درجة إن المراقبين الاقتصاديين يتوقعون انتعاش الاقتصاد الأوربي في حال انضمام تركيا لاتحاده ، وتركيا اليوم لم تعد تستجدي هذا الدخول في ظل صحوة سياسية إسلامية في نظام حكمها العلماني بقيادة حزب العدالة والتنمية الذي يترأسه اردوغان ، تركيا تجلس اليوم مسترخية تنظر بسخرية للاقتصاد الأوربي المتعثر وإن كانت لا تزال تبدي اهتمامها بدخول الإتحاد الأوربي ، وقد بين هنتغتون قبل خمسة عشر سنة إن كل الظروف موائمة لتركيا لتشكيل هذه النواة المركزية لانبعاث إسلامي جديد بما تمتلكه من مركزية وتاريخ لكنها ضعيفة اقتصادياً ، نعرف أن اقتصاد دولة نامية موضوع واقتصاد دولة مركزية لانبعاث حضارة موضوع آخر أوسع .. فهل تستطيع تركيا تحدي الواقع التاريخي والقفز باقتصاد ناهض وقوة عسكرية كبرى لتشكيل تكتلٍ إسلامي من نوع ما على غرار الإتحاد الأوربي ؟ الظروف الجيو سياسية بعد الحادي عشر من سبتمبر كانت ملائمة لتحقق نبوءتي فوكوياما بانتشار الديمقراطية و هنتغتون بتحقيق الصدام الحضاري لولا إخفاق الولايات المتحدة في حرب العراق و أفغانستان وفشل مشروعها في شرق أوسطٍ جديد .. فلا ديمقراطية في العراق وجزيرة العرب يدافع عنها البيت الأبيض ضد " أعداء الديمقراطية " المتطرفين في إيران .. ومن بعدهم " كوريا الشمالية والصين " .. الخطة الأمريكية البديلة هي " بؤر الأزمات الدموية " بدلاً من خطوط الصدع الدموي ، وهي بؤر ومفاصل دموية يؤججها تنظيم القاعدة " الأمريكي " في باكستان و أفغانستان والعراق و اليمن والصومال وشمال افريقيا ، تشكل هذه البؤر مناطق توتر تمنع دخول الدول الإسلامية في تحالفات مع بعضها البعض أو مع دول الشرق بتشكيلها لعوائق توتر مستديمة تمنع نشوء اي تحالفات او تعاونات انسيابية بين مناطق مختلفة من العالم وفق استراتيجية الفوضى الخلاقة . النيتو اليوم يحاول الدخول في شراكة إستراتيجية مع روسيا ، والولايات المتحدة تسعى خفية للتنصل من أي مشروع في المنطقة عدا حماية البترول و إسرائيل ، والنتيجة إن أميركا قد تخسر جزءا من نفوذها في أوربا لحساب روسيا وجزءاً كبيرا من نفوذها في الشرق الأوسط لحساب تركيا وإيران ..! العالم تلفه أزمة مالية ، وقراءة تطوراته السياسية والعسكرية تتطلب إلماماً تاما بخفايا ومحركات هذه الأزمة ، ومن الصعب على نبوءة ميتافيزيقية التوجه وإن كانت علمية التحليل كالتي لدى هنتغتون أن تتنبأ بمسيرة التاريخ بعد خمسة عشر سنة أخرى إضافية من اليوم ! لكن ، وحسب ما بين أيدينا من نتائج : الغرب يخسر المعركــة في الشرق الأوسط ، لكنه لم يعلن استسلامه بعد ، تبقى هناك معركة أخيرة تراهن عليها الأصولية السياسية الغربية التي قد تعاود البروز في الولايات المتحدة بعد اوباما ، فالإرهاب الإسلامي المصنع غربياً يتفاقم وقد يكون مبرراً للنقلة القادمة لبيدق " المارينز " الأمريكي في سهل البقاع اللبناني – السوري .. والذي تم الإعداد والتعبئة له بإتقان عبر " المحكمة الدولية لاغتيال الحريري " .. إذا خسرت الولايات المتحدة وإسرائيل حربهما المشتركة القادمة ضد حزب الله ، وحسب قوانين التحدي والاستجابة لتوينبي ، فإن النموذج العولمي الحضاري الجديد للإسلام سيكون معصوباً بعمامة ... نصــر الله ...! سيصبح الجنوب اللبناني و الأنظمة السورية الإيرانية التركية هي الصميم الجوهري الجديد لولادة تكتل إسلامي يمكن ان يبلور مساراً للنهضة ما بعد الخمينية التي يخشاها صموئيل هنتغتون ! أما إذا خسر حزب الله المعركة وتم القضاء عليه نهائياً فلا يعني هذا إن أميركا انتصرت و الغرب في طريقه للقضاء على إيران ومن ثم " الشرق الأقصى " ، تبقى التحديات كثيرة في المنطقة وسيخسر الغرب حربه على المدى البعيد مع الشعوب الإسلامية التي ترفض الغربنة وتقبل التحديث .. ارجح الظن .. لا اعتقد كباحث أن بالإمكان هزيمة " مارد " التاريخ القيمي الإسلامي الذي تعود جذوره الزمنية حتى قبل الإسلام ، في عمقٍ يتجاوز السبعة آلاف سنـة وفق مجهـر كارل جوستاف يونج عن الوعي الجمعـي والنماذج الاركيولوجية البدئية التي تشكل الحافظة الثقافية للأمــة كل الامـة . الموضوع يحتاج لدراسة في محل ٍ آخر .. وما ذكرناه في هذا الفصل كان فقط لتبيان البناء التحتي للفكر الاصولي الغربي الذي يعرف بما يسمى " ثقافة العالم المتحضـر " ، وقد كشفنا هنا بان تحضره " نسبي " ليس إلا ، فهو يمثل الجذر الاساس لرؤى النادي المقنع بالليبرالية ( مستنقع الاصولية ) , نادي السلطانة والنجار الذي يشن حرباً " خاسرة " ولا معنى لها ضد مارد التاريخ ذو السبعة آلاف سنـة ! | |
|