«حزب الله» يستبق «المحكمة» ويضعها في قفص الاتهام
السـفـيـــر الســـوري: أبــــواب دمشــــق مـفـتــوحـــة أمـــام الحـريـــري
برغم ان المعلومات المتوافرة حول مسار المسعى السوري - السعودي لا تروي الغليل، إلا ان الامل في بيروت ما زال معقودا على هذا المسعى، وعلى نجاحه، وهو المناخ الذي عكسه أمس في وقت واحد كل من الرئيس سعد الحريري امام السفير السوري علي عبد الكريم علي ورئيس كتلة الوفاء للمقاومة النائب محمد رعد خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده والقاضي سليم حريصاتي لتفنيد عيوب المحكمة الدولية.
ومن المنتظر ان يحمل لقاء الرئيس السوري بشار الاسد مع الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي في باريس اليوم مؤشرات الى طبيعة المنحى الذي سيسلكه الجهد المبذول لإنجاز التسوية قبل صدور القرار الاتهامي، كون فرنسا تقف على تقاطع إقليمي - دولي، يتيح لها ان تساهم بشكل أو بآخر في دفع الامور نحو اتجاهات سلبية أو إيجابية، تبعا لحجم التأثير الذي تستطيع ان تمارسه على واشنطن التي أوفدت الى بيروت أمس نائب مساعد وزيرة الخارجية الاميركية جيفري كالفر، في تعبير عن إصرار الولايات المتحدة على الحفاظ على حضورها في الساحة اللبنانية، مع اقتراب موعد صدور القرار الاتهامي. كما يزور بيروت غدا نائب وزير الخارجية الروسي الكسندر سلطانوف.
في هذه الاثناء، واصل حزب الله «محاكمة» المحكمة الدولية، ففتح أمس ملف «عيوبها الخلقية» المتصلة بأساس تكوينها وما رافقه من تجاوزات فاضحة وفادحة للأصول الدستورية اللبنانية وصولا الى الانحرافات التي طبعت سلوكها في ما بعد، بعدما كان قد جوّف القرار الاتهامي المرتقب من مضمونه عبر تفكيك دليل الاتصالات. وقد استخدم الحزب في مطالعته الهجومية ضد المحكمة لغة قانونية ـ دستورية رصينة وعلمية، بمشاركة العضو السابق في المجلس الدستوري القاضي سليم جريصاتي، مستعرضا نقاط ضعفها الكثيرة وفق تبويب منظم، ولكن ذلك لم يمنع أوساط تيار المستقبل من انتقاد هذه المطالعة على قاعدة انها تحوي العديد من المغالطات.
على خط مواز، من المرتقب ان تظهر اليوم نتائج الجهود المحلية المبذولة لعقد جلسة لمجلس الوزراء، الذي بات مجرد التئامه إنجازا في زمن التصحر السياسي الداخلي. وقالت مصادر مطلعة لـ«السفير» ان هناك احتمالا كبيرا بانعقاد مجلس الوزراء السبت المقبل في قصر بعبدا، على ان يكون ملف شهود الزور متصدرا جدول أعماله. وأشارت الاوساط الى ان الصيغة التي سيلتئم المجلس تحت مظلتها قد تتبلور اليوم، في ضوء الاتصالات التي كانت قد تكثفت أمس، بمشاركة الرؤساء ميشال سليمان ونبيه بري وسعد الحريري، فيما فضلت مصادر وزارية ان تحافظ على حذرها، الى حين تبلغ دعوة رسمية للمشاركة في الجلسة الموعودة.
وكانت لافتة للانتباه زيارة السفير السوري علي عبد الكريم علي الى السرايا الحكومية حيث التقى الرئيس سعد الحريري، في إشارة تعكس رغبة دمشق في إبقاء الخطوط مفتوحة مع رئيس الحكومة، إنما مع حصرها حاليا بـ« قناة السفير السوري»، في انتظار خطوات من الحريري تتيح توسيعها. وأكد علي بعد اللقاء ان لدى رئيس الحكومة تفاؤلا كبيرا في ما يخص الجهود السورية - السعودية لإنتاج حلول ترضي الجميع وتنزع فتيل اي أزمة يخطط لاستثمارها في هذا البلد، مؤكدا ان أبواب دمشق مفتوحة لـ«دولة الرئيس».
تشريح المحكمة
وعقد رئيس كتلة «الوفاء للمقاومة» النائب محمد رعد مؤتمرا صحافيا في مكتبه في المجلس النيابي أمس بعنوان «تسييس المحكمة الخاصة بلبنان وتعارضها مع معايير العدالة»، شاركه فيه عضو المجلس الدستوري السابق القاضي الدكتور سليم جريصاتي.
وقال رعد: إن المتتبع لمسار الأزمة السياسية في لبنان، منذ صدور القرار الدولي رقم 1559 وما أحدثه من تصدع في الأوضاع العامة للبلاد، يلحظ بوضوح أن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان قد فاقمت حالة التدهور الداخلي والانقسام بين اللبنانيين، وشرعت البلاد أمام تدخل فاضح للقوى الدولية الغربية، وشكلت مدخلا واسعا وغطاء للتسلل الإسرائيلي الى عمق قطاعات حيوية، والسيطرة على بعضها سيطرة كاملة، كما ثبت على صعيد الإتصالات وقواعد البيانات الرسمية لكثير من الأجهزة والمؤسسات والمرافق العامة اللبنانية. وإذا كانت الحقيقة والعدالة مطلبا إجماعيا لبنانيا فإن الآلية التي اعتمدت لتحقيق ذلك، والظروف والتدخلات الدولية المريبة والأداء والتجاوزات الدستورية والقانونية التي أحاطت بها منذ تشكيلها الى وقتنا الحاضر حولت المحكمة الخاصة الى أداة وظيفية لتمرير مشاريع دولية على حساب مصلحة لبنان وأمنه وسيادته وإلى عامل تهديد فعلي للاستقرار فيه.
وأشار الى انه «منذ انطلاقة التحقيق الدولي ومن ثم أعمال المحكمة الخاصة، تراكمت لدينا جملة من الملاحظات والهواجس والاستفسارات، اتيح لنا أن نطرح جزءا منها على مندوبي المحكمة في لقاء مباشر جرى بتاريخ 30 آذار 2010. وانتظرنا منهم أجوبة طوال الفترة الماضية ولكن من دون جدوى، وأكدنا في حينه أن ملاحقة شهود الزور هي المدخل الوحيد لإعادة الاعتبار الى صدقية التحقيق وإعادة بناء الثقة به، ولكن من دون جدوى، لا بل زاد الطين بلة التنظير لأدلة ظرفية غير مباشرة والتلميح بدليل الاتصالات الهاتفية المتزامنة كأحد ركائز التحقيق «.
وشدد على أن «نظام المحكمة أقرته إرادة دولية تجاوزت الإرادة الوطنية والمؤسسات الدستورية اللبنانية، وجاء استجابة لمصالح الدول الكبرى الراعية لمجلس الأمن، بمعزل عن إرادة ومصالح لبنان واللبنانيين، ما يجعل المحكمة أداة لخدمة سياسات الدول صاحبة النفوذ، والتي تعمل دائما لتصفية حساباتها مع الأطراف أو القوى أو الدول المعارضة أو المعترضة».
أما جريصاتي، فلفت الانتباه الى أن آلية إقرار المحكمة الخاصة بلبنان تجاوزت الدولة اللبنانية والدستور اللبناني كليا، عبر تجاوز صلاحيات رئيس الجمهورية في إطلاق المفاوضة في عقد الاتفاقات الدولية، ومن ثم إبرامها بالاتفاق مع رئيس الحكومة، وعبر اختزال صلاحيـــات مجلس النواب الذي تم تغييبه بالكامل عن هذه الآلية.
وتوقف عند تنصل المحكمة من شهود الزور استنادا الى تبريرات واهية يتضح منها وجود نية مسبقة لعدم الملاحقة، انتهاك سرية التحقيق في التحقيق الدولي، الريبة في صلاحية القضاة وضع وتعديل قواعد الاجراءات والاثبات، طلب قواعد بيانات كاملة وطلب تحديثها بشكل دوري علما انه لا يوجد في قواعد الإجراءات والإثبات أو حتى في مختلف مذكرات التفاهم الموقعة مع لبنان ما يلزم الحكومة اللبنانية بتقديم مثل هذه المعلومات.
ونبه الى ان اعتماد المحكمة الخاصة بلبنان على الأدلة الظرفية بدلا من الأدلة القطعية يجعل لبنان مسرحا للتجارب والاجتهادات والبدع القانونية والقضائية، ولو سلمنا جدلا بسلامة اللجوء الى الأدلة الظرفية، فإن التحقيق الدولي قد استخدمها بانتقائية واضحة تجاوز فيها مجددا أبسط معايير العدالة الجنائية الدولية.
واعتبر أن «دليل الاتصالات هو دليل ظرفي بامتياز، وقد أثبت الخبراء في مجال الاتصالات وجود عدد من الطرق التي تتيح التلاعب في الداتا واختلاق وفبركة اتصالات وهمية ومن أماكن جغرافية مختلفة. وعليه فإن دليل الاتصالات، الذي بات واضحا أن فريق المدعي العام قد بنى تحقيقه وربما اتهامه عليه، هو دليل غير صالح من الناحية القانونية».
«المستقبل» ينتقد
وتعليقا على مضمون المؤتمر الصحافي، قالت أوساط بارزة في تيار المستقبل لـ«السفير» ان المؤتمر تضمن مغالطات عدة، مشيرة الى انه ليس صحيحا ان رئيس الجمهورية لم يفاوض على إنشاء المحكمة لان مجلس الوزراء برئاسة الرئيس إميل لحود كان قد فوض وزير العدل آنذاك بالتفاوض وبالتالي فإن المادة 52 من الدستور ظلت مصانة.
ولفتت الانتباه الى انه «عندما تم وضع نظام المحكمة رفض الرئيس لحود التوقيع عليه ورده الى مجلس الوزراء الذي احترم المادة 56 من الدستور التي تنص على ان من حق رئيس الجمهورية ان يرد مشروع القانون خلال 15 يوما ثم يعود للحكومة ان تعيد النظر فيه او تؤكد عليه، فكان أن اكدت عليه الحكومة في 12/12/2006 وصار بذلك المــــشروع نافذا، وجرى تحويله الى مجلس النواب، ولكن الفـــريق الآخر ارتكب غلطة العمر عندما أقفل المجلس ضاربا فرصة ان يبقى لبنان متحكما بمسار المحكمة، فوقع 72 نائبا عريضة نيابية وجهت الى الامين العام للامم المتحدة تدعو الى إقرار المحكمة، ليصدر القرار 1757 تحت الفصل السابع «.
واعتبرت الاوساط ان الهدف من المؤتمر الصحافي «هو الاعلان عن سحب اعتراف حزب الله بالمحكمة، ولكن هذا لم يعد ممكنا عمليا، لانه أصبح من المتعذر وقف دينامية المحكمة وقرارها الاتهامي»، مشيرة الى ان حزب الله شريك في حكومة دعمت المحكمة في بيانها الوزاري وأقرت عام 2009 برئاسة الرئيس ميشال سليمان اتفاقية بين لبنان والمحكمة بخصوص أمن القضاة كما أقرت تسديد الحصة اللبنانية من التمويل»، وحتى لو افترضنا ان هناك إشكاليات وعيوبا في تكوين المحكمة فإن قرار إنشائها بموجب الفصل السابع، يجُبُ ما قبله، لان القانون الدولي أعلى من القانون المحلي، وفق ميثاق الامم المتحدة».
مخاض مجلس الوزراء
في هذا الوقت، تكثفت الاتصالات الداخلية لايجاد صيغة تتيح عقد جلسة لمجلس الوزراء هذا الاسبوع، فيما قالت مصادر وزارية في المعارضة لـ«السفير» ان موقف المعارضة واضح وثابت وهو وجوب الاسراع في عقد جلسة لمجلس الوزراء يكون ملف شهود الزور البند الاول على جدول أعمالها، وليس أحد بنوده، على ان يتم بعد حسمه بالتصويت الخوض في باقي المسائل.
وأوضحت ان المعاون السياسي للرئيس نبيه بري النائب علي حسن خليل نقل الى رئيس الحكومة سعد الحريري خلال لقائه به أمس الاول، ضرورة انعقاد مجلس الوزراء للبت في ملف شهود الزور على قاعدة التصويت بعد تعذر التوافق، مع تعهد مسبق باحترام النتيجة أيا تكن.
وأوضحت المصادر ان الرئيس ميشال سليمان أدى دورا مؤثرا في لجم الاصرار الذي كان لدى الرئيس الحريري على الدعوة الى انعقاد مجلس الوزراء يوم غد الجمعة، من دون ان يكون ملف شهود الزور مطروحا عليها، لافتة الانتباه الى ان الرئيس الحريري أراد ان يضع المعارضة امام أمر واقع في محاولة لإظهارها بمظهر المعطل لعمل الحكومة.
واستغربت قول الفريق الآخر بأن المعارضة تسعى الى فرض بند شهود الزور على جدول الاعمال في تجاوز لصلاحيات رئيس الحكومة، لافتة الانتباه الى ان هذا البند مدرج أصلا على جدول الاعمال، وكان قد اشبع نقاشا في الجلسة السابقة إنما من دون التوصل الى نتيجة، فاقترح رئيس الجمهورية حينها إرجاء البت فيه الى جلسة أخرى، وبالتالي فإن ما نطلبه هو ان تُستأنف الجلسة من حيث توقفت في المرة الماضية.
من جهتها، قالت أوساط مقربة من الرئيس الحريري لـ«السفير» ان هناك جهودا تبذل من أجل عقد جلسة لمجلس الوزراء في أقرب وقت ممكن، وإن رئيسي الجمهورية والحكومة يتحركان في هذا الاتجاه. ونصحت المعارضة بعدم تكرار الاخطاء ذاتها التي ارتكبتها في السابق حين خرجت من حكومة الرئيس فؤاد السنيورة، وأقفلت مجلس النواب، وها هي اليوم تتمسك بطرح ملف شهود الزور كبند أول على جدول أعمال مجلس الوزراء، في تعرض واضح ليس لصلاحيات شخص الرئيس الحريري بل لصلاحيات رئاسة الحكومة، معتبرة أن لا شيء يفرض على رئيس الحكومة وضع هذا الملف على جدول الاعمال او إدراجه بندا أول فيه.
وأشارت الى ان الرئيس الحريري لا يرفض التصويت على إحالة ملف شهود الزور الى المجلس العدلي خوفا من نتائجه، بل لانه يرفض مبدأ التصويت على هذا الامر، لان قضية شهود الزور لا تنطبق عليها مواصفات الاحالة الى المجلس العدلي كونه ليس صاحب اختصاص، وبالتالي فإن المطلوب هو الاحتكام الى تقرير وزير العدل الذي أوصى بوضع الملف بحوزة القضاء العادي.