«نهار عيدكم... نهار جوعكم» الـمهـدي الـكــرّاوي -
guerraoui@gmail.com «الشح يبتدئ حين يتوقف الفقر»، هونوري دوبارزاك، الروائي الفرنسي الشهير.قديما كانوا يقولون «يعيا الواد ويرجع لمجراه»،... وهو ما تعرف عليه المغاربة بداية هذا الأسبوع بعد أن اكتشفنا أن مدننا لا تحسن السباحة مع كل موسم أمطار، تماما كما اكتشفنا أننا نتوفر على مهندسين وتقنيين يبسطون الطرقات السيارة والشوارع فوق الأنهار القديمة التي جفت، وأن لدينا أقساما للتعمير في الولايات والمجالس المنتخبة والوكالات الحضرية ترخص بالبناء فوق المنحدرات وبمحاذاة الوديان، وأن لدينا شركات أجنبية للتطهير تهتم فقط بخنق جيوب المستهلكين ولا يهمها مطلقا اختناق مجاري تصريف المياه.
غرق المدن في المغرب أبان أن الغش أصبح حرفة وطنية بعد أن كان مجرد هواية،... وأبان أيضا أن الإقامات السكنية التي تضم أزيد من 20 شقة تتوفر على مجارٍ للمياه بطاقة استيعابية تكفي بالكاد لشقتين اثنتين فقط،... وأبان كذلك أن 10 سنوات من حمى العقار والبناء في المغرب لم تكن سوى عملية قمار كبرى جرى وراءها الناس بحسن نية وبقروض ترهنهم بقية أعمارهم قبل أن يكتشفوا أنهم اشتروا «فلوكة مثقوبة» لا تصلح للسكن بل فقط للعوم والغرق. مدن المغرب تكاد تكون الوحيدة في العالم التي تتهدم شوارعها وتتصدع جدران أبنيتها بالماء فقط وليس بالزلازل الأرضية أو بقذائف جو-أرض،... والمغرب يكاد يكون الأوحد في العالم الذي يتوفر على وقاية مدنية تخاف على وسائل الإنقاذ من البلل والأوحال كما يخاف العريس يوم زفافه على بذلته البيضاء، ولذلك يظل رجالها في ثكناتهم على مر اليوم والشهر، يلمعون وسائل الإنقاذ حتى تظهر جديدة كل سنة يوم تزورهم كاميرات التلفزة للاحتفال باليوم الوطني للوقاية المدنية.
أسر المغرب في الأحياء الشعبية اليوم في عداد المنكوبين،... أناس، بأفرشة تقليدية بسيطة جدا وبحصائر وأكواب شاي محروقة، لا يتوفرون على شاشات «إل سي دي» ثلاثية الأبعاد وليست لديهم زرابي رباطية أو فارسية فاخرة ولا كؤوس «البلار» أو أطباق «الطاووس» ولا حتى آلات تصبين أو «ميكرو أوند» وثلاجات ناطقة... أغلبهم يمتهنون حرفا بسيطة ولا تزورهم كاميرات القنوات العمومية للاطلاع على حالهم سوى في موسم الكوارث حين يؤدون الثمن بأرواحهم وممتلكاتهم البسيطة التي يصارعون بها العيش.
لا أفهم، مثلا، ونحن في موسم التضامن، كيف لا نسمع ولا لملمة لأصحاب تلك الشركات التي تدخل هذه الأيام البورصة لتبيع حصصا بمئات الملايير ولا تخصص جزءا من تلك الأموال الطائلة للتضامن مع أسر المنكوبين الذين يعيشون ويبيتون و»القطرة» فوق رؤوسهم ورؤوس أطفالهم،... ولا أفهم، مثلا، كيف لا تجبر وزارة الداخلية الجماعات المحلية والقروية في المغرب -وعددها 1600- على تخصيص مليون سنتيم لكل جماعة للتضامن مع منكوبي الأمطار والمساعدة على إعادة إيوائهم،... كما لا أفهم كيف لا يستغني وزراؤنا وبرلمانيونا عن أجرة شهر واحد للتضامن مع هؤلاء، وكيف لا يخصص، مثلا، الجنرال العنيكري أجرته الشهرية لفائدة عائلات جنود يافعين من القوات المساعدة ذهبوا ضحية عمليات الاغتيال التي نفذتها ميليشيات البوليساريو في العيون.
التضامن في المغرب لا يعني أن يعلق أثرياؤنا ووزراؤنا وبرلمانيونا شارات صفراء كما يعلقها بسطاء الموظفين والتلاميذ.. التضامن في المغرب يجب أن يمر عبر فرض ضريبة خاصة على الغنى، كما هو الحال في فرنسا،... فمن يسوق سيارات «مازيراتي» و»الجاغوار» ويدخن السيغار ويدلك جسده بـ»الكافيار» ويلعب بالملايير في البورصة لا يجب أن يعلق شارة صفراء تشترى بدراهم رمزية،... عليه أن «يُعَـشِّر» على غناه نقدا لصالح فقراء ومنكوبي هذا الوطن.