اغلاق مكتب 'الجزيرة' في المغرب
رأي القدس
2010-10-29
بعد قرار الحكومة المصرية اغلاق العديد من القنوات الفضائية معظمها اصولية سلفية، اقدمت الحكومة المغربية يوم امس على اغلاق مكتب قناة 'الجزيرة' وسحبت التصاريح والبطاقات الصحافية من جميع العاملين فيه وحذرتهم من الادلاء بأي تصريحات صحافية.
الغريب ان هذه القرارات تتزامن، وان بشكل غير مقصود، مع ما كشفته وثائق 'ويكيليكس' عن عمليات التعتيم المتعمدة من قبل القيادة العسكرية والسياسية الامريكية في العراق، لمنع وصول الاعداد الحقيقية للقتلى العراقيين وعمليات التعذيب المنهجية التي تمارسها حكومة نوري المالكي في معتقلاتها لمعارضيها الى الرأي العام العالمي.
وربما يفيد التذكير بان قرار اغلاق مكتب قناة 'الجزيرة' في العراق جاء على ارضية تغطيتها المكثفة للهجوم الامريكي البشع على مدينة الفلوجة، وتدمير بيوتها فوق رؤوس اهلها واطفالها، ومن المفارقة ان من بارك هذا الهجوم واتخذ قرار منع الجزيرة من العمل في العراق هو الدكتور اياد علاوي الذي كان رئيسا للوزراء في حينها.
نفهم ان يتم اغلاق مكتب قناة 'الجزيرة' في العراق المحتل، للتغطية على عمليات القتل والتعذيب وهي بمئات الآلاف، ولكن ما لا نفهمه هو اغلاقه في بلد مثل المغرب يتمتع بالامن والاستقرار، ومعروف بتسامحه مع اجهزة الاعلام، واحتكامه الى القانون في حال خرج بعضها عن الاصول المرعية، واقدم على انتهاكات او مخالفات تتعارض مع هذا القانون.
السلطات المغربية منعت قناة 'الجزيرة' قبل عام من بث نشرتها 'المغاربية' من الرباط بحجة انها لا تملك تصريحا في هذا الصدد، ولكنها لم تمنع العاملين فيها من مواصلة تغطياتهم الاخبارية فما الذي تغير، ولماذا الاقدام على مثل هذه الخطوة التي تسيء الى المغرب ووجهه التعددي الديمقراطي المتسامح؟
بيان وزارة الاتصال المغربية قال 'انه تقرر تعليق نشاط قناة 'الجزيرة' في المغرب، ووقف الاعتمادات الممنوحة لطاقمها ابتداء من يوم الجمعة (امس) بعد ان تم رصد حالات عديدة انحرفت فيها القناة المذكورة عن قواعد العمل الصحافي الجاد والمسؤول، الذي يقضي التقيد في جميع الظروف والاحوال بشروط النزاهة والدقة والموضوعية والحرص على احترام القواعد والآداب المهنية'.
ما يزعج السلطات المغربية على وجه الخصوص هو تغطية 'الجزيرة' لبعض ممارسات التعذيب في سجون مغربية، والقيود التي جرى فرضها اخيراً على عمل المراسلين الاجانب، والتغطية لقضية الصحراء، وهي تغطية قال البيان الرسمي انها تضر بمصالح المغرب العليا ووحدته الترابية.
الامر المؤكد ان حريات التعبير في المغرب لا تعيش افضل ايامها، وان هامش الحريات يضيق يوماً بعد يوم، ومن الطبيعي ان تتأثر القناة الأشهر في العالم العربي من جراء هذا المناخ غير المسبوق في بلد طالما تباهى بديمقراطيته وانفتاحه الاعلامي.
قناة 'الجزيرة' ستتأثر دون ادنى شك بقرار اغلاق مكتبها، ولكن خسارة السلطات المغربية ربما تكون اكبر، لان هذا الاغلاق قد يعني غياب وجهة نظر المغرب الرسمية في تغطيات المحطة للاوضاع المغربية وللصحراء الغربية موضع النزاع مع البوليزاريو والجزائر.
السلطات العراقية اغلقت مكتب 'الجزيرة' في العراق، ولكن هذا الاغلاق صب في مصلحة القناة، وزاد من شعبيتها في الوطن العربي، خاصة بعد تدهور الاوضاع الامنية في العراق، وتزايد اعداد القتلى في التفجيرات، وانفجار الازمة الوزارية.
سياسات الاغلاق خاطئة وقصيرة النظر، وستؤدي الى تراجع مكانة المغرب في القوائم التي تصدرها منظمات عالمية محترمة مثل 'مراسلين بلا حدود' حول الحريات الصحافية في العالم.
نتضامن في هذه الصحيفة مع الزملاء في مكتب قناة 'الجزيرة'، مثلما تضامنا مع جميع زملائنا المغاربة والآخرين في بلدان عربية عدة الذين تعرضوا للاعتقال او المضايقات بسبب تمسكهم بحقهم في حرية التعبير.