[right]صورة anonymous
دروس ولد سلمى
الـمهـدي الـكــرّاوي -
guerraoui@gmail.com«في الحروب تتواجه قوى الحاضر والماضي»، الأنثروبولوجي الإسباني ألبير سانشيز بينول.
مشكلتنا نحن المغاربة أننا نتوفر على مخابرات خارجية ودبلوماسية حكومية وصحافة وطنية «ديال ولاد الناس»، في مقابل مخابرات عسكرية ودبلوماسية مع آلة إعلامية جزائرية «ديال القطاطعية» الذين بينهم وبين الأخلاق ومبادئ حسن الجوار ما كان يفصل بين برلين الغربية وبرلين الشرقية من سور تهدم على واقع الجغرافية والسياسة وبقي مشيدا في أذهان ورثة بذلة الهواري بومدين العسكرية،... يحكمون الجزائر من قصر المرادية العثماني ويرون المغرب دوما من باب الاستثناء العربي والإسلامي الذي لم يخضع للخلافة التركية ولا للاحتلال الفرنسي الذي عاشت تحته الجزائر وبقي المغرب في وضع الحماية محافظا على رايته وملتفا على وحدته الترابية وعرشه.
عداء عسكر الجزائر للمغرب هو عداء استراتيجي تحكمه أحلام توسعية بالسيطرة على منطقة شمال إفريقيا وحوض المتوسط والتحكم عن بعد في الساحل الأطلسي عبر «دويلة» تشرف عليها ظاهريا حركة البوليساريو الانفصالية، والهدف هو رؤية مغرب ضعيف مقابل جزائر قوية بغازها وبترولها وتحكمها في خريطة المنطقة، غير مستحضرة لنموذج فرنسا وألمانيا التي مشى قائدها هتلر على شوارع «الشانزي ليزيه» في العاصمة باريس ومرغ كرامة الفرنسيين في التراب، ومع ذلك تخطت الدولتان أعطاب التاريخ واستوعبتا أن المستقبل لا يبنى على عـُقد الماضي التي انتهت بالفكر السياسي والبشري إلى أن طوى عهد ما بعد وما قبل الحرب العالمية الثانية.
كم ستعيش فكرة البوليساريو وكم سيصمد مشروع عسكر الجزائر في معاداة المغرب؟ وهل تتوفر البوليساريو والجزائر على زعماء مدى الحياة حتى يبقى لفكرة الانفصال معنى وجودي؟... فإلى حدود الأسبوع الأخير، دخل المغرب أزيد من 2500 عائد من جحيم مخيمات تيندوف منذ يناير الماضي، وأبرز قيادات جبهة البوليساريو عادت، من شيوخ قبائل ووزراء ودبلوماسيين وأمنيين ومستشارين، ويكاد عبد العزيز المراكشي يكون بين البشرية الابن الوحيد الذي ينادي بالانفصال عن المغرب فيما والده يتمتع بكامل مغربيته ويتشبث بوطنيته الوحدوية، وينازع بذلك ليس المغاربة أجمعين على وطنهم بل ينازع حتى أباه على انتمائه إلى تراب هذا الوطن.
أعتقد أن ما جناه المغرب من دروس من قضية مصطفى سلمى ولد سيدي مولود هو أن نبهنا هذا البطل الصحراوي إلى أن موعد قضية وحدتنا الترابية مع التاريخ قد حان، وأن على المغاربة اليوم أن يمتلكوا ما يكفي من نفس وصبر وإرادة وعزيمة لكي ينهوا هذا النزاع وهم في موقع المهاجم وليس المدافع، وأن معالجة هذه القضية يجب أن تمر إلى السرعة القصوى عبر آليات جديدة للعمل الاستخباراتي والدبلوماسي والإعلامي والسياسي،... عمل يحتاج إلى مقاربة بأبعاد الفعالية وبابتكار أساليب مغايرة في الفعل وبتعبئة داخلية نفتقر إليها، لأن أحزابنا لازالت تغلق دكاكينها في انتظار الانتخابات، ولأن برامجنا التلفزيونية تصر بغباء وباحتقار للشعور الوطني ولمتطلبات المرحلة على تفضيل «سكيتشات تيكوتا» على برامج سياسية مضادة للآلات الإعلامية الجزائرية والإسبانية... ولهذا السبب استطاعوا هم أن يسوقوا بأريحية قضية أميناتو حيدر وتهنا نحن في فهم ذلك.