هذا الكتاب فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1296
الموقع : لب الكلمة تاريخ التسجيل : 16/06/2009 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 3
| | مذهب ماركس الاقتصادي الجزء الثاني | |
الجزء الثاني مذهب ماركس الاقتصادي يقول ماركس في مقدمة كتابه "راس المال": " ان الهدف النهائي لهذا الكتاب هو ان يكشف عن القانون الاقتصادي لحركة المجتمع الحديث" اي المجتمع الراسمالي البرجوازي. فدراسة علاقات الانتاج في هذا المجتمع المحدد تاريخيا من حيث ولادة هذه العلاقات و تطورها و زوالها ذلك هو مضمون مذهب ماركس الاقتصادي. ان الشيء السائد في المجتمع الراسمالي هو انتاج البضائع. و لهذا يبدا تحليل ماركس بتحليل البضاعة. القيمـــــــة البضاعة هي بالدرجة الاولى شيء يسد حاجة من حاجات الانسان. و هي بالدرحة الثانية شيء يمكن مبادلته بشيء اخر. ان منفعة شيء ما تعطيه قيمة استعمالية. اما القيمة التبادلية- او القيمة باختصار- فهي, اولا, العلاقة, النسبة, في مبادلة عدد من القيم الاستعمالية من نوع ما بعدد من القيم الاستعمالية من نوع اخر. ان التجربة اليومية تبين لنا ان الملايين و المليارات من مثل هذه المبادلات تقيم دون انقطاع علاقات من التعادل بين القيم الاستعمالية الاكثر تنوعا و الاكثر تباينا. فما هو العنصر المشترك بين هذه الاشياء المختلفة التي يعادل بعضها ببعض باستمرار في نظام من العلاقات الاجتماعية؟ ان العنصر المشترك بينها هو كونها نتاجات عمل. فعندما يتبادل الناس منتجاتهم يعادلون بين انواع العمل الاكثر تباينا. ان انتاج البضائع هو نظام من العلاقات الاجتماعية يخلق فيه شتى المنتجين منتجات متنوعة (التقسيم الاجتماعي للعمل) ويعادلون بينها عند التبادل. و بالتالي ان العنصر المشترك بين جميع البضائع ليس هو العمل في فرع معين من الانتاج و ليس هو عملا من نوع خاص, بل هو العمل الانساني المجرد, العمل الانساني بوجه عام. ففي مجتمع معين تؤلف كل قوة العمل الممثلة في مجموع قيم كل البضائع قوة عمل انساني واحدة موحدة. و الدليل على ذلك المليارات من امثلة التبادل. وهكذا فكل بضاعة ماخوذة بمفردها لا تمثل سوى جزء ما من وقت العمل الضروري اجتماعيا. ان كمية القيمة تحدد بقيمة العمل الضروري اجتماعيا او بوقت العمل الضروري اجتماعيا لانتاج بضاعة معينة. اي قيمة استعمالية معينة. "ان المنتجين حين يعتبرون منتجاتهم المختلفة متساوية عند تبادلها يقرون بذلك ان ان اعمالهم المختلفة متساوية و هم لا يدركون لا يدركون ذلك و لكنهم يفعلونه". لقد قال اقتصادي قديم: ان القيمة هي العلاقة بين شخصين. وكان عليه ان يضيف بكل بساطة الى قوله هذا: علاقة مغلفة بغلاف مادي. ذلك انه لا يمكن فهم القيمة الا بالاستناد الى مجمل علاقات الانتاج الاجتماعية لتشكيلة تاريخية معينة اي العلاقات التي تظهر عند التبادل هذه الظاهرة الجماهيرية التي تتكرر مليارات المرات. "ان البضائع بوصفها قيما ليست الا كميات محدودة من وقت العمل المتجمد" ("مساهمة في نقد الاقتصاد السياسي"). و بعد تحليل مفصل للصفة المزدوجة للعمل المجسد في البضائع ينتقل ماركس الى تحليل اشكال القيمة و العملة (النقد). و المهمة الرئيسية التي يضعها نصب عينيه اذ ذاك هي ان يبحث عن منشا الشكل النقدي للقيمة و ان يدرس التفاعل التاريخي لتطور التبادل ابتداء من اعمال التبادل الفردية و العرضية ("شكل بسيط منفرد و طارئ للقيمة": كمية معينة من بضاعة ما تبادل مقابل كمية معينة من بضاعة اخرى) حتى الشكل العام للقيمة عندما يبادل عدد من البضائع المختلفة ببضاعة واحدة معينة, حتى الشكل النقدي للقيمة حيث يصبح الذهب بمثابة تلك البضاعة المعينة, بمثابة المعادل العام. ان النقد بوصفه النتاج الاعلى لتطور التبادل و انتاج البضائع يطمس, يخفي, الصفة الاجتماعية للعمل الفردي اي العلاقة الاجتماعية بين المنتجين المنفردين الذين يرتبطون ببعضهم البعض بواسطة السوق. ويخضع ماركس لتحليل مفصل الى اقصى حد شتى وظائف النقد. و من المهم الملاحظة هنا ايضا (كما في جميع الفصول الاولى من كتاب "راس المال") ان الشكل المجرد للعرض الذي يبدو احيانا استدلاليا فقط يعرض في الواقع مصادر وافرة الغنى حول تاريخ تطور التبادل و انتاج البضائع. "ان النقد يفترض مستوى معينا من التبادل البضاعي. ان شتى اشكال النقد, بوصفه معادلا بسيطا, ووسيلة للتداول, ووسيلة للدفع, و كنزا مخزونا, و نقدا عالميا – تدل بالمقارنة بين تفوق وظيفة على اخرى على مراحل مختلفة جدا من الانتاج الاجتماعي" ("راس المال", المجلد الاول). فائض القيمة في درجة ما من تطور انتاج البضائع يتحول النقد الى راس مال. لقد كانت صيغة تداول البضائع: ب (بضاعة) - ن (نقد) – ب (بضاعة), اي بيع بضاعة في سبيل شراء غيرها. اما صيغة راس المال العامة فهي بالعكس: ن – ب – ن - اي شراء في سبيل بيع (مع ربح). ان هذه الزيادة في القيمة الاولى للنقد الذي وضع قيد التداول هي ما يسميه ماركس "فائض القيمة". و"زيادة" المال هذه في التداول الراسمالي واقع معروف لدى الجميع. ان هذه "الزيادة" بعينها هي التي تحول المال الى راسمال بوصفه علاقة انتاج اجتماعية خاصة محددة تاريخيا. و لا يمكن للقيمة الزائدة ان تنجم عن تداول البضائع لان هذا التداول لا يعرف سوى تبادل اشياء متعادلة, و لا يمكن لها ايضا ان تنجم عن ارتفاع الاسعار لان الخسائر و الارباح لدى كل من الشارين و البائعين تتوازن, و الحال ان الامر يتعلق بظاهرة اجتماعية وسطية و معممة لا بظاهرة انفرادية. فمن اجل الحصول على فائض القيمة "يجب ان يتمكن صاحب المال من اكتشاف بضاعة في السوق, لها قيمة استعمالية, تتمتع بميزة خاصة هي ان تكون مصدرا للقيمة", اي بضاعة تكون عملية استهلاكها في الوقت نفسه عملية تخلق قيمة. وبالفعل هذه البضاعة موجودة: انها قوة العمل الانساني. ان استهلاكها هو العمل و العمل يخلق القيمة. ان صاحب المال يشتري قوة العمل بقيمتها التي يحددها, كما يحدد قيمة كل بضاعة اخرى, وقت العمل الضروري اجتماعيا لانتاج البضاعة (اي نفقات اعالة العامل و عائلته). و حين يشتري صاحب المال قوة العمل يصبح من حقه ان يستهلكها اي ان يجعلها تعمل طوال النهار ولنقل 12 ساعة. و لكن العامل حين يشتغل 6 ساعات (اي وقت العمل "الضروري") يعطي انتاجا يغطي نفقات اعالته و في الساعات الست الاخرى (اي وقت العمل "الزائد") يعطي انتاجا "زائدا" لا يدفع الراسمالي اجرة عنه اي يعطي فائض القيمة. وبالتالي فمن وجهة نظر عملية الانتاج يجب ان نميز قسمين في الراسمال: الراسمال الثابت الذي ينفق على وسائل الانتاج (الات, و ادوات عمل, و مواد اولية الخ.) وتنتقل قيمته كما هي (دفعة واحدة او دفعات) الى المنتوج التام الصنع, و الراسمال المتغير (المتحرك) الذي ينفق على قوة العمل. و قيمة هذا الراسمال لا تظل ثابتة بل تنمو في عملية الانتاج, اذ تخلق فائض القيمة. وعليه فمن اجل التعبير عن درجة استثمار الراسمال لقوة العمل يجب مقارنة فائض القيمة لا بالراسمال كله بل بالراسمال المتغير. ان معدل فائض القيمة الاسم الذي اطلقه ماركس على هذه العلاقة سيكون في مثلنا 636 او 100 بالمائة. ان المقدمة التاريخية لظهور راسمال هي في الدرجة الاولى تراكم كمية معينة من المال في ايدي عدد من الافراد في حين بلغ انتاج البضائع درجة ارتفاع نسبي, و هي, في الدرجة الثانية, وجود عمال "احرار" من وجهتين: من وجهة انهم احرار من كل تضييق و من كل تقيد في بيع قوة عملهم, و احرار لانهم لا يملكون ارضا و لا وسائل انتاج بوجه عام, اي وجود عمال احرار و غير مقيدين, اي وجود عمال "بروليتاريين" لا يستطعيون العيش بغير قوة عملهم. ان ازدياد فائض القيمة امر ممكن بفضل وسيلتين اساسيتين: تمديد يوم العمل ("قيمة زائدة مطلقة") و التقليص في يوم العمل الضروري ("قيمة زائدة نسبية"). وعندما يحلل ماركس الوسيلة الاولى يرسم لوحة رائعة لنضال الطبقة العاملة في سبيل تقليص يوم العمل و لتدخل سلطة الدولة في سبيل تمديده (من القرن الرابع عشر الى القرن السابع عشر) و في سبيل تقليصه (تشريع المصانع في القرن التاسع عشر). و منذ نشر كتاب "راس المال" قدم تاريخ الحركة العمالية في جميع البلدان المتمدنة في العالم عددا لا يحصى من الوقائع الجديدة التي تبرهن على صدق هذه اللوحة. ان ماركس عند تحليله فائض القيمة النسبية يدرس المراحل التاريخية الاساسية الثلاث لزيادة انتاجية العمل من قبل الراسمالية: 1. التعاون البسيط, 2. تقسيم العمل و المانيفاكتورة, 3. الالات و الصناعة الكبرى. ان العمق الذي يكشف به ماركس الخطوط الاساسية النموذجية لتطور الراسمالية يظهر فيما يظهر من كون دراسة الصناعة المسماة الصناعة "الحرفية" في روسيا تقدم ادلة وافرة جدا توضح و تبرز المرحلتين الاولتين من هذه المراحل الثلاث. اما عمل الصناعة الميكانيكية الضخمة الثوري الذي وصفه ماركس في 1867 فقد ظهر خلال نصف القرن المنصرم منذ ذلك الحين في عدة بلدان "جديدة" (روسيا و اليابان و غيرهما). وبعد فان الامر الهام و الجديد الى اقصى حد عند ماركس هو تحليل تراكم الراسمال اي تحول قسم من فائض القيمة الى راسمال و استعماله لا لسد حاجات الراسمالي الشخصية او لارضاء نزواته بل للانتاج من جديد. لقد اشار ماركس الى خطا الاقتصاد السياسي الكلاسيكي السابق كله (ابتداء من ادم سميث) الذي يعتبر ان كل فائض القيمة التي تتحول الى راسمال تذهب الى الراسمال المتغير بينما هي في الحقيقة تنقسم الى وسائل انتاج و راسمال متغير. و في عملية تطور الراسمالية و تحولها الى الاشتراكية يرتدي ازدياد حصة الراسمال الثابت بمزيد من السرعة (من اصل مجمل راس المال) بالقياس الى حصة الراسمال, المتغير اهمية اولية. ان تراكم الراسمال بتعجيله في احلال الالة محل العمال وبخلقه الثراء في قطب, و البؤس في قطب اخر, يخلق ايضا ما يسمى "باحتياطي جيش العمل" او "الفائض النسبي من العمال" او "فيض السكان الراسمالي" الذي يرتدي اشكالا متنوعة الى اقصى حدود التنوع, و يمكن الراسمال من ان يوسع الانتاج بسرعة بالغة. ان هذه الامكانية اذا نسقت مع التسليف وتراكم الراسمال بشكل وسائل الانتاج تعطينا فيما تعطيه مفتاحا لفهم ازمات فيض الانتاج التي كانت في البدئ تحصل على نحو دوري في البلدان الراسمالية مرة في كل عشر سنوات تقريبا و من ثم في فترات اقل تقاربا و اقل ثباتا. و يجب التمييز بين تراكم الراسمال على اساس الراسمالية و التراكم المسمى بالتراكم "البدائي" الذي يتصف بفصل الشغيل فصلا عنيفا عن وسائل الانتاج و يطرد الفلاحين من اراضيهم و بسرقة الاراضي المشاعية و بنظام المستعمرات و بالديون العامة و برسوم الحماية الخ...ان "التراكم البدائي" يخلق البروليتاري "الحر" في قطب, و في قطب اخر القابض على المال, الراسمالي. ويصف ماركس "الاتجاه التاريخي للتراكم الراسمالي" بهذه العبارات المشهورة: "ان انتزاع ملكية المنتجين المباشرين يتم باشد النزعات الى الهدم و التدمير بعدا عن الشفقة وبدافع من احط المشاعر و احقرها و اشدها تفاهة و حقدا. فالملكية الخاصة المكتسبة بعمل المالك" (عمل الفلاح و الحرفي) "و القائمة اذا جاز التعبير على اندماج الشغيل الفردي المستقل مع ادوات و وسائل عمله تزيحها الملكية الخاصة الراسمالية التي ترتكز على استثمار قوة عمل الغير الذي لا يتمتع بغير حرية شكلية ...اما من يتعلق الامر الان بانتزاع ملكيته فلم يعد المقصود العامل الذي يدير استثمارة مستقلة بنفسه بل الراسمالي الذي يستثمر العديد من العمال. ان انتزاع الملكية هذا يتم بفعل القوانين الملازمة للانتاج الراسمالي نفسه عن طريق تمركز الرساميل. ان راسماليا واحدا يقضي على الكثيرين من امثاله. و الى جانب هذا التمركز اي انتزاع بعض الراسماليين ملكية عدد كبير من امثالهم يتطور الشكل التعاوني لسير العمل على مقياس يتسع اكثر فاكثر كما يتطور تطبيق العلم على التكنيك تطبيقا فطنا و متعقلا و استثمار الارض استثمارا منهجيا وتحويل وسائل العمل الى وسائل للعمل لا يمكن استعمالها الا استعمالا مشتركا و توفير جميع وسائل الانتاج باستعمالها كوسائل انتاج لعمل اجتماعي منسق و دخول جميع الشعوب في شبكة السوق العالمية و تتطور الى جانب كل ذلك الصفة العالمية للنظام الراسمالي. و بقدر ما يتناقص باستمرار عدد دهاقنة الراسمال الذين يغتصبون و يحتكرون جميع منافع عملية التحول هذه بقدر ما يشتد و يستشري البؤس و الظلم و الاستعباد و الانحطاط و الاستثمار و بقدر ما يزداد ايضا تمرد الطبقة العاملة التي تتثقف و تتحد و تنتظم بفعل الية عملية الانتاج الراسمالي نفسها. وهكذا يصبح احتكار الراسمال قيد لاسلوب الانتاج الذي نشا معه و به. ان تمركز وسائل الانتاج و جعل العمل الاجتماعيا ينتهيان الى حد انهما لا يعودان يتطابقان مع اطارهما الراسمالي فينفجر. ان الساعة الاخيرة للملكية الخاصة الراسمالية تدق. ان مغتصبي الملكية تنزع منهم ملكيتهم" ("راس المال", المجلد الاول). ثم ان ما هو جديد و ذو اهمية كبرى انما هو تحليل ماركس في المجلد الثاني من "راس المال" لتجديد انتاج الراسمال الاجتماعي بمجموعه. و هنا ايضا لا ياخذ ماركس بعين الاعتبار ظاهرة عامة و لا جزءا من الاقتصاد الاجتماعي بل الاقتصاد الاجتماعي بكليته. ان ماركس عند اصلاحه خطا الكلاسيكيين المشار اليهم انفا يقسم مجموع الانتاج الاجتماعي الى قسمين كبيرين: اولا, انتاج وسائل الانتاج و ثانيا, انتاج سلع الاستهلاك. ثم, بالاستناد الى ارقام ياخذها على سبيل المثال يدرس درسا دقيقا تداول الراسمال الاجتماعي بمجموعه سواء في تجديد الانتاج البسيط ام في التراكم. و في المجلد الثالث من "راس المال" تجد مسالة المعدل الوسطي للربح حلا لها بالاستناد الى قانون القيمة. ولقد تححق تقدم كبير في العلم الاقتصادي نظرا الى ان ماركس يبني تحليله على ظواهر اقتصادية كثيرة على مجموع الاقتصاد الاجتماعي لا على ظواهر منعزلة او على مظهر المزاحمة الخارجي السطحي الذي غالبا ما يقف عنده الاقتصاد السياسي المبتذل او ما يسمونه نظرية الحد الاقصى من النفع الحديثة.30 ان ماركس يحلل في الدرحة الاولى مصدر فائض القيمة ليدرس بعد ذلك انقسامها الى ربح و فائدة و ريع عقاري. اما الربح فهو نسبة القيمة الزائدة الى مجموع الراسمال الموظف في مشروع ما. و الراسمال "ذو التركيب العضوي العالي"(اي عندما يتجاوز الراسمال الثابت الراسمال المتغير بنسب اعلى من المعدل الاجتماعي الوسطي) يعطي معدلا من الربح ادنى من المعدل الوسطي. و الراسمال "ذو التركيب العضوي المنخفض" يعطي معدلا من الربح اعلى من المعدل الوسطي. ان تزاحم الراساميل و انتقالها الحر من فرع الى اخر يحملان في الحالتين معدل الربح الى المعدل الوسطي. ان مجموع قيم جميع البضائع في مجتمع معين يوازي مجموع اثمان البضائع ولكن في كل مشروع بمفرده و بفعل المزاحمة تباع البضائع لا بحسب قيمتها بل بسعر الانتاج ( او السعر الانتاجي) الذي يعادل الراسمال المصروف مضافا اليه الربح الوسطي. وهكذا فان انحراف السعر عن القيمة و التوزيع المتساوي للربح – هذا الواقع الذي لا يقبل الجدل و المعروف لدى الجميع – يوضحه ماركس تمام الايضاح بالاستناد الى قانون القيمة اذ ان مجموع قيم جميع البضائع يعادل مجموع اسعارها. ولكن الطريق من القيمة (الاجتماعية) الى الاسعار (الافرادية) ليس بسيطا و مباشرا بل طريق معقد جدا. فمن الطبيعي تماما في مجتمع يكون فيه منتجو البضائع متفرقين و غير مرتبطين فيمن بينهم الا بواسطة السوق ان لا يسري مفعول القوانين الا بصورة وسطية اجتماعية عامة مع ازالة الانحرافات الافرادية من هذه الجهة و تلك. ان ازدياد انتاجية العمل يعني نموا اسرع في الراسمال الثابت بالقياس الى الراسمال المتغير. ولكن لما كانت فائض القيمة لا ترتبط الا بالراسمال المتغير اصبح من المفهوم ان يميل معدل الربح (اي نسبة فائض القيمة الى مجموع الراسمال لا الى القسم المتغير منه فقط) الى الهبوط. ان ماركس يحلل تحليلا دقيقا جدا هذا الميل كما يحلل الظروف التي تخفيه او تعاكسه. ودون ان نتوقف عند الفصول العظيمة الاهمية في المجلد الثالث المكرسة لراسمال الربا و الراسمال التجاري و الراسمال النقدي ننتقل الى الجزء الاكثر اهمية الا وهو نظرية الريع العقاري. لما كانت مساحة الارض محدودة و يشغلها تماما في البلدان الراسمالية ملاكون فرديون اصبح ثمن انتاج المنتجات الزراعية لا يتحدد بواسطة نفقات الانتاج على ارض وسطية بل على ارض من النوع الاسوا و لا بواسطة الشروط الوسطية لنقل المنتجات الى السوق بل تبعا للشروط الاقل ملاءمة. ان الفرق بين هذا الثمن و ثمن الانتاج على الارض اجود نوعا (او في شروط احسن) يعطي الريعي الفرقي (المتفاوت). ان ماركس بالاستناد الى تحليل مفصل لهذا الريع يبين فيه ان هذا الريع ينجم عن التفاوت ( الفرق) في جودة الاراضي و عن تفاوت (فرق) الرساميل الموظفة في الزراعة قد اوضح وضوحا تاما (انظر ايضا "نظريات فائض القيمة" حيث يستحق انتقاد رودبرتوس اهتماما خاصا) خطا ريكاردو الذي يزعم ان الريع الفرقي لا يحصل الا بالانتقال الدائم من اراض اكثر جودة الى اراض اقل جودة. فالامر على خلاف ذلك: فان تغيرات معاكسة قد تحدث ايضا. فالاراضي من فئة معينة تتحول الى اراض من فئة اخرى (بفعل ارتفاع مستوى الزراعة و نمو المدن الخ.). و القانون الشهير"قانون تناقص خصب التربة" يبدو بمثابة خطا عميق يرمي الى القاء عيوب الراسمالية و حدودها الضيقة و تناقضاتها على كاهل الطبيعة. ثم ان تساوي الربح في جميع فروع الصناعة و الاقتصاد الوطني بوجه عام يفترض حرية تامة في المزاحمة و حرية نقل الراسمال من فرع الى اخر. و لكن الملكية الخاصة للارض تخلق احتكارا و عقبة في وجه حرية النقل هذه. ان منتجات الزراعة التي تتميز بتركيب منخفض في راسمالها و التي تعطي بالتالي معدلا اعلى للربح الفردي لا تدخل بفعل هذا الاحتكار في عملية تساوي معدل الربح الحرة تماما. فالمالك الذي يحتكر الارض يتمكن من ابقاء السعر في معدل اعلى من الوسط و هذا السعر الاحتكاري يخلق الريع المطلق. ان الريع الفرقي لا يمكن الغاؤه في النظام الراسمالي و عكسا لذلك يمكن الغاء الريع المطلق بتاميم الارض مثلا عندما تصبح الارض ملكا للدولة. ان اتقال الارض هذا الى الدولة يعني تقويض احتكار الملاكين الفرديين و يعني ايضا حرية في المزاحمة اكثر انسجاما و اكتمالا في الزراعة. و لهذا كما يقول ماركس تقدم البرجوازيون الراديكاليون اكثر من مرة في التاريخ بهذا المطلب البرجوازي التقدمي القائل بتاميم الارض. هذا المطلب الذي يخيف مع ذلك اكثر البرجوازية لانه "يمس" عن قرب احتكارا اخر له في ايامنا هذه اهمية خاصة و "حساسية" خاصة و هو احتكار وسائل الانتاج بوجه عام. (ان هذه النظرية حول الربح الوسطي للراسمال و حول الريع العقاري المطلق قد عرضها ماركس باسلوب رائع بسيط و مختصر وواضح في رسالته الى انجلز بتاريخ 2 اب/اوت سنة 1862. انظر "المراسلات", المجلد الثالث, ص 77-81, و رسالته المؤرخة في 9 اب/اوت سنة ,1862 ص 86-87, المصدر نفسه). ومن الاهمية بمكان ايضا الاشارة في تاريخ الريع العقاري الى تحليل ماركس الذي يبين تحول الريع-العمل (عندما يخلق الفلاح نتاجا اضافيا بعمله في ارض الملاك) الى ريع-انتاج او الى ريع عيني (عندما يخلق الفلاح على ارضه نتاجا اضافيا يقدمه للملاك بموجب "الاكراه غير الاقتصادي") ثم الى ريع نقدي (اذ اذ يتحول هذا الريع العيني الى نقد – "اوبروك" اي اتاوة في روسيا القديمة – بسبب تطور انتاج البضائع) و اخيرا الى ريع راسمالي عندما يحل محل الفلاح في الزراعة رب عمل يزرع الارض باللجوء الى العمل الماجور. و لنشر بصدد هذا التحليل "لتولد الراع العقاري الراسمالي" الى جملة من افكار ماركس العميقة (ذات الاهمية الخاصة بالقياس الى البلدان المتاخرة كروسيا مثلا) حول تطور الراسمالية في الزراعة. "مع تحول الريع العيني الى ريع نقدي, تتكون بالضرورة, في الوقت نفسه و حتى مسبقا, طبقة من المياومين الذين لا يملكون و يعملون بالاجرة. و في الوقت الذي تتكون فيه هذه الطبقة التي لم تكن ظهرت الا ظهورا متفرقا يكون الفلاحون الميسورون الملزمون بدفع اتاوة قد اعتادوا بالطبع استثمار بعض الاجراء الزراعيين لحسابهم الخاص كما كان يحدث تماما في النظام الاقطاعي, حيث كان للفلاحين الاقنان الميسورين اقنان اخرون ايضا. و من هنا كانت تتوافر لهم امكانية جمع الثورة شيئا فشيئا و تحويل انفسهم الى راسماليين مقبلين. وهكذا تتكون بين مالكي الارض القدماء, ممن يديرون استثمارات مستقلة, بيئة تنبت مستاجري الاراضي الراسماليين الذين يرتبط تطورهم بالتطور العام للانتاج الراسمالي خارج الزراعة" ("راس المال", المجلد الثالث, 2, ص 332)..."ان انتزاع ملكية قسم من سكان الارياف و طردهم من الريف لا "يحرران" عمالا ووسائل للعيش و العمل لهم من اجل الراسمال الصناعي و حسب بل يخلقان السوق الداخلية ايضا" ("راس المال", المجلد الاول, 2, ص 778). ان املاق و خراب سكان الارياف يسهمان بدورهما في انشاء جيش احتياطي من العمال للراسمال . لهذا في كل بلد راسمالي "يوجد دائما قسم من سكان الارياف يوشك على الدوام ان يتحول الى سكان مدن او الى سكان يعملون في الصناعة (اي غير زراعيين). وهذا المورد لتزايد السكان النسبي لا ينضب ابدا...فالعامل الزراعي مكره على تقاضي الحد الادنى من الاجرة و يقف دائما على احدى رجليه في مستنقع الاملاق" ("راس المال", المجلد الاول, 2, ص 668). ان ملكية الفلاح الخاصة للاراض التي يزرعها تؤلف اساس الانتاج الصغير تؤلف الشرط الذي يسمح لهذا الانتاج بان يزدهر و ياخذ شكلا كلاسيكيا. و لكن هذا الانتاج الصغير لا ينسجم الا مع الاطارات البدائية الضيقة للانتاج و المجتمع. ففي النظام الراسمالي "لا يتميز استثمار الفلاحين عن استثمار البروليتاريا الصناعية الا من حيث الشكل. فالمستثمر هو هو اي الراسمال كلا بمفرده يستثمرون الفلاحين كلا بمفرده بواسطة الرهن و الربا. ان طبقة الراسماليين تستثمر طبقة الفلاحين بواسطة الضرائب" ("نضال الطبقات في فرنسا"). "ان ارض الفلاح الصغيرة لم تعد سوى ذريعة تتيح للراسمال ان يجني من الارض ربحا و فائدة و ريعا و ان يترك لمالك الارض نفسه امر الاهتمام بالطريقة التي يراها ناجحة للحصول على اجرته" ("18 برومير"). بل ان الفلاح يقدم عادة الى المجتمع الراسمالي اي الى طبقة الراسمالي قسما من اجرته و يقع على هذا النحو "في حالة المكتري الارلندي مع احتفاظه بمظهر المالك الفردي" ("نضال الطبقات في فرنسا"). فما اذن "احد الاسباب التي تؤدي الى ان يكون سعر الحبوب في البلدان التي تسود فيها الملكية الصغيرة للارض اقل منه في البلدان ذات اسلوب الانتاج الراسمالي؟" ("راس المال", المجلد الثالث, 2, ص 340) ذلك ان الفلاح يقدم مجانا الى المجتمع (اي طبقة الراسماليين) قسما من نتاجه الزائد. "ان هذا السعر المنخفض (اي سعر الحبوب و بقية المنتجات الزراعية) ينجم اذن عن فقر المنتجين و لا ينجم ابدا عن انتاجية عملهم". ("راس المال", المجلد الثالث, 2, ص 340). فان الملكية الزراعية الصغيرة التي هي الشكل العادي للانتاج الصغير تتدهور في النظام الراسمالي و تبيد و تهلك. "ان الملكية الصغيرة للارض تحول بحكم طبيعتها دون تطور قوى العمل الانتاجية الاجتماعية و اشكال العمل الاجتماعية و تمركز الرساميل الاجتماعي و تربية المواشي على نطاق كبير و تطبيق العلم تطبيقا مطردا. ان الربا و نظام الضرائب يحتمان خراب الملكية الزراعية الصغيرة في كل مكان. فينتزع من الزراعة الراسمال الموظف لشراء الارض. وتجزا وسائل الانتاج الى ما لانهاية و يتبعثر المنتجون". (ان التعاونيات اي جمعيات الفلاحين الصغار التي تقوم باعظم دور تقدمي برجوازي يمكنها فقط ان تضعف هذا الاتجاه دون ان تمحوه و يجب ان لا ننسى ايضا ان هذه التعاونيات تعطي كثيرا للفلاحين الميسورين و لكنها تعطي قليلا جدا لجمهور الفلاحين الفقراء او لا تعطيهم شيئا تقريبا ثم ان الامر ينتهي بهذه الجمعيات الى ان تستثمر بنفسها العمل الماجور). "فهناك تبذير هائل للقوة الانسانية. ان تفاقم شروط الانتاج تفاقما مطردا و ارتفاع اسعار وسائل الانتاج هما قانونان ملازمان للملكية الصغيرة المجزاة". ("راس المال المجلد الثالث). ففي الزراعة كما في الصناعة لا يظهر تحول الراسمالية اسلوب الانتاج على حساب "شهادة المنتج". "ان تبعثر العمال الزراعيين على مساحات كبرى يحطم قوة مقاومتهم في حين يزيد التجمع قوة مقاومة عمال المدن. و في الزراعة الحديثة الراسمالية كما في الصناعة الحديثة يتم التوصل الى نمو قوة العمل الانتاجية و الى زيادة قابليته للحركة عن طريق تحطيم قوة العمل بالذات و استنفادها. و من جهة اخرى كل تقد للزراعة الراسمالية هو تقدم لا في فن نهب الشغيل فحسب بل في فن نهب الارض ايضا ...فالانتاج الراسمالي اذن لا يطور التكنيك و تنسيق عملية الانتاج الاجتماعية الا باستنزافه في الوقت نفسه الينبوعين اللذين تنبثق منهما كل ثروة: الارض و الشغيل" ("راس المال", المجلد الاول, نهاية الفصل الثالث عشر). الاشتراكية نرى مما تقدم ان ماركس يخلص الى ان المجتمع الراسمالي سيتحول حتما الى مجتمع اشتراكي وهو يستخلص ذلك استخلاصا تاما و على وجه الحصر من القانون الاقتصادي لحركة المجتمع الحديث. ان جعل العمل اجتماعيا ان هذه العملية التي تتقدم بسرعة متزايدة ابدا و بالوف الاشكال و التي ظهرت بوجه خاص خلال النصف القرن الذي انقضى على وفاة ماركس في توسع الصناعة الكبيرة و الكارتيلات و السنديكات و التروستات الراسمالية و في التطور الاسطوري لنسب راس المال المالي و قوته ذلك هو الاساس المادي الرئيسي لمجيء الاشتراكية الذي لا مناص منه. ان المحرك الفكري و المعنوي و العامل المادي لهذا التحول انما هو البروليتاريا التي تثقفها الراسمالية نفسها. ان نضال البروليتاريا ضد البرجوازية, الذي يتخذ اشكالا مختلفة و محتوى يغتني باستمرار , يصبح حتما نضالا سياسيا يرمي الى استيلاء البروليتاريا على الحكم السياسي ("ديكتاتورية البروليتاريا"). و لابد لعملية جعل الانتاج اجتماعيا من ان تجعل وسائل الانتاج ملكية اجتماعية و ان تؤدي الى "انتزاع الملكية من مغتصبيها". ان التزايد الضخم في انتاجية العمل و انقاص يوم العمل و احلال العمل التعاوني المتقن محل بقايا الانتاج الصغير البدائي المبعثر و على انقاضه تلك هي النتائج المباشرة لهذا التحول. ان الراسمالية تقطع نهائيا الروابط التي تصل الزراعة بالصناعة و لكنها في الوقت نفسه تهيئ بتطورها الاكثر تقدما العناصر الجديدة لهذا الترابط و تهيئ اتحاد الصناعة بالزراعة على اساس تطبيق العلم تطبيقا واعيا, و على اساس تنسيق العمل التعاوني و توزيع جديد للسكان (وضع حد لعزلة الريف عن العالم و ما يعانيه من تخلف وعزلة و توحش, و كذلك لتكدس عدد ضخم من السكان في المدن الكبيرة على نحو غير طبيعي). ان الاشكال العليا للراسمالية الحديثة تهيئ شكلا جديدا للعائلة و شروطا جديدة للمراة و لتربية الاجيال الناشئة. فان عمل النساء و الاولاد و احلال العائلة البطريركية بسبب النظام الراسمالي ياخذان حتما في المجتمع الحديث اكثر الاشكال فظاعة و اشدها تدميرا و تنفيرا. ومع ذلك "فالصناعة الكبيرة باعطائها النساء و الاحداث و الاولاد من الجنسين دورا حاسما في عملية الانتاج المنظمة اجتماعيا خارج النطاق العائلي تخلق اساسا اقتصاديا جديدا لشكل اعلى من اشكال العائلة و العلاقات بين الجنسين. و من الخرق طبعا ان يعتبر بمثابة شيء مطلق سواءا الشكل الجرماني المسيحي للعائلة ام الاشكال القديمة الرومانية و اليونانية و الشرقية التي تؤلف من جهة اخرى سلسلة واحدة من التطورات التاريخية المتعاقبة. و من البديهي ايضا ان تركيب الهيئة العمالية المختلطة عن طريق اجتماع افراد من الجنسين و من مختلف الاعمار – مع كونه في شكله الرسمي العفوي الفظ حيث العامل موجود من اجل عملية الانتاج و ليس عملية الانتاج موجودة من اجل العامل يؤلف ينبوعا موبوءا للافساد و الاستعباد – ان هذا التركيب يجب ان يتحول بالعكس في ظروف مؤاتية الاى ينبوع الى التطور الانساني" ("راس المال" المجلد الاول نهاية الفصل الثالث عشر). ان نظام المصنع يبين لنا "بذور التربية في المستقبل هذه التربية التي ستوحد العمل المنتج لجميع الاولاد فوق سن معينة مع التعليم و الرياضة و ذلك ليس فقط بمثابة طريقة تهدف الى زيادة الانتاج الاجتماعي بل بمثابة الطريقة الوحيدة الفريدة لانتاج رجال متطورين من كل النواحي" (المصدر نفسه). وعلى الاساس التاريخي نفسه تضع اشتراكية ماركس قضيتي القومية و الدولة لا لتفسير الماضي و حسب بل لتحديد التنبؤات بجراة و للقيام بعمل مقدام في سبيل تحقيقها. ان الامم هي الانتاج و الشكل الحتميان للمرحلة البرجوازية من التطور الاجتماعي. ان الطبقة العاملة لم تستطع ان تقوي نفسها و تنضج و تتطون الا "بتكوين نفسها ضمن الحدود القومية" دون ان تكون "قومية " ("وان لم يكن اطلاقا بالمعنى البرجوازي للكلمة"). و الحال ان تطور الراسمالية لا ينفك يحطم الحدود القومية و يهدم العزلة القومية يحل التناحرات الطبقية محل التناحرات القومية. و لهذا يكون من الصحيح تماما "ان ليس للعمال وطن" في البلدان الراسمالية المتطورة و ان "توحيد جهود" العمال في البلدان المتمدنة على الاقل "هو احد الشروط الاولية لتحرر البروليتاريا" ("البيان الشيوعي"). اما الدولة, هذا العنف المنظم, فقد ظهرت ظهورا حتميا عند درجة معينة من تطور المجتمع, حينما اصبح المجتمع منقسما الى طبقات, لا يمكن التوفيق بينها و لم يعد في طوقه ان يعيش بدون "سلطة" موضوعة كما يزعم فوق المجتمع و مفصولة عنه الى حد ما. و هذه الدولة التي ولدت في قلب التناحرات الطبقية تصبح "دولة الطبقة الاقوى الطبقة المسيطرة اقتصاديا و التي تغدو ايضا بفضل الدولة الطبقة المسيطرة سياسيا, و هكذا تكتسب وسائل جديدة لاخضاع الطبقة المظلومة و استثمارها. و على هذا النحو كانت الدولة القديمة قبل كل شيء دولة ملاكي عبيد لاخضاع العبد كما ان الدولة الاقطاعية كانت جهاز النبلاء لاخضاع الفلاحين الاقنان و كما ان الدولة التمثيلية الحديثة هي اداة استثمار الراسماليين للعمال الماجورين" (انجلس في كتاب "اصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة" حيث عرض وجهات نظره ووجهات نظر ماركس). وحتى الشكل الاوفر حرية و الاكثر تقدما للدولة البرجوازية و نعني به الجمهورية الديمقراطية لا يلغي ابدا هذا الواقع بل يعدل شكله فقط (ارتباط الحكومة بالبورصة, رشوة الموظفين و الصحافة, على نحو مباشر و غير مباشر الخ.). ان الاشتراكية اذ تقود الى الغاء الطبقات تقود بالتالي الى الغاء الدولة. "ان اول عمل تثبت به الدولة فعلا انها تمثل المجتمع باسره – اي الاستيلاء على وسائل الانتاج في صالح المجتمع باسره – هو في الوقت نفسه اخر عمل خاص بها بوصفها دولة. ان تدخل سلطة الدولة في العلاقات الاجتماعية يصبح نافلا في ميدان بعد اخر ثم يتلاشى من تلقاء نفسه. و محل حكم الاشخاص تحل ادارة الاشياء و قيادة عملية الانتاج. ان الدولة "لا تلغى", انها "تضمحل" (انجلس, "ضد دوهرنغ"). "ان المجتمع الذي سينظم الانتاج على اساس المشاركة الحرة المتساوية بين المنتجين سيعيد كل الة الدولة الى المكان اللائق بها: متحف الاثار الى جانب المغزل اليدوي و الفاس البرونزية (انجلس, "اصل العائلة و الملكية الخاصة و الدولة"). واخيرا من الاهمية بمكان ان نشير في معرض موقف اشتراكية ماركس من الفلاح الصغير الذي سيبقى موجودا ايضا في مرحلة انتزاع الملكية من مغتصبيها الى هذا البيان من انجلس الذي يعبر عن راي ماركس: "عندما تصبح سلطة الدولة في ايدينا لن يكون بالامكان ان يخطر ببالنا ان ننتزع ملكية الفلاحين الصغار بعنف (بتعويض او بغير تعويض سيان) مثلما سنكون مضطرين لان نفعل بالنسبة لكبار الملاكين العقاريين. ان مهمتنا تجاه الفلاح الصغير ستكون قبل كل شيء توجيه انتاجه الخاص في السبيل التعاوني, لا بواسطة العنف, بل عن طريق المثل و تقديم مساعدة المجتمع لهذا الغرض. و من المؤكد ان سيكون لدينا ما يكفي من الوسائل لاقناع الفلاح بجميع المزايا التي يتسم بها هذا التحول و التي لا بد من توضيحها له منذ الان". (انجلس, "مسالة الفلاحين في فرنسا و المانيا". طبع الكسييفا, صفحة 17. الترجمة الروسية باغلاط. النص الاصلي في جريدة Neue Zeit). تاكتيك نضال البروليتاريا الثوري لما كان ماركس قد ابصر جليا منذ 1844-1845 احدى النواقص الاساسية في المادية القديمة وهي ان المادية القديمة لم تعرف كيف تفهم شروط النشاط العملي الثوري و لا ان تقدر اهميته فانه الى جانب اعماله النظرية قد اعار طوال حياته انتباها دائبا لمسائل تاكتيك نضال البروليتاريا الطبقي. و من هذه الناحية تقدم جميع مؤلفات ماركس مراجع غنية و لا سيما مراسلاته مع انجلس المنشورة عام 1913 في اربع مجلدات. ان هذه المراجع ما تزال بعيدة عن ان تكون كلها مجموعة و مصنفة و مدروسة و معمقة. ولهذا يترتب علينا ان نكتفي هنا باعم الملاحظات و اوجزها مع الاشارة الى ان ماركس كان يعتبر بحق ان المادية اذا جرت من هذا الجانب كانت غير كاملة و وحيدة الجانب و عديمة الحيوية. لقد كان ماركس يحدد المهمة الاساسية لتاكتيك البروليتاريا بالتوافق الدقيق مع جميع مقدمات مفهومه المادي-الديالكتيكي. ان حسبان الحساب بشكل موضوعي لمجموع العلاقات بين جميع الطبقات في مجتمع معين دون استثناء و بالتالي حسبان الحساب للدرجة الموضوعية لتطور هذا المجتمع و للعلاقات بينه و بين سائر المجتمعات يمكن له وحده ان يكون اساسا لتكتيك صحيح للطبقة المتقدمة. و عليه ينظر الى جميع الطبقات و جميع البلدان لا من حيث مظهرها الثابت بل من حيث مظهرها المتحرك اي لا في حالة الجمود بل في حالة الحركة (الحركة التي تنبثق قوانينها من الشروط الاقتصادية لمعيشة كل طبقة). و الحركة بدورها ينظر اليها لا من وجهة نظر الماضي و حسب بل من وجهة نظر المستقبل ايضا و فضلا عن ذلك ينظر اليها لا وفقا للمفهوم المبتذل "للتطوريين" الذين لا يلاحظون سوى التحولات البطيئة بل وفقا للديالكتيك. فقد كتب ماركس الى انجلس يقول: "في التطورات التاريخية الكبرى ليست عشرون سنة اكثر من يوم واحد مع انه قد تاتي فيما بعد ايم تضم في احشائها عشرين سنة" ("المراسلات", المجلد الثالث, صفحة 167). و في كل درجة من التطور و في كل لحظة يجب على تاكتيك البروليتاريا ان ياخذ بعين الاعتبار هذا الديالكتيك الحتمي موضوعيا لتاريخ الانسانية: و ذلك من جهة باستخدام مراحل الركود السياسي اي مراحل التطور "الهادئ" – كما يزعم- الذي يتقدم بخطى السلحفاة من اجل تطوير الوعي و القوى و القدرة النضالية لدى الطبقة المتقدمة و من جهة اخرى بالاتجاه في كل هذا العمل نحو "الهدف النهائي" لحركة هذه الطبقة بجعلها قادرة علة ان تحل عمليا المهمات الكبرى للايام العظيمة "التي تضم في احشائها عشرين سنة". ثمة بحثان لماركس بهذا الصدد يرتديان اهمية خاصة. الاول في كتابه "بؤس الفلسفة" ويتعلق بنضال البروليتاريا الاقتصادي و بمنظماتها الاقتصادية و الاخر في "البيان الشيوعي" و يتعلق بمهمات البروليتاريا السياسية. ام الاول فقد ورد كما يلي: "ان الصناعة الكبرى تجمع في مكان واحد جمهورا من الناس لا يعرف بعضهم بعضا. و المزاحمة تفرق مصالحهم. و لكن وقاية الاجرة هذه المصلحة المشتركة بينهم ضد سيدهم تجمعهم في فكرة واحدة فكرة المقاومة و التحالف...ان التحالفات تبدا منعزلة ثم تتالف في جماعات و بوجه الراسمال المتجمع على الدوام يغدو حفاظ العمال على اتحاداتهم اهم بنظرهم من وقاية الاجرة...و في هذا النضال – هذه الحرب الاهلية الحقيقة – تتجمع و تتطور جميع العناصر الضرورية لمعركة مقبلة. و عند بلوغ هذه النقطة ياخذ التحالف طابعا سياسيا". ان لدينا هنا برنامج و تاتيك النضال الاقتصادي و الحركة النقابية لبضع عشرات السنين لكل المرحلة الطويلة من تحضير قوى البروليتاريا "لمعركة مقبلة". و تجدر المقارنة بين ذلك و بين اشارات ماركس و انجلس العديدة المبنية على تجربة الحركة العمالية الانجليزية و التي تبين كيف ان "الازدهار" الصناعي يستثير محاولات "لشراء العمال" ("المراسلات, المجلد الاول, صفحة 136), و صرفهم عن النضال, و كيف ان هذا الازدهار "يفسد معنويات العمال" بوجه عام (المجلد الثاني صفحة 218) و كيف ان البروليتاريا الانجليزية "تتبرجز" و كيف ان "الامة الاكثر برجوازية بين الامم" (الامة الانج | |
|