موسى وتبرير المفاوضات المباشرة
رأي القدس
2010-09-17
السيد عمرو موسى امين عام جامعة الدول العربية كان من اشد المعارضين للمفاوضات المباشرة بين الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي، وارشيف الجامعة التي يتزعمها مزدحم بالتصريحات التي تشدد على ضرورة عدم الذهاب اليها دون تحقيق اي تقدم في المفاوضات غير المباشرة التي عارضها بشدة ايضا.
بالامس طالب السيد موسى، وفي مؤتمر صحافي عقده على هامش اجتماع وزراء الخارجية العرب، باعطاء المفاوضات المباشرة فرصة قبل الحكم عليها، واكد ان الدول العربية ستشجع اي تقدم حقيقي وذي قيمة يتحقق في هذه المفاوضات.
هذه المواقف المتغيرة، والمتناقضة في الوقت نفسه، تعكس حالة الضعف التي يعيشها النظام الرسمي العربي في ابشع صورها. فمن الملاحظ ان وزراء الخارجية العرب يتراجعون عن مواقفهم دائما ويتبنون الخطوات الامريكية والاسرائيلية بالكامل ويحاولون خلق المبررات لهذا التراجع بالاستعانة بالخبرات اللغوية والاعلامية للسيد موسى، وهو دائما لا يخيب ظنهم مطلقا، فجعبته حافلة بالمفردات والجمل القادرة على توفير غطاء لهذه التراجعات.
لا نفهم ما هو الغرض من القول باعطاء فرصة للمفاوضات المباشرة، ونحن نرى ان هذه المفاوضات تتم تطبيقا للشروط الاسرائيلية كافة، واستجابة لضغوط امريكية على الجانبين العربي والفلسطيني معا.
وربما يجادل السيد موسى ووزراء خارجية عرب آخرون بالقول انهم يريدون ان يفضحوا المواقف الاسرائيلية، ويكشفوا عرقلة حكومة نتنياهو لعملية السلام في المنطقة، وان يجنبوا الطرفين العربي والفلسطيني اي لوم في حال فشل المفاوضات.
اسرائيل افشلت المفاوضات عدة مرات في السابق، ولا بد من التذكير ان هذه المفاوضات مستمرة في صيغها السرية والعلنية، المباشرة وغير المباشرة، المفتوحة منها والمغلقة، منذ سبعة عشر عاما، وبالتحديد منذ توقيع اتفاقات اوسلو في حديقة البيت الابيض، وكان الطرف الاسرائيلي هو دائما الذي يلجأ الى نسفها، سواء بالحروب مثلما حدث اثناء العدوان على قطاع غزة في كانون الاول (ديسمبر) عام 2008، او باعادة احتلال مناطق السلطة مثلما حدث في آذار (مارس) عام 2002، او برفض الالتزام بالاتفاقات الموقعة مثلما فعل نتنياهو باتفاق واي ريفر، او اتفاق الخليل عام 1998، عندما قرر الدعوة الى انتخابات نيابية عامة للتنصل من تبعاته.
القضية الفلسطينية تختصر حاليا في بند واحد وهو قبول حكومة بنيامين نتنياهو بتمديد تجميد الاستيطان في الاسبوع المقبل، اما المضي قدما في تهديداتها باستئنافه، وسط تهديدات فلسطينية مضادة بالانسحاب من المفاوضات اذا لم يتم العمل بقرار التجميد في الفترة المقبلة.
الاسرائيليون سيحاولون الالتفاف حول هذه المسألة بايجاد صيغة حل وسط تسمح باستئناف البناء في المستوطنات دون اعلان وبما يؤدي الى الحفاظ على حكومة نتنياهو اليمينية. وستمارس الولايات المتحدة ضغوطها مرة اخرى لاجبار الفلسطينيين على التراجع عن تهديداتهم هذه مثلما حدث في المرات السابقة.
فعندما يعلن الدكتور سلام فياض ان ميزانية السلطة تعاني من عجز مالي يصل الى 400 مليون دولار، وانها ربما لا تتمكن من دفع الرواتب، وتقدم لها دولة الامارات معونة عاجلة في حدود 40 مليون دولار لانقاذ الموقف بشكل مؤقت، فإن علينا ان لا نستبعد الاستمرار في المفاوضات حتى في ظل استئناف سري او علني محدود للاستيطان. ولعل تصريح السيد موسى بضرورة اعطاء فرصة للمفاوضات المباشرة هو الغطاء الذي ستتدثر فيه السلطة ومفاوضوها لتبرير خطوتهم هذه.