رقم قومي للاشباح
لاأدري لماذا انتابني هذا الإحساس الغريب بأنني جالس في الأتوبيس إلى شبح، كنت أحاول التدقيق في المقعد بجانبي، لم استطع على الإطلاق تبين ملامح ذلك الكائن الذي يرتدي جلبابا اسود، وملامحه لاتبدو أنها ملامح بشر، وربما ليست ملامح معروفة لي على الإطلاق، لكنني كنت ألاحظ شفاهه الزرقاء بعناية، لم تكن شفتان فقط، كانت عدة شفاه متراصة فوق بعضها البعض، كأن شفاها، شفاها وحيدة قد علقت بداخل تلك الثياب السوداء، التي كانت تشبه ثياب جدتي في تلك القرية البعيدة، لكن لايبدو شيئا آخر ظاهرا، كان كثير التلفت، كثير الكلام مع نفسه.
سأني الشبح:
- لما تيجى محطة الرقم القومي قوللى ياابني؟
لاأدري لماذا بدأت أتشكك في الموقف برمته، كان هناك شئ غير اعتيادي هذا الصباح، وكان الجميع صامتون كالعادة إلا هؤلاء النسوة الجالسات في الخلف بملابسهن الفقيرة، ووجوهن التي امتلأت بتلك البقع البيضاء من أثر الجوع وأنيميا تاريخية لاتفارق أبناء الأهرامات التي كانت تتطلع إلينا في الخلف، أتشكك في نفسي أنا أيضا، كأنني لم أخرج من البيت هذا الصباح ذو الشمس الغائبة والأمطار المتربة، والطرقات التي امتلأت بنقاط ترابية بفعل الأمطار التي امتزجت بالأتربة المعلقة في الهواء، كان منظر الطرقات عجيبا، كجسد عجوز امتلأ ببثور لانهائية، ينتظر لحظة موته التي لاتجيئ.
عدت أتشكك من جديد، لماذا سالني أنا الشبح وحدي دون من في الأتوبيس جميعا، كأنني أحاول أن أجيبه بعبارات تاريخية لامعنى لها، كنت أشعر بأنني ضفدع على وشك الوثوب إلى بركة ماء جافة، أرتعد داخلي، لكنني أحاول الابتسام، خرجت من فمي تلك الكلمات لاأعرف كيف :
- أول ماتيجي المحطة هاأقولك
وعدت لأفكاري التي امتلأت باشواك تخز عقلي، وفكرت أيضا بأن عقلي لم يعد موجودا، وان ماأشاهده لوحة لفنان لاينتمي لحقبة سريالية أو ماتحت السريالية، تطلعت إلى أسفل قليلا كانت الثياب السوداء تفترش المقعد ولاتبدو تحتها أي إشارات لجسد يحشوها، كان فارغا تماما، ظللت أبتسم حتى المحطة، وحين التفت جانبي، لم أجد الشبح، ولم أكن أنا نفسي في داخل العربة، كنا نجلس هناك على الرصيف الممتلئ بالبثور في طابور طويل، طويل للغاية، في انتظار الحصول على بطاقة الرقم القومي للأشباح.