يطغى الحدث
والشأن السياسي على كل الشئون الأخرى بما فيها الشأن الثقافي ، هذا الطغيان
يسري على حياتنا في أغلب الأحوال ، وحتى في ظل غياب الحدث السياسي المحلي
الذي يستحق الاهتمام فإن الحديث الرسمي يتجه نحو أولويات التنمية والحفاظ
على الاستقرار الذي تهدده قوى وهمية تتربص بالبلد دون أن يتمكن أحد من
رؤيتها أو تشخيصها .
وهكذا تظل
الثقافة في آخر القائمة باعتبارها في وجهة النظر الرسمية مجرد ترف يحلم به
مجموعة من العاطلين وأنصاف المجانين .
وتظل إمكانية
انتعاش الساحة الثقافية ودعم مناشطها مرتهنة لمزاج المعنيين بهذا الأمر ،
رغم أن أي نشاط يقومون به إنما ينطلق من زاوية مراكمة ما يسمى بالمنجزات في
خطابهم الإعلامي الذي يختزل أي نشاط أو إنجاز ثقافي في شخص هذا المسئول أو
ذاك ، دون وضع أي اعتبار للمهام والوظائف البديهية التي أنشأت من اجلها
هذه المؤسسات التي يمارسون عبر إدارتهم لأنشتطها وواجباتها الطبيعية سياسة
المن على المثقفين .
وبسبب هذه
الشخصنة تصبح مشكلة المؤسسات الثقافية الرسمية عموماً أنها عندما تتغير
قياداتها تعود إلى البداية من الصفر دون أن تستثمر أي تراكم سابق لأنها
تفتقر إلى العمل المؤسسي وتعطي الأولوية للأفراد القائمين عليها الذين لا
يعملون وفق خطط واستراتيجيات معلنة ، بل يتحركون في أدائهم وفقاً للمزاج
الشخصي .
كما أن مشكلتنا كمثقفين أننا ننساق مع نفس التوجه فنحاكم الأشخاص دون النظر
إلى الظروف العامة التي تعيق تطور المؤسسة الثقافية الرسمية في اليمن.
المشكلة الأخرى هي اصطفاف المثقفين اصطفافاً لا يليق بهم لأنهم يمسخون
شخصياتهم حين يتحولون إلى أبواق وأدوات تصفيق لهذه الشخصية أو تلك وفقاً
لمصالح مادية واستقطابات غير نظيفة تتحول معها المؤسسة الثقافية إلى
إقطاعية شخصية للمسئول الفلاني الذي يهمه أن تبقى صورته الإعلامية لامعة ..
في هذا
السياق دار نقاش حول تراجع دور بعض المؤسسات الثقافية الحكومية ، وتحول إلى
محاكمة لهيئة الكتاب ، وتناسى الذي أدار النقاش بأن الهيئة العامة للكتاب
ليست وحدها التي تراجع دورها الثقافي فوزارة الثقافة كذلك أصبحت تعيش على
أمجاد عام ( 2004 ) أثناء تتويجها عاصمة للثقافة العربية ، رغم أنها لم
تستغل ميزانية ذلك العام الاستثنائي كما ينبغي ..
وبصورة عامة
نستطيع القول بأن الثقافة بشكل عام بمؤسساتها وأفرادها تقع في آخر سلم
أولويات الدولة على اعتبار أنها في الوعي الرسمي عبارة عن رقص شعبي
واحتفالات كرنفالية وطنية مكررة ومتشابهة ، وبالتالي فإن تراجع دورهيئة
الكتاب ووزارة الثقافة انعكاس طبيعي لتواضع رؤية الدولة تجاه العمل الثقافي
عموماً .
وفي الأخير
لا بد من القول بأن على المثقف أن يتحرر من الاصطفاف وراء الشخصيات العابرة
، وأن لا يعتبرالحصول على حق من الحقوق يستلزم أن يدفع مقابله تنازلاً
يؤثر على استقلالية المثقف اليمني المنكوب بشخصيات حكومية تقود مؤسسات
الثقافة بمزاجية شخصية وبمشاعر الريبة الدائمة تجاه المثقفين