بعد يوم مضني من العمل الشاق
اتخذت مكاني وسط أفراد أسرتي حيث تحلق الجميع حول شاشة التلفزيون لمشاهدة
أحد أفلام الخيال العلمي الذي تدور أحداثه حول مخلوقات عجيبة بالغة التطور
التكنولوجي داخل عوالم الفضاء و الكواكب و النجوم تسعى لتدمير الحضارة
الإنسانية و ترغب في الاستيلاء على الكوكب الأزرق بالعنف و القوة. و نحن
كمتفرجين كنا نخشى أن نفجع بالقضاء على الجنس البشري، لكن رغم شلالات الدم
المروع و جبروت و إرهاب هذه المخلوقات الفضائية لم تثني عزيمة الإنسان على
اختلاف لونه و عقيدته و جنسه الذي قرر أن يصارع بكل وسائله البسيطة أقوى
أسلحة القتل و الفتك و الدمار التي يتوفر عليها الغزاة. كانت رحلة سينمائية
ممتعة لم نشعر فيها بأي غربة أو كدر ،وأنى للإنسان أن يشعر بهذا و هو
يتابع حقولا حافلة باللوحات العجائبية البديعة و الساحرة حتى خيل إلينا
أننا نتجول في معرض فني تشكيلي ينتمي للمدرسة السريالية أشبه ما تكون
بالأحلام و الخيال. و بعد انتهاء الفيلم ، تضاعفت دهشتنا و رأيت العجب
العجاب في أعين أفراد أسرتي حيث تراجيديا إنسانية توالت فصولها هذه المرة
على شاشة التلفزيون كذلك من خلال نشرة الأخبار، فلا تزال صور المصابين و
الضحايا تتداعى في المخيلة . صور محملة بالمأساة و الدماء. أخبار تعزف
الحان الأوجاع و سمفونيات الآلام و تحكي عن المجازر و المذابح في كل أنحاء
العالم. مشاهد تفوق ما وصل إليه الخيال في الفيلم الذي كنا نتسلى بمشاهدته
قبل لحظات. شعرت بالمرارة تخنقني فقد يصعب علينا في بعض الأوقات الفصل بين
الحقيقة و الخيال و قد نخلط بين مشاهد هذا الفيلم المخيف و مناظر الأخبار
المروعة و المؤلمة و كذلك أصوات الدوي و الانفجارات و أشنع صور القتلى التي
جعلتنا نشعر هذه المرة كأننا نتجول في رواق لفنان تشكيلي رسم لوحاته في
إطار المدرسة الواقعية حيث نقل كل ما في الواقع إلى أعمال فنية طبق الأصل،
فهي مجرد رصد لحالات تسجيلية كما اقتضاها الواقع، بأسلوب يسجل الوقائع و
الأحداث بدقائقها دون غرابة أو نفور. عفوا لقد عبر فيلم الخيال العلمي عن
واقع آخر غير الواقع الذي نعرفه و لكن قد يتداخل الحلم مع الواقع إلى درجة
أنني أصبحت اكلم نفسي و أتساءل :هل الخيال موضوع هذا الفيلم أم في واقعنا
الإنساني المر؟. وهل علينا أن نقنع أنفسنا بان هذه المخلوقات الفضائية هي
اشد خطرا منا على أنفسنا ؟ .
أكيد انه إذا ما وقعت الواقعة على نحو هذا الفيلم الخيالي فلن ينفع الندم و
سيتذكر الجميع تاريخ الإنسانية الدموي .
مثل هذا الوضع يستدعي طرح العديد من الأسئلة : هل الصراع بعد في الإنسان ؟
أم أن الإنسان بعد في الصراع ؟ و هل علينا أن ننتظر غزو هذه المخلوقات
الفضائية لكوكبنا حتى تتحد الإنسانية ؟ .
مهما تكن حقيقة الإجابة ، فان ذلك لا يلغي حقيقة أن الصلة بين الحرب و
الإنسان قد تبلورت منذ زمن طويل . و لاشك أن استناد أفلام الخيال العلمي
إلى مثل هذه العوالم المذهلة الحبلى بالرؤى و الصور و الإشكال الإبداعية
جاء مترافقا مع الطموحات التي تهدف إلى كسر رتابة واقعنا الإنساني و تصريف
الفائض من الأحزان و تحقيق الارتياح و التوازن و تستشرف أحلام التجاوز و
فيض لذة الخلاص.
يقول اثول فوغارد في مسرحيته – عقدة الدم – :
« كم ستكون ممتعة تلك الأزمنة التي يقف فيها الإنسان إلى جانب أخيه الإنسان
.
يعملان معا و يكدحان معا .
تلك الأزمنة التي يصبح فيها كل الناس أهلي و عشيرتي » .
أستاذ
وفنان تشكيلي من المغرب