** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالرئيسية  الأحداثالأحداث  المنشوراتالمنشورات  أحدث الصورأحدث الصور  التسجيلالتسجيل  دخول  



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 المتنبي ج2

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نابغة
فريق العمـــــل *****
نابغة


التوقيع : المنسق و رئيس قسم الفكر والفلسفة

عدد الرسائل : 1497

الموقع : المنسق و رئيس قسم الفكر والفلسفة
تعاليق : نبئتَ زرعة َ ، والسفاهة ُ كاسمها = ، يُهْدي إليّ غَرائِبَ الأشْعارِ
فحلفتُ ، يا زرعَ بن عمروٍ ، أنني = مِمَا يَشُقّ، على العدوّ، ضِرارِي

تاريخ التسجيل : 05/11/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2

المتنبي ج2 Empty
30072010
مُساهمةالمتنبي ج2

غربته غربة الشعر
نفسه

أدونيس
(سوريا)

- 1 –
«أنا، في أمة تداركها الله، غريب...»: ذلك هو المفتاح الأول لكي نفهم
ظاهرة المتنبي، شخصاً وشعراً. مفتاح «الغربة» داخل «الأمة» – داخل «الجَمع»
واللغة التي ينطق بها. غربة «لغة» تُعبر، جمالياً، من جهة على نحو يغاير
ما هو مألوف في الحياة اليومية. وتحمل، من جهة ثانية، رؤية للعالم تغاير
الرؤية التي تسوده. غربة مزدوجة: فكرياً وجمالياً.

- 2 –الشاعر / «الغريب»، بدئياً، لا يقيس نفسه بالجمع
الذي ينتمي إليه، ذلك أنه «غريب» فيه، وعنه. ثم إن الجمع ليس هو من يكتب
القصيدة. وإنما يكتبها الفرد الشاعر.
والشاعر بوصفه خلاقاً لا «يُصلح».
إنه، على العكس، «يهدم» من أجل الوصول الى ما هو أجمل وأفضل. حين يكون
الشعر «إصلاحاً» يلغي نفسه. والشاعر، إذاً، ليس صوت «الجمع»، وإنما هو صوت
الوجود والمعنى، وصوت نفسه عبرهما. وبوصفه كذلك، يجيز لنفسه كل ما يُجيزه
فعل الخلق:الوحدة، والتميز، والفرادة. ولا «أَنَوية» فردانية في هذا كله،
وإنما هي أنوية الذات الشعرية.
هكذا نرى أن الذات الشعرية التي تُفصح عن
«غربتها» داخل «الجمع» وعنه، ليست «تضحية» فردية، أو أنانية، أو «فحولية»،
لكي نستخدم المصطلح القديم، وإنما هي ذات «غريبة»، ذات شعرية – رؤيوية.
غير
أن ثقافة الجمع، أو ثقافة القبيلة لا ترى من طبقات هذه الذات، المتعددة،
المتنوعة، المتصارعة، المتناقضة، إلا الجانب الأكثر التصاقاً بالقبيلة –
السطح المبتذل. ذلك أنها لا تقيس الشاعر على الشعر، وإنما تقيسه على الجمع.
ولا تراه بعين «الإبداع»، وإنما تراه، على العكس، بعين «الاتباع». وفي
قياس الشاعر على الجَمع لا على الشعر، ما يضمر نفيه بوصفه شاعراً،
أولاً،وإثباته بوصفه، أولاً، مجرد عضو في قبيلة.


- 3 –داخل هذه الغربة، عاش المتنبي وكتب، (وقُتل): في
الترحل، الى الأمام، في المخيلة. لا لكي «يصل»، بل لكي لا يصل. لكي يخلق
دروباً يمحوها، فيما يخلق غيرها. لكي يرى، لكي يظل يقظاً، لكي يحلم، لكي
يبقى نبضاً، توتراً، استبصاراً واستقصاء. لكي يلمس، ويُحيط، ويستدرك،
ويتقدم. لكي يُغل في فهم الأشياء، في حطام البشر ورُكام العالم، في بهاء
البشر وبهاء العالم. لكي يضع السماء والأرض في ثوب واحد. لكي يرتدي هذا
الثوب. لكي يزاوج بين المرئي واللامرئي، ويحضر أعراس هذه المزاوجة. لكي
يزرع اللغة فتنبت في كل شيء، كأنها عشب الأرض. لكي يقشر اللغة كأنها البصلة
الكبرى: البصلة – الوجود. لكي يوحد بين الظل والضوء، النهار والليل، ويكون
كمثل إيقاع ينسكب في هذا التوحيد. لكي يستأصل الجدران التي تحول دون
الرؤية، والسير، والتحرر. لكي يبقي الفضاء مفتوحاً، والكون بلا حدود. لكي
يرفض أن يكون «الجمع» فوق كل شيء. لكي يقول: الانسان الفرد هو سيد نفسه،
ووجوده، ومصيره. لكي ينفصل عن عمال القبلية عمال «العقيدة» و «التمذهب» و
«التسيس». لكي يضع هو نفسه شروطه غير قابل إلا بها (ألم يشترط ألا يقرأ
شعره أمام سيف الدولة إلا جالساً، فكيف، إذاً، لا نرى في «مدحه» له، إلا
مجرد المدح له؟ ألم يقل مزدرياً أولئك الذين انتقدوا علاقته مع كافور: «وما
كان شعري مدحاً له ولكنه كان هجو الورى» – هجو «الجمع» الذي دفعه لكي يذهب
الى كافور). لكي يلغي الخضوع الى ما يقوله «الجمع». لكي يلغي نفسه، إذا
ضعفت وخضعت. لكي يلغي الآلة الاجتماعية: السيد/ العبد، العبد/ السيد. أحميك
إذا خدمتني/ أخدمك إذا حميتني.


- 4 –«مدح» المتنبي أشخاصاً كثيرين، لكن ليس لكي
يُمجدهم، بل لكي يملأ فراغ الغربة والرغبة. كان في «مدحه» يستبطن تخيلاته.
شهواته. ومطامحه، بوصفه رائياً، لا «مستجدياً». كان يستقصي مخيلته –
يمتحنها، يرجها، فيما يزن حياته، ويعركها، ويعلو عليها. كانت «مثلنة»
الممدوح وليدة البحث عما يحلم به. كانت صورة لذاته في الآخر. كان يتماهى مع
الآخر، لكي يصبح هو نفسه الآخر – السيد. كان يعارض نفسه لكي يثبتها فيما
يعارضها. كان يخلق فوضاه الخاصة، فيما يخلق نظامه الخاص. وفيما كانت
السلطة، آنذاك، رهان العرب الأول، وفيما كان يمتدح بعض ممثليها، كان يعلن
رهانه الخاص: «ولا أعاشر من أملاكهم أحداً/ إلا أحق بضرب الرأس من وثن».
في
هذا كله، كان المتنبي يهدم الأنا القبلية، والأنا المذهبية. لا ينتمي إلا
الى ما يتسع لتناقضاته، ويحتضنه، ويتيح له أن يقيم فيه: اللغة. كانت اللغة
وطنه الحقيقي. كانت بيته الحميم. باللغة صاغ مشروعه: تحرير الحياة،
جمالياً، وتحرير الإنسان، شعرياً. وكانت السياسة عنده طوباوية إنسانية تؤسس
لها طوباوية جمالية – شعرية.


- 5 –شعر المتنبي قطيعة وانشقاق. فهو مليء بالتمزق،
والانتهاك، والمخالفة والحيرة، والمرارة، والتصدع، والترحل، والفسخ،
والفصم. مسكون في الوقت نفسه بحسب العظمة التي يسميها بعضهم «فحولة»، فيما
هي نقض كامل وجذري للفحولة. فهذه تجسيد للأنا التقليدية القبلية، وشعره
هدمٌ منظم للقبيلة والقبلية. وهي، كذلك، «أنا» صغيرة أنا ارتكاس وارتداد،
والأنا التي يلهج بها، عالية: انفتاح على الكون. هجوم واقتحام، نحو ما هو
أعلى وأبعد.


- 6 –ثمة ركام من الآراء حول المتنبي وشعره لا تشوه
شخصه وحده، وإنما تشوه كذلك تجربته وشعره. وليس سهلاً زوال هذه الآراء. فهي
تحتاج الى عمل مزدوج: القراءة – الفهم – النقد، على نحو حاذق وخلاق، من
جهة. ومن جهة ثانية، الخرق الكامل للمعايير والنماذج والقواعد والضوابط
العادية، المألوفة.
وهذا ما نراه في الثقافات المدنية، في العالم، عندما
تدرس شعراءها. فالصفات التي تطلق على المتنبي كمثل «الفحولة»، وتضخم
الذات... الخ، لا تطلق، مثلاً، على نيتشه أو رامبو، اللذين يشبهانه، من هذه
الزاوية، حصراً. فلا ينظر إليهما إلا بوصفهما خلاقين. العقل هنا شعري –
فني. إنه عقل إبداعي. أما العقل الذي «يحاكم» المتنبي فهو عقل «أمّيّ»
(نسبة الى الأمة، ولتسمح لي اللغة بهذا «الخطأ»)، عقل فحولي، بوصف الأمة
هي، وحدها، «الفحل». عقل لا يرى في المتنبي الشاعر، أولاً، وإنما يرى فيه،
أولاً وأخيراً، «الجمع»، و «دينه»، و «انتماءه». عقل «جمعي» (نوع من
التوهم)، لا عقل شعري – فني.
«الجمع» خندق مليء بالسلاسل، يتدوّر أو
يتكوّر حول «قائده» وطبيعي أن يرفض من يخترق هذا الخندق. أو أن «يقتله»،
بشكل أو آخر. وأولئك الذين يقومون بهذا»القتل» إنما هم «حراس» هذا الجمع،
اللغويون، أو الناطقون باسمه – نظاماً، وقيماً.


- 7 –في هذا السياق تقاس الأهمية الفنية والثقافية
والإنسانية لشعر المتنبي وتجربته. وتقاس قوتهما وقيمتهما. لكن هذا يقتضي
مستوى عالياً من الإدراك والفهم والخبرة الشعرية – الجمالية، كما أشرت، وهو
ما افتقده النقد الشعري العربي، ماضياً، ويفتقر إليه اليوم. المتنبي عالم
متنوع ورحب يفرض علينا أن نعيد تحديد العلاقات بين الشعر والحياة، الشعر
والزمن، الشعر والتاريخ، الشعر والبشر. وأن نجدد فهمنا لمعنى الشعر، ولمعنى
التجربة الشعرية.
عندما يعيش بشر في مناخ يهيمن عليه ثلج الانتماءات،
وشراسة السياسات، فإن علينا أن نعطي الأولية للخرق، و «الهرطقة»، والتجاوز،
للتمرد/ والخروج وما يتولد عنهما أو يصاحبهما من نشوات وانخطافات، وأن
نتهيأ داخلياً، نفسياً وفكرياً، لكي نحسن فهم الطرق التي تتيح للشاعر أن
يبني نقاط انطلاقه واستدلاله، وعلاماتها، وآفاقها، وكيف يعطي لهذا كله
معناه، وكيف يكشف عن هذا المعنى.
ولا بد لنا، في هذا كله، من أن نتمتع
بالقدرة على تخيل الشاعر منفلتاً من كل قيد إلا «قيد» الجمال، والإبداع، و
«اللغة» يندرج في الكون بمتعة فكرية وجسدية بحيث يبدو كأنه يغامر في هذا
الكون خفيفاً، وفي ما وراء كل حد. وفي هذا الإطار يبدو المتنبي مثالاً
شعرياً لاسترداد إنسانية الشاعر العربي الذائبة في «الجمع»، و «القبيلة» و
«الأمة».


- 8 –«الكتاب» الذي كتبته مرتدياً قناع المتنبي، إنما
هو نشيد داخل «غربته» القديمة وداخل الغربة الحديثة المتواصلة.
نعم، لا
يزال شعر المتنبي صامتاً.
«الكتاب» محاولة أولى لجعله ناطقاً.


****

شاعر الانتهازية بإفراط

سليم بركات
(سوريا)
أطرح السؤال مجدداً: من هو المتنبي؟ صورة بأنف محدب، وعينين غاضبتين،
وحاجبين منخفضين عند ملتقى الأنف، مرتفعين عند الصدغين. كبير العمامة.
مستدير اللحية. مفتول الشاربين: العزم، والتصميم، في زعم الرسم التخيلي على
معنى الفراسة العربية. والصورة نصفية، أعني الصورة المعتمدة رسماً للشخصية
في متحف من متاحف أرض الشام، أنشأها حبر ملون من مطالع القرن، ثم نحا بها
التعميم على سائر الأمصار اقتباساً بسواد على بياض. أما هوية الرجل الشاعر
فعلى ضربين، قاسمهما الإرادة والتصميم من كرم ثابت في التصنيف الثابت
كالرسم بالصورة. والضربان هما: الفخر بالذات مدحاً للنفس، ومدح الآخر
وهجاؤه، وبينهما الحكم خالصاً بطموحه اللامحدود، في شهر فحل.
فلنحاول،
في معرض الرواصد البينة، «تفكيك» الرسم الشخصي المدروس النسب في توزيع
جوارح الشاعر، النصفية، على الخطوط التي هي إطار تخومها، وحدودها المطلق:
أ
- شغف (شاغل) بمدح الآخر نزوعاً الى عطاء ما.
ب - شغف بامتداح الذات.
ج
- شغف بامتداح الذات في مرآة الآخر.
د - شغف بامتداح الآخر في ذاته هو.
هذا
تحصيل النظر العمومي فيه شاعراً. فهل العناصر، مجتمعة بلا «تفكيك»، يجمعها
ناظم لا حدود لفخره بكيانه، أم الأمر يستوجب اعتماد تلك العناصر كما هي،
على أساس ترتيب «واقعي» لمكونات المتنبي شخصياً؟
لعل الصفات، التي يحتكم
اليها النظر النقدي في تعيين الموصوف، تتطهر من «خيال» النقصان، وتتراكم
عناصر الشخصية على نحو يعصف بسياق العقل في المراتبة، فينعقد «المشهد»
كالتالي، بالنتائج وبنفيها:
شاغل المتنبي، في مدح الآخر، ليس كسباً
لعطاء، على مذاهب المشتغلين بالشعر تكسباً، بل الإقامة في ملكية يزاحم بها
ممدوحيه(!). شاغل المتنبي، في مدح الآخر، هو «صقل» المشهد الأنقى معنى كي
يخص به نفسه (!). شاغل المتنبي، في امتداح ذاته، «محو» مدحه الآخر بإقامته
لصفات هي سقف بنائه المدح لنفسه، وما تحته لسواه (!). شاغل المتنبي، في
مدحه الآخر، ميله النزق الى النقض عبر الإبرام المتواصل (!).
فما هي
القراءة الواقعية، بألفاظ لا ميل في مسوغ سوقها على عاهن التوصيف الشخصاني،
لكل هذا، لو تعلق الأمر بشخص غير المتنبي؟:
أ - النرجسية بإفراط.
ب -
النفاق بإفراط.
ج - الانتهازية بإفراط.
د - التقلب بإفراط.
ولربما
قيض للدرس ان يعيد مبالغة المتنبي، المتواصلة في توليد «المرافعات»
الشعرية عن شخصه، الى شعور النقص المفرط بازاء ما يولده مدح الآخر من
«مهانة» داخلية، مردها المعرفة باللاإنصاف الحاصل من قول لا يستقر على
مقوله (مدح لا يستقر على ممدوح). والأرجح ان الترف المشمول بالخوض في معنى
«القلق» عنده، من مقوضي الوقائع لترتيبها في سياق «الهمة الجسورة»، ونزوع
النفس الى «الغامض النبيل»، لا يستقيم في بناء هذه الخاصية، لأنه - بلمس
الخيال والنظر معاً - خيبة من تحصيل سلطة لا تستكمل في ظل أي ممدوح. انها
معرفته الجلية، شأناً بعد آخر في المدح والتقرب من ممدوحيه الأقوياء، انه
ينساق - بإرادة مفرطة في تسامحها - الى قنص في عراء النفوس (نفوس الحاكمين)
لا مخرج منه الا بما تهبه متاهته من «استقواء» بالكلمات شحذاً شعرياً، كي
تستقيم له أملاً يعرف العاقلون في القراءات انها متخمة باليأس، بل تصير
الكلمات، وحدها، حضور ما لا يكونه هو - أي المتبني - المنجرف الى غيابه في
المدائح، كونها سلطة إضافية، معنوية، الى سلطة الممدوح الواقعية، التي تحجب
ما سواها، وتزدري ما سواه.

****

كيف نحرره من سلفيتنا الحداثية؟

عبدالمنعم رمضان
(مصر)
منذ ما قبل المتنبي حاول الشعراء التمرد بتحرير الرؤية المقيدة، أحياناً
بذم الدنيا، أحياناً بعشق الغلمان، أحياناً بالخمر، وحاولوا أيضاً التمرد
بإعادة تشكيل الشكل، إما بطعن الطلل، أما بطعن سلم الأغراض الشعرية، إما
بجنوح البديع إلى أقصاه. لكن المتنبي لم يفعل أياً من هذه، كأنه يخفي
انقلابه عن الأعين، يقوم به في المكان المظلم. كأنه لا يبحث في دولة الشعر
عن أساليب جديدة لتطوير الدولة التي لن يعمل فيها، وكأن الشعر قلبه ولن
يبخسه، أما عمله فشأن آخر. ألهذا يمكن أن اختار المتنبي صديقاً خصوصاً بعد
أن فترت حماستي لأقاويل الحداثة ودعاواها ما دامت تحجب الشعر ذاته، ومنذ ما
قبل رحلتي مع القراءة. وغالب الشعراء الذين عاصرتهم لا يميلون إلى المتنبي
ميلهم إلى سواه، هكذا صلاح عبد الصبور كمثال، مثله في ذلك مثل الذين
سبقوه: المازني والعقاد وزكي مبارك وطه حسين. ومثل آخرين كان المتنبي عندهم
يلوح بقلب يشبه قلب نيتشه ورأس على غير مثال، رأس مشوش موتور. وقيمته، أي
المتنبي، تنحصر في كونه ذاتاً محمومة وفاعلة، يقدرونها أكثر من تقديرهم
لنتاجه. ألهذا يمكن أن أختار المتنبي صديقاً بعدما رأيت عينيه تعملان
دائماً في خدمة قلبه، وفي سياق ثالث وجدت أن بعض الشعراء يستهجنون الإعجاب
العام بالمتنبي وكثرة حفاظه وتداول أبياته في كل معرض من معارض الاستشهاد
والاقتباس، لأن هذا دالة على أنه قد يكون شاعر العوام، فيما هو أيضاً شاعر
المناسبة. والعبارة هكذا تخبط أحشائي لشيوعها على رغم أنها حجبت الشعر
العربي كله خلف قشرة رخوة اسمها المناسبة. وإذا كان طه حسين قد كشف عن
كراهية للمتنبي قابلتها محبة عند محمود شاكر، فإنني أعتقد بأن طه كان يرى
في المتنبي تمثيلاً كاملاً لثقافة يشعر طه أنه محكوم بالثورة عليها، تلك
الثقافة التي تحتفل كثيراً حسب لغتها برجولة الشاعر القادرة على أن تخرج
البيت مخرج المثل، وأن تُحكم التسديد إلى الغاية وتقتصد إلى الحد الواجب
وتحسن تخير الألفاظ التي يؤدي بها المعنى وتعرف حلاوة صوغ هذه الألفاظ،
وتعليق بعضها ببعض. وكلها معاً اجتمعت في شعر المتنبي لتجعل منه المثال
الكامل لثقافة سعى طه حسين إلى تبديل مساراتها ربما من الصحراء إلى البحر،
ربما من الشفاهة إلى التدوين. الغريب أن شعرنا الراهن مازال شعراؤه
الشفاهيون الذين خامرهم حلم المتنبي هم الأكثر حظوة وإن كانوا أقل إقناعاً
من إقناع المتنبي لنا، لأن شفاهة الشاعر الآن تشبه سرج الناقة. كما أن سيف
الدولة، ممدوح المتنبي، كان أكثر إقناعاً من ممدوحيهم، أو على الأقل أكثر
فهماً لشعر شاعره وأكثر ملائمة، كيف يمكن، إذاً، أن نحرر المتنبي من
سلفيتنا الحداثية، كيف يمكن أن نحبه ونحب تناقضاته الغنية، من دون عُقد تدل
على تناقضاتنا الفقيرة؟

****

أعترض على مسلكه السياسي

سميح القاسم
(فلسطين)
المتنبي ج2 Deya-alazawiأود بدءاً أن
أسجل امتعاضي من صيغة السؤال التوجيهية التواطوئية والمنحازة، معترفاً بأن
هذه الصيغة التي احتج عليها، تنسجم في المحصلة مع موقفي الذي عبرت عنه قبل
أعوام كثيرة في قصيدة «إعلان نوايا»، وجاء فيها: «وأنا اسألُ ربِّي/ لا
تقابلني إذا جئتُ بوجهٍ مستعارْ/ وبشعْرٍ مستعار/ وبشعر مستعارْ/ وأنا
أرفضُ تهريجَ أخينا المتنبي/ ورياءَ المتنبي/ ونفاقَ المتنبي/ ولجوء الملك
الضليل والوغد امرئ القيسِ/ إلى أقرب غرْ بي/ نحنُ من نبعٍِ،/ ولكنّا
افترقْنا .. من مصب .. لمصبِّ!».
إذاً، ثمة اعتراض واضح على مسلكية
المتنبي السياسية، بمدح ملوح الفرس ثم الهجاء المرير قبل جفاف مداد المديح،
ومغازلة الأخشيدي والانقلاب عليه بلا رحمة وبلا تؤدة، ولجوء الملك الضليل
امرئ القيس الى قيصر الروم (أقرب غربي)... وليس في ذلك اعتراض تاريخي مبدئي
فحسب، بل فيه توبيخ للكُثر من الشعراء والشعراء الافتراضيين في زمننا هذا،
الذين ينافقون ويستنسخون العشر والمسلكية استمالة لأسيادهم الجدد من طغاة
العرب وأجلافهم أو من غزاة الغرب وعلوجهم، والذين حوّلوا ما يسمى بالساحة
الثقافية العربية الى مكلف لا يشرف أحداً الانتماء إليه، لوفرة ما فيه من
رياء ونذالة وصغار.

ولي أن أخشى الخلط بين الموقف السياسي والقضية العشرية، فلا بدّ من
التنبيه الى أن «حداثة» المتنبي وامرئ القيس من قبله، تظل أرقى وأنقى وأبقى
من كل التهريج الحداثوي السائد في ما يسمى بالحركة الشعرية العربية، والتي
هي في رأيي غير المتواضع، ليست حركة وليس شعرية وليست عربية!
وأسأل
الله أن يحمي لنا أبا الطيب المتني وامرأ القيس ورفاقهما من فطريات
(فطاريش) الشعر، ومسوخ الكلام الشعروي الأشبه بزهور البلاستيك، وقطاريز
الطغاة وغلمان الغزاة الذين يوهمهم نقادهم الأميّون بأنهم مبدعون كبار
وعظام، وما هم في الحقيقة سوى زبد هرائي يذهب جفاءً، فلا يمكث في الأرض إلا
ما ينفع الناس، ويبدو أن المتنبي وامرأ القيس، على علاتهما، أكثر نفعاً من
«الشعراء المعاصرين الحداثيين» المستنسخين على طريقة النعجة دوللي...
وبالمناسبة، ما أخبار دوللي؟!

****
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

المتنبي ج2 :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

المتنبي ج2

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: تـــــــــاء التأنيث الـــــمتحركة زائر 745-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: