• إن المثقف الحقيقي لا يعرف الشبع ولا يتوقف عند لحظة معينة لكي قول: لقد أخذت كفايتي!
• إن الإنسان الذي يعرف معنى وجوده هو ذلك الذي يهتف في اللحظات الحاسمة من حياته : أنا متمرد - إذاً - فأنا موجود.
• في استطاعتنا أن نعرف الكثير عن حضارة شعب من الشعوب، إذا تأملنا طريقة ممارسته للفنون. بل إن هذه الممارسات الفنية تعد - في نظر الكثيرين - أقوى تعبير عن الجوهر الحقيقي للشعوب.
========================================
▬ اننا لو تأملنا وضعنا الحضاري الراهن على أنه سعي إلى حل إشكالية الاتباع أو الإبداع، لكان ذلك أجدى وأنفع وأدق بكثير من تأمل هذا الوضع في ضوء تلك الإشكالية العقيمة الغامضة، المليئة بالمتناقضات... إشكالية الأصالة والمعاصرة. فالتحدي الحقيقي الذي نواجهه ليس اختياراً بين الرجوع إلى الأصالة أو مسايرة العصر، وإنما هو إثبات استقلالنا إزاء الآخرين، سواء أكان هؤلاء الأخرون معاصرين أم قدماء، وابتداع حلول من صنعنا نحن، تعمل حساباً لتاريخنا وواقعنا، وتكفل مكاناً في عالم لا يعترف إلا بالمبدعين. صــ32
▬ فلنذكر دائماً أن الثقافة الحقيقية ليست أماناً واطمئناناً، وليست دعة وهدوءاً، وإنما هي - كما أكد الكثيرون - العيش والخطر، وهي قلق وتوثب وترقب دائم، إن الكتاب العظيم والقصيدة العظيمة والفيلم العظيم يعكر صفو حياتك، ويقضي على استقرارك، ويجلب لك القلق والانشغال، ويثير فيك من الأفكار ما لم يخطر ببالك من قبل. إن العمل الثقافي العظيم ينقلك من حالة الرتابة والسكينة، ويبعث فيك قلقاً وتمراداً، ويقلب مسار القيم التي اعتدت عليها وسكت إليها ورتبت حياتك على أساسها. إن الثقافة الحقة - في كلمة واحدة - تقضي على كل ما كنت تحس به من "أمن". ولو كان الأمر بيدي لحذفت من قاموسنا على نحو نهائي قاطع ذلك التعبير المستحدث المتسلل، "الأمن الثقافي" ولدعوت بدلاً منه إلى "القلق الثقافي"... فبهذا وحده يحقق ذلك الجهد العقلي والروحي الرائع الذي هو أخص ما يميز الإنسان، رسالته ومعناه. صــ45
▬ ما يزال التعليم العربي عندنا نصياً، يحتل فيه "الكتاب المقرر" مكانة قدسية، ولا يقوم المعلم فيه إلا بدور الكاهن الذي يحض سامعيه على الإلتزام بكل حرف في "الكتاب". وتعمل المؤسسة التعليمية ذاتها على توطين فيروس "الطاعة" في خلايا الأدمغة الفتية الغضة، فإذا بمعاييرها لتقييم أداء التلاميذ ترتكز كلها على الترديد الحرفي للمعلومات المحفوظة، وتعطي أعلى درجات التفوق "للتلاميذ المجتهدين". وهي في قاموسها التعليمي لا تُعني إلا "الحافظين" وتُعاقب كل من يُبدي رأياً ناقداً أو مخالفاً فتنزله أسفل سافلين..صــ80
▬ إن الطاعة وباء لا يفلت منه أحد، وإذا أطلقت لها العنان أصابت عدواها الجميع. ذلك لأن كل من يفرض الطاعة على من هم دونه، يجد نفسه مضطراً إلى طاعة من يعلونه، فالأب الذي يمارس سلطات دكتاتورية على أبنائه وزوجته، يجد نفسه خاضعاً في عمله، ومقهوراً مكبوت الحرية على يد حاكمه. وفي جميع الأحوال يظل التسلسل مستمراً، فلا أحد يفلت من ذل الطاعة، ولا أحد يتنازل عن أية فرصة تسنح له كيما يمارس متعة فرض أوامره على غيره. حتى الحاكم المطلق يظل حبيس جبروته، لا ينام مطمئناً، ولا يسافر أو يتحرك إلا تحت أعين حراسه، ولا يملك في لحظة واحدة أن يعصي أمراً لمن يتحكمون في شئون أمنه وسلامته. صــ83
▬ الفن نشاط تلقائي حر. وعندما يُترك الإنسان حراً في ممارسة نشاط ما، فإنه يعبر في هذا النشاط عن أعمق سماته الباطنة. أما أنواع النشاط الأخرى، كالعمل مثلاً، فلا تتسم بنفس القدرة من الحرية: إذ إن هناك ضرورات كثيرة تفرض على الإنسان طريقة ممارسته لعمله، كضرورات المعيشة اليومية، ومدى قدرة البيئة والموارد الطبيعية على تلبية احتياجاته، ونوع العلاقات الاجتماعية التي يمارس الإنسان عمله في ظلها، وغير ذلك من العوامل التي تجعل العمل نشاطاً لا يتسم بالحرية التامة، ومن ثم فإنه لا يعبر تعبيراً كاملاً عن الجوهر الكامن للإنسان. وإذاً، ففي ميدان الفن وحده يُترك الإنسان حراً، لكي يعبر عما في أعماقه، ومن خلال تحليلنا للممارسات الفنية السائدة في الحضارات المختلفة، نستطيع أن نصل إلى الجوهر المميز لهذه الحضارات. صــ196
الخميس أكتوبر 25, 2018 2:06 am من طرف حمادي