1
مثلَ كأسٍ زُجاجية أُصِيبَت عنْ غيرِ قصْد
سقطتُ أمامكم متناثرة.
بعضكم تلقفَ زهرةً تنبتُ في فَمي
وهناكَ مَن التقطَ عينيّ كَحَجرينِ كريمين
ليصنعَ سوارا يُبهجُ حبيبته.
وأطفالٌ ضحكوا كثيرا وهُم يلهون بأصابعي
لأنها قصيرةٌ وفطحاء.
وحدهُ قلبي
ظَلّ شظيةً عالقةً في حَلْقِ العالم
مُنتظرا أحدا
لا يخشى سَحْبَ صمام قنبلة
فيقتلعه.
2
كانتْ هُناكَ كلمةٌ أكبرُ مِنْ فمِي
لمْ أستطعْ يوما سَعلَها إلى الخَارِج.
رغمَ كلّ ما فَعَلَتْهُ أصابِع الفرصِ السَّانحَة لسَحبِها
كانَ شُعُورُها يَكبرُ، وَفمي يَضِيق.
لمْ أتوقّع أنّ السُّوسَ سينخُرهَا يَوما
سَتبهُت وتتفسَّخُ وتَنكَسِر.
وأنّها إلى هذه الدّرجَة…
ستؤلمني.
3
هناك لمسة تحدث بالصدفة. ترتكب نفسها، غير مدعومة بتفكير مسبق. تلك اللمسة تقول ما يسبب لك الأرق لأيام، وأنت تحاول أن تفهم ما حصل بين الجلد والجلد… قد تجعلك تراقب طرفك الملموس كأنك تتعرف إليه لأول مرة. تنظر إلى مسامه الصغيرة والصغيرة جداً… تنظر عن قرب، عن بعد، ما الذي علق بها؟ تشمها، تكرر شمها، تلصقها بثقب أذنك وتصغي. شيء ما علق حتماً. اللمسة التي تحدث في ثانية دون أن تقصد قول شيء. قد تقول كل شيء.
4
الكلمةُ التي قلتُها في فَمِك،
أينَ هي الآن؟
هل ابتلعتَها؟
مضغتَها جيدا ثم بصقتَها
أم حَمَلتَها بشفتيْكَ إلى فمٍ آخر؟
5
عزيزتي الحياة
بعدَ التحية والسلامِ على كل الكائناتِ التي تكافحُ مِن أجل أن تعيشَكَ وتَهْنأ بالأيام فيكِ.
رجاء عزيزتي، افتحي يدكِ الخَيّرَةِ بِيُسر معي، وكوني رحيمة بي. هناك أشياء أحب أن أفعلها قبل أن ينطفئ الضوء في عيني.
أريد أن أتعلم رقصة الدّبكَة وأندفعَ بصَخبٍ ورَشاقةٍ لغرسِ قدميّ بالأرض، حينها، ربما لن تتمكني من رؤيتي بسبب السنتميترات القليلة التي منحتنيها، إلا أنني أؤمن أن هذه الرقصة بالذات، ستُنبِتُ لي جناحا أبيضَ بين أصابعي، يسمحُ لي بالتحليق والتلويح لك.
قبل أن أصل الأربعين، أريد أن أقضي شهرا كاملا بين جبال اليونان وقُراها رفقة شخص أحبه، شخص يحب أن يمشطَ شعري ويطبخ لي. يُحب أن أصُبّ له الفودكا بينما أشرب شايا منسما بأزهار البابونج قربَ نار أشعلناها سويا. هناك، في تلك اللحظة أرجو أن أكتب نصا يشبه بُخار مشاعري وهو يتفاعل بحرارة كتفٍ اختار أن يتلقف رأسي. ثم أدندن له قصيدة كتبها شاعر بدوي عن الثلج لَمّا رآه أول مرة.
أشتهي أن أحصل على كحل عيون طبيعي تدُقُّه الجدات ونساء القرى من كل أنحاء العالم. نساء لا أعرفهن ولا يعرفن سوى كوني فتاة بجنوب المغرب، تشتهي أن تكحل عينيها بمسحوق أسود ممزوج برائحة الوشم وحليب الماعز والصوف وخدوش الحطب وزيت الشعر بالأعشاب مع صوت ارتطام الأساور والنداءات البعيدة والربت على الأكتاف آخر الليل. مسحوقٌ سآخذ معه كل الزمن الخاثرِ الذي أتخيل سقوطه من ثنايا تجاعيدهن وهن يدقدقن أحجار الكحل بإيقاع منتظم ويفكرن في شكل الفتاة الغريبة، التي تشتهي أن تحصل على قارورة تجمع كحلا طبيعيا من كل مكان. وتحدد بالروائح البعيدة حواف عينيها وما تراه.
أريد أن أرسم بخصلات شعري وأظافري لوحة زرقاء، بعد أن أنتهي من لعبِ الأرجوحة رفقة بناتي بين أشجار الأرز. أريد أن أعلمهن الموسيقى ونغني جميعا مساءات السبت.
في الحقيقة أريد أشياء كثيرة سأذكرها لاحقا، وربما تحصل قبل أن أخبرك عنها.
لكن أرجوك، حين أفعل كل هذا، أريد أن أفقد ذاكرتي قبل أن تنهي أيامي عزيزتي الحياة. أريد أن أنسى الألم الذي يتعاظم بصدري الآن، لا أريد أن أتذكر أنني حاولت نسيان شخص أحببته جدا، بالارتباط بشخص آخر يشبهه. لا أريد أن أتذكر نفسي هكذا.
هل باستطاعتك تفهم هذا عزيزتي الحياة؟ سأكون ممتنة جدا إن فعلت، مع تقديري العميق.