لملخّص:
يقسّم الباحث المسائل التي كانت مدار اهتمام الأصوليّين في سياق تصدّيهم للمطاعن التي أثيرت في حجيّة الكتاب أن يكون أصلاً من أصول التشريع، إلى مسألتين جامعتين تندرج تحتهما مسائل فرعيّة: فالأولى سمّاها مواطن إنكار حجيّة الكتاب، أمّا الثانية فتستقلّ بها مسألة النّسخ. وتحت المسألة الأولى تدخل مسائل الوحي، والإعجاز والمتشابه، والتواتر، والقراءات، والشفويّ والمكتوب، وجمع المصحف وتدوينه، وسلامة النصّ. وقد استحوذت المسألتان الأخريان على نصيب أكبر من التحليل والدرس من قبل الباحث، رغم أنّهما لم تحظيا باهتمام كبير من قبل الأصوليّين. وفي سياق تحليله لمحوري الاهتمام هذين شرح رياض الميلادي سبب سكوت الأصوليّين عن هذا الموضوع ودورهم في تأكيد صدقيّة المصحف العثماني، رغم ما أثارته مسائل التواتر والقراءات خاصّة من إشكاليّات، باكتفائهم بالقبول بمقولة الإجماع على صحّة المصحف العثمانيّ، داعمين القول بالإجماع بردّ عمليّة التدوين والتجميع إلى عهد أبي بكر رغم تكذيب الكثير من المستشرقين وعلى رأسهم شفالي في أن يكون الجمع وقع في ذلك العهد. ويشرح الميلادي في ردّه على التشكيك الاستشراقيّ الدواعي الدينيّة والسياسيّة والقبليّة التي حفّت بعمليّة توحيد المصحف في عهد عثمان، مؤكّداً بذلك انخراط الأصوليّين في الدور التوحيدي السياسيّ الذي اضطلعت به عمليّة تدوين المصحف وتوحيده. وفي سياق هذا الدور كان اهتمام الأصوليّين أكبر بمسألة التشكيك في سلامة نصّ المصحف من التحريف، فقد تصدّوا لكلّ من شكّك في كون قرآن المصحف هو عينه كلام اللّه، واتّهمه بالتحريف والتبديل من بعض فرق الشيعة، والخوارج، بل ومن بعض أهل السنّة والجماعة أيضاً. وفي سياق هذا التصدّي أيضاً وظّفوا مفهوم النّسخ، بل ذكروا منه أنواعاً غير معهودة، ردّوا بها على إحراج الروايات الكثيرة عن سقوط الآيات والسور بين الوحي والمصحف الرّسميّ العثمانيّ.