** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 لا ترقص الخفافيش …

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نابغة
فريق العمـــــل *****
نابغة


التوقيع : المنسق و رئيس قسم الفكر والفلسفة

عدد الرسائل : 1497

الموقع : المنسق و رئيس قسم الفكر والفلسفة
تعاليق : نبئتَ زرعة َ ، والسفاهة ُ كاسمها = ، يُهْدي إليّ غَرائِبَ الأشْعارِ
فحلفتُ ، يا زرعَ بن عمروٍ ، أنني = مِمَا يَشُقّ، على العدوّ، ضِرارِي

تاريخ التسجيل : 05/11/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2

لا ترقص الخفافيش … Empty
27092018
مُساهمةلا ترقص الخفافيش …

لا ترقص الخفافيش …  شيء ما في زخات المطر السائلة بعنف على زجاج نافذة القطار، يخترق جدار مكبوت الصمت الداخلي، وآلية الصد النفسي، ويتحول الى ألغام تفجر الاعماق أشلاء كالبركان النائم حين تغالبه قوة عنف هيجان النيران الملتهبة في جوفه العميق، والحارقة الى أقصى درجة ممكنة. هكذا انطلق حديث صديق الرجل، وهو شاب يطل على عقده الرابع:  لم أكن أعتقد بأن ذلك الاعلان البسيط في جريدة ورقية سيغير نمط حياتي بشكل رهيب وغير متوقع اطلاقا في ارقى اشكال الهلاوس والكوابيس. في البداية كان للاعلان افقا ربيعيا أشبه بالثورات العربية، نموذجيا الى ابعد الحدود في تمني الاحلام التي لا تشبع من الاحلام الوردية،  لا تذوي ولا ينال منها هجير فراغ الايام المحمومة وأنا معطل منبوذ ، متروك لهامش المدينة منفاي. ألملم خيالات احلام مسارات شهادتي الجامعية بألم الغدر في اغتصاب فرحة العمر ان أعيش انسانا. كان الاعلان واضحا بشأن مسابقة  في المسرح تنظمها وزارة الثقافة، وهي تفتح باب المشاركة واسعا لكل الفعاليات الفردية والجماعية، مع منح جوائز مالية مهمة  للفرجات المسرحية الثلاث الاولى. وبدافع الفوز بالجائزة المالية وجدت نفسي غارقا في تجربة من نوع المسرح الفردي، مستغلا في ذلك خبرتي وتجربتي التي اكتسبتها من خلال مشاركتي في انشطة الجمعيات الثقافية. سنوات وأنا أعيش فيها محنة الفراغ متناسيا أنني من أصحاب الشهادات العليا، متطفلا على الكثير من الحرف المهمشة في قطاعات مرمية على قارعة الطريق، منتقلا من انتقاد ومخاصمة الواقع الحي بالصراخ الاقرب الى الغثيان والقيء على أرضية الجامعة الى الاكتواء بلهيب سعير سعاره الوحشي وهو لا يكف عن تحويلنا الى بقايا بشر.  وفي تلك الدوخة الملعونة  لغرس التطبيع في النفس والوجدان، بما يفيد غسل الدماغ واستئصال الشجيرات العصبية للغضب والتمرد، جاء الاعلان ليخلق وهم فرحة الامل في الارتقاء الاجتماعي. فحولت غرفتي الى قاعة للتدريب المسرحي بكل ما تتطلبه الفرجة من مستلزمات فنية لا يمكن الاستغناء عنها. فبعد أن أحكم اغلاق باب الغرفة، أنسلخ عن نفسي متقمصا شخصياتي، حريصا على حسن التقمص والتشخيص وأنا أنتقل من حالة نفسية وجدانية الى اخرى مختلفة وغالبا متناقضة في كل شيء.  على خشبة المسرح أشجار صغيرة الحجم، ومجسمات لمصانع ينبعث منها دخان كثيف هو في حقيقته عبارة عن مجمر مستور مملوء بانواع من البخور. وملصقات لمواقع متباينة تحمل أسماء واضحة: الارض، الاقوياء، الجزر، الغابات.  فجأة أقفز بشكل نزق فيه الكثير من الانفعال والغضب، وأنا أتقمص دور الارض، وهي تصرخ في وجه المسؤولين عن انبعاث الغازات السامة:  لقد قتلتم فرحي في ان أرى السعادة والحياة وهما تزدهران فوقي وفيما يحيط بي من كواكب ونجوم. ألم يكفيكم ما نهبتم من خيرات في باطني. ويا للبشاعة ان تنهبوا كل شيء . ما ظهر وما بطن. الربح.. الربح ولا شيء الا الربح. ما هذا الجنون الوحشي والبشع الذي ضلل خطاكم ورماكم نحو جحيم التدمير الذي لا ينتهي ؟ أتيتم على الاخضر واليابس ، واستخراج كل ما في جوفي. وقطع الاشجار وتدمير حياة كائنات كثيرة حتى انقرضت وزالت. ولم ترحموا امثالكم في حروب بشعة من اجل ما سميتموه التطور والتقدم. وبعد نداءات متكررة من قبلي أنا امكم الارض أعلن الان أنني تعبت من جشعكم وانه آن الآوان أن أرحل. استعمرتم الكثير من الشعوب وما شبعتم . وسالت الكثير من الدماء وما ندمتم. وياليتكم وزعتم بالعدل ما نهبتم وسرقتم في جوفي وعلى تضاريس جسدي. وفي اعماق بحاري و أنهاري..كفى ..كفى من هذا الجوع الرهيب. أوقفوا الغازات السامة. أوقفوا مصانعكم. لتكن لديكم جرأة الحياة يا صناع الموت. وبحركات فيها الكثير من العنف والعجرفة مع النظرة الساخرة أتحرك الى الطرف المقابل لموقع الارض على خشبة غرفتي المسرحية  نحن الاقوياء لا ننصت الى هذه الترهات حول تغير المناخ ولا يزعجنا خوف الجبناء من نهاية العالم. شعارنا التقدم ولا شيء غير التقدم.. لن نوقف هذا الصعود. نحن نعرف طريقنا وكم من الدماء والارواح ينبغي أن تزهق في سبيل الثروة والربح. هكذا وجدنا اباءانا واجدادنا. نعرف بان تاريخ الحروب والابادة نحمله فوق اكتافنا من العالم القديم الى العالم الجديد. ومن هناك الى باقي العالم. افرغوا الطريق فنحن قادمون لنشر السعادة والعلم..لرفع التقدم الى اقصاه.. ومن اقصاه الى اقصاه. وبحركات سريعة تأخذ الارض موقعها و تصرخ  في وجه الاقوياء:  العالم لكم يا تجار الموت انكم مجرد مرضى بحالة من الرهاب الوسواسي. تندفعون بشراسة الخائف من حتفه. انا أمكم الارض سأضع حدا لتهوركم و أغير توازني المناخي..لن أتوقف عن تحريك صفائح اعماقي محدثة زلازل عنيفة وبراكين قوية ..ولن أنسى الاعاصير الرهيبة والمرعبة.. وملء الدنيا بالفيضانات ونشر الرعب كلغة تهديد قصوى لعلكم تتراجعون عن عجرفتكم وسطوتكم هذه. واذا تماديتم فلا بد ان ارحل وأحملك مسؤوليات كل الخسائر وأرواح الابرياء في أعناقكم. لم أكن أعرف ان هناك جمهورا خفيا صامتا يسترق النظر من ثقب مفتاح باب غرفتي المغلق. كانت امي مصدومة وخائفة، وهي واقفة وراء الباب، هكذا كانت  تتابع يوميا تمرني على حسن أداء الادوار بالشكل الذي يجعل مسرحيتي فرجة حقيقية. في الايام الاولى كانت حائرة ولا تحدث احدا من افراد الاسرة عن المسرحية التي كانت تشاهدها بعذابات الالم في اوقات معلومة تكون فيها الدار قد تخلصت من جميع افرادها الذي ذهبوا الى اماكن عملهم باستثناء أمي التي كانت توزع وقتها بين البيت وجارتنا المنقبة زوجة صاحب المحل البسيط للنجارة الشيخ سعيد النجار الذي حاول بكل جهده الذهني المترهل اقناعي على تعلم حرفة النجارة، لكن عوض ذلك استحكمت العداوة بيننا خاصة بعد فشله في استقطابي الى جماعته التي كانت تتناوب بين أعضائها اجتماعاتها الولائمية كل ليلة اثنين وخميس من منزل لاخر. في البداية وجدت صعوبة كبيرة في فهم كيف لانسان، شبه أمي وفاشل في مساره الدراسي حسب ما قاله لي، عندما ا كنت بائعا متجولا للفواكه، العم هشام بائع الخضر، الذي يذكر طفولة سعيد النجار، أن يتحول بين عشية وضحاها الى أمير جماعة تضم الفلاح والاستاذ والطبيب والحلاق…  لم تستطع أمي ان تبقى صامتة بعد أن اقتنعت ان ولدها مصاب بسحر أسود أو مس شيطاني، فقد أفقدها هذا صوابها وصارت عصبية إزاء أبسط المواقف. في الاوقات العادية كانت تشملني بنظرات فيها الكثير من الشفقة والتعاطف الزائد عن حده وأنا لا أعلم سر هذه الانفعالات الرهيبة التي كانت تخترقني وهي تنظر الي، او في تعاملها الحذر معي. لم تكن قادرة على مواصلة التستر عما كان يحدث في الغرفة اثناء خروجهم من المنزل. في البداية لم يعر ابي كلامها ادنى اهتمام، خاصة وهو يراني شابا متحمسا حيويا ونشيطا. لكن بعد ان ضغطت عليه لحضور العرض المسرحي الذي كنت فيه متألقا الى أبعد الحدود و قد تقمصت فيه الادوار المختلفة بكفاءة عالية في حسن اثقان الانتقال من حالة نفسية لاخرى متناقضة عنها كليا، حسب ما حكاه لي بعد ذلك بسنوات، الى درجة جعلته لا يقوى على تصديق ما يتفرج عليه، خصوصا ذلك الدخول والخروج من حالة نفسية لأخرى، ولهذا يستغرب كيف لم يخطر بباله هذا الذي يسمى ” المسرح”، كما أن الشيخ سعيد النجار وجدها فرصة مناسبة للانتقام وتأكيد تضلعه العميق “كعالم دين”. بعد ان شاوره أبي في الامر بإشارة من أمي وبنوع من التنسيق السري بينها وبين زوجة الشيخ اتفق الجميع بالاضافة الى أصدقاء الشيخ وهم ثلاثة رجال غلاظ، أشداء، يحسنون الافتراس، على تصيد فرصة العرض المسرحي في أحد المساءات. لان بعد نهاية كل عرض كنت أصاب بحالة من العياء الى درجة  أستسلم فيها للاسترخاء فيما يشبه الغيبوبة. في الوقت الذي كانوا ينتظرون فيه تلك اللحظة المناسبة للاسترخاء، حسب تقديرات الشيخ سعيد للهجوم علي لتقييدي بحبل متين قصد حملي الى ضريح الولي الصالح سيدي عبد السلام “مداوي الحماق”، كنت في حالة من التوحد الناذر مع كل دور أقوم به، وأنا أتحرك من موقع لاخر:  نحن الجزر الصغيرة المأهولة بالسكان نستغيت ونرفع صوتنا عاليا لعلكم تشفقون وتعاودون النظر فيما اقترفتم من جرائم التلوث و الدمار. أوقفوا جنونكم و إلا ستقع الكارثة ..الآلاف، بل الملايين من الناس سيلقون حتفهم بسبب جنون أقلية طاغية منكم تتحكم في خيرات العالم وبؤسه. ألم يكفيكم ما جمعتم من الثروات في النهب والحروب؟ ألم يحن الوقت لكي تفهموا الجرائم ضد الانسانية لو زحفت مياة الجليد نحونا.. وعندها لا ينفع الندم ولا الكلام؟ وبخفة حركة نصف دائرية وجدت نفسي في موقع الغابات  الكثير ..الكثير من الغابات مثلنا سوف تحترق بسبب ارتفاع درجة الحرارة ..والكثير ايضا من الكائنات والحيوانات التي تعيش داخلنا ستعرف المصير نفسه، وعندها ستحدث الكارثة العظمى. كفى كفى من هذا الجنون الهمجي في تدمير الحياة وأنتم تدعون العلم والعقل والذكاء وما شابه ذلك من أسماء التنوير والعقلانية والديمقراطية. ما أحقركم . وما أبشعكم وأنتم تقتلون آخر أحلام حبات الفرح في عيون صغار لم يولدوا بعد. الحياة أخذ وعطاء، فلم هذه اللهفة المحمومة في السطو وشن الحروب ونشر المصانع الكيماوية والجرثومية و المحطات النووية، وانهاك كل طاقات أمنا الارض الى حد الحماقة. عند هذه اللحظة بدأت أشعر بنوع من الارهاق النفسي نتيجة التماهي العقلي والوجداني المطلق الذي كنت أعيشه موزعا بين عدة أدوار، فاستجمعت كل الغضب الداخلي و أنا أتحرك الى مقدمة الخشبة حيث الجمهور، و أنا أشير بيدي في اتجاه الباب وكأني أخاطب الزبانية الواقفين وراءه.  و أنتم ..نعم أنتم الى متى تتسلون بهذه المسرحية؟ أليس لكم موقف ؟ أعجبتكم المسرحية، بل أعجبتكم مواقف شخصياتها أليس كذلك؟ ولماذا أنتم سلبيون الى هذه الدرجة؟ اجتماع وراء اجتماع وهم يقررون مصيركم و أنتم لا تستطيعون مغادرة أماكنكم أو رفع أصواتكم. ألا تخجلون؟ ألا ترغبون في الحياة؟ أصابكم اليأس، وسيطرت على عقولكم خرافات الساعة بقدوم يوم القيامة ونهاية العالم. لا ..لا ثم لا .. وأرجوكم لا ..ارفعوا أصواتكم ، فالحياة جميلة وعلى هذه الارض ما يستحق الحياة. لا تكتفوا بالتفرج على المسرحيات. افعلوا شيئا غير هذه التسلية المقرفة. قولوا لا وبعدها تنتصر الحياة. في هذه اللحظة ضغطت على زر التحكم عن بعد ليرتفع صوت مارسيل خليفة:  أجمل الأمهات التي… عينها لا تنامْ تظل تراقبُ نجماً يحوم على جثة في الظلام…  لن نتراجع عن دمه المتقدّم في الأرض لن نتراجع عن حُبِّنا للجبال التي شربت روحه فاكتست شجراً جارياً نحوَ صيف الحقول. صامدون هنا, (صامدون هنا) قرب هذا الدمار العظيم, وفي يدِنا يلمعُ الرعب, في يدِنا. في القلبِ غصنُ الوفاء النضير

لا ترقص الخفافيش … %D8%AE%D9%81%D8%A7%D9%81%D9%8A%D8%B4-480x430

شيء ما في زخات المطر السائلة بعنف على زجاج نافذة القطار، يخترق جدار مكبوت الصمت الداخلي، وآلية الصد النفسي، ويتحول الى ألغام تفجر الاعماق أشلاء كالبركان النائم حين تغالبه قوة عنف هيجان النيران الملتهبة في جوفه العميق، والحارقة الى أقصى درجة ممكنة. هكذا انطلق حديث صديق الرجل، وهو شاب يطل على عقده الرابع:
لم أكن أعتقد بأن ذلك الاعلان البسيط في جريدة ورقية سيغير نمط حياتي بشكل رهيب وغير متوقع اطلاقا في ارقى اشكال الهلاوس والكوابيس. في البداية كان للاعلان افقا ربيعيا أشبه بالثورات العربية، نموذجيا الى ابعد الحدود في تمني الاحلام التي لا تشبع من الاحلام الوردية،  لا تذوي ولا ينال منها هجير فراغ الايام المحمومة وأنا معطل منبوذ ، متروك لهامش المدينة منفاي. ألملم خيالات احلام مسارات شهادتي الجامعية بألم الغدر في اغتصاب فرحة العمر ان أعيش انسانا. كان الاعلان واضحا بشأن مسابقة  في المسرح تنظمها وزارة الثقافة، وهي تفتح باب المشاركة واسعا لكل الفعاليات الفردية والجماعية، مع منح جوائز مالية مهمة  للفرجات المسرحية الثلاث الاولى. وبدافع الفوز بالجائزة المالية وجدت نفسي غارقا في تجربة من نوع المسرح الفردي، مستغلا في ذلك خبرتي وتجربتي التي اكتسبتها من خلال مشاركتي في انشطة الجمعيات الثقافية. سنوات وأنا أعيش فيها محنة الفراغ متناسيا أنني من أصحاب الشهادات العليا، متطفلا على الكثير من الحرف المهمشة في قطاعات مرمية على قارعة الطريق، منتقلا من انتقاد ومخاصمة الواقع الحي بالصراخ الاقرب الى الغثيان والقيء على أرضية الجامعة الى الاكتواء بلهيب سعير سعاره الوحشي وهو لا يكف عن تحويلنا الى بقايا بشر.
وفي تلك الدوخة الملعونة  لغرس التطبيع في النفس والوجدان، بما يفيد غسل الدماغ واستئصال الشجيرات العصبية للغضب والتمرد، جاء الاعلان ليخلق وهم فرحة الامل في الارتقاء الاجتماعي. فحولت غرفتي الى قاعة للتدريب المسرحي بكل ما تتطلبه الفرجة من مستلزمات فنية لا يمكن الاستغناء عنها. فبعد أن أحكم اغلاق باب الغرفة، أنسلخ عن نفسي متقمصا شخصياتي، حريصا على حسن التقمص والتشخيص وأنا أنتقل من حالة نفسية وجدانية الى اخرى مختلفة وغالبا متناقضة في كل شيء.
على خشبة المسرح أشجار صغيرة الحجم، ومجسمات لمصانع ينبعث منها دخان كثيف هو في حقيقته عبارة عن مجمر مستور مملوء بانواع من البخور. وملصقات لمواقع متباينة تحمل أسماء واضحة: الارض، الاقوياء، الجزر، الغابات.
فجأة أقفز بشكل نزق فيه الكثير من الانفعال والغضب، وأنا أتقمص دور الارض، وهي تصرخ في وجه المسؤولين عن انبعاث الغازات السامة:

  • لقد قتلتم فرحي في ان أرى السعادة والحياة وهما تزدهران فوقي وفيما يحيط بي من كواكب ونجوم. ألم يكفيكم ما نهبتم من خيرات في باطني. ويا للبشاعة ان تنهبوا كل شيء . ما ظهر وما بطن. الربح.. الربح ولا شيء الا الربح. ما هذا الجنون الوحشي والبشع الذي ضلل خطاكم ورماكم نحو جحيم التدمير الذي لا ينتهي ؟ أتيتم على الاخضر واليابس ، واستخراج كل ما في جوفي. وقطع الاشجار وتدمير حياة كائنات كثيرة حتى انقرضت وزالت. ولم ترحموا امثالكم في حروب بشعة من اجل ما سميتموه التطور والتقدم. وبعد نداءات متكررة من قبلي أنا امكم الارض أعلن الان أنني تعبت من جشعكم وانه آن الآوان أن أرحل. استعمرتم الكثير من الشعوب وما شبعتم . وسالت الكثير من الدماء وما ندمتم. وياليتكم وزعتم بالعدل ما نهبتم وسرقتم في جوفي وعلى تضاريس جسدي. وفي اعماق بحاري و أنهاري..كفى ..كفى من هذا الجوع الرهيب. أوقفوا الغازات السامة. أوقفوا مصانعكم. لتكن لديكم جرأة الحياة يا صناع الموت.


وبحركات فيها الكثير من العنف والعجرفة مع النظرة الساخرة أتحرك الى الطرف المقابل لموقع الارض على خشبة غرفتي المسرحية

  • نحن الاقوياء لا ننصت الى هذه الترهات حول تغير المناخ ولا يزعجنا خوف الجبناء من نهاية العالم. شعارنا التقدم ولا شيء غير التقدم.. لن نوقف هذا الصعود. نحن نعرف طريقنا وكم من الدماء والارواح ينبغي أن تزهق في سبيل الثروة والربح. هكذا وجدنا اباءانا واجدادنا. نعرف بان تاريخ الحروب والابادة نحمله فوق اكتافنا من العالم القديم الى العالم الجديد. ومن هناك الى باقي العالم. افرغوا الطريق فنحن قادمون لنشر السعادة والعلم..لرفع التقدم الى اقصاه.. ومن اقصاه الى اقصاه.


وبحركات سريعة تأخذ الارض موقعها و تصرخ  في وجه الاقوياء:

  • العالم لكم يا تجار الموت انكم مجرد مرضى بحالة من الرهاب الوسواسي. تندفعون بشراسة الخائف من حتفه. انا أمكم الارض سأضع حدا لتهوركم و أغير توازني المناخي..لن أتوقف عن تحريك صفائح اعماقي محدثة زلازل عنيفة وبراكين قوية ..ولن أنسى الاعاصير الرهيبة والمرعبة.. وملء الدنيا بالفيضانات ونشر الرعب كلغة تهديد قصوى لعلكم تتراجعون عن عجرفتكم وسطوتكم هذه. واذا تماديتم فلا بد ان ارحل وأحملك مسؤوليات كل الخسائر وأرواح الابرياء في أعناقكم.


لم أكن أعرف ان هناك جمهورا خفيا صامتا يسترق النظر من ثقب مفتاح باب غرفتي المغلق. كانت امي مصدومة وخائفة، وهي واقفة وراء الباب، هكذا كانت  تتابع يوميا تمرني على حسن أداء الادوار بالشكل الذي يجعل مسرحيتي فرجة حقيقية. في الايام الاولى كانت حائرة ولا تحدث احدا من افراد الاسرة عن المسرحية التي كانت تشاهدها بعذابات الالم في اوقات معلومة تكون فيها الدار قد تخلصت من جميع افرادها الذي ذهبوا الى اماكن عملهم باستثناء أمي التي كانت توزع وقتها بين البيت وجارتنا المنقبة زوجة صاحب المحل البسيط للنجارة الشيخ سعيد النجار الذي حاول بكل جهده الذهني المترهل اقناعي على تعلم حرفة النجارة، لكن عوض ذلك استحكمت العداوة بيننا خاصة بعد فشله في استقطابي الى جماعته التي كانت تتناوب بين أعضائها اجتماعاتها الولائمية كل ليلة اثنين وخميس من منزل لاخر. في البداية وجدت صعوبة كبيرة في فهم كيف لانسان، شبه أمي وفاشل في مساره الدراسي حسب ما قاله لي، عندما ا كنت بائعا متجولا للفواكه، العم هشام بائع الخضر، الذي يذكر طفولة سعيد النجار، أن يتحول بين عشية وضحاها الى أمير جماعة تضم الفلاح والاستاذ والطبيب والحلاق…
لم تستطع أمي ان تبقى صامتة بعد أن اقتنعت ان ولدها مصاب بسحر أسود أو مس شيطاني، فقد أفقدها هذا صوابها وصارت عصبية إزاء أبسط المواقف. في الاوقات العادية كانت تشملني بنظرات فيها الكثير من الشفقة والتعاطف الزائد عن حده وأنا لا أعلم سر هذه الانفعالات الرهيبة التي كانت تخترقني وهي تنظر الي، او في تعاملها الحذر معي. لم تكن قادرة على مواصلة التستر عما كان يحدث في الغرفة اثناء خروجهم من المنزل. في البداية لم يعر ابي كلامها ادنى اهتمام، خاصة وهو يراني شابا متحمسا حيويا ونشيطا. لكن بعد ان ضغطت عليه لحضور العرض المسرحي الذي كنت فيه متألقا الى أبعد الحدود و قد تقمصت فيه الادوار المختلفة بكفاءة عالية في حسن اثقان الانتقال من حالة نفسية لاخرى متناقضة عنها كليا، حسب ما حكاه لي بعد ذلك بسنوات، الى درجة جعلته لا يقوى على تصديق ما يتفرج عليه، خصوصا ذلك الدخول والخروج من حالة نفسية لأخرى، ولهذا يستغرب كيف لم يخطر بباله هذا الذي يسمى ” المسرح”، كما أن الشيخ سعيد النجار وجدها فرصة مناسبة للانتقام وتأكيد تضلعه العميق “كعالم دين”. بعد ان شاوره أبي في الامر بإشارة من أمي وبنوع من التنسيق السري بينها وبين زوجة الشيخ اتفق الجميع بالاضافة الى أصدقاء الشيخ وهم ثلاثة رجال غلاظ، أشداء، يحسنون الافتراس، على تصيد فرصة العرض المسرحي في أحد المساءات. لان بعد نهاية كل عرض كنت أصاب بحالة من العياء الى درجة  أستسلم فيها للاسترخاء فيما يشبه الغيبوبة. في الوقت الذي كانوا ينتظرون فيه تلك اللحظة المناسبة للاسترخاء، حسب تقديرات الشيخ سعيد للهجوم علي لتقييدي بحبل متين قصد حملي الى ضريح الولي الصالح سيدي عبد السلام “مداوي الحماق”، كنت في حالة من التوحد الناذر مع كل دور أقوم به، وأنا أتحرك من موقع لاخر:

  • نحن الجزر الصغيرة المأهولة بالسكان نستغيت ونرفع صوتنا عاليا لعلكم تشفقون وتعاودون النظر فيما اقترفتم من جرائم التلوث و الدمار. أوقفوا جنونكم و إلا ستقع الكارثة ..الآلاف، بل الملايين من الناس سيلقون حتفهم بسبب جنون أقلية طاغية منكم تتحكم في خيرات العالم وبؤسه. ألم يكفيكم ما جمعتم من الثروات في النهب والحروب؟ ألم يحن الوقت لكي تفهموا الجرائم ضد الانسانية لو زحفت مياة الجليد نحونا.. وعندها لا ينفع الندم ولا الكلام؟


وبخفة حركة نصف دائرية وجدت نفسي في موقع الغابات

  • الكثير ..الكثير من الغابات مثلنا سوف تحترق بسبب ارتفاع درجة الحرارة ..والكثير ايضا من الكائنات والحيوانات التي تعيش داخلنا ستعرف المصير نفسه، وعندها ستحدث الكارثة العظمى. كفى كفى من هذا الجنون الهمجي في تدمير الحياة وأنتم تدعون العلم والعقل والذكاء وما شابه ذلك من أسماء التنوير والعقلانية والديمقراطية. ما أحقركم . وما أبشعكم وأنتم تقتلون آخر أحلام حبات الفرح في عيون صغار لم يولدوا بعد. الحياة أخذ وعطاء، فلم هذه اللهفة المحمومة في السطو وشن الحروب ونشر المصانع الكيماوية والجرثومية و المحطات النووية، وانهاك كل طاقات أمنا الارض الى حد الحماقة.


عند هذه اللحظة بدأت أشعر بنوع من الارهاق النفسي نتيجة التماهي العقلي والوجداني المطلق الذي كنت أعيشه موزعا بين عدة أدوار، فاستجمعت كل الغضب الداخلي و أنا أتحرك الى مقدمة الخشبة حيث الجمهور، و أنا أشير بيدي في اتجاه الباب وكأني أخاطب الزبانية الواقفين وراءه.

  • و أنتم ..نعم أنتم الى متى تتسلون بهذه المسرحية؟ أليس لكم موقف ؟ أعجبتكم المسرحية، بل أعجبتكم مواقف شخصياتها أليس كذلك؟ ولماذا أنتم سلبيون الى هذه الدرجة؟ اجتماع وراء اجتماع وهم يقررون مصيركم و أنتم لا تستطيعون مغادرة أماكنكم أو رفع أصواتكم. ألا تخجلون؟ ألا ترغبون في الحياة؟ أصابكم اليأس، وسيطرت على عقولكم خرافات الساعة بقدوم يوم القيامة ونهاية العالم. لا ..لا ثم لا .. وأرجوكم لا ..ارفعوا أصواتكم ، فالحياة جميلة وعلى هذه الارض ما يستحق الحياة. لا تكتفوا بالتفرج على المسرحيات. افعلوا شيئا غير هذه التسلية المقرفة. قولوا لا وبعدها تنتصر الحياة.


في هذه اللحظة ضغطت على زر التحكم عن بعد ليرتفع صوت مارسيل خليفة:
أجمل الأمهات التي… عينها لا تنامْ
تظل تراقبُ نجماً يحوم على جثة في الظلام…
لن نتراجع عن دمه المتقدّم في الأرض
لن نتراجع عن حُبِّنا للجبال التي شربت روحه
فاكتست شجراً جارياً نحوَ صيف الحقول.
صامدون هنا, (صامدون هنا) قرب هذا الدمار العظيم,
وفي يدِنا يلمعُ الرعب, في يدِنا. في القلبِ غصنُ الوفاء النضير.
صامدون هنا, (صامدون هنا) … باتجاه الجدار الأخير
و أنا مسترخ فوق الخشبة سمعت  نداء أمي مع طرق خفيف للباب، ما كدت أفتحه حتى هجموا علي جميعا، كما لو كانوا مجموعة من الخفافيش الهاربة من كهف مظلم، يسارعون لتقييدي، دون أن أفهم ما الذي يحدث، هكذا وجدت نفسي معتقلا، ساهرا في ضريح الولي الصالح، بدعوى تدين شعبي في اعتقاد  ان المريض الممسوس الذي ينال بركة الولي يستطيع حتما فك قيوده، وهذا دليل على الشفاء…
فجأة علت ضحكة الرجل الساخرة صديق الشاب، وهو يردد” لا ترقص الخفافيش على خشبة المسرح”،  و بالموازاة مع هذا فجر القطار صفيره الصارخ المخيف، فكان للصوتان معا وقع حاد في نفسي ، حتى أني رأيت في عيون الركاب الاخرين نفس الالم و الدهشة المتسائلة باستغراب لا يخلو من قلق السؤال الممتد في الاعماق حول سر هذا الاعتباط الذي جعل صباح ربيع أحلام هذا الشاب في الفوز في مسابقة مسرحية، ينقلب الى ليلة خريف جاف، وقاس في سموم برده اللعين…
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

لا ترقص الخفافيش … :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

لا ترقص الخفافيش …

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: اخبار ادب وثقافة-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: