الانتقاء الجنسي
سأحاول تفسير نظرية الانتقاء الجنسي و التي تعتبر من ركائز الآليات المحركة لعملية التطور وهي جزء من الانتقاء الطبيعي.
لكي أستطيع تفسير هذه الآلية يجب تعريف عدة مفاهيم:
– الاختلاف الجنسي (ذكر × أنثى) من الناحية العلمية الطبيعية
– نظرية الاستثمار الأبوي
– الاستثمار الجيني
مقدمة:
بعد أن قدم داروين نظريته الشهيرة “التطور عبر الانتقاء الطبيعي” واجه مشكلة أساسية في نظريته. هذه المشكلة كانت طائر الطاووس. إذ ان تطور ذيل الطاووس يتنفى مع مبدأ الانتقاء الطبيعي (البقاء للأفضل على التكييف) حيث أن ذيل الطاووس كبير جداً و مبرقع مما يجعله عرضة للحيوانات المفترسة و يمنعه من الطيران.
لماذا تطور الطاووس بهذا الشكل علماً أن هذا التطور يعد كارثي بالنسبة للطاووس؟ عندما سأل المشككون بنظرية التطور دارون عن الطاووس لم يستطيع الإجابة إلا بعد ١٣ عام ضمن كتاب
“The decent of man and selection in relation to sex”
حيث قدم لهم نظرية الانتقاء الجنسي….
لنبدأً بتحليل الانتقاء الجنسي و كيف تعمل هذه الألية كمحور مؤثر ضمن عملية الإنتقاء الطبيعي.
اولاً: الاختلاف الجنسي من الناحية العلمية :
ماهو تعريف الذكر و الأنثى من الناحية العلمية و كيف يتم تحديدهما؟
التصنيف الجنسي لا يعتمد على الأعضاء التناسلية كما يعتقد البعض. تحديد الجنس يتم عن طريق تقيم الخلايا التناسلية (بويضة / خلايا منوية) بناء على معايير محددة مثل الحجم و الكمية المتوفرة من هذه الخلايا في الجسم .
لنأخذ الانسان على سبيل المثال:
البويضة:
– تستخدم مرة واحدة في الشهر
– تستهلك موارد كبيرة لانتاجها
– أكبر خلية في الجسم
– يوجد عدد محدد من البويضات منذ الولادة (٢ مليون بويضة تقريباً)
– يعيش من 2 مليون بويضة حوالي ١٣ بويضة في السنة لمدة ٣٠ سنة تقريباً.
الخلايا المنوية:
– هي أصغر من البويضة بألاف المرات
– تنتج بشكل مستمرأي أنها ليست محدودة الكمية
– تستهلك موارد قليلة نسبياً لانتاجها
– يخرج بين ال٢٠ إلى ٤٠ مليون حيوان منوي أثناء القذف الناتج عن العملية الجنسية.
إذاً البويضة أغلى من الخلية المنوية من الناحية العضوية و من حيث الطاقة اللازمة للانتاج. تحديد الجنس يعتمد على هذا المعيار فالأنثى هي الحيوان ذو الخلايا الجنسية الأغلى و الذكر هو الحيوان ذو الخلايا الجنسية الأرخص بغض النظر عن نوع العضو التناسلي الموجود عند الحيوان. فقط قيمة الخلية التكاثرية هي من يحدد الجنس.
الإستثمار الأبوي و الاستثمار الجيني:
الاستثمار الأبوي هو قيمة الخلايا الجنسية (استثمار جيني) + قيمة الوقت و الفرص البديلة المبددة في سبيل رعاية الأبناء. على سبيل المثال و ليس الحصر، أنثى الإنسان تستثمر بويضة + 9 أشهر حمل + رعاية 3 سنوات مع كل ما يتضمنها من صرف موارد (طعام و وقت). هذا يعني أيضاً أن هذه الأنثى ستفقد القدرة على الأنجاب لمدة الحمل على الأقل بينما يستطيع الذكر الاستثمار الجيني بشكل رخيص و كبير دون أي عوائق (سننظر فيما بعد كيف تعمل الإناث على موازنة هذا العجز في الميزان الجيني).
إذاً الأناث هن أصحاب القيمة الأعلى في الاستثمار الأبوي و ذلك لانهم في طبيعتهم أصحاب الخلايا الجنسية الأغلى (استثمار جيني) و هم من يستثمر الوقت الأكبر في الرعاية.
الاستثمار الأبوي: هو الاستثمار الجيني + الوقت و الموارد المصروفة في الرعاية.
حسناً مادخل كل هذا في الانتقاء الجنسي؟
الانتقاء الجنسي هو أن الحيوان ذو الاستثمار الأبوي الأعلى عليه انتقاء شريكه في عناية أكبر إذا ان عملية التكاثر ستكون مكلفة بالنسبة له ولهذا على هذا الحيوان اختيار الحيوان ذو الجينات الافضل لكي يكون اسثمار البويضة ناجح و مجدي.
إذاً لنلخص ما وصلنا إليه حتى الآن…
الحيوان ذو الاسثمار الابوي الاكبر هو من يختارالحيوان ذو الاستثمار الأبوي الأصغر.
في أغلب الحالات الإناث هن اصحاب الاستثمار الابوي الأعلى لكن يوجد استثنأت في الطبيعة مثل حصان البحر او العناكب … الخ حيث يكون الذكر هو صاحب الاستثمار الأبوي الأكبر نظراً لأنه هو من يرعى الاطفال بعد الولادة (بيوض) بغض النظر ان الأنثى هي صاحبة الاستثمار الجيني الاكبر.
(((في سياق الحديث ساتكلم عن الذكور على اساس انهم أصحاب الاستثمار الابوي الأصغر لسهولة التعبير. )))
الانتقاء الجنسي هو الضغط الحاصل على الذكور على أساس المعايير و المواصفات التي تحددها الإناث. إذا كانت الانثى تفضل الحيوان الأقوى، فإن الذكور ذو الجينات القوية هم من سيحظون في فرصة التكاثرمع الإناث فتزيد الجينات القوية ضمن المجمع الجيني الذكري لتلك الحيوانات. إذا كانت الإناث يفضلن الذكور ذو الألوان المتنوعة سيتطور الذكور مع الوقت إلى تلك الألوان إذ أن الإناث يخترن الذكور الملونة. إذا كانت الإناث تفضلن الذكور ذو الصوت الاعلى فإنً جينات الذكور ذو الصوت الاعلى هم من سيبقون و الذكور ذو الصوت المنخفض سينقرضون.
لهذا السبب نجد ان أغلب الذكور ضمن الأحياء هم أكثر جمالاً من الإناث إذ أنهم في حالة تنافس دائمة.
إذاً عاملين أساسين في عملية الانتقاء الجنسي: معايير الاختيار عند الإناث و القدرة التنافسة عند الذكور.
لنأخذ بعض الأمثلة من الطبيعة….
الطيور:
نجد أن الطيور الملونة هم حصراً من الذكور إذ أن الإناث ينجذبن للذكور الملونة
الفيلة:
الذكور أكبر 5 اضعاف من حجم الإناث إذ أنه على الذكور الصراع فيما بينهم لكي يكسبوا الإناث. هذا يعني أن الذكر الأقوى و الاكبر لديه الحظ الأوفر في نشر جيناته فيصبح المجمع الجيني للذكور هو حصري للذكور الأقوى و الاكبر حجماً.
العناكب:
ذكر العنكبوت هو صاحب الاستثمار الأبوي الاعلى….
على ذكر العنكبوت بناء عش لكي تأتي الأنثى و تضع بيوضها في العش ثم على الذكر العناية بهذه البيوض حتى تفقص. على الرغم من أن الانثى هي صاحبة البيوض (أغلى جينياً) إلا ان الذكر هو من يعمل على رعاية البيوض فيما تنطلق الأنثى لتجد ذكور اخرين و تضع بيوضها في أعشاشهم. هذا يعني أن في هذا النوع من العناكب الأناث هن بحالة الصراع على اعشاش الذكور فلذلك نجد ان حجمهن أكبر لأن الانتقاء الجنسي يعمل لمصلحة الإناث الاكبر حجماً. (العناكب يوجد منها ألاف الأنواع و تختلف استراتجيتها و تاثيرات الانتقاء الجنسي عليها، في بعض أنواع العناكب يضحي الذكر بنفسه لتاكله الأنثى وذلك بهدف تغذيتها لزيادة فرصة نجاح التكاثر. على سبيل المثال عشرون عنكبوت جديد تعني عشرون 50% جينياً من العنكبوت الأصلي (الأب) هذا يعني 1000% من العنكبوت الاصلي الذي ضحى بنفسه و هي صفقة ناجحة بالنسبة للعنكبوت الذي ضحة بنفسه) لفهم هذه الفقرة بتوجب فهم نظرية الجين الأناني
حصان البحر:
الأنثى تفرز بويضتها داخل الذكر. أي على عكس أغلبية حالات الممارسة الجنسية حيث تقوم الإنثى بعملية القذف داخل الذكر و يحمل الذكر. حالة الحمل تحصل داخل جسم الذكر حيث يلقح البويضة من حيوانته المنوية وهذا يعني أن الذكر هو صاحب الاستثمار الأبوي الأكبرو هو من يختار الإناث. لهذا نجد ان اناث حصان البحر هم اكبر حجماً من الذكور لأن الذكور يختاروا الإناث الأكبر حجماً.
الزواج:
الزوجين هما شريكين، لهما مشروع جيني (الأبناء) يعملا سويةً على انجاح المشروع حتى يصل إلى مرحلة البلوغ…..
إذا الزوجة تجبر الزوج على استثمار اقتصادي لكي تضمن ارتباطه بعملية الرعاية للأبناء.
من مصلحة الذكر ان يمارس الجنس بشكل متواصل لكي ينشر جيناته بشكل كبير إلا أن الإناث لا يسمحن بذلك لأن هذ يعني أن مسؤولية الرعاية ستقع عليهن. تعمل الإناث ضمن استراتجية تضمن استثمار الذكر بشكل كبير لكي يصعب عليهم الانتقال من إنثى إلى آخرى بشكل سهل.
مثلاً: إناثً الطيور لا تقبل في الممارسة الجنسية إلا بعد ان يكون الذكر قد بنا لها عش مناسب. بناء العش يتطلب جهد ووقت و طاقة و مخاطر تكون كافية لضمان بقاء الذكر في العش بعد الولادة لأنه سيجد نفسه خاسراً إذا كان عليه بناء عش قبل كل ممارسة جنسية
الموضوع كبير جداً و أشعر أنني لم أعطيه حقه الكافي إلا أنني اخاف ان أتعمق اكثر فتختلط الأمور