لأنثروبولوجي الأمريكي كليفورد غيرتز -(ذوات)ذواتكان التعريف بالنظرية التأويلية للأنثروبولوجي الأمريكي كليفورد غيرتز محور الدراسة التي اشتغل عليها الباحث المغربي يونس الوكيلي، والتي نشرت في موقع "مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث" تحت عنوان "التأويل الرمزي للثقافة: في التداخل المعرفي بين الأنثروبولوجيا والسيميولوجيا".
ومن حسن حظ الباحث أن الوعي الأكاديمي لغيرتز وفّر عليه جهداً كبيراً لإنجاز تلك القراءة، ولو أنه لا تخلو الدراسة من مغامرة في سعيها إلى لَمِّ تنظيرات غيرتز بغير العرض الذي اختاره لنفسه؛ لكن من الضرورة القيام بهذه القراءة الإجرائية التنظيمية، فالقارئ عموماً لغيرتز لا تخفى عليه صعوبة متابعة إحدى فِكَره؛ فقد يحدث أن يبدأ فكرة، ويلج إلى أخرى، ثم يعود إلى الأولى، وهكذا دواليك. هذا فضلاً عن الأسلوب المشبع بالعبارة الطويلة النابضة، المُلبسة للمعنى، كلياً أو جزئياً، في الوقت الذي يفضل فيه المختصون في العلوم الاجتماعية وجيز الجُمل وباردها.
من الأسئلة التي تشتغل عليها الدراسة، نورد ثلاثة أسئلة: كيف انتقد غيرتز نظريات الثقافة السائدة؟ ما خصائص التأويل الثقافي المقترح؟ وما شروط اشتغاله؟
بالنسبة إلى السؤال الأول، والخاص بنقد مفهوم الثقافة، وإذا كان مفهوم الثقافة مركزياً في حقل الأنثروبولوجيا، فإن المدارس الكبرى السائدة لم تكن مقنعة لغيرتز بصدد تناولها لمفهوم الثقافة. ويرجع تلك المدارس- على وجه العموم- إلى اتجاهين؛ المدرسة البنيوية: (تلقي المدرسة البنيوية بالثقافة في خضم الدراسة التنظيمية المفرطة، فتعدّ الثقافة تدويناً لقواعد منهجية، وجدولة خوارزمية عِرقية من شأنها، في حال اتبعت تمكين الأجنبي، من التصرف بطريقة تجعله يبدو وكأنه من أهل البلاد الأصليين)، والمدرسة النفسية: (تقابل المدرسة النفسية نظيرتها البنيوية، في كونها تلخص مفهوم الثقافة في الدراسة النفسية المغرقة، وتعتقد أن الثقافة مكوَّنة من تركيبات نفسية يستدل بها الأفراد أو المجموعات في سلوكياتهم. بصيغة أخرى، تعتقد بوجود الثقافة في عقول الناس وقلوبهم، على حد تعبير وارد غود إينف).
من الأسئلة التي تشتغل عليها الدراسة، نورد ثلاثة أسئلة: كيف انتقد غيرتز نظريات الثقافة السائدة؟ ما خصائص التأويل الثقافي المقترح؟ وما شروط اشتغاله؟
في الحالتين معا، يضيف الباحث، نحن أمام، إما شكلانية مفرطة أو ذاتية مفرطة، وبدل النظر إلى الثقافة بطرق هروبية، كتحويلها إلى فلكلور وتجميعها، أو تحويلها إلى خصائص وحسابها، أو تحويلها إلى عادات متبعة وأعراف وتصنيفها، أو تحويلها إلى بُنى واللعب بها؛ فإن البحث يجب أن يُعنى بالتوجه نحو "الدور الذي تقوم به الأشكال الرمزية في حياة الإنسان (...) إلى المعنى، ذلك الكيان المزعوم الذي يروغ عن التحديد، والذي كنا في ما مضى نرضى بتركه للفلاسفة ونقاد الأدب يتلمسونه". وهذا التحول نحو "المعنى" في فكر غيرتز حتّمه تأثره بالنظرية السيميائية، بعدما قضى وقتا ليس قصيراً متأثراً بالنظرية الوظيفية، على يد تالكوت بارسونز، أثناء دراسته في جامعة هارفارد.
من أهم محاور الدراسة، أيضاً، تلك المُخصّصة لشروط التأويل الثقافي حسب غيرتز طبعاً، والذي بعد أن عرض نظريته حول التأويل الثقافي، عرج نحو الشروط الأساسية المساعدة على تطور النظرية التأويلية، وهما شرطان:
ــ استحالة التعميم، ويقودنا هذا الأمر إلى شرط أساس في النظرية الثقافية، وهي أنها لا تملك أمرها، وليست هي سيدة نفسها، وحيث إنه لا يمكن فصلها عن الأشياء الآنية المباشرة التي يقدمها التوصيف الكثيف، فإن حريتها في التشكل بحسب إملاءات منطقها الداخلي، محدودة إلى حد ما؛ فهناك حاجة إلى بقاء النظرية نوعا ما أقرب إلى أرض الواقع، عكس بعض العلوم القادرة على الانغماس في التنظير التجريدي التخيُّلي.
ــ استحالة التنبؤ، حيث يحسم غيرتز حسما قاطعا أن التأويل الثقافي لا يملك الصفة التنبؤية؛ ومن ثمة، فالصياغة النظرية المفهومية تتوجه نحو مهمة توليد تأويلات لقضايا واقعة راهنة، أو بالأحرى توليد تأويلات مقنعة لها. الأهم هو الكشف عن تلك البُنى المفهومية الكامنة خلف أفعال الأشخاص الذين نتابعهم؛ أي «المقول» في الخطاب الاجتماعي، وإبراز المميزات المكوِّنة لها؛ أي ما يتعلق بالأشخاص، بوصفهم ما هم عليه.
ويخلص الباحث، في خاتمة هذا العرض التركيبي والتنظيمي العام لنظرية غيرتز التأويلية، إلى أنه لا بد من بيان وجه التمفصل بين الوصف الكثيف أثناء العمل الإثنوغرافي، والتأويل أثناء العمل النظري الأنثروبولوجي. وهذه نقطة تحسب لغيرتز، الذي لم يفصل بين المستويين، إن لم نقل أنه أولى العمل الإثنوغرافي أهمية حاسمة؛ فالأول بعبارة غيرتز هو "الجسم" والهيكل والوعاء الذي يضم ترسانة ثقيلة من المفاهيم المتداولة أكاديميا، من بينها: الرمز، والعقيدة، وروح الجماعة، والهوية، والطقس، والنظرة إلى العالم، والمعرفة المحلية، والمقدس، والتراث...إلخ، وكلها مفاهيم تتعاضد لتمكننا من العثور على موطئ القدم في الثقافة المحلية، دون أن تدّعي أنه الموطئ النهائي. ثم ترفدها الكتابة الأنثروبولوجية التي تُعنى بصياغة القاعدة / المعنى، وهو بدوره معنى غير مكتمل، مفتوح على إمكانات لا متناهية، وغير مقيدة بنماذج شمولية. ولا معنى لأي انفصال بينهما، ولا تقوم الثانية إلا على جودة ودقة الثانية.
لقراءة الدراسة كاملة على الموقع الإلكتروني لـ"مؤسسة مؤمنون بلا حدود للدراسات والأبحاث"، انقر هنا: