تاريخ التسجيل : 13/09/2010 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 4
10042016
عــــــــــــــــالَــم الــغـــــــد
Illustration by Greygouar
في مارس 2001، نَشَر عالِم المستقبليات راي كورزويل، مقالًا بعنوان: «قانون العوائد المتسارعة» (The Law of Accelerating Returns)، قال فيه إن البشر يجدون صعوبة في إدراك مستقبلهم. وأكد أنه بالنظر إلى التاريخ، فإن التطورات التقنية ستواصل تسارعها، على الرغم من أن معظمنا لا يدرك ذلك، وأن العالَم الذي نعرفه، ستتغير ملامحه تمامًا في غضون عقود قليلة. وجاء في مقاله: «لن نشهد 100 عامٍ من التقدم في القرن الواحد والعشرين، بل سيبدو الأمر أشبه بعشرين ألف عام من التطور (بالمعدلات الحالية)».
بعد خمسة عشر عامًا من نشر المقال، يشغل كورزويل الآن منصب مدير الشؤون الهندسية في شركة «جوجل»، وله مريدون كثيرون من علماء المستقبليات. ورغم أن بعض توقعاته في المقال كانت غريبة، أو مُبَالَغ فيها، إلا أن الخبراء يرون أن مبادئها الأساسية لا تزال صالحة إلى حد كبير. ويدل على ذلك ـ حسب قولهم ـ التطورات الكبيرة المتلاحقة في مجموعة من التقنيات الحديثة، مثل قوة الحوسبة، وتخزين البيانات، وحجم شبكة الإنترنت وأدائها (انظر الرسم التوضيحي «تقدمٌ مستمر»). تصنع هذه التطورات نقاط تحوُّل، أو لحظات تصعد فيها ـ بلا حدود ـ تقنياتٌ مثل الروبوتات، والذكاء الاصطناعي، وعلم الأحياء، وتكنولوجيا النانو، والطباعة ثلاثية الأبعاد، مسبِّبةً تغييرًا مفاجئًا وعميقًا. وكما تقول فايفاي لي، رئيسة مختبر ستانفورد للذكاء الاصطناعي في كاليفورنيا: «نعيش اليوم في عالم يختلف تمامًا ـ إلى حدٍّ مثير للدهشة ـ عن العالم الذي عاش فيه آباؤنا»، والأمر نفسه سيحدث ـ بل وأكثر منه ـ مع أبنائنا وأحفادنا.
يرى كورزويل وآخرون أن الناس يجدون صعوبة بالغة في استيعاب التغيرات السريعة، لأن الطبيعة البشرية يمكنها استيعاب معدلات التقدم الخَطِّي الثابتة، لا الواثبة، تمامًا مثلما ينظر شخص إلى صورة مكبرة لجزء صغير من دائرة، فيبدو له كأنه خط مستقيم. يميل الناس إلى التركيز على السنوات القليلة الماضية، لكن النظرة الشاملة تكشف عن تغير أكثر دراماتيكية؛ فالعديد من الأمور التي يعتبرها المجتمع من المسَلَّمات اليوم كانت «هراءً تنبؤيًّا» قبل عقود قليلة. فيمكننا الآن البحث في مليارات الصفحات والصور ومقاطع الفيديو على شبكة الإنترنت، كما أصبحت الهواتف الجوالة في أيدي الجميع، وهناك المليارات من أجهزة الاستشعار الذكية المتصلة بالإنترنت، التي تراقب كل شيء لحظة بلحظة، ابتداءً من حالة الكوكب، إلى نبضات قلوبنا ومعدلات نومنا، بل وتعِدّ خطواتنا، أما الطائرات بدون طيار، والأقمار الصناعية صغيرة الحجم، فتجوب السماوات بِحُرِّيَّة.
Sources: 1. top500; 2. IDC Digital Universe Study, 2012; 3. Cisco Visual Network Index (VNI), 2015; 4. Cisco VNI Global IP Traffic Forecast, 2014–2019; 5. NCBI; 6. EPSRC; Direct Manufacturing Research Center; Roland Berger; 7. International federation of robotics, Japan Robot Association; Japan Ministry of Economy, Trade & Industry; euRobotics; BCG
Illustrations by Greygouar; Design by Wes Fernandes/Nature
وإذا استمر التغير في الحدوث بإيقاع سريع؛ ستبدو كل هذه التطورات تافهة في غضون سنوات قليلة. لنأخذ «التعلُّم العميق» deep learning، على سبيل المثال، وهو شكل من أشكال الذكاء الاصطناعي، يَستخدِم معالجات دقيقة وخوارزميات جبارة، لمحاكاة الشبكات العصبية التي تتمرَّن وتتعلم بصورة تراكمية، باستخدام مجموعات ضخمة من البيانات. في يناير الماضي، استخدمت شركة «ديب مايند» DeepMind ـ المتخصصة في الذكاء الاصطناعي، والتابعة لشركة «جوجل» ـ تكنولوجيا التعلم العميق، لتطوير حاسب استطاع للمرة الأولى أن يهزم محترفي لعبة «جو» Go، التي طالما عُدَّت من التحديات الكبرى أمام الذكاء الاصطناعي. وصرَّح باحثون لدورية Natureبأنهم يتنبأون بمستقبل، تغدو فيه الروبوتات الذكية شائعة مثل السيارات والهواتف، وتتغلغل في نسيج الأُسَر، والشركات، والمصانع، بعد 20 عامًا ـ أو أقل ـ من الآن. وكما تقول دانْيِلّا روس ـ رئيسة مختبر الحاسبات والذكاء الاصطناعي في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا في كمبريدج ـ فإن «التسارع الحاد» للتقدم التكنولوجي سيفضي إلى «عالَم يقتني فيه كل إنسان روبوتًا، وتصير فيه الروبوتات جزءًا أساسيًّا من نسيج الحياة».
وحسب قول فايفاي لي، فقد بدأت تطبيقات الذكاء الاصطناعي تدخل عالم الواقع بعد عقود طويلة من التطوير، مع ظهور السيارات ذاتية القيادة، والواقع الافتراضي، وغير ذلك الكثير. ومن المرجح أن تتسارع معدلات التقدم في الذكاء الاصطناعي والروبوتات، إذ تنفق الشركات ذات السيولة المالية الهائلة ـ مثل «جوجل»، و«أبل»، و«فيسبوك»، و«مايكروسوفت» ـ مليارات الدولارات في هذا المجال. وفي العام الماضي، تساءل جيل برات ـ الرئيس السابق لمسابقة تحدي الروبوتات التي تنظمها وكالة الأبحاث المتطورة في وزارة الدفاع الأمريكية ـ عما إذا كانت الروبوتات ستشهد فترة من الازدهار والتنوع على غرار «انفجار كامبري»، (G. A. Pratt J. Econ. Perspect.29, 51–60; 2015). ورغم أنه لا يوجد حتى الآن روبوت واحد يحاكي قدرة طفل رضيع على التعلم، يرى برات أن الروبوتات لا تزال تتمتع بميزة هائلة؛ ألا وهي قدرتها على التواصل فيما بينها عبر الإنترنت بسرعات أعلى مائة مليون مرة من البشر الذين يتواصلون فيما بينهم بسرعة 10 بت في الثانية. وسيؤدي ذلك ـ حسب قوله ـ إلى عدد كبير من الروبوتات التي ستستفيد من قدرة بعضها البعض على التعلم السريع كسرعة البرق. وقد تم اختيار برات في سبتمبر الماضي ليرأس «معهد تويوتا للأبحاث»، وهو مركز جديد متخصص في أبحاث الروبوتات والذكاء الاصطناعي، أُنشئ بتمويل قدره مليار دولار أمريكي، ومقره في بالو ألتو بكاليفورنيا.
يرى العديد من الباحثين أن الاستعداد لهذا العالَم الجديد ضروري. تقول فايفاي لي: «نحتاج إلى التحلِّي بقَدْر أعلى من المسؤولية عند تصميم هذه الروبوتات وتشغيلها، خاصةً أنها تصبح أقوى يومًا بعد يوم». ففي يناير 2015، وجَّه كلٌّ من إيلون ماسك، وبيل جيتس، وستيفن هوكينج خطابًا عامًّا؛ يدعو إلى تكثيف الأبحاث في مجال تعظيم الاستفادة من الذكاء الاصطناعي، وتجنب المعوقات المحتملة. وقد بلغ عدد التوقيعات على هذا الخطاب حتى الآن أكثر من 8,000 توقيع.
إنّ التنبؤات المستقبلية ليست رهانًا مضمونًا، وليس الجميع مقتنعين بأن البشرية ستشهد تحولات تقنية بهذه السرعة، فعلى سبيل المثال.. يشكك كين جولدبيرج ـ وهو مهندس في جامعة كاليفورنيا بمدينة بيركلي ـ في فكرة تطور التقنيات بسرعة كبيرة في جميع المجالات، أو في تطور بعضها إلى ما لا نهاية، ويقول: «مكمن الخطورة في التفاؤل المفرط هو بناء توقعات غير واقعية، قد تنتهي بأزمة جديدة تعصف بمستقبل الذكاء الاصطناعي»، مشيرًا بذلك إلى فترات في تاريخ الذكاء الاصطناعي، أدَّت فيها المبالغة إلى خيبة أمل، أعقبها نقص حاد في التمويل. ويرى جولدبيرج أن التحذيرات الأخيرة من خطر تفوق الذكاء الاصطناعي والروبوتات على الذكاء البشري «مُبالَغ فيها إلى حد كبير».
ويشكك ستيوارت راسل ـ عالِم الحاسبات في جامعة كاليفورنيا بمدينة بيركلي ـ في فكرة حدوث قفزات جوهرية حتمية، ناتجة عن التطورات التقنية السريعة، ويقول: «حتى لو كان لدينا أجهزة كمبيوتر أسرع تريليون مرة، فلن نصل إلى ذكاء اصطناعي يضاهي مستوى ذكاء البشر، أو حتى نصفه. ويمكننا القول إننا سنحصل على إجابات خاطئة أسرع تريليون مرة من ذي قبل. وما يهم حقًّا هو التطورات التصوُّرية والخوارزمية التي يصعب التنبؤ بها».
لم يوقِّع راسل على خطاب هوكينج، موقِنًا بأنه من الضروري عدم تجاهل حقيقة أن التقنية قد تتسبب في مخاطر محتمَلة وعواقب وخيمة. يقول: «لقد ارتكبنا الخطأ ذاته مع تقنيات الوقود الحفري قبل 100 عام، وها قد فات أوان تَدَارُك الأمر».