( الفوارس ) هواجسها و أفراحها التي انغرس فيها الحاج محمود ، و عايشها
بتودد هادئ، مجالسها الصغيرة الأخرى … رجالها الذين يتسامرون على أبواب
دورها ، و ينغرسون في أزقتها كانغراس رماح الشمس في ترابها الشهي . و هذه
الليالي قد تبدو مبتسمة للحاج محمود كحورية هربت من الجنة ، حينما فاجأ
النعاس مالكاً ، إلا أن حياته كانت مليئة بليالي سوداء أحاطت عنقه بخيوطها
الحريرية ، و شدته غليها بلا رحمة . مازال يتذكر قراره ذلك اليوم الذي وقف
فيه أمام والده مرتجفا من الهزال ، مقررا بحزم :
ـ أنوي الذهاب للبحرين .
ـ البحرين ! و لماذا تذهب إلى ذلك المكان البعيد ؟
ـ إنني قد نويت شراء بعض البضائع من هناك ، و بيعها هنا بالأحساء .
ـ و هل ستمكث طويلا هناك يا ولدي ؟
ـ لا .. إنني آمل أن أذهب و أرجع خلال شهر بمشيئة الله .
ـ .. و لكن هل استطعت أن تجمع فلوسك من السوق ؟
ـ نعم .. عندي مائة ريال .. إنه مبلغ كبير أستطيع إحضار جميع ما أرغب من
بضائع .
يتذكر ذلك اليوم و عمره لم يتجاوز السادسة عشر ، ذهب محمود للبحرين ، و
أشتري ما أراد من البضائع ، إلا أنه عاد إلى الأحساء ( بوزاره ) فقط . لقد
غرقت المركب ، و غرق من فيها إلا القلة ممن يجيدون السباحة ، و ذهبت جميع
ثروته . لم يكد ينجيه من وسط البحر بعصف رياحه الهوجاء . و أمواجه
المتلاطمة بغضب .. سوى مشيئة الله التي هيئت له لوحا من خشب ، قاده إلى
شاطئ ( العقير ) .
يتذكر كفاحه بصمت في ركن مجلسه الأثير لديه ، و لا يقطع شروده هذا ، إلا
عندما يأتي إليه ابنه الصغير المدلل ، و الذي لم يتجاوز التاسعة ، طالباً
منه تحفيظه شيئا من سور القرآن الكريم ، استعدادا لمدرسته يوم غد . حينما
يعتدل الحاج محمود في جلسته فيقرأ بصوت رخيم آية آية بينما يردد ابنه وراءه
الآية التي يتلوها الحاج . و ما أن ينتهيا حتى يعود الحاج لقراءة كتابه ،
أو لصمته الحزين فيخيل للرائي لنحافته التي مازال محتفظا بها طوال حياته و
بسواد عينه البارزتين .. أن بصدره آهة مكتومة لا يعرفها سواه، آهة غير
معروفة
السبت يوليو 24, 2010 9:35 am من طرف نابغة