حمادي فريق العمـــــل *****
عدد الرسائل : 1631
تاريخ التسجيل : 07/12/2010 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 8
| | يوسف شلحت… العلاّمة الإثنولوجيُّ وبُنى المقدَّس | |
مبروك بوطقوقة يوسف شلحت… العلاّمة الإثنولوجيُّ وبُنى المقدَّس ريتا فرج ليس قليلاً ما قدّمه عالِم الاجتماع والإثنولوجي (Ethnologue) السّوري يوسف باسيل شلحت (Joseph Chelhod) (1919_1994) على مدى حياته العلميّة. قلّة من الكتّاب والأكاديميين العرب تدرك أهميّة النتاجالعلمي الّذي وضعه “ابن خَلدون العرب في النصف الثاني من القرن العشرين”، كما يصفه البروفيسور خليل أحمد خليل. يكاد شلحت مؤسّس علم الاجتماع الدينيِّ العربيِّ أن يتفرّد في مجال تخصصه. كان سبّاقًا زمنيًّا بين العلماء العرب في دراسة المقدَّس ضمن بيئته الإسلاميّة. اتّخذ من الحياديّة نهجًا معرفيًّا مبتعدًا من الأطر الإيديولوجيّة والإسقاطيّة في مقاربة الظاهرة الدينيّة. لا يعرف بعض الجيل الجديد من المهتمين في الأبحاث الإثنولوجيّة والأنثروبولوجيا من هو يوسف شلحت. عالج قضايا إسلاميّة معقّدة، فتناول الأضاحي عند العرب وبُنى المقدَّس والقبائل والعشائر وعلم اجتماع الإسلام ومسائل أخرى. من حلب إلى السوربون: يوسف شلحت المولود في حلب من أسرة مسيحيّة، تلقى دروسه في سورية واكتسب الثّقافة الفرنسيّة ولغتها من مدارسها. انتظر نهاية الحرب العالميّة الثّانية كي يلتحق في جامعة السوربون (Sorbonne) من أجل متابعة تخصّصه في علم الاجتماع. حصل على شهادة الدكتوراه عن أطروحة (Le sacrifice chez les Arabes) (الأضاحي عند العرب) تحت إشراف الأنثربولوجي الفرنسي مارسيل غريول (Marcel Griaule) (1898 _1956). أختير ضمن فريق كلود ليفي ستروس (Claude Lévi-Strauss) (1908 _ 2009) كمختصٍّ في الأنثروبولوجيا في العالم العربي، فعمل في المركز الوطني للبحوث العلميّة (C.N.R. S) في باريس مع ستروس والمؤرخ جاك بيرك (1910 _1995) والمستشرق مكسيم ردونسون (1915_ 2004) (انظر: François, Pouillon, Dictionnaire des orientalistes de langue française,éditions Karthala, 2008). من علم الاجتماع الدِّيني إلى اليمن: امتاز شلحت بموضوعيته ونزاهته العلميّة في معالجة الإسلاميات بمنهجيّة سوسيولوجيّة. نشر العام 1946 كتابه في العربية “علم الاجتماع الدّينيِّ” وقد أسّس هذا المؤلَّف لمعظم أبحاثه، الّذي قدّم له وحقّقه خليل أحمد خليل بعد سبعة وخمسين عامًا على صدوره؛ فصدر عن دار الفارابي في بيروت العام 2003 تحت عنوان “نحو نظريّة جديدة في علم الاجتماع الدِّينيِّ، الطوطميّة _ اليهوديّة _ النصرانيّة_ الإسلام”. (انظر: خليل، أحمد خليل، ملحق موسوعة السياسة، المؤسسة العربيّة للدّراسات والنّشر، بيروت، الطبعة الأولى، 2004، ص 467_ 468). من مؤلّفات شلحت الصادرة باللّغة الفرنسيّة: ,Introduction à la sociologie de l’Islam, de l’animisme a l’universalisme 1958 .Les structures du sacré chez les Arabes ,1964 .Le sacrifice chez les Arabes ,1955. .Le droit dans la société bédouine ,1971 Le peuple yemenite et ses racines, (1), (Islam d’hier et d’aujourd’hui) 1984 L’arabie du sud:Histoire et Civilisation, La société yéménite, de l’Hégire aux idéologies modernes, (2), 1984 L’arabie du sud:Histoire et Civilisation, Culture et institutions du Yemen, (3), 1985 حقّق شلحت مخطوط المؤرّخ السّوريِّ فتح الله الصايغ: “رحلة فتح الله الصايغ الحلبي إلى بادية الشّام وصحارى العراق والعجم والجزيرة العربيّة” (دار طلاس، دمشق، 1991). ونقل الكتاب إلى الفرنسيّة العام 1991 (Le Désert et la gloire ; Les Mémoires d’un agent syrien de Napoléon, par Fathallah Sayigh). يذكر أنّ المخطوط نفسه قام بتحقيقه أستاذ التّاريخ في جامعة الملك سعود عبد الله العسكر والأستاذ في قسم اللّغة العربيّة في جامعة الملك سعود محمد خير البقاعي )رحلة فتح الله ولد أنطون الصايغ الحلبي إلى بادية الشّام وصحارى العراق والعجم والجزيرة العربيّة، دار جداول، بيروت، 2011). نشر شلحت مقالات عدّة في مجلات علميّة أوروبيّة منها: “Arabica” ،“Studia Islamica” و“L’Homme”. ومن بين مقالاته نذكر على سبيل المثال لا الحصر: La Foi Jurée Et L’Environnement Désertique « Arabica », 1991, Volume 38, Issue 3 Du Nouveau À Propos Du «Matriarcat» Arabe « Arabica », 1- 1- 1981. volume 28, Issue 1 La place de la coutume dans le “Fiqh” primitif et sa permanence dans les sociétés arabes a tradition orale, «Studia Islamica» 1_1986, Issue 64 Ethnologie du monde arabe et islamologie,« L’Homme » 10 _ 1969, volume 9, Issue 4 عرَّب خليل أحمد خليل ثلاثة من كتب شلحت، الأوّل: “بُنى المقدَّس عند العرب قبل الإسلام وبعده” (دار الطليعة، بيروت، الطبعة الأولى، 1996، الطبعة الثّانية، 2004)، الثّاني: “مدخل إلى علم اجتماع الإسلام من الأرواحية إلى الشّموليّة” (المؤسّسة العربيّة للدّراسات والنشر، بيروت، الطبعة الأولى، 2003)؛ والثّالث: “الأضاحي عند العرب: أبحاث حول تطوّر شعائر الأضاحي طبيعتها وظيفتها في غرب الجزيرة العربية” (دار الطليعة، بيروت، الطبعة الأولى، 2013). المقدَّس والقدسيُّ والأضاحي: يدفع مفهوم “المقدَّس” إلى تحديد المراد عمومًا بالتّجربة الدّينيّة، فهذا المصطلح عادة ما يقف على نقيض الأطروحة لثنائيّة من المفاهيم ضمّ في الجانب الآخر المدنّس. ويشير المقدَّس إلى شيء يدركه البشر خلال مشوار حياتهم، بما يخلّف فيهم من آثار وقوّة، ومظاهر خارقة. يعود الجذر اللّغوي لكملة مقدّس في اللاّتينية إلى مفردة (Sacer) ويرد المعنى في تلك اللّغة مزدوجًا، ما هو حكر على الآلهة، وفي الوقت نفسه ما يُثير الرّهبة. وتاليًا مصطلح (Sacrificio) المنحدر من تلك الكلمة، الّذي عادة ما نترجمه بالقربان والأضحية والذّبيحة، يتضّمن معنيين مختلفين: فهو في الوقت نفسه “إضفاء القداسة” و “الهلاك موتًا”. حاول هنري هوبرت (Henri HUBERT) (1872_ 1927) ومارسيل موس (Marcel Mauss) (1872_ 1950)، تلميذا إميل دوركايم (Emile Durkheim) (1858_1917)، تفسير هذه الازدواجيّة، وذهبا إلى أنّ الأضحية هي عنصر أساسي داخل عديد الديانات التّاريخيّة، فبواسطتها يعانق البشر عالم الألوهيّة، بفضل التّوسّط الّذي يضمنه الكاهن عبر ممارسات طقوسيّة. يذهب الدّارسان إلى أنّ تحويل الحيوان الأضحية إلى كائن مقدّس جدير بعالم الآلهة، يتطلّب التضحية به وفصله عن عالم الأحياء. بهذا المعنى يتقابل المقدَّس مع المدّنس (Profane) مع ما يبقى خارج الحرم القدسي. يستدعي المقدَّس فصلاً يقوم به البشر لإسداء الشكر إلى الآلهة. (انظر: سابينو أكوافيفا، إنزو باتشي، علم الاجتماع الدِّينيِّ: الإشكالات والسياقات، ترجمة، عزّ الدّين عناية، كلمة، أبو ظبي، الطبعة الأولى، 2011). تحرّى يوسف شلحت عن “المقدَّس” (Le sacré) و“القدسي” مُمعنًا النظر في مقوّمات علم اجتماع الأديان، اللاّنبوية والنّبويّة، مُفترضًا أنّ المجتمع هو الّذي ينتج الظواهر الدّينيّة ويستهلكها، بمعنى أنّها ليست فوق التّحليل والنقد، بل هي على غرار كلّ الظواهر المجتمعيّة الأخرى. وهذا يعني إرجاع الخيال الدِّينيِّ إلى الخيال الاجتماعيِّ، وتاليًا وضع مرجعيات الأديان في عالمنا ومجتمعاتنا، لا في أي مكان آخر. (انظر: يوسف شلحت، نحو نظريّة جديدة في علم الاجتماع الدِّينيِّ، م.س، ص 13). ما يقصده شلحت أنّ الدِّين يؤثر في المجتمع ويتأثَّر به في الوقت نفسه، وهنا نحيل على عبارة الفيلسوف المغربيِّ طه عبد الرحمن (1944): “أنّ الدِّين واحد في النّصوص ولكنّه يتعدّد ويتكوثر في الممارسة وفق فهم الأطراف والفئات والظروف التّاريخيّة”. ينظر شلحت إلى “المقدَّس”(*) باعبتاره “تلك القوّة الغريبة واللاّشخصيّة الخيّرة أو المخيفة الّتي يمكنها أن تكون أساس كلّ سلطة وكلّ فرح، كما يمكنها أن تكون أساس كلّ حزن أو مصيبة”. وقد قارب في كتابه “نحو نظريّة جديدة في علم الاجتماع الدِّينيِّ” (ص 54) مفهومي الحرام والحلال؛ فالحرام ليس إلاّ نوعا من القوّة أو النّار المحرقة تكون في الأشياء المقدَّسة والنّجسة. أمّا الحلال فهو ضدّ الحرام ولا يفهم معناه إلاّ بالإضافة إلى ضدّه. فالحلال ما كان غير مقدّس وغير نجس. والحلال ما يستطيع المرء أن يأتي به دون أدنى استعداد يؤهّله لذلك ودون أن يخشى عاقبة عمله. أوضح شلحت أنّ مساحتي الطّاهر والنّجس تتعارضان في التّصور الإسلامي للكون، كما أبرز ازدواجيّة الحرام في هذا التصوّر، لأنّه وجد أنّ القرآن يستخدم الجذر (ح.ر.م) للتّعبير عن الخطر الّذي يمثّله كلاهما على الكائن العادي، والحرام يشملهما دون الخلط بينهما، وأنّ المؤمن مطالب باجتناب القوى الدّنسة، وللسبب ذاته فإنّ مساحة القداسة والطّهارة، أو ما يدخل في علاقة مع التّعالي أو يدلّ عليه، مفصول عن بقية العالم. ويخلص إلى القول: “إنّ الأشياء المحرّمة هي الّتي تكون في معزل عن غيرها لا تختلط بها، ويحظر الدّين على المؤمن، تحت طائلة العقاب الصارم، أن يقربها أو يمسّها إلّا في بعض الأحوال الاستثنائيّة، وبعد استعدادات خاصّة، فتكون العقائد الدينيّة رموزًا وتصوّرات تعبّر عن طبيعة الأشياء المحرّمة، وعن علاقاتها بالأشياء المحلَّلة، وما الحفلات الدّينيّة إلّا تقاليد وطقوس يخضع لها المرء ويسير على منوالها في علاقته بالأشياء المحرّمة، والدّيانة تعلم المؤمنين بها التمييز بين هاتين الفئتين(…) كجعل أماكن الصلاة في منعزل عن أماكن العمل، وبفصل أيّام الأعياد عن أيّام العمل”. (انظر: شمس الدّين الكيلاني، رمزيّة القدس الروحيّة، دراسة متوافرة على الإنترنت؛ انظر أيضًا، يوسف شلحت، نحو نظريّة جديدة في علم الاجتماع الدِّينيِّ، م.س، ص 54 – 55). المقدَّس يُدرس سوسيولوجيًّا: راهن شلحت على الانتقال بالفكر الاجتماعيِّ العربيِّ من الأدب الخياليِّ إلى الكناية الفكريّة العلميّة، أي دراسة الدِّين والمقدَّس ضمن المنهج السوسيولوجيِّ. وفي إطار علم اجتماع غير إيديولوجي (A_ idéologique) سعى إلى تبيان الموقع الاجتماعيِّ للأديان، من دون أن يدعي توظيفًا آخر سوى التوظيف العلميِّ؛ فالدّين ظاهرة سوسيولوجيّة ذات توظيفات شتّى على أصعدة الإيديولوجيات السياسيّة والاقتصاديّة، وعلى العالِم أن يفككّ هذه التّوظيفات بذاتها، لا أن يضع الدِّين كإيديولوجيا في مواجهة الإيديولوجيات الأخرى. علم الاجتماع الدِّينيِّ(*) كما يراه شلحت درس ما يحدث في المجتمع وتحديد نسبة الحدث الدِّينيِّ وقوته وتبيان أثره وتأثيره وخصوصًا تأثره بالمجتمع الّذي يعتنقه ودراسة الدِّين كظاهرة في السّلوك الاجتماعي في نظام المجتمع وحتّى في سياسته وأدائه الاقتصادي وهويّته الثّقافيّة. يرى أنّ العقائد الدينيّة هي من نتاج مجتمعاتها عبر تغيّرها وتطوّرها (…) وتتجلّى الوظيفة المميّزة للأديان، سوسيولوجيًّا، من خلال الطّقوس (الشعائر والمراسم) الّتي يأتي في مقدّمتها طقس التطّهر أو التطهير. ففي كلّ الأديان الّتي عمل عليها من الطوطميّة إلى اليهوديّة والنصرانيّة وحتّى الإسلام، هناك سلك مشترك بينها، هو سلك الطّهارة الّذي يجعل المتدينين (أي المتطّهرين) والدِّينيين (إخوة) في جماعة منتشرة، بنظام أو بغير نظام. (يوسف، شلحت، نحو نظرية جديدة في علم الاجتماع الدِّينيِّ، م.س، ص 14 _ 15_ 16). سوسيولوجيا الإسلام والعرب: على الرّغم من أنّ الكتب الأربعة الموجودة في المكتبة العربيّة: “بُنى المقدَّس عند العرب قبل الإسلام وبعده”؛ “نحو نظريّة جديدة في علم الاجتماع الدِّينيِّ (الطوطميّة_ اليهوديّة _ النصرانيّة _ الإسلام”؛ “مدخل إلى علم اجتماع الإسلام من الأرواحيّة إلى الشموليّة”؛ “الأضاحي عند العرب: أبحاث حول تطوّر شعائر الأضاحي طبيعتها وظيفتها في غرب الجزيرة العربيّة” يحتاج كلّ واحد منها إلى قراءات ومراجعات هادئة تبيّن أهميّة المؤلّفات الّتي عمل عليها شلحت، سوف نكتفي في هذه المقالة بإبراز بعض ما تضمّنته. بُنى المقدَّس عند العرب: في “بُنى المقدَّس عند العرب” (191 صفحة) (وزّع الكتاب على تمهيد ومدخل وسبعة فصول وخواتم) عمل شلحت على دراسة البيئة المكيّة ما قبل الهجرة، محاولاً تبيان أنّ الإسلام هو الخلاصة المنطقيّة والضروريّة للحالة الدِّينيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة الّتي كانت تعيشها الجزيرة العربيّة الغربيّة في أواخر القرن السّادس. واعتبر أنّ التّصور الإسلامي للمقدّس يعكس تصوّر بيئته العربيّة، على الرّغم من عالميّة عقيدته وشموليتها (…) إذ أنّ الواقع يطبع بطابعه الأسس العميقة للإسلام. يتساءل شلحت: ما هي هذه البنى العميقة للإسلام الّتي استهلمها وتحكّمت بتطوّره؟ هذا هو الهدف الّذي توخّى تناوله في هذا الكتاب، محاولاً استخلاص السّمات الأصليّة والأصيلة الخاصّة بالنّظام المدروس، والكفيلة بتبيان علاقاته مع البنى الاجتماعيّة _ الجغرافيّة لنمط مجتمعيٍّ معين. (انظر: بُنى المقدَّس عند العرب، ص 5 _ 6). لا يهدف شلحت إلى قراءة المقدَّس العربيِّ الإسلاميِّ بعين المقدَّس الإسلاميِّ أو المسيحيِّ، فعنده أنّ هذه المقدَّسات وإن ظهرت في مهدٍ ساميٍّ مشترك، إلاّ أنّها لا تفسّر بعضها، بل تجد تفسيرها الأعمق في البُنى الاجتماعيّة الّتي تقبّلتها واستوعبتها. (المرجع نفسه). نحو نظريّة جديدة في علم الاجتماع الدِّينيِّ: يقدّم شلحت في هذا الكتاب (231 صفحة) نظريّة علميّة جديدة في منهج البحث السوسيولوجي لدرس المقدَّس الدِّينيِّ، ساعيًا إلى تناول الدِّينيِّ من خلال مسارات التّطور الاجتماعي نفسه. تضمنت محتويات الكتاب المحاور الآتية: مدخل إلى علم اجتماع الأديان (بقلم خليل أحمد خليل)، استهلال، توطئة: من علم الاجتماع إلى علم الأديان؛ الفصل الأوّل: تعريف الدّيانة، الفصل الثّاني: ما هو قوام الديانة؟ الفصل الثّالث: النظريات المفسّرة للديانة، الفصل الرّابع: الطوطميّة، الفصل الخامس: نحو نظريّة جديدة، الفصل السّادس: فصل السّلطة عن الدِّين، الفصل السّابع: أثر الديانة في الحياة، الفصل الثّامن: قوانين التَّطور الدِّينيِّ، الخلاصة مستقبل الديانات. مدخل إلى علم إجتماع الإسلام: قسِّم الكتاب (207 صفحات) إلى: مقدّمة بقلم المعرب خليل أحمد خليل؛ مدخل؛ الفصل الأوّل: البيئة، الفصل الثّاني: البدو والحضر؛ الفصل الثّالث: قيامة المدينة؛ الفصل الرّابع: هيمنة القُرشيين والدِّين القوميُّ؛ الفصل الخامس: انحطاط الدِّين القوميِّ وانتصار الشّخص؛ الفصل السّادس: الإسلام ومعنى المقدَّس؛ خلاصة وخواتيم. يرى شلحت في كتابه هذا أنّ البيئة العربيّة، البنية، هي مفتاح التّفسير السوسيولوجيِّ لما يحدث، ففيها السببيّة الاجتماعيّة تجعل تاريخ الأحداث مفهومًا فهمًا عقلانيًّا، ومشفوعًا بكلّ تسويغاته التّاريخيّة، ومنها: أنّ البيئة العربيّة، عشايا الإسلام، هي بيئة صراع لأجل الحياة، وأنّ الإسلام كإيديولوجيا جديدة، بل كمألفة أديان، هي في جوهرها الاجتماعيِّ التَّاريخيِّ تعبيرات عن توحّدات داخليّة، مكنت العرب من تحقيق قوميّة الأقوام العربيّة (مدخل إلى علم اجتماع الإسلام، ص 10). يعتبر شلحت أنّ العقليّة العربيّة تنطوي على راسب بدويٍّ/ حضريٍّ، معقّد، ومستمر في تكوين شخصيّة العربيِّ (…) هذا النّسيج الازدواجيُّ للشخصيّة العربيّة، نجده مبرمجًا في علاقة المجتمع بالسّلطة الّتي ينتجها: السّلطة المفردنة، الدنيويّة، قبل الإسلام؛ السّلطة الجماعيّة، المقدَّسة، مع الإسلام. يلاحظ شلحت في كتابه ولادة دين عضويٍّ أساسه المجتمع المتّحد، ويرى أنّ “من الجدّ المتنقّل في قلوب محبيه الرُّحل إلى الجدّ المستقرِّ في ضريح أو معبد (وثن _ صنم) مرورًا بالّتبادل الاجتماعيِّ _ الاقتصاديِّ، صارت المدينة العربيّة نفسها مقدّسة بثلاثة معانٍ: معنى الحمى والحماية، معنى الحرم، ومعنى السيادة. وفوق ذلك كان وجه الشّخص رمز شخصيته. ومع طقس المؤاخاة أو الإخاء بين العرب بالمؤاكلة أو بالمؤادبة، ولدت علاقة مقدّسة بين العرب، وانتظم الكائن المقدَّس في نظام المعاني العربيّة المقدَّسة، قبل ربطها بالقدسيِّ الأرفع. (مدخل إلى علم اجتماع الإسلام، م.س). الأضاحي عند العرب: كتاب”الأضاحي عند العرب: أبحاث حول تطوّر شعائر الأضاحي طبيعتها وظيفتها في غرب الجزيرة العربية “آخر ما عُرِّب من مؤلفات يوسف شلحت. ينطلق الإثنولوجيُّ السوريُّ _ الفرنسيُّ من الإسلام إلى الجاهليّة المتأخّرة، محدّدًا عرب الحجاز، مهد الإسلام، مجال دراسته. يتناول في مؤلَّفه المسار العكسي للأضحية من الإسلام إلى الجاهليّة، مصنفًا الأضاحي بتنوّعها واختلافها والّتي تراوحت بين أضاحٍ دامية وغير دامية: قربانيّة/إيلافيّة، تكفيريّة، وأضاحٍ سلبيّة وإيجابيّة، وذاتيّة وموضوعيّة، ودوريّة وافتراضيّة تبعًا لطبيعتها. بغية توضيح التّصنيفات الّتي وضعها، قسّم الأضاحي إلى تلك المحدّدة في الزّمن”الضحيّة“، والمحدّدة في الزّمان والمكان: هَدْي القربان؛ والمحدّدة في المكان؛ وغير المحدّدة أي المنذورة والمقدّمة حسب الظروف. يقارن شلحت بين الطّقوس الدينيّة الّتي تبنّاها العربيُّ الجاهليُّ والقواعد الإصلاحيّة الجديدة الّتي أرساها الإسلام، سواء في شعائر الحجّ والعمرة، أو في قضايا تعبديّة أخرى قام النّبي (صلعم) بمنع جزء كبير منها، وأضفى على بعضها بعدًا روحيًّا ورمزيًّا إيمانيًّا. (انظر: رائد علم الاجتماع الدِّينيِّ: تحيّة متأخّرة إلى يوسف شلحت، صحيفة الأخبار اللّبنانيّة، 28 حزيران/ يونيو، 2013). يخلص شلحت إلى أنّ”الأضحية العربيّة المؤسلمة ليست مجرّد عمل من أعمال التّقوى، بل هي أيضًا وسيلة لمقاربة الإلهي، تستعمل قوّة الفداء في دم الضحيّة“. الإثنولوجيُّ المنسيُّ في ديار العرب: اشتغل يوسف شلحت الإثنولوجيُّ العربيُّ بدقّة على أبحاثة ومؤلّفاته. عمل طوال حياته العلميّة على سبر المقدَّس وتجلياته عند المسلمين والعرب. لم تنحصر همومه المعرفيّة بعلم الاجتماع الدِّينيِّ وعلم اجتماع الإسلام، كانت له اهتماماته البحثيّة في التّاريخ الاجتماعي وتبدَّى ذلك في أعماله المهمّة عن اليمن وحضارته. لم يحظ شلحت، العلاّمة الصبور، والمدقّق، على التّقدير اللاّزم من قبل العرب. ولولا المجهود الّذي بذله البروفيسور خليل أحمد خليل، في نقل بعض مؤلفاته إلى العربيّة، لكان إلى اليوم مجهولاً من أبناء جلدته، خصوصًا أولئك الّذين لا يجيدون اللّغة الفرنسيّة. ثمّة كتب أخرى له لا بدّ أن تنقل إلى العربيّة. واظب شلحت على دراسة بيئة الإسلام وبنيته المجتمعيّة، بحياديّةٍ تامَّةٍ ومنهج علميٍّ صارم، يفقده كثيرون من دارسي الإسلام والإنثروبولوجيين وعلماء الاجتماع في العالم العربي. الهامش: (*) المقدّس معناه في الثقّافة والتراث العربيين والإسلاميين: المبارك والمطهّر. جاء في لسان العرب:” المقدّس: المبارك، والأرض المقدّسة: المطهّرة، وقال الفراء “الأرض المقدّسة: الطّاهرة”… ويُقال: أرض مقدّسة أي مباركة“. وجاء في تاج العروس:”البيت المقدّس: لأنّه يتطهّر فيه من الذّنوب أو للبركة الّتي فيه“، وكلّ ما اشتقّ من قدس بضمتين أو من قدس بإسكان الثاني وهو اسم ومصدر، له علاقة بالبركة والطّهارة، فقد جاء في معجم الألفاظ والأعلام القرآنيّة:”قدّس الله تقديسًا: طهّر نفسه له، وقدّس الله: عظّمه وكبّره، وقدّس الإنسان الله: نزّهه عمّا لا يليق بألوهيته، وقدّس الله فلانا: طهّره وبارك عليه، وتقّدس لله: تنزه عمّا لا يليق بجلاله، والقدّوس من أسماء الله الحسنى بمعنى الطّاهر المنزّه عن النقائض. (*) يعرف علم الاجتماع الديني على أنه العلم الذي يدرس العلاقة المتفاعلة بين الدين والمجتمع, كما عرف بأنه العلم الذي يدرس الجذور الاجتماعية والظواهر الدينية وأثر هذه الظواهر في المجتمع والبناء الاجتماعي. (ملخصات حول سوسيولوجيا الإسلام، الأحد 14 تشرين الثاني/ نوفمبر، 2010، متوافر على الرابط الآتي: http://communication.akbarmontada.com/t1024-topic). | |
|