الكتاب الذي بين أيدينا عبارة عن مجموعة من الدراسات في الأنثروبولوجيا الاجتماعية والثقافية تلقي أضواء على التاريخ الثقافي للإنسان، مسترشدة بنتائج الدراسات الميدانية التي قام بها مختصون في علم الأجناس في مختلف قارات العالم بين شعوبها الأصلية. وتختص كل من هذه الدراسات الخمس عشرة التي يضمها الكتاب بمعالجة ظاهرة اجتماعية معينة، أو جانب هام من حياة الإنسان منذ وجوده، وتتبع تطور هذه الظاهرة أو هذا الجانب عبر التاريخ، وإلقاء أضواء على عوامل هذا التطور بالأسلوب الوصفي والتحليلي المقارن.
ولئن بدا أن كل فصل من هذه الفصول يعالج مسألة معينة أفرد لها المؤلفون دراسات وأبحاثاً متنوعة، ومن منطلقات ووجهات نظر مختلفة، إلا أنها بمجموعها تشكل وحدة متكاملة تتناول التراث المادي والفكري للشعوب التي نطلق عليها اسم “بدائية”، كمحاولة للتوصل عن طريق دراستها إلى رسم خط تاريخ المجتمعات الحديثة منذ البدايات الأولى لتشكل المجتمعات، وكذلك لإبراز العناصر الثقافية المشتركة بين مختلف شعوب الأرض.
فالكتاب بهذا المعنى يعتبر مرجعاً أساسياً للمهتمين بعلوم الإنتروبولوجيا (الاتنولوجيا) والفولكلور، التي اختلت مواقع متقدمة في العلوم الإنسانية المعاصرة، لأنه يلقي الأضواء على جوانب عديدة نعيشها في حياتنا اليومية، أو تظهر لا شعورياً في سلوكنا الفردي والاجتماعي، فهو دليل عمل لمن أراد دراسة ظاهرة اجتماعية أو فولكلورية، وفي الوقت نفسه مصدر متعة وفائدة للقارئ العادي غير المختص.
وفي الكتاب أيضاً محاولة لإنصاف بعض الشعوب –التي لم ينصفها الباحثون والمؤرخون- عن طريق إبراز فنون وآدابها وقيمها الاجتماعية وغيرها من مساهمات في بناء صرح الحضارة الإنسانية، وقد حرص المؤلف على إبراز هذه الجوانب كرد علمي وإنساني منه على طروحات العهد النازي في ألمانيا حول العروق والأجناس التي قسمت الشعوب إلى راقية ومنحطة، أو أنكرت على البعض حتى حقها في الأخوة الإنسانية.