الفصل الثَّالث: القناع عنصر مكوّن للنّفس الجماعيّة
لقد أطلقنا تسمية القناع على ذلك الجزء من النّفس الجماعيّة الّذي غالبا ما يتطلب تحقيقه كثرا من الجهود. إنّ لفظة القناع تعبّر لحسن الحظّ عمّا يجب أن تشير إليه، بما أنّ أصلا القناع هو القناع الّذي يرتديه الممثل ويشير إلى الدور الّذي سيظهر فيه. وبالفعل إذا جربّنا أن نغامر محاولين تبيّن ما بجب اعتباره مواد شخصيّة عمّا يجب فهمه على أنّه عناصر نفسيّة غير شخصيّة، فلن نتأخر عن الوقوع في حيرة كبرى، في الواقع يجب أن نقول عن عناصر القناع، ما كنّا نقوله أعلاه عن اللّاوعي الجماعي، أي أنّها عامّة. وحده وضع القناع، من حيث أنّه قطاع مقتطع بالمصادفة أو بصورة إعتباطيّة، قاد إلى اعتباره بمجمله كشيء فردي. والحال أنّ القناع، وكما تدلّ تسميته ليس إلَّا قناعا يخفي جزء من النَّفس الجماعيّة ويعطي في الوقت ذاته وَهمًا بالفرديّة، قناعا يدفع الآخرين ويدفعنا نحن إلى الاعتقاد بأنّ الكائن المعني فردي، في حين أنَّه في العمق يلعب ببساطته دورا تعبر معطيات وضرورات النّفس الجماعيّة عن نفسها من خلاله.
عندما ننصرف إلى مهمّة تحليل القناع ننزعه ونرفعة، فتكتشف أنّ ما كان يبدو وفرديًّا هو جماعي في العمق: بعبارات أخرى لم يكن القناع إلّا قناع إذعان عام للسلوك لجبرية النّفس الجماعيّة. كما يجب أن تدرك إذا ذهبنا إلى عمق الأشياء، أنّ القناع ليس حقيقيًّا، إنّه لا يتمتّع بأيّة واقعيّة خاصة، فهو مجرّد تشكل إتّفاقي بين الفرد والمجتمع وردذ على التّساؤل حول معرفة الشكل الَّذي يجب أن يظهر فيه الأول في قلب الثّاني.
المصدر:
جدليّة الأنا واللّاوعي: ك. غ. يونغ، ترجمة نبيل محسن، دار الحوار للنَّشر والتّوزيع، الطبعة الأولى 1997، سورية- اللاذقية، ص ص 62-63.