أحد الاسئلة المتكررة في الفترة الاخيرة والتي تهطل في صندوقي البريدي كما يهطل المطر في صيف دول الشمال هو أستفسار من العديد من المؤمنين حول حقيقة إشهار أشرس ملحد في العالم وشيخ الملاحدة وكبير الفلاسفة!!! الفيلسوف البريطاني آنتوني فلو إسلامهُ في كتابهِ (هناك إله). والسؤآل عادة يتبعهُ التالي, لو كان الله غير موجود, فلماذا أشرس ملحد في القرن الماضي, والذي جعل نصف العالم يترك الاديان ويلجأ للألحاد, لماذا يترك الالحاد وينقذ نفسهُ بنطقهِ الشهادتين؟ اليس هذا دليل على أن الله موجود وبأن الإسلام هو الدين الحق؟ في الحقيقة, هناك سوء فهم كبير في قصة آنتوني فلو, لدرجة أن الكثير من المؤمنين, والذين في الحقيقة لم يسمعوا يوماً بأسم هذا الفيلسوف يعتقدون حقيقة بأنهُ الحجر الاساس في علم الفلسفة الحديثة. في الواقع أنا بنفسي لم أسمع بأسمهِ يوماً رغم أهتمامي العميق بالفلسفة في المرحلة الجامعية, بل أول مرة سمعت عنه كان تماماً في نفس صيغة السؤآل أعلاه, لماذا أشرس ملحد يعود للإيمان!! وإذا كنت تقول في نفسك الآن بأنك أنتَ أيضاً لم تسمع بهِ قبل أن يتحدث المؤمنين عن عودتهِ لحضيرة الإيمان, فلاتقلق, لأنهُ لا أحد يعرفهُ في الشرق الاوسط قبل أن يصدر كتابه (هناك إله) فيتلقفهُ المؤمنين كالجائع الذي ينتظر الطعام. ولو سألت أي شخص يسألك هذا السؤآل, ماهي كتب آنتوني فلو الأخرى سيأتيك الرد كصمت القبور, أبو بحث على جوجل.
كي نعود لقصة كتابهِ (هناك إله) فهو كتابه الاخير والذي نشر عام 2007, أي ثلاثة أعوام قبل موتهِ عن عمر قارب التسعين سنة. البعض أتهم مساعد الكاتب (فارغاسي) المتدين بالتأثير على العجوز آنتوني فلو وصياغة أفكاره في الكتاب. البعض قال بأن آنتوني فلو كان مريضاً لدرجة يعجز فيها عن الكتابةِ. أنا شخصياً أعتقد أن هذه حجة هشة, لان ما يهمني هو ما يوجد في الكتاب, وليس كاتبهُ. وآنتوني بنفسهُ نفى هذا الاتهام وأشار الى أنهُ مسؤول على كل مافي الكتاب. فماذا يوجد في هذا الكتاب من أدلة تثبت وجود هذا الإله الذي يفترضهُ آنتوني فلو والمؤمنين وجودهُ؟
يقول انتوني فلو في كتابهِ (هناك إله) بأن التعقيد العالي والمثير للدهشة في شريط الدي آن أي في الخلية الحية لهُ الدور الاكبر في أقناعهِ بأن هناك مُصمم عظيم. يشير كذلك بأن أتساع معرفتنا عن علم الكون والفضاء لعبت دوراً هاماً في أقناعهِ بأن هناك مُصمم ذكي وراء كل هذا الكون. لاحظ معي بأن آنتوني فلو (فيلسوف في علم الكلام) يتحدث عن أدلة بيولوجية موجودة في (علم الحياة) مثل الدي أن أي أو أدلة فيزيائية موجودة في (علم الكون) مثل نشوء الكون. أي هو ببساطة يتحدث في موضوع ليس من أختصاصهِ أبداً. على سبيل المثال, نجار يتحدث عن طرق جديدة لجراحة القلب, أو عالم فيزياء عظيم يتحدث عن نظم أقتصادية حديثة!! بكل بساطة الموضوع ليس من أختصاصهم, وليس لخبراتهم أو شهاداتهم الخاصة في المجال الذي يبرعون فيه أي وزن في الموضوع الثاني الذي يتحدثون عنه. وهنا السؤآل الذي يطرح نفسهُ بشدة, ماهو مدى المام آنتوني فلو بعلم الحياة أو الفضاء؟
ثانياً, لو أفترضنا جدلاً بأنك أستيقظت غداً ورأيت العالم كلهُ صار يهودياً أو هندوسياً, هل يعني هذا بأي شكل من الاشكال بأن الهندوسية أو اليهودية هي أديان حقيقية, هل يعني هذا بأن إله اليهود يهوة أو آلهة الهندوسية المتعددة مثل شيڤ-;-ا و كريشنا وبراهما موجودة حقاً وبأنهم جزء حقيقي من عالمنا الحقيقي؟ في الحقيقة لا, والدليل واضح جداً من تاريخ البشرية. على مر العصور, فأن أعتقاد البشرية بأن الارض مسطحة لم يجعل الارض مسطحة أبداً. وأعتقاد البشرية في كل العصور السالفة بأن الارض مركز الكون لم يغير موقع الارض في الكون, بل كانت ولازالت حتى اليوم ذلك الكوكب الذي يدور حول شمس صغيرة على أطراف مجرة صغيرة من بين مليارات المجرات العملاقة ومليارات المليارات من الشموس الآخرى. نفس الشيء ينطبق على أعتقاد آنتوني فلو, أو أي شخص ثاني في العالم بأي شيء دون دليل, أعتقادهم كان ولازال وسيبقى لاقيمة لهُ مادام لايملك من الادلة والبراهين ما يدعمهُ.
النقطة الثالثة والمحورية جداً هنا وهي أن افتراض وجود كيان ذكي خلف الاشياء التي تبدو لنا معقدة, فقط لأننا لانفهم أو لانعرف بعد كيف نشأت أو تطورت هذه الاشياء هو مغالطة منطقية معروفة ومرفوضة منذ قرون. هذه المغالطة قائمة على خداع النفس فقط والفرار من السؤآل الحقيقي بأفتراض وجود إجابة وهمية, وبما أننا نفترض هذه الاجابة, لذلك غالباً ماتكون هذه الاجابة شاملة وهلامية وغير قابلة للأختبار أو التفنيد, تماماً مثل أفتراض وجود الله لحل مشكلة التعقيد في الكون. لكن لو أفترضنا جدلاً وجود الله كحل لمشكلة التعقيد الغير قابل للأغتزال, مثل شريط الدي أن أي, فمنطقياً أن يكون هذا الله أكثر تعقيداً من شريط الدي أن أي نفسهُ, وبهذا فنحن لم نحل المشكلة بل فقط جعلناها أكبر.
أخيراً, فأنهُ من المهم الإشارة الى أن آنتوني فلو لم يشهر إسلامهُ أبداً بل هي كذبة يتداولها البعض لأسباب أنا شخصياً أجهلها, ومهما بحثت لم أجد مصدر حقيقي لهذه المعلومة. في الحقيقة أن آنتوني فلو في كتابهِ (هناك إله) لم يتطرق لله الإبراهيمي أساساً, بل لإله الربوبيين الذي لايتدخل في الكون الذي خلقهُ. والربوبية هي مذهب لاديني لاتؤمن بالمعجزات والانبياء, بل ترفض كلياً فكرة الوحي وأن تسخر من فكرة أن خالق الكون سيحتاج لأنبياء وكتب ومعجزات كي يخاطب البشر. بعبارة أخرى, الربوبيين يكفرون بالاديان الابراهيمية الثلاثة (اليهودية والمسيحية والاسلام). لذلك عندما سأل آنتوني فلو عن الله الابراهيمي وعن الاسلام بشكل خاص في مقابلة لهُ في ديسيمبر 2004 قال, (الإله الذي أتحدث عنه هو ليس إله المسيحية وبعيد كل البعد عن إله الإسلام, الاثنين لايجسدون سوى ملامح الطاغية الشرقي, الله كأنهُ صدام حسين بحجم كوني).
بسام البغدادي