- اقتباس :
رقصة الأبيض والأسود: مناشدة لعذرية اللوحة في مشروع "قطارات أفكار لا تتوقف" للفنان التشكيلي العراقي موفق أحمد
اللونان الأبيض والأسود بالنسبة للفنان موفق أحمد نغمان يجسدان تمزق الإنسان في تعلقه بأبحاث ميتافيزيقية وتساؤلات لا أرضية. مشروع "قطارات أفكار لا تتوقف" يتـألف هي أعمال فنية تم رسمها جميعها داخل القطارات أثناء تنقلات الفنان خلال العامين 2010-2011 ويغلب عليها تقنية الرسم بقلم الحبر الأسود على ورق الكانسون، حيث تم تمرير التدرجات اللونية فيها وفق منطق لوني مدروس. أشجار وغابات وهياكل إنسية خيالية تتعلق ببعضها وتتعانق وتتصارع على محامل بيضاء فتضحى شتاتا يلتئم ويوحي بولادة كائنات غرائبية، ورموزا تذكرنا بالآلهة ميدوزا.
استخدام الرّمز في الفنون بشكل عام يعكس منهجا فكريا ذا طابع فلسفي خصوصا تلك المرتبطة بالفنون الشرقيّة ذات المنحى الرّمزي ولا سيما الميتافيزيقية منها وفق منهج فلسفي كوني أو عقائدي في آن واحد.
وفي سياق هذا البنيان الرّمزي تجلت أعمال هذا الفنان كأيقونات مقدّسة ومُدنّسة في نفس الوقت. حين نرى بوضوح إصرار العيون الشاخصة في لوحاته على مواصلة التحدي من أجل إثبات الحقيقة، الحقيقة التي لم تـنصف عالمنا وتحميه من أن يركب خطاياه على الرغم من عيون ميدوزا التي تلاحقنا أينما حللنا.
وهي أيضا امتداد للبورتريهات، وهي الأشكال الأولى للأيقونة الشرقية، والقصص الخيالية، بشخوصها والوجوه متعددة الأعين. ولا يخفى علينا أنّ الأيقونة كلمة يونانية الأصل وهي تعني حرفيا التشابه والمُماثلة، وتتناول في تصويرها الأشخاص أو بمعنى أصح القديسين.
رحلة تتجلى على مستوى البصر وكأنها حروف متتالية ومتراكمة تارة مكتملة وتارة أخرى غير مكتملة تحمل صفة الانتهاء لكنها تسعى إلى الخلاص من خلال التفاعلات اللونية والشكلية بمقتضى الحركة البصرية التي تمارس على العمل. هي رحلة تأمل وكشف تجعل الخط بتقنية قلم الحبر الأسود كعلامة في أبسط مظاهرها، وذلك لكونها رمزا أثريا خائرا يوحي للخلاص ويحرض على عملية الفهم لبلوغ مقصدها ∙
فصورة الدائرة والعيون والأشجار الآدمية تكتسب دلالة رمزية ٬ تنزع فيها الروح نحو الأعلى حيث تتحول التراكمات الخطية إلى تراكمات فكرية موجودة في تفكير الفنان وعقله، والتي تترجم بواسطة اليد إلى فعل تشكيلي يحمل في طياته خصوصية الصورة والكتابة في الأثر التشكيلي النابعة من تأملات لواقع إنساني ممتلئ بالخطيئة ولا ميدوزا تخيفه من التحول لحجر أصم.
وربما توحي لنا هذه الأشكال والكائنات الآدمية الخيالية والتي ترتكز على الشكل الدائري إلى ارتباط بذلك العالم الداخلي الموجود في رحم الأم، حيث يتكون الجنين وينشأ. وهي بداية الكون وولادته وأيضا هي حركة دائرية تبدأ من المركز المتمثل في الشكل البيضوي ثم تأتي الأغصان لتلملم هذه الدائرة ∙
هذه الرؤية تتعلق بالحركة كما تعودنا، فنحن لا نرى سوى ما ننظر إليه، وماذا تكون الرؤية بدون أية حركة للعينين، وكيف لا تفسد حركتها الأشياء إذا كانت الحركة نفسها فعلا منعكسا أو كانت عمياء، وإذا لم تكن لديها وسائل خاصة في الاستشعار وبصيرتها وإذا لم تكن الرؤية تتسابق فيها.
اعتمد الفنان موفق أحمد في جملة أعماله هذه على الأثر التشكيلي المفتوح، والذي يعتبر جزءا من الكل، والذي يحرض في المشاهد حب الاكتشاف والرغبة في سبر أغوار اللامتناهي. وأدا كان النحات ميكال لونج قد توقف في بعض محطات تجربته عند إغراءات اللامكتمل فٳن رودان قد ذهب أبعد من ذلك بتوظيفه أسلوب التقطيع والتجزئة مما مكّنه من أن يستنفذ بعمق القدرات التعبيرية لصورة اللامكتمل وهذا ما صيغ عمله بطابع "عنفوي" عكسته جرأته الكبيرة وقسوة تعامله مع مادة الرخام والحجارة المبتورة.
فالحجم المنقوص والمحذوف والشخوص الآدامية الخيالية الذي وظّفه الفنان موفق أحمد في أسلوبه الخاص أعطى لشخوصه صورا جديدة أضفت على أسلوبه طابعا متفردا جعل من الأجسام والأجساد تُدرك وكأنها تبتعد عنا حتى تصبح خيوطا أو خطوطا رقيقة تذوب في الفضاء الذي يحيط بها ويحتويها.
ولئن اعتبر الشكل اللامكتمل في الحقل المفاهيمي بالنسبة لموفق أحمد ذلك التراوح بين الأشكال البسيطة والمركبة والتي تسعى في بنائها التركيبي إلى التداخل والتكرار من جملة من الإيقاعات البصرية المنتظمة حسب توزيعها الشبكي، فٳن ماهيتها الحقيقة تعود إلى شكل متشكل متواتر في نظامه المنتظم وفي بنائه الأولي.
= = =
المزيد من المعلومات عن الفنان موفق أحمد وأعماله على الرابط التالي في العدد 81 من مجلة "عود الند" الثثقافية.