الإله، فرضية فاشلة (الجزء الأول)
::
فيكتور سـتينغر عالم في فيزياء الجسـيمات Particle Physics، كان يشـغل منصب أسـتاذ (بروفيسـور) في جامعة هاواي الأمريكية قبل تقاعده. ألّف عدة كتب من ضمنها كتاب يسـمى: الإله، الفرضية الفاشـلة God, The Failed Hypothesis، يبحث فيه عن إمكانية وجود إله من منظور علمي فيزيائي.
خلافاً مع نهج ستيفن هوكنغ (والذي كما يعرف الجميع هو أيضاً عالم فيزيائي) بكتابه التصميم العظيم The Grand Design، والذي يتناول فيه نشأة الكون من منظور النظرية الوترية Sring Theory ثم يستنتج عدم الحاجة إلى إله لظهور الكون، فيكتور ستينغر بالمقابل يدخل في بحث إمكانية وجود الإله مباشرة، بدون أي لف أو دوران، ليتوصل إلى نفس النتيجة.
بحث ستينغر طويل ومسهب، ولن أحاول تلخيصه حتى لايمل القاريئ أو أسبقه أنا بالملل أو الإضطرار إلى التوقف لضيق الوقت، ولكني سأقتبس بعض الفقرات الهامة منه وأترجمها كما جائت فيه، وأوزعها على بوستين. وهذا البوست يمثل الجزء الأول منها.
هذه الفقرات القصيرة من كتابه، تلقي الضوء لتوضح بجلاء أسباب إلحاد الغالبية العظمى من العلماء التجريبيين، وتُمثل إطلالة للقاريئ على منهج تفكير هذه الشريحة النابغة والمبدعة من البشر وكيف يوصلهم هذا المنهج الفكري إلى تقصي الحقيقة، وكيف يبني مواقفهم المعارضة للدين.
في الصفحة 228، يدرج ستينغر ثمانية ملاحظات تبرز عدم التوافق مابين وجود الإله (بمفهوم الديانات التوحيدية بالخصوص) مع المعطيات العلمية (مع بعض التوضيحات اللغوية مني أضعها بين الأقواس المربعة):
1- [فكرة] الإله المسؤول عن البنية المعقدة للعالم [الكون]، وبالخصوص الكائنات الحية، قد فشل في التوافق مع الحقيقة التجريبية بأنه من الممكن فهم ظهور هذا البنية من خلال عمليات طبيعية بسيطة ، وأنها [البنية] لاتُظهر أي علامات للتصميم [الرباني] المتوقع. في الحقيقة، الكون يتبين كما يتوجب أن يتبين في غياب التصميم [الرباني].
2- [فكرة] الإله الذي [يُفترض] أنه قد منح البشر أرواح خالدة، قد فشل في التوافق مع الحقائق التجريبية بأن مايحدد الذكريات والذوات البشرية هي عمليات جسدية [مادية]، وأنه لم يُعثر على طاقة عقلية لامادية أو مافوق المادية، ولايوجد دليل على [حياة] مابعد الموت.
3- [فكرة] الإله التي تذكر الكتب المقدسة بأنه يتفاعل من البشر، بما فيه التفاعل الإعجازي [أي ظهور المعجزات]، قد ناقضه غياب الدلائل المستقلة [دلائل خارج التراث الديني] على أن هذه المعجزات قد حدثت. كما أن الدلائل المادية تبين الآن بشكل مقنع أن بعض أهم القصص الإنجيلية [والمذكورة أيضاً في القرآن] كقصة الخروج [تيه اليهود 40 سنة في الصحراء] لم تحدث أبداً.
4- [فكرة] الإله الذي خلق الكون [بطريقة] إعجازية وماورائية قد فشل في التوافق مع الحقيقة التجريبية [التي تثبت] عدم الحاجة لخرق للقوانين المادية لكي يظهر الكون أو قوانينه أو وجوده من عدم وجوده. كما قد فشل في التوافق مع النظريات الراسخة المبنية على الحقائق التجريبية والتي تشير إلى أن الكون قد بدأ بحالة من الأنتروبيا [الإعتلاج] القصوية لاتُظهر أي علامات لخالق.
5- [فكرة] الإله الذي أحكم دقة [تكوين] القوانين والثوابت الفيزيائية لكي تناسب الحياة، وبالخصوص حياة البشر، قد فشل في التوافق مع حقيقة أن الكون [بشكل عام] ليس مناسب لحياة البشر، كونه [أي الكون] يهدر بشكل مريع، من المنظور البشري، للوقت والمساحات والمادة. كما أنه قد فشل في التوافق مع حقيقة أن الكون يتكون في الغالب من جزيمات تتحرك بعشوائية، وأن البنيات المعقدة كالمجرات تمثل أقل من 4% من الكتلة وأقل من جزيئ واحد بالبليون.
6- الإله الذي يتواصل مع البشر بواسطة الوحي، قد فشل في التوافق مع حقيقة عدم الإثبات التجريبي لأي وحي مزعوم. بالإضافة إلى أن الكثير [من هذه الإدعات] قد أُثبت زيفها. فلا يوجد وحي مزعوم يحتوي على معلومات لم تكن موجودة في رأس المدعي[بالوحي].
7- الإله الذي [يفترض] بأنه مصدر للأخلاقيات والقيم البشرية لايتواجد، لأن الدلائل تثبت بأن البشر هم الذين يحددون الأخلاقيات والقيم بأنفسهم. وهذه ليست بأخلاقيات نسبية، لأن كلا المؤمنون واللامؤمنون يتفقون على منظومة مشتركة للأخلاقيات والقيم. وحتى من هم في غاية التدين يقررون بأنفسهم ماهو خير وماهو شر، فسلوكيات اللامؤمنون لاتقل أخلاقياً عن سلوكيات المؤمنون.
8- وجود الشر بالخصوص، والمعاناة الغير مبررة، تتعارض منطقياً مع إله كامل العلم وكامل الرحمة وكامل القدرة.
::
فيكتور ستينغر