سنة 2007، أنجزت وزارة الصحة بالمغرب دراسة حول "الأمراض المنقولة جنسيّا
والسيدا". من بين نتائجها ما يلي: 1) تبدأ العلاقات الجنسية قبل الزواج، 2)
معدّل السنّ في أوّل فعل جنسيّ إيلاجيّ هو 16,7 سنة في وسط الفتيان و18,2
سنة في وسط الفتيات، 3) 12 في المائة من الفتيات حملن بشكل غير إراديّ، 4)
15 في المائة من الشباب لا يعرفون أيّة وسيلة من وسائل منع الحمل (19 في
المائة عند الفتيان، 11 في المائة عند الفتيات، 30 في المائة في صفوف
الشباب الفقير، 23 في المائة في صفوف الشباب القرويّ، 27 في المائة في صفوف
الشباب الأمّيّ).
تؤشّر هذه المعطيات على نقص في الوعي الجنسي، وهو نقص يرجع بالأساس إلى
غياب تربية جنسية كما هي متعارف عليها دوليا. فمن الطبيعيّ إذن أن يؤدّي
النشاط الجنسي قبل الزوجي إلى حمل غير مرغوب فيه وإلى إجهاض.
الإجهاض كظاهرة اجتماعية:
وحسب تقديرات مختلفة، تمارس يوميا 800 عملية إجهاض، معظمها "سرّي" ومعظمها
يهمّ نساء غير متزوّجات. فالإجهاض ممنوع قانونا (الفصول 449 إلى 458 من
القانون الجنائي) إلا في حالة الخطر على صحّة المرأة الحامل (المتزوّجة
طبعا). هدف الإجهاض السرّي تخليص نساء من حمل غير مرغوب فيه ومن تبعاته
الاجتماعية الوخيمة لأنه غير مشروع في معظم الحالات. طبعا يتمّ الإجهاض
السرّي في ظروف صحية سيّئة وخطيرة على حياة المرأة الحامل وعلى وسلامتها،
ف13 في المائة من وفيات الأمّهات سببها الإجهاض. رغم لاقانونيته ورغم
خطورته، أصبح الإجهاض السري يشكل ظاهرة اجتماعية (مرضية ومرتفعة التكرار)،
فهو من جهة يلبّي طلبا اجتماعيا ملحّا، ومن جهة ثانية يشكّل مصدر رزق
واغتناء عند الكثير من مهنيي الصحة ومن "المعالجين التقليديين". ويبدو أن
تكلفة عملية الإجهاض السرّي تتراوح ما بين 150 دولار و 1000 دولار، وهي
تكلفة مرتفعة بالنسبة للفتيات الحوامل الفقيرات، مما أدى إلى إحصاء 5040
أمّ عزباء في الدار البيضاء لوحدها بين سنتي 1996 و 2002.
من خلال هذه المعطيات، يتبيّن أنّ مغرب اليوم يعرف انتشار ثلاث ظواهر
جنسية غير قانونية : نشاط جنسيّ غير زوجيّ، حمل غير مقصود خارج الزواج،
إجهاض سرّي. إنّها ظواهر اجتماعية يصعب تكميمها بشكل كامل بالنظر إلى
"سرّيتها" وعدم قانونيتها. ما يكمّم منها ويقاس، فقط الحالات القليلة التي
تجرّم وتصل إلى القضاء. وطبيعيّ أنّ الحالات المجرمة ما هي إلا الجزء
الظاهر من الجبل الثلجيّ، فما خفي منها أكبر وأعظم. تتموقع هذه الظاهر في
ما أقترح تسميته بـ"الانتقال الجنسيّ" الذي يتمثل في تحرّر نسبيّ (غير
مكتمل) للجنس من مؤسّسة الأسرة الزوجية وفي ربطه النسبيّ وغير المكتمل بقيم
مثل الرغبة والحبّ والمتعة وحقوق الإنسان من جهة، وبأهداف غير جنسية (مال،
ترقية، خدمة، استغلال…) من جهة أخرى. ومن ثمّ يتّضح أنّ فصول القانون
الجنائي المجرّمة للنشاط الجنسيّ غير الزوجيّ (الفساد، الخيانة الزوجية
والبغاء) أصبحت عاجزة عن الحدّ من انتشار العلاقات الجنسية غير الزوجية.
إنها فصول تجاوزها الواقع اليوميّ ولا تلائم مرحلة "الانتقال الجنسي" في
مسلسل التحديث الجنسي.
نفس الخلاصة تسري على تجريم الإجهاض بحيث أنّ قسوة العقوبات لا تثني أصحاب
المصلحة في الإجهاض من الإقدام عليه. فهو حلّ غير قانونيّ "مسموح به"
عمليا يمكن الأفراد والأسر من تجنّب مشاكل اجتماعية كثيرة. لا شكّ أنّ
السلطات العمومية على علم بتكرارية الإجهاض المرتفعة، ولا شك أنها تعرف من
يمارس الإجهاض على النساء الحوامل، لكنها لا تتدخّل إلا في حالة موت المرأة
الحامل. فهي تعرف أكثر من غيرها أنّ الفصول الجنائية المجرّمة للإجهاض
فصول تجاوزها الواقع ولم تعد تلبّي الطلب الاجتماعي على الإجهاض. وليست
السلطات العمومية هي الوحيدة التي تعرف ما يقع من إجهاضات يومية، فالأسر
تعرف ذلك أيضا، والأصدقاء يعرفون ذلك ويمدّون يد المساعدة قدر المستطاع،
كما أنّ معظم "الآباء" البيولوجيين يعرفون ويشاركون في الإجهاض. إذن، الكلّ
يعلم، والكلّ يفعل، والكلّ يصمت، والكلّ يحاول تجنّب العار وتجنيبه. في
كلمة واحدة، الكلّ ينافق. من جهة، هناك موقف مؤسّساتي سائد على مستوى
الإيديولوجيا (خطاب قيمي) يقول برفض الإجهاض، ومن جهة أخرى، هناك ممارسات
إجهاضية يومية يساهم الجميع في تنظيمها. ومن ثمّ يغدو الإجهاض ذلك الفعل
"المحرّم" و"المجرم" و"المنبوذ" الذي لا يتردّد أحد في الإقدام عليه من أجل
المصلحة، أي من أجل تجنّب الفضيحة والعار الناتجين عن ظواهر العازب الحامل
والأم-العازب والطفل "الطبيعي" (غير الناتج عن عقد شرعي-اجتماعي). هناك
هوّة بين المعيار الأبيسي (الذي يدافع عنه القانون الأبيسي) وبين الممارسات
الجنسية قبل الزوجية التي أصبح المجتمع يتقبلها عمليا دون العمل على
تربيتها وحمايتها. أكثر من ذلك، هناك تنكّر ورفض للمعايير الجديدة التي
تنتجها الممارسات الجنسية الاجتماعية الجديدة السائرة في تقليص الأبيسية.
هناك نفاق المجتمع، والسلطات لا تتحمّل مسؤوليتها لوضع المجتمع أمام حقائقه
وأمام مسؤوليته، فنجد أنفسنا أمام نفاق السلطات أيضا. الكلّ يتشبّث بموقف
إسلامي مُجمَّد لا علاقة له بالواقع الجنسي اليومي ولا بالسياسات الجنسية
العمومية (غير المهيكلة).
لا يمكن إذن لتجريم الإجهاض أن يستمرّ أمام تحدّي بلوغ أهداف الألفية
الثالثة التي صادق عليها المغرب، والتي من بينها تقليص نسبة وفيات الأمهات.
واضح أن تحقيق هذا الهدف لا يتأتى إلا من خلال محاربة الإجهاض السري. من
أجل ذلك، لا بد من: 1) الاعتراف القانوني بالحق في الإجهاض المحميّ طبّيا،
2) سن تربية جنسية (كما هي متعارف عليها عالميا) في المدرسة، 3) الاعتراف
بالأمّ العازب وحمايتها القانونية والاجتماعية. إنّها ثلاثة مكوّنات ضرورية
نقترحها في سياسية عمومية مندمجة لمحاربة الإجهاض السرّي. في هذه الورقة،
سنكتفي بتقديم المكون الأول، وهو ضرورة إباحة الإجهاض (خاصة بالنسبة للنساء
غير المتزوجات).
الاعتراف القانوني بالإجهاض:
لنذكّر أوّلا أنّ تحريم الإجهاض في الفقه الإسلامي يتموقع داخل أنموذج
سكاني تكاثري كان المجتمع الإسلامي يتبنّاه في بداياته. فقوّة الأمّة
الإسلامية العسكرية كانت تقوم على كثرة النكاح والنسل. وهذا أمر طبيعيّ
لأنّ ذلك المجتمع كان في الطور الأوّل من الدورة الديموغرافية بحيث أنه كان
يعاني من ارتفاع نسبة الوفيات، ومن ثمّ كان عليه تشجيع النسل للتعويض عن
الوفيات. لذا تمّ تحريم الإجهاض تحت "حجج" دينية وفلسفية مثل الحفاظ على
الحياة وعدم قتل النفس "خشية إملاق" والخضوع إلى قدر الله وقضائه.
اليوم، تغير الوضع الديموغرافي في العالم الإسلاميّ، ولم تبق الكثرة
العددية عنصرا من عناصر القوة العسكرية. ودخل العالم الإسلامي إجمالا في
طور الانتقال الديموغرافي، بمعنى أنّ نسبة الوفيات انخفضت (بفضل التقدم
الطبي والاجتماعي) دون أن تنخفض نسبة الولادات بشكل مناسب. طبعا، لا مجال
لتحويل الإجهاض إلى تقنية للحدّ من النسل أو لتنظيم الأسرة، لكن لا داعي
أيضا للاحتفاظ بحمل غير قانوني وغير مرغوب فيه، ولا داعي لوضع طفل سيكون
مآله التشرّد والتهميش في معظم الحالات. وفعلا، يتمّ التخلّص من الحمل غير
المشروع بشكل غير مشروع. آن الأوان إذن لإضفاء الشرعية على الإجهاض حتى لا
يظل فعلا خطيرا على حياة المرأة. من أجل ذلك، يمكن الاعتماد على أدلة نقلية
وأخرى عقلية.
أدلة نقلية: من المعتقدات السائدة التي شخصها البحث السوسيولوجي في المغرب أن الإجهاض
محرم إسلاميا بإجماع. فالمعرفة "العامّية" وسط المغاربة تؤكّد أنّ الإسلام
حرّم الإجهاض بشكل قطعيّ ونهائيّ لا جدال فيه وأنّ كلّ الفقهاء متّفقون على
ذلك. وتشمل "المعرفة العامّية" هنا أناسا غير أمّيين، بل أناسا مثقفين ليس
الإسلام موضوع تخصصهم العلمي. في إحدى المقابلات (السوسيولوجية)، أجابتني
أستاذة ثانوي للغة الفرنسية قائلة : "لم يقولوا لنا أبدا أنّ المذهب الحنفي
يبيح الإجهاض إلى حدود نهاية الشهر الرابع… لماذا لم يعلّمونا هذا في
المدرسة… لم يحدّثنا أحد قط عن هذا". يبين هذا المعتقد "الشعبي" أنّ
"المعرفة العامية" بالإسلام تجهل أنّ الاختلاف هو ما يطبع المدارس الفقهية
بصدد مسألة الإجهاض. من العوامل المفسرة لهذا الجهل، عدم تحمّل الفقهاء
المغاربة لمسؤوليتهم في تنوير رأي الشارع. فكلما طرحت قضية الإجهاض إلا
ونجد الفقيه المغربي يجيب من داخل المالكية مبرزا رأيها المشهور القائل
بتحريم الإجهاض منذ بداية الحمل. إن عدم عرض الآراء الفقهية السنية الأخرى
يعني ضمنيا أنّ للفقيه المغربي إرادة في إقناع المغاربة أن الإسلام هو
المالكية وأنّ المالكية هي الإسلام. فهو أوّلا لا يقول في خطاباته لعامة
الناس أنّ للمذهب المالكي نفسه رأيا آخر يجيز الإجهاض في الأربعين يوما
الأولى بعد الحمل (مع الكراهة). هناك صمت مطبق حول هذا الرأي ولا يتمّ
تبليغه لعامة الناس. ثانيا، لا يكلف الفقيه المغربي نفسه عناء عرض آراء
المذاهب الفقهية الأخرى ولا يبلغها للناس، وهو هنا يتصرّف كمفتٍ متمذهب
يدافع عن رأي مالكي وليس كعالم يترك حرية الاختيار للناس. نتيجة لأميته
الفقهية، لا يعرف المواطن المغربي "العادي" أنّ الشافعية والحنابلة يجيزون
الإجهاض (الإسقاط) قبل بلوغ الحمل أربعين يوما (يباح ما لم يتخلق). ولا
يعرف أيضا أن الحنفية والظاهرية يبيحونه في الشهور الأربعة الأولى من
الحمل، أي قبل "نفخ الروح". أما الإجماع على تحريم الإسقاط، فيتعلّق بالحمل
ابتداء من الشهر الخامس (ما عدا إذا خيف على حياة المرأة الحامل). إنّ من
حقّ المغربي كمواطن أن يعرف كلّ الآراء الفقهية السنية (والشيعية أيضا)،
لكنه لا يعامل كمواطن وإنّما ككائن ينبغي تحويله إلى مسلم مالكي متعصب
للمالكية.
سؤالنا هنا هو التالي: هل يمكن الاستمرار في تجريم الإجهاض (قانونا)
استنادا على "حجة" تحريمه إسلاميا/فقهيا؟ كما سبق القول، يستند التحريم على
موقف فقهي معيّن لا يمثّل الإسلام كله. ومن ثمّ، ما الذي يجبر المغربي
العادي أن يظلّ مالكيا في مسألة الإجهاض؟ ما الذي يجبر المشرع المغربي أن
يظلّ سجين الرأي المالكي بصدد الإجهاض خصوصا إذا كانت في إباحة الإجهاض
مصلحة عامة؟ إن الخروج عن المالكية هنا ليس خروجا عن الفقه السنّي، وليس
قطعا خروجا عن الإسلام. وهذا هو الأهمّ. ألم تذهب تونس في هذا الاتجاه حين
عاكست الأكثرية المالكية (85 في المائة من التونسيين مالكيون) وتبنّت موقفا
أقرب من موقف الأقلية الحنفية (15 في المائة من التونسيين حنفيون)؟ ألم
تبح تونس الإجهاض إلى حدود الأسبوع الثاني عشر من الحمل رغم أنّها ليست
دولة علمانية؟ ولنذكر أنّ الإباحة التونسية لم تقتصر فقط على النساء
المتزوّجات، أو على الحالات المرضية (مرض عقلي للأم، تشوه الجنين، مرض
كروموزومي عند الجنين…)، بل شملت الفتيات العازبات والقاصرات والمغتصبات
وضحايا وطء المحارم. وبلغ هذا الموقف العقلاني ذروته حين أخذ أيضا بعين
الاعتبار الحالة الاجتماعية للمرأة (غير المتزوجة) الحامل التي لا تستطيع
إعالة نفسها، وبالأحرى إعالة مولودها.
أمام اختلاف الآراء الفقهية وتعدّدها، نستخلص أنّ إباحة الإجهاض أمر لا
يتنافى مع الإسلام، روحا ونصا. هل يعمل المشرع المغربي بالقصاص أو بقطع يد
السارق أو بجلد أو رجم "الزاني"؟ طبعا لا، ولا يعني التخلّي عن هذه
"الحدود" أن المشرع المغربي تخلّى عن الإسلام أو أنّه خان نصوصه. كل ما في
الأمر أن المشرع المغربي يتعامل مع النصوص المقدسة المرجعية بطريقة
انتقائية حداثية، فهو يأخذ منها بشكل عامّ ما هو ملائم للمصلحة العامّة في
الوقت الراهن. ولا شيء يمنع من السير في هذا الاتجاه بصدد الإجهاض، خصوصا
أمام تنامي الطلب الاجتماعي على الإجهاض نظرا لكونه الحل الأخير أمام فشل
الوقاية من الحمل غير المرغوب فيه.
إلى جانب انتقائيتها، تكمن الحداثة الدينية أيضا في فردنة مسألة الحرام
والحلال، بمعنى أن الحسم في حلية الإجهاض يرجع في نهاية المطاف إلى المرأة
الحامل نفسها، خصوصا إذا كانت غير متزوّجة. فمن غير المقبول أن نكره
المرأة، باسم الدين، على الاحتفاظ بحمل لم ترغب فيه ولم تقرّره بحرية.
وبناء عليه، على الدولة أن تضمن الإجهاض (المحمي طبّيا وقانونيا) كخدمة
عمومية مجانية في متناول كل مواطنة قرّرت بشكل إراديّ وحرّ توقيف حملها قبل
بداية الشهر الخامس منه. لا حق للدولة (ولا لفقهائها) إلزام المرأة الحامل
برأي فقهيّ معيّن، بل عليها أن تلتزم "الحياد المذهبي الفقهي". أبعد من
ذلك، عليها أن تسهر على احترام الحرية الدينية من خلال حيادها الديني. إنّ
مسؤوليتها الأساسية هنا تكمن في حماية الصحة العمومية في مفهومها الاجتماعي
من خلال تنظيم الإجهاض.
أدلة عقلية: واضح أنّ الإجهاض الذي يمارس في ظروف سرية يعرض المرأة الحامل إلى مخاطر
صحّية متعددة، على رأسها النزيف الدموي المؤدّي إلى الموت. وبالتالي، لا بد
من توفير الإجهاض كخدمة طبية- صحية سليمة وقانونية باعتبارها من الحقوق
الجنسية والإنجابية، أي باعتبارها من حقوق الإنسان الأساسية. لا بدّ من
التذكير هنا أن المرأة هي سيدة جسدها، ولا يعقل أن يستمرّ الفكر الأبيسي
الوحشي في سلب المرأة حريتها وفي استعباد جسدها. آن الأوان لوضع حد للرقابة
الرجولية على جسد المرأة، تلك الرقابة التي تمكّن من إعادة إنتاج
الأبيسية. إن الأبيسية ليست نظاما طبيعيا و/أو مقدّسا، إنّها نظام
اجتماعي-اقتصادي-تاريخي يرفض المساواة بين المرأة والرجل باسم الطبيعة
وباسم الدين.
ثم إنّ الإجهاض يتمّ لصالح "المضغة" بحيث يمنعها من التحوّل إلى جنين ثمّ
إلى مولود غير مرغوب فيه. فالكلّ يعلم أنّ "الطفل الطبيعي" يكون ضحية تمييز
اجتماعي قاس يبدأ بتسميته "لقيطا"، فهو "ولد الزنا"، "ولد الحرام"، "ولد
الزنقا"… وارد أن تقتله أمه أو أن تتخلّى عنه أو أن تبيعه بعد الوضع… وارد
أن يوضع في مؤسسة "تعنى" بالأطفال المهملين" فيكبر دون معرفة ما معني حنان
الأم ورعاية الأب، وارد أن تحتفظ به أمّه وتمتهن العمل الجنسيّ لكي تعيله
وتعيل نفسها… وارد أن يكبر في الشارع وأن يتحوّل إلى جانح أو مجرم. لا أحد
يشك في المصير الاجتماعي الأسود الذي ينتظر "الطفل الطبيعي". وبالتالي،
يتبيّن أنّ إباحة الإجهاض (وحمايته طبيا) قرار يحافظ على النظام الاجتماعي
وعلى توازنه بحيث يمكن المرأة من أن تحافظ على مكانتها الاجتماعية رغم
ممارستها لنشاط جنسي غير قانوني أدّى إلى حمل غير مقصود أو غير مرغوب فيه.
إنّ الإجهاض المحمي يؤدي إلى الحفاظ على صحة الأم الاجتماعية بحيث يجنّبها
الإقصاء والتهميش. فهل نريد تجنيب المرأة الموت الاجتماعي أم نريد أن يظل
الحمل خارج الزواج وسيلة للتحكم في جسدها وفي جنسانيتها؟ إنّ الأخلاق
الحداثية لا تقوم على تبخيس الجنس غير الزوجي وعلى تجريمه، ولا تعتبره
فسادا إن تم بين راشدين راضيين، بل إنها لا تأخذ بعين الاعتبار النشاط
الجنسيّ للفرد من أجل تقييمه. فقيمة الفرد تكمن في مواطنته، وفي عطاءه
وإبداعيته، ولا تشكّل حياته الجنسية الخاصة أو معتقداته الدينية مقياسا
للحكم عليه (ما دامت خالية من العنف).
خاتمة: يعترف "تقرير الخمسينية للتنمية البشرية في المغرب" بأنّ النساء الأكثر
فقرا هن اللواتي يعانين من منع الإجهاض لأنّ التوفر على قدرات مالية يمكن
من التحايل بسهولة على المنع ومن إجهاض محميّ نسبيا. فالنساء الفقيرات
وحدهن هن اللواتي يلجأن إلى الإجهاض السري الخطير، وهن اللواتي يجبرن وحدهن
على الاحتفاظ بالحمل وبالتحول إلى أمهات عازبات. وبالتالي، فإنّ الاستمرار
في منع الإجهاض يعني تحويل الحاملات من النساء الفقيرات غير المتزوّجات
إلى عاملات جنسيات، أي إلى نساء أكثر إقصاء وتهميشا (موت اجتماعيّ). ويعني
موضوعيا إتباع سياسية اجتماعية طبقية "تطهيرية" تعمل بشكل موضوعي على قتل
النساء الفقيرات. وأخيرا، يعني ذلك المنع خرقا للحقوق الجنسية والإنجابية
للنساء بحيث يمنع المرأة غير المتزوجة من ممارسة الجنس ويحرم المرأة
المتزوجة من حقها في الاختيار بين توقيف الحمل أو استمراره.
من أجل كل هذه الاعتبارات، آن الأوان لفتح نقاش عمومي صريح وشجاع حول
الإجهاض في المغرب. طبعا، الإجهاض ليس سوى تلك الشجرة التي لا يمكن لها أن
تخفي الغابة، غابة الجنس والدين. وفي انتظار مواجهة "الغابة" بفضل ثورة
ثقافية عميقة، بالإمكان تحويل الإجهاض، في إطار فقه سنّي حنفيّ وفي الأمد
القصير، إلى تدبير وقائي يساهم في الحفاظ على الصحة العمومية وعلى الصحة
الاجتماعية للمرأة. أما على المدى الطويل، الاستراتيجي، فإنّ الأهمّ لا
يكمن في شرعية الحمل أو في عدم شرعيته. الأهمّ يكمن في قبول الحمل من طرف
المجتمع بغضّ النظر عن كون المرأة متزوّجة أو غير متزوّجة… وهنا مكمن
الثورة الثقافية المشار إليها أعلاه…