كيف يمكن للأذكياء تصديق أشياء غبية

ل يمكن للذكاء أن يصبح غباءًا؟
لنبدأ بسؤال للأذكياء :

مضرب وكرة بدولار وعشرة سنتات و سعر المضرب أكثر من سعر الكرة بدولار . فما هو سعر الكرة ؟

معظم الناس سيجيبون بسرعة وبكل ثقة أن الكرة سعرها عشرة سنتات، متناسين بذلك دروس الرياضيات التي تعلموها منذ الصغر، إن كنت قد وقعت في هذا الخطأ فلا تحزن، (50%) من طلاب جامعة هارفرد و معهد ماستشوستس التقني M.I.T أجابوا عن سؤال المضرب والكرة إجابة خاطئة.

تفسير ذلك أنه في كثير من الأحيان عندما يواجه البشر موقف غير واضح المعالم، فإنهم لا يُمعنون التفكير في المسألة، بل يسلكون أقصر الطرق للوصول الى إجابة أو قرار بشأن قضية ما ، معتمدين على قائمة طويلة من الاختصارات العقلية التي تُقصّر عليهم الطريق، الأمر الذي يؤدي في الغالب إلى التوصل لإجابات وقرارات ساذجة وخاطئة.

تعرف هذه النزعة بالانحياز المعرفي وهو نمط من الانحراف في التفكير في اتخاذ الأحكام يحدث في حالات معينة، ويؤدي إلى تشويه للإدراك الحسي أو حكم غير دقيق أو تفسير غير منطقي.

قد يعتقد الناس أن الأشخاص المتعلمين الأذكياء أقل عرضة أن يقعوا بمثل هذه الأخطاء التي أشرنا إليها في المثال السابق وأن الذكاء يخفف من حدة الانحياز ومن تبني قناعات غير مدعمة بالأدلة ، إلا أن هناك دراسة نشرت في جريدة علم نفس الشخصية والمجتمع The journal of personality and social psycology تقترح أن الأذكياء معرضون بشكل أكبر لمثل هذا النوع من الخطأ في التفكير، وتهدف الدراسة إلى دراسة الإنحياز المعرفي cognitive bias وعلاقته بالذكاء.

أجري استبيان على (480) طالبًا جامعيًا تضمن أسئلة متنوعة مثل:
في مرجٍ أخضر، هناك رقعة من الزهور يتضاعف حجمها كل يوم، إذا افترضنا أنه يلزمها (48) يومًا لتغطية المرج كاملًا، فكم يومًا يلزمها لتغطية نصف المرج.
للوهلة الاولى نفكر أن نقسم عدد الأيام على اثنين فنحصل على (24) يومًا، هذا ما يخطر على بالك عزيزي القارئ لكن تمهل فالجواب الصحيح هو (47) يومًا.

من خلال طرح أسئلة كهذه توصل الباحثون الى أن الأذكياء والذين تحصلو على معدلات أكاديمية أعلى معرضين للخطأ أكثر من غيرهم، ويميلون بشكل أكبر لإرتكاب هذه الأخطاء ولا تقتصر على الأسئلة الرياضية فحسب بل تشمل مسائل الحياة العادية.

يقترح القائمين على الدراسة أن الأذكياء هم أسوأ حالًا، لأنهم أفضل في ربط الأمور كما أنهم أقدر على تبرير الأفكار الخاطئة، فبحكم ذكائهم يستطيعون صياغة التحليلات العقلية والمنطقية للتناقضات والأفكار الخاطئة والزلات الشخصية، في حين أنهم أكثر حدة وأشد حكمًا على الآخرين الذين يقعون في نفس الأخطاء.

وهذا التفاوت في الحكم على النفس والآخرين يعرف ببقعة التحيز العمياء bias blind spot، فيجعلهم أكثر جهلًا من غيرهم بوجود الإنحياز المعرفي لديهم.

سُئل مايكل شيرمر صحفي مختص في العلوم وتاريخها ورئيس تحرير مجلة سكيبتك skeptic عن السبب الذي يجعل الأشخاص الأذكياء يصدقون أشياء غريبة، كنظرية الخلق والأشباح وما شابهها، فكانت اجابته: «الأشخاص الأذكياء جيدين جدا في منطقة الأشياء التي صدقوها لأسباب غير ذكية.»

إنه لمن المقلق حقًا أن وضع الأذكياء أسوأ من غيرهم، فهم لا يستطيعون التعرف على أخطائهم ونزعاتهم، لأن تبريراتهم معقدة وعميقة.

هذا مقلق لأنه يفترض بالأذكياء أن يكونوا أقل عرضة للنزعة اللامنطقية، ربما كل ما يمكن للذكاء تقديمه هو طريقة تفكير أفضل لا محتوى الفكر نفسه، هذا يعني أنه حتى لو كان المعتقد سخيف فإن الطريقة التي يتوصل بها له المرء يمكن أن تكون ذكية، وقد يكون هذا أحد تعاريف الذكاء فذلك المصطلح مازال عصيًا على التعريف والقياس.
بالتالي نكتشف أن الناس ماهرون بتصيد أخطاء الآخرين وليس أخطائهم، لذلك لا يجب العيش في عالم يسوده التوافق بين البشر؛ ليس في عالم الإختلاف والجدال لإننا سنكتشف لاحقًا أننا مهما كنا أذكياء فسوف نبقى مخطئين في موقف ما في حيتنا اليومية، المشكلة تكمن في أن الأذكياء يستطيعون التفوق على غيرهم في المجادلة وإفحام خصومهم حتى لو كانت قناعاتهم خاطئة والإنتقادات الموجهة لهم صحيحة، خصوصًا إن كان أسلوب المُحاور ضعيفًا أو فظًا مما يجعل إقناع هؤلاء الأذكياء أصعب في المستقبل.

قد نشعر باليأس من التغيير عندما ندرك أن الأشخاص الأذكياء سيئين في التعرف على أخطائهم إلى هذا الحد، ولكن علينا أن ندرك أن الأذكياء عاجلًا أم آجلا سيصطدمون بشخص ذكي مثلهم؛ والذي يستطيع بالأدلة التي لا يمكن دحضها أن يُحدث ضررًا كبيرًا بطبقات التبرير التي راكموها داخل عقولهم؛ تلك التي تجعلهم يعتقدون بأنهم على صواب بالرغم من التناقضات.

كثيرًا ما ننسى أن تعلم شيءٍ جديد يتطلب نسيان القديم، والتخلي عن التحيزات السابقة التي ولدنا بها، وتلك التي اكتسبناها من محيطنا، ففي حال كان الشخص ذكيًا ولم يواجَه بالأفكار والحجج المخالفة في صغره، فإنه عند تقديم الآراء المخالفة له سيكون قد كوّن روابط فكرية معقدة يصعب إختراقها، ولا يمكن إدخال الأفكار الجديدة قبل فك الروابط القديمة بحذر.

هذا ما يجعل ثقة الناس قليلة بالعلم، فالعلم شيء غير طبيعي والمبادئ العلمية تخالف المنطق والبديهيات، وممارسة العلم تتطلب وعيًا حاضرًا بهفوات وزلات طرق التفكير الطبيعية، ففرضيات العامة وتصوراتهم لا يمكن الاعتماد عليها في العلم، ويجب التخلي عن الأفكار المرسخة في العقل قبل فهم العلم، وفي حالة الأذكياء فإن قدرتهم على ترسيخ الأفكار أفضل من غيرهم وهذا ما يجعل إقناع الأذكياء أصعب لا أسهل.

يجب أن لا يردعنا هذا عن محاولة إقناع الناس بالأفكار الصحيحة حتى الأذكياء منهم، فالذكاء لا يجعل الشخص محقّا بل يجعله أفضل عن غيره بالتفكير فقط.

بعد قراءة المقال ندرك أن الذكاء أحيانًا هو ميزة تُميزنا عن غيرنا إن طورنا قدراتنا في سبيل تحقيق ما نصبو إليه، ونُكون خللًا إذا تمسكنا بأفكار قد تكون صحيحة بنظرنا وخاطئة بنظر الآخرين وإن حاولنا تطبيقها فلن ننجح.

مصادر:
http://www.newyorker.com/tech/fronta...ple-are-stupid

[url=http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed?term=west stanovich meserve]http://www.ncbi.nlm.nih.gov/pubmed?t...vich%20meserve[/url]

http://bigthink.com/against-the-new-...of-being-smart

كيف يمكن للأذكياء تصديق أشياء غبية

كيف يمكن للأذكياء تصديق أشياء غبية :: تعاليق

كيف يمكن للأذكياء تصديق أشياء غبية