قد يُطرح السؤال: كيف حدث الكون من لا شيء؟
هذا السؤال تكون نتيجته في الإنسان العادي هي الإيمان الأعمى بالأديان كي تكون إجابة سؤاله هي إهمال سؤال آخر (مصدر الخالق الرئيسي؟)، وتكون نتيجته عند الإنسان المفكر البحث لإيجاد الجواب.
سأعطيكم جواب بسيط لتصحيح طريقة تفكيركم في هذا الأمر، وهو التالي:
يمكننا أن ننظر للموضوع عن طريق الأرقام، فالمشكلة أنك عندما تقول أن الكون جاء من لا شيء، فأنت تفترض أن الكون كله -بكل ما في- كان صفر، وتحول بعدها إلى شيء موجب.
لكن الطريقة الصحيحة للتفكير في الموضوع هي أن لا تنسى أن هناك أعداد سالبة أيضاً، ولا تنسى أن موجب + سالب سيعطي صفراً!!! وهذا -على فكرة- ليس بعيداً عن الواقع، فالقوة الوحيدة التي تجذب ولا تنفر في الكون هي الجاذبية، وذلك يعني أن طاقتها سالبة (هذا مبدأ بسيط من الفيزياء الكلاسيكية).
هذه أبسط طريقة يمكنك أن تصف فيها نشوء الكون من لا شيء دون ديناصورات سماوية تقوم بالمعجزات!
وإذا كان سؤالك التالي “ما الذي جعل هذا النشوء يحدث ولماذا لم يبقى صفراً؟
من الحجج التي تأتي إلى الملحدين والتي يحاول المتدينين استخدامها للقول أن هناك “موجد” للكون هي حجة أنه لو كان هناك عدم قبل الكون وكان هناك نقطة نشأ منها الكون، فلا يمكن أن يكون هذا الكون قد نشأ دون سبب، لأن مجموع الأصفار هو صفر… فكيف يمكن أن يكون هناك “عدم” أي “0”، وبعدها يتحول الصفر إلى شيء. طبعاً الأخطاء المنطقية والعلمية في هذه الحجة كثيرة جداً وأنا لن أتطرق لها جميعاً، وسأتطرق إلى فكرة اعتبار أن هذا الكون فيه شيء يساوي “0” تماماً. عزيزي القارئ: هل تقول هذا الكلام من منطلق الاستهزاء أم أنك فعلاً مقتنع أن العلم هو الذي يوصلك إلى هذه النتيجة؟ إن كنت فعلاً تقول هذا الكلام من منطلق علمي وتظن أنك على حق عندما تفكر بهذه الطريقة، فأكمل القراءة لأني سأعلمك كيف يعمل هذا العالم وسأريك كيف أن الظن بهذه الطريقة هو أمر غير مبرر على الإطلاق. أما إذا كنت تقول هذا الكلام فقط من غرض زيادة الثرثرة ضد الملحدين فتأكد تماماً أن الملحدين لا يكترثون لهذا الهراء، والسبب ببساطة أنهم مثقفين ويفهمون العلم جيداً.
مبدأ السببية كمبدأ مطلق
الآن لندرس الموضوع المطروح من وجهة نظر موضوعية، فيجب أن نسلم أن سبب ظنك أن البداية كانت أصفار وبعدها حدثت “المعجزة” التي خلقت الكون هي اقتناعك التام بما يسمى مبدأ “السببية” أو Causality، أي أنك تظن أن لكل شيء سبب مهما كان، لكن هل هذا الكلام صحيح؟ في الحقيقة هذا الكلام ليس فقط خاطئ منطقياً لأن ادعاء السببية المطلقة سيتطلب وجود خالق الخالق، بل أيضاً خاطئ علمياً، وبل أيضاً لا يوجد مبرر للظن به. فعليك أن تنتبه إلى القاعدة العلمية التي تقول: “مئة مثال صحيح لا تثبت نظرية، ومثال واحد خاطئ ينفي نظرية”.
إذاً، فعندما نعطيك مثال واحد في الطبيعة لا ينطبق عليه مبدأ السببية، فسيهدم ذلك الفرضية المطلقة التي تضعها بأنه لكل سبب مسبب، وفي الحقيقة فإن مبدأ السببية ينهار عندما ندرس الأبعاد الذرية، والمقالة العلمية التالية من مجلة نايتشر Nature -والتي هي أقوى مجلة علمية في كل العالم- تثبت أنه عند الانتقال من الأبعاد الماكروسكوبية (الكبيرة التي نعيش فيها) إلى الأبعاد الميكروسكوبية أو الذرية فإن مبدأ السببية يفقد معناه بشكل تدريجي، مما ينفي مطلقية مبدأ السببية. المقالة العلمية التي تناقش ذلك هي التالية
وبذلك نرى أنه من ناحية أولى أن السببية ليست أمر مطلق وهي أمر مطاط ومتغير، ولذلك الجزم بحاجة بدء الكون إلى سبب هو خطأ منطقي قبل أن يكون خطأ علمي، ولا سيما أنك لم تثبت أن السببية هي أمر مطلق، ونسيت أن السببية هي أمر كلاسيكي نفترضه نحن البشر بسبب طريقة فهمنا للطبيعة، وليس لأن الطبيعة تتبع لمبدأ السببية.
مبدأ القياس والقيمة المحددة والخطأ الإحصائي في القياس
لنقل أننا نريد أن نقيس طول طاولة في الغرفة، فنحضر أداة للقياس، ونضع هذه الأداة ونقيس طول الطاولة L ، ونحصل على جواب هو
L=40 cm
لكن ما هي دقة هذا القياس؟ هل يمكننا القول أن طول الطاولة هو التالي بهذه الدقة؟ L=40.0000000 cm
طبعاً كأشخاص عاديين، نحن لا نقوم بقياس طول الطاولة للتسلية، فهناك غرض ما لقياس هذا الطول، فربما تقيس طول الطاولة لأنك تريد وضعها في غرفة أخرى، أو ربما تقيس طول الطاولة لأنك تريد إدخالها عبر باب تظن أنه لن يتسع لها، وعندما تقوم بهذا القياس، فلن تهتم لو كان طول الطاول 40 سم أو 40.1 سم، ولذلك عندما نقوم بقياس طول الطاولة فإننا نقبل بوجود خطأ في القياس، وهذا الخطأ موجود لأسباب كثيرة جداً أهمها أن أداة القياس التي نقيس بها لا تملك دقة لا نهائية، بل لها دقة محدودة، وفي حالة الطاولة إذا قسنا طولها عن طريق مسطرة، فستكون دقة القياس هي نصف أصغر تدريجة، فإذا كان تدريج المسطرة هو بالميلي متر، فستكون دقة القياس 0.5 ميلي متر. لنقل أننا نريد أن نقيس طول الطاولة بدقة لا نهائية، وبذلك نقول بإحضار أداة للقياس أدق من المسطرة، مثل مثلاً ما يسمى Caliper كما في الصورةأداة تمكننا من قياس الأطوال بدقة تصل إلى 10 ميكرومتر (عشرة على مليون من المتر) تسمى Caliper وهي أداة تقيس الأطوال بدقة تصل إلى 10 ميكرومتر (أي عشرة على مليون من المتر). الآن نقيس طول الطاولة بهذه الأداة (مع إهمال أن الأداة قصيرة) ونحصل على طول الطاولة ويكون
L=40.01241 cm
لكن نحن لا نكتفي، ونريد أن نقيس بدقة أفضل وأفضل… فهل نستطيع ذلك؟ إذاً نحضر أداة أدق من ذلك، ونقوم بالقياس بدقة أكبر. لكن ما هي المفاجأة؟ المفاجأة هي أنك عندما تزيد الدقة أكثر وأكثر، ستكتشف أن سطح الطاولة الذي تبدأ القياس منه ليس أملس بما يكفي لتقيم القياس عليه! فتوزيع الذرات على سطح الطاولة سيختلف من نقطة إلى نقطة، وبذلك سيعتمد طول الطاولة على النقطة التي تبدأ القياس منها… إذاً الطول لم يعد له معنى في هذا المستوى من الأبعاد! ويمكنك تطبيق نفس المبدأ على أي شيء تريد قياسه، سواء كان زمن أو طول أو سرعة أو جهد أو أي شيء، وستجد دوماً أنك ستصل إلى نقطة تفقد عندها القيمة الفيزيائية للقياس الذي تقوم به معناها، ولذلك أي قياس فيزيائي يجب أن يكون مرفق معه الخطأ في قياسه، وبذلك نقوم بطرح المبدأ التالي:أي قياس لأي كمية فيزيائية دون خطأ في القياس هو قياس لا معنى لهوكي نكون دقيقين فيجب أن نذكر أن هناك نوعين من الأخطاء:1- أخطاء في نظام القياس Systematic errors2- أخطاء إحصائية Statistical errorsأخطاء نظام القياس تحدث عندما يكون هناك مشكلة في أدوات القياس. مثلاً تخيل أنك تريد قياس زمن ذهاب وإياب بندول Pendulum، فإذا كانت الساعة التي تستخدمها أسرع بنسبة 5% من ساعات العالم، فستكون نتيجتك أصغر بنسبة 5% من النتائج التي سيحصل عليها شخص غيرك يملك ساعة أدق من ساعتك، وهذا الخطأ يتميز بأنه يؤدي إلى ما يسمى تحيز أو Bias في النتائج التي تحصل عليها في تجاربك، ولا يمكن إصلاحه أبداً إن لم تستخدم ساعة (أو أداة قياس) أدق من الأداة التي استخدمتها أول مرة.بينما الأخطاء الإحصائية هي أخطاء موجودة في النظام نفسه الذي تقوم بالعمل عليه وهي نوع الأخطاء الذي سنهتم به في مناقشة اليوم، وسبب وجود هذه الأخطاء هو حقيقة أن كل شيء في كوننا يهتز ولا يتوقف وأيضاً سببه أن أدوات القياس لا تملك حساسية precision لا نهائية، ولذلك عندما تقوم بقياس أي كمية فيزيائية فإن الجواب سيتغير في كل قياس تقوم به، وفي نهاية تجربتك تقوم بما يسمى المتوسط الحسابي لكل القراءات التي قمت بها وبذلك تحصل على الإجابة النهائية.تجربة توضح مفهوم الخطأ في القياس في الطبيعةعندما كنت طفلاً صغيراً، وكنت أتلاعب بالأدوات التي أملكها مثل الأدوات الإلكترونية، فكنت مثلاً أعجز عن قياس الجهد الكهربائي لبطارية بشكل دقيق بشكل نهائي (كما ذكرت في القسم السابق عن الطول)، وكنت أقول في نفسي أن هناك رقم حقيقي يمثل الجهد الحقيقي لهذه البطارية بدقة لا نهائية، وأن الله لابد أنه يعلم هذا الرقم.لكن عندما يكبر الإنسان ويدرس ويثقف نفسه ويتعلم يدرك أن ما كان يدور في ذهنه أيام الطفولة ليس أكثر من كلام طفولي غير واقعي، فلنتكلم عن المشكلة في موضوع قياس جهد بطارية تحمل قيمة 1 فولت.حسب المفهوم الكلاسيكي في الفيزياء، فإن هناك مبدأ يسمى مبدأ التحديدية Determinism، والذي يعني أن هذا الكون هو مثل “ساعة مربوطة”، ويملك اتجاه محدد في سيره، ولو كنا نعرف كل شيء في هذا الكون لاستطعنا التنبؤ بكل شيء سيحدث في هذا الكون. هذا المبدأ هو المبدأ الذي آمن به أينشتاين وحارب من أجله طيلة حياته، فقد بقي في آخر 25 سنة تقريباً من عمره يحاول محاربة “ميكانيك الكم” ليثبت أن الله لا يلعب بحجر النرد (وأحب أن أنوه أن الله الذي يتحدث عنه أينشتاين ليس أي إلاه ديني، بل هو إلاه ربوبي Deistic God ومواصفاته بعيدة كل البعد عن الإله الديني المجنون الموصوف في الأديان الإبراهيمية مثلاً مثل الإسلام والمسيحية واليهودية)، وفي النهاية ظهر أن أينشتاين مخطئ وأن ميكانيك الكم صحيح.لنتكلم قليلاً عن عواقب مبدأ التحديدية، فلو افترضنا أن قياساتنا خالية من أخطاء النظام Systematic errors، فمبدأ التحديدية يعني ببساطة أننا لو أردنا أن نقيس جهد البطارية ذات الفولت الواحد، فإن هناك قيمة حقيقية واحدة مخفية داخل البطارية تمثل جهد البطارية، ويمكننا تمثيلها بنقطة واحدة على خط الأعداد، فمثلاً لو نظرنا إلى الصورة التالية، سنجد أن المنحنى الأحمر يمثل احتمال الحصول على قيم مختلفة لجهد البطارية عندما نقيسها، ونجد أن احتمال قياس أي قيمة لجهد البطارية يساوي الصفر في كل مكان إلا عند النقطة التي يساوي فيه جهد البطارية 1 فولت، وهناك نجد أن الاحتمال يساوي الواحد، بما معناه أننا إذا قمنا بأي قياس لجهد البطارية، فإن كل القياسات ستعطينا جهد بطارية يساوي 1 فولت، والخط الأزرق الذي ينبض يمثل القيمة التي نحصل عليها في كل قياس.إذاً مفهوم التحديدية يضمن لنا وجود قيمة فيزيائية واحدة مخفية، والقياس الذي نقوم به يظهر لنا هذه القيمة.الصورة التحديدية الكلاسيكية للقياس، بحيث نجد أننا إذا أردنا قياس جهد بطارية مثلاً، فإن هناك قيمة واحدة يجب أن تظهر، وهذه القيمة احتمال ظهورها هو “1” أو 100%، بينما القيم الأخرى مستحيلة الظهور واحتمال ظهورها هو صفر.الخط الأزرق يمثل قياسات مثالية للجهد الكهربائي للبطارية نقوم بها، وهذه القياسات كلها تعطينا نفس القيم دوماً وهي “1 فولت”. لكن هل هذه هي الحقيقة؟ في الحقيقة هذا ليس له علاقة بالواقع أبداً، فالقيم الفيزيائية ليست قيم مطلقة أبداً وهذا ما اكتشفناه عندما درسنا ميكانيك الكم وميكانيك الذرة، فاكتشفنا أننا مثلاً عندما نقيس جهد البطارية فالقيمة المحددة التي كنا نتصورها غير موجودة أبداً، وما هو متوفر في الحقيقة يظهر إذا حاولنا القياس بدقة أكبر من المرة السابقة نجد -كما هو في الشكل التالي- أن المنحنى الأحمر غطى مجموعة أكبر من القيم الممكنة، فنجد أنه لا توجد قيمة واحدة تظهر عندما نقوم بقياس الجهد الكهربائي للبطارية، بل إن هناك مجموعة واسعة من القيم الممكنة، وهناك قيمة متوسطة وهي القيمة الأكثر احتمالاً، وهي القيمة التي تظهر إذا قمنا بالقياس بدقة منخفضة، وهي التي توافق القيمة التحديدية أو الكلاسيكية.تابع الكثافة الاحتمالية للحصول على قيمة جهد البطارية التي كنا نظن أن لها قيمة حقيقية تساوي 1 فولت، فنجد أن هناك قيم مختلفة لهذا القياس يمكن أن تظهر في كل مرة نقوم بها بالقياس، والخط الأزرق يظهر نتيجة لكل قياس نقوم به، ونجد أن الخط الأزرق يأخذ قيم مختلفة في كل مرة نقوم بها في القياس، وهذه الاختلافات لا نلاحظها إلا إذا كان قياسنا دقيقاً جداً.الخط الأحمر يسمى تابع كثافة احتمالية، وهو يملك في هذه الصورة الشكل الغاوسي أو الطبيعي. المنحنى الأحمر يسمى تابع الكثافة الاحتمالية أو Probability density function أو تابع التوزع الاحتمالي، وهذا التابع يملك غالباً شكل التابع الطبيعي أو ما يسمى الغاوسي Gaussian distribution أو الطبيعي Normal distribution والذي له الشكل الرياضيوالقيمة الأكثر احتمالاً في تابع الكثافة الاحتمالية تسمى المتوسط الحسابي، وفي التوزيع الطبيعي هي U ، ونقول في العلوم أنه لو كان القياس لا يملك أي أخطاء في النظام Systematic errors فالقيمة المتوسطة توافق القيمة الحقيقية، وعرض هذا التوزيع (عرض الخط الأحمر) يحكمه ما يسمى الانحراف المعياري للتوزيع Standard deviation والذي هو في هذا التوزيع O .ومن تابع الكثافة الاحتمالية تحسب احتمال الحصول على جهد معين يبدأ بنقطة أولى V1 وينتهي عند نقطة ثانية V2 نقوم بعملية التكامل التالية (بحيث أن الاحتمال هو المساحة تحت المنحنى) بينما احتمال الحصول على قيمة واحدة محددة يساوي الصفر دوماً.هناك الكثير من توابع الكثافة الاحتمالية في الرياضيات، فمثلاً هناك تابع توزيع بواسون Poisson distribution والذي يحكم الظواهر التي تعتمد على عدد الحوادث في فترة زمنية محدودة (مثل مثلاً عدد مرات قياس حدوث انحلال نووي في مادة، أو مثلاً عدد السيارات التي تعبر إشارة مرور خلال فترة زمنية).المميز في تابع التوزيع الطبيعي هو أن كل توابع الكثافة الاحتمالية تؤدي إلى هذا التابع بطريقة أو بأخرى، أو حتى أن إذا قمت بخلط الكثير من توابع التوزع الاحتمالي المختلفة معاً بشكل عشوائي ستحصل على تابع التوزيع الطبيعي في النهاية، وهذا ما يسمى نظرية الحد الأوسطي Central limit theorem، وهي نظرية مبرهنة رياضياً.ولذلك نجد في الطبيعة هذا التوزيع هو ما يحكم كل شيء، والسبب في ذلك رياضي وليس فيزيائي.ميكانيك الكم (ميكانيك الذرة) ومفهوم عدم التحديديةما اكتشفناه في التجربة هو أن طبيعة الكون في الأبعاد الذرية هي طبيعة موجية، وعندما نتعامل مع الموجات فعلينا أن نتعرف على ما يسمى تحويل فورييه Fourier transform.تحويل فورييه هو تحويل رياضي نقوم به لدراسة الكميات الرياضية المتناظرة، فمثلاً إذا كان هناك موجة تتحرك في الزمن، فهذه الموجة محكومة بكميتين رياضيتين، الكمية الأولى هي الزمن، والكمية الثانية هي التردد Frequency، فالزمن يرينا كيف تتطور الموجة، بينما التردد يخبرنا بعدد النبضات التي تصدر من الموجة في خلال وحدة الزمن. ما يقوم به تحويل فورييه هو أنه ينقلنا من جملة ندرس فيها كمية فيزيائية إلى جملة ندرس فيها الكمية الفيزيائية المناظرة، فمثلاً لو قمنا بتحويل فورييه لجملة بالنسبة للزمن، فإننا سنحصل بالنتيجة على التردد.لن أدخل في تفاصيل أكثر من ذلك، لكن ما يجب أن نعرفه أن النتيجة من ذلك هي رياضية بحتة، وفي تحويل فورييه هناك ما يسمى مبدأ الشك Uncertainty principle، وهذا المبدأ يقول أن أي قياس يقام على كميات متناظرة يجب أن يؤدي إلى خطأ في القياس.بعبارة أخرى: لو كان عندنا موجة، وقمنا بقياس كمية فيزيائية مرتبطة بالزمن، فلن نستطيع قياس التردد بدقة متناهية، وهذه حقيقة رياضية قبل أن تكون فيزيائية، والمدهش والرائع والمثير هو أن هذا المبدأ ينطبق تماماً على الطبيعة! فميكانيك الكم أظهر لنا أن الجسيمات الأولية أو الذرية (كالإلكترونات والبروتونات وغيرها) لها طبيعة موجية، وكنتيجة لهذه الطبيعة الموجية فهناك مبدأ يسمى مبدأ الشك لهايزنبرغ، وهو مبدأ يمكننا كتابته على الشكل التالية رياضياً بصورتينالصورة الأولى تربط الخطأ في قياس الطاقة ΔE (بحيث أن الطاقة مرتبطة بالتردد) مع الخطأ في قياس الزمن Δt ، ويقول لنا هذا المبدأ أننا لو استطعنا قياس الطاقة بدقة لا نهائية، فيجب أن يتم ذلك على فترة زمنية طويلة جداً. والصورة الأخرى من هذا المبدأ تربط الخطأ في قياس الموضع Δxوالخطأ في قياس الدفعΔp (لأن الدفع مرتبط بالسرعة)، ويقول المبدأ في هذه الحالة أننا لو استطعنا تحديد موضع أي جسيم (أو موجة) بدقة لا نهائية فإن الخطأ في تحديد سرعته سيسعى إلى اللانهاية، والعكس بالعكس.وسبب هذه المشاكل في القياس هو أن الطاقة كمية تناظر الزمن في تحويل فورييه، والدفع يناظر الموضع في تحويل فورييه، ولهذا السبب هناك عدم دقة في قياس تلك الكميات.وهذه الطبيعة الموجية للمادة وعدم الدقة بسبب مبدأ الشك هي التي تحكم الظواهر الغريبة في ميكانيك الكم كظاهرة النفق Quantum tunneling مثلاً إذاً: الطبيعة الموجية للكون الذي نعيش فيه تعطينا دوماً أخطاء في أي كمية فيزيائية ونجد أن الكميات الفيزيائية لا يمكن تحديدها فقط برقم واحد، بل يجب أن نضع مفهوم لقياس الأخطاء، وهذه الأخطاء ليست مرتبطة بنا نحن كبشر نتعامل مع هذه الكميات الفيزيائية، بل هي موجودة في طبيعة هذه الكميات الفيزيائية بسبب الرياضيات.النتيجة: هل مجموع الأصفار يساوي الصفر؟النتيجة التي وصلنا لها تعني فقط أنه لا يوجد صفر أو واحد أو اثنين في الطبيعة، بل يوجد فقط توابع كثافة احتمالية، فحتى لو فرضنا أن الكون كان عدماً فلا يجب أن نقول أن مجموع الأصفار هو صفر ولذلك لا يمكن لشيء أن يأتي من لا شيء، والسبب ببساطة أن اللاشيء غير موجود في الطبيعة وغير حقيقي، بل هو وهم اخترعه الإنسان بسبب فهمه الكلاسيكي للطبيعة من حوله.وفي الحقيقة بدلاً من كتابة أن مجموع الأصفار يساوي الصفر0+0+0+0+0+0+0+0+0=0يجب أن نكتب التاليبحيث أن التابع R هو تابع يستخرج قيمة عشوائية من تابع الكثافة الاحتمالية داخله، ونجد في التوزيعات هنا أن المتوسط الحسابي لها يساوي الصفر μ=0 ، لكن الانحراف المعياري لن يساوي الصفر، ولذلك حتى لو كان اللاشيء هو ما سبق الكون، فهذا اللاشيء سيملك متوسط حسابي يساوي الصفر لكنه سيهتز حول الصفر دوماً، ولذلك نشوء الكون من العدم هو أمر ليس بغريب، ولا سيما بسبب الطبيعة الموجية للمادة ولنسيج الكون التي تجعل القيم الفيزيائية أياً كانت تهتز دوماً ولا تستقر أبداً، وهذا ما رأيناه في كل تجاربنا.بعبارة أخرى: المعنى هو أن الصفر كرقم وحده أو “لا شيء” هو أمر غير حقيقي، لأن كل شيء في هذا الكون محكوم بتوابع كثافة احتمالية تجعل القيم الفيزيائية (الواقعية) تهتز دوماً.