معًا ضدّ الحياة، معا ضدّ الحريَّة، معا ضدّ الفرح...هكذا يتمّ تأويل مصطلح (شرع الله) في فكر السَّلفيّة، والسَّلفيَّة الجهاديَّة، وعموم تيَّارات الإسلام السّياسيّ، عند المسلمين اليوم! (شرع الله) هو النُّسخة المقابلة - في أدبيات الإسلام السّياسيّ المعارض- لمفهوم شرع البشر، وهذا يطرح عددا من الاشكالات.
أوَّلا- هل الإنسان والمجتمعات البشريَّة قاصرة ومتخلّفة عقليًّا بحيث لا تستطيع تمييز الخير من الشَّر؟ وهل البشر غير قادرين على تنظيم إدارة شؤونهم بشكل جيّد؟! وإذا كان هذا الانسان قاصرا – وفقا لزعم تيَّارات الإسلام السّياسي- فكيف نوكل شأن فهم وتطبيق (شرع الله) إلى هذا الكائن القاصر! وما تفسير أنّ أكثر المجتمعات والدُّول ازدهارا هي دول لا يحكمها شرع الله! إنسانها وسياسيوها جاهلون بشرع الله! وبالطَّبع لا يستقيم أن يقول لي فلان من النَّاس إن سويسرا وكندا متخلفة أمَّا جمهوريَّة إيران الإسلاميَّة أو إمارة طالبان الإسلاميّة متقدّمة!! ثانيا- ما هي قرائن وبراهين أن يدّعي بعض البشر بأنّ الله قد اختصّهم - دون غيرهم- بمعرفة وتطبيق شرعه! وهذا أمر خلافي جدًّا بين البشر.. مثلا كرويّة الأرض أو عدد أصابع يد الانسان هي قضايا أكثر قبولا وليستْ خلافيّة مقارنة بقضيّة ( شرع الله) لماذا يكون شرع الله إشكاليًّا، وليس بدهيًّا أو قابلا للبرهان بمعيار عامَّة النَّاس أو عامَّة أهل الاختصاص في القانون والسّياسة على الأقلّ!
ثالثا- لماذا (شرع الله) الإسلامي غير ( شرع الله) اليهودي؟ لماذا شرع الله الشّيعي غير شرع الله السنّي؟ لماذا شرع الله الحنبلي الوهابي غير شرع الله الحنفي؟! هل شرع الله عند داعش غير شرع الله عند شقيقتهم جبهة النّصرة؟! هل هو الله واحد في إيمانهم وشرائعهم! أم لكلّ فئة منهم شرعها الَّذي تنسبه إلى الله! ثمَّ ما هو معيار موافقة أو تأييد الله لكلّ فئة تدّعي منهم! هل سبق أنّ عيّن الله ناطقا رسميًّا باسمه؟! كثيرون في التَّاريخ البشريّ والإسلاميّ وكذلك في حاضرنا نصّبوا أنفسهم في وظيفة النَّاطق الرَّسميّ، وكلّهم لا يريدون الحكم بل يريدون تحكيم شرع الله فينا! و يستعينون على ذلك بالسّياط والسّيوف والسُّجون والصلب وسائر أنوع العنف الماديّ والمعنويّ!
رابعا- معيار الشَّرع الأفضل أو الدُّستور أو القانون الجيّد، ليس في مصدره! وليس في عدد أتباعه! بل إنّ معيار الفضل والجودة هو في توافقه مع أولويَّة الحياة والعدل والحريَّة ، في التزامه بحقوق الانسان واحترام آدميّته وليس بشيء آخر! ربّما لا تجد مستبدا أو طالب سلطة في المجتمعات الإسلاميَّة إلاَّ و يدّعي أنَّه يطبّق شرع الله، أو أنّهُ الأقرب إلى شرع الله! يحتكرون كلمة الله يقتلون وينتهكون حقوق عباد الله!! يصرّون على إعادة اكتشاف العجلة من جديد! وكأنّ الله لم يخلق سوانا على هذا الكوكب!
خامسا- للمقارنة بين عدالة تشريعات وضعيّة وفقا لرأي الإسلاميين وتشريعات سماويَّة (شريعة الله) سأضرب مثالا حول العبوديَّة. فالإسلام لم يحرّم العبوديَّة بل أباحها وأوصى بالعتق كحسنة نافلة. ولكن بالمقابل الشَّرائع الحديثة قامت بتحريم وتجريم العبوديَّة مطلقا ..فإيهما أكثر عدالة واحتراما لحقوق الانسان! وأمَّا حجّة السّياق التَّاريخيّ المختلف وكون زمن نزول شرع الله (في القرن السابع الميلادي) ليس في القرن التَّاسع عشر أو العشرين فهذه حجّة لا تصلح للردّ لكون الإسلاميين يمجّدون ( شرع الله) ويرونه صالح لكلّ زمان و مكان.
*إعترض أحد الأصدقاء منكرا عليّ وقائلا كيف تقارن ما بين نصّ تشريعيّ عظيم كالقرآن الكريم أو أحكام الشَّريعة الإسلاميَّة الغراء وبين واقع التَّشريع والحياة في دولة أوروبيَّة كسويسرا الآن! القرآن وأحكام الشَّريعة الإسلاميَّة لو طبّقتْ على حقيقتها.. ستكون حالنا كمسلمين أفضل بكثير من سويسرا وغيرها! أم تقرأ و تتعرّف على السّيرة النَّبويَّة ودولة الخلافة الرَّاشدة يا رعاك الله!
وفي ذلك أقول: المقارنة تكون بين نصّ تشريعيّ ونصّ تشريعيّ آخر، أو مقارنة بين واقع تطبيق القوانين في الدُّول والمجتمعات المختلفة.. الاستغلال موجود وممكن بدرجات مختلفة، ولكن بعض المجتمعات فيها التزام وشفافيّة أكثر من بعض، لنقارن بين القانون نصًّا وتطبيقا في إمارة داعش أو في إمارة النُّصرة أو إيران الإسلاميَّة مقارنة مع تركيا أو بسويسرا أو ألمانيا أو اليابان مثلا.. لتصل فكرتي، ثمّ إنَّه لا يمكن فصل النَّص عن التَّطبيق وصيرورته التَّاريخيَّة والثَّقافيَّة فالنَّص وليد أو نتيجة تفاعل مع الواقع ..وهو بدوره يؤثّر بالواقع، وأيُّ فصل نقوم به هو فصل إجرائي لغايات دراسيَّة فقط، بمصالح محدّدة.
*أيّ نموذج يُحتذى قدّمهُ الإسلاميون في الحكم (بشرع الله) حتّى يتبعهم العالمين.. نموذج طالبان أفغانستان أم نموذج داعش أم نموذج بكو حرام في نيجريا أم نموذج إيران الإسلاميَّة أم نموذج جعفر نميري والبشير في السُّودان! هل يحقّ لعاقل أن يتَّبع هكذا نماذج وشرائع!!
*ما الفرق بين منشور على الفيس بوك فيه محظور شرعي، ومنشور على الفيسبوك فيه تهديد لأمن الدَّولة وتوهين نفسيَّة الأمّة!! هذا مثال يفضح استغلال مفهوم الله أو مفهوم الدَّولة أو مفهوم الأمَّة.. بغية قمع الحريَّات، وتحصين السُّلطة من المساءلة! وتتساوى في ذلك مثلا سلطة النّظام الاستبدادي للأسد مع سلطة جبهة النُّصرة (تنظيم القاعدة) مع سلطة تنظيم الدَّولة الإسلاميَّة في العراق والشَّام(داعش) ..إلخ.
*ليس حرًّا.. ولا يطلب الحريّة من يستبدل إرهاب النّظم الشُّموليَّة المخابراتيَّة ممثلة بالنّظام الأسدي على سبيل المثال لا الحصر بإرهاب السَّلفيَّة الجهاديَّة ممثَّلة بداعش والنُّصرة وبقيَّة الجوقة من جماعة مُسمى تحكيم شرع الله! ..( نحن لا نطلب الحكم، بل نطلب تحكيم شرع الله في النَّاس!) وهل يستقيم شرع دون إعطاء الأولويَّة للحياة والعدل والحريَّة!!
*الإدارة هي أحد أبعاد الكينونة الاجتماعيَّة وهي تمثّل الشَّكل السّياسيَّ الفئوي لتنظيم الكينونة الاجتماعيَّة، والعقيدة كذلك هي إحدى أبعاد الكينونة الاجتماعيَّة، وهي تمثّل الشَّكل الأيديولوجيّ الأخلاقيَّ للكينونة الاجتماعيَّة، فالإدارة والعقيدة كلاهما من أبعاد الكينونة الاجتماعيَّة البشريَّة، بالتَّأكيد ثمّة تفاعل وتأثير متبادل ما بين الإدارة والعقيدة، ولكنّهما بعدين مختلفين، الإدارة لا تكون فئوية ولا تقوم بالضَّرورة على الحريَّة الاختيار، والادارة لا تحتمل الايمان بالغيبيات، بينما العقيدة تكون فئويَّة بالضَّرورة وتقوم على الحريَّة والاختيار، و تقوم على مبدأ الإيمان بالغيبيَّات.
إنَّ مفهوم مصطلح ( شرع الله) يقوم على الخلط ما بين البعد الإداريّ والبعد العقائديّ للكينونة الاجتماعية وفي ذلك تعسّف بيّن، وقد ينطوي على قصور وإساءة استخدام لكلّ من العقيدة و الإدارة. إنّ كلّ بعد من أبعاد الكينونة الاجتماعيَّة يؤثّر و يتأثَّر في الأبعاد الأخرى مثلا لنلاحظ تأثير الزَّمن على البعد الإداريّ والعقائديّ، وكيف أنَّ مفهوما مثل “شرع الله” يتأثَّر بالزَّمن و تغيّراته، فشرع الله اليهوديّ مثلا وجد في تاريخ معيَّن وقد عبّر جغرافيًّا واجتماعيًّا وتكنولوجيًّا و اقتصاديًّا ولغويَّا على مصالح العصر الَّذي وجد فيه. وكذلك شرع الله الإسلامي.. إلخ. وإنّ شرائع أخرى لا يطلق عليها مصطلح شرع الله كشريعة حمورابي أو الشَّرع الرُّوماني تخضع لفعل البعد الزَّمنيّ كذلك وينطبق عليها ما ينطبق على ما يُسمّى بشرائع الله!!
*إذا -شرطيَّة- كان الله هو العادل والرَّحمن الرَّحيم، فشريعة الله هي العدل والرَّحمة.. وكلّ ظلم أو قسوة هي ليستْ من شرع / شرائع الله! شرائع الله هي الشَّرائع الَّتي يكون معيارها أولويَّة الحياة والعدل والحريَّة ..بغضّ النَّظر عن التَّسميات ودعاوى أصحابها.