ملخص
يعد الإرهاب من أشنع الظواهر على نطاق عالمي في القرن الحادي والعشرين. سنحاول في هذه المقالة التركيز على أسباب وعواقب العنف والإرهاب حول العالم. يرى طاغور أنه لا يمكن اجتثاث الإرهاب إلا إذا تم تبني فكرة الأبانشادية Upanishadic بمنهج عالمي بسيط وشامل تجاه الحياة. وأخيرًا يحاول المؤلفون أن يظهروا الصلة المتزايدة لآراء طاغور عن الإرهاب بذلك العالم المسكون بالإرهاب.
مقدمة
لم يتعمق رابندانات طاغور بأسباب وعواقب العنف والإرهاب تحت عنوان (الإرهاب)، بيد أنه في كتاباته حول القومية والعالمية قام بسبر أغوار السيناريو الثقافي المسبب للريبة، والاضطراب، والتسلح المفرط والحرب. كما وجه اتهامه للثقافة الغربية المادية التي تطلق العنان لممارسة العنف عن طريق قمع وإخضاع الأغيار (كل ماهو غير غربي)، وتمت مقارنة ذلك وتمييزه عن ثقافة الفيدا Vedic والأبانشادية Upanishadic التي يتبناها الهنود كحل لكافة أسباب العنف والإرهاب، من وجهة نظر طاغور. لكن ينبغي ملاحظة أن طاغور لم يحمل أية ضغينة شخصية ضد الغربيين. فقد كان اعتراضه على عاداتهم الثقافية التي تولد الحقد والعنف عن طريق رمي البشرية في مهب الريح. كما كان يكن كل الاحترام للجوانب الإيجابية للحضارة الغربية، وأطروحته عن العنف يمكن تطبيقها في أي سياق ثقافي للتحقق من العنف وعواقبه. وفي نقاشه حول الثقافة الغربية اتجه إلى تحديد أسباب العنف والإرهاب وعواقبهما، وقد قام باقتراح الحل من خلال إعادة تحديد سياق الفلسفة الأبانشادية Upanishadic philosophy لمفهوم الإخاء العالمي في ذلك العالم الحديث المسكون بالإرهاب.
مناقشات
تتجلى فكرة طاغور عن العنف والإرهاب، في معرض نقده للحضارة الحديثة ومبادئها المادية، في بعض مقالاته مثل: حياتي، مدرستي، ديني، الحضارة والتقدم، القومية في اليابان، القومية في الهند، القومية في الغرب، العلاقات الدولية، أصوات البشرية، إدراك المطلق... إلخ.
ظهرت نظرية طاغور نتيجة الخراب الذي حل بالبشرية في الحرب العالمية الثانية والتي كانت تتويجًا للتصنيع الحديث، والمادية، والرأسمالية، والقومية، والاستعمار والإمبريالية التي مارسها الغربيون. إن الأسباب التي تقف وراء منظومة من الهيمنة كهذه متجذرة بعمق في المفهوم الغربي للثقافة فيما يخص "التقدم"، بمعنى تراكم الثروة مدعومًا ببعض المفاهيم التجريدية كالـ "البقاء للأقوى" و"الصراع من أجل الوجود". وكان السبيل لإثبات ذلك عن طريق تدمير واستعباد الآخرين تحت عنوان تمدينهم. إن فكرة التمحور حول الذات الأوربية الغربية تُبرز تفوقها بتموضعها إزاء الآخر غير الأوروبي. وقد خلقت نرجسية الذات الغربية وفقًا لإدوارد سعيد، ناقد ما بعد الكولونيالية، مفهوم (الآخر) لتمارس السيطرة على أي شيء خارج إطار العالم الغربي عبر نسب المظاهر الإيجابية لنفسها وإفراغ (الآخر) من كل شيء. لذلك نرى أن هذه الصورة النمطية القاصرة للآخر تحمل في طياتها أن وجود الآخر يكون من أجل تلبية احتياجات الذات ومتطلباتها والتي تؤمن، بدورها، بمبدأ تبجيل الذات بسحق وجود الآخر من أجل تمهيد الطريق لتطوير النزعة الاستهلاكية المادية على نطاق واسع. ونتيجة لتلك الصورة الثقافية تولد مفهوم القومية الجشعة والشرهة والذي عمل على الصدام مع الشعوب الأخرى كالهنود، والأميركيين، واليابانيين وسواهم، وإخضاعهم وتهميشهم. كان طاغور بالمطلق ضد أنانية كهذه مستقاة من ثقافة التنافسية الداروينية والتي تتجسد بهزيمة نظرائها الضعفاء وتدميرهم، والتي أفرزت بدورها عنفًا متبادلاً وتمييزًا ضد الغير. إن هذه القومية الشوفينية زجت بالعالم في زوبعة الجشع والحسد معًا مقزمة الجنس البشري إلى "قطيع من المخلوقات الكاسرة" أو إلى "عصابة من اللصوص" كونها ضحية الافتتان بالمال والمادية. وأجبرت الشعوب على الرقص مع شيطان الدمار والعقاب مديمةً بذلك الانشقاق بين أمة وأخرى. ونستشف، وفقًا لطاغور، أن الحضارة الحديثة بشعارها المتمثل بالمقاولة الذاتية تفتقر إلى الجوهر الأخلاقي مما يضعها تحت سهام نقده اللاذع بسبب طبيعتها المُفَكِكَة والمُفَكَكَة، وميلها نحو الوهن المادي والفيزيائي، واحتفائها بالسياسات غير الدموية. إنها الحضارة التي بنيت، وفقًا لطاغور، على قانون الضرورة بدلاً من قانون الحقيقة. إن الحضارة الحديثة التي تصب اهتمامها فقط على التوازن أو التساوي تقوض كليًا الجوانب الأخلاقية والروحية للحياة كما هي موجودة في بنية الطبيعة التينسونية "الدماء على مخالبها وأنيابها" (RED IN TEETH AND CLAWS) (Alfred Lord Tennyson's In Memoriam A. H. H., 1850). إنها تناصر فكرة الأنانية بدلاً من التضحية بالنفس، وحب الانتقام بدلاً من الشهامة، كما أنها تحتفي بالمنطق النفعي غير الدموي بدلاً من المشاعر والعفوية والرحمة.
لقد تطوَّر نقاش طاغور لمبدأ العنف في سياق نقده لفكرة القومية باعتبارها آلية سياسية ومؤسساتية تتحقق وتتجلى، بمساعدتها، الثقافة الرأسمالية المادية. فمن وجهة نظره، إن القومية تكون ممكنة عندما تتبنى هذه الأخيرة فكرة المصلحة الذاتية معززة بالقوة الغاشمة، ويكون الضمير من المحرمات. كما أنه يعتبر فكرة الأمة تهديدًا للجنس البشري مزدريًا إياها كـ "وباء متوحش من الشر"، مكتسحةً في الوقت الحاضر البشرية جمعاء وتعمل على تآكل نسيجها الأخلاقي، وهي سببٌ في إضعاف الإنسانية والحروب والمذابح. وقد عبر عن ذلك بشراسة في قصيدته غروب القرن التي قام بكتابتها في اليوم الأخير من القرن التاسع عشر عندما قال:
تغرب شمس هذا القرن الأخيرة وسط سحابة الدم الحمراء القادمة من الغرب.
وفي دوامة الكراهية. وفي هذا الهذيان المترنح يتيه غرور الأمم العاري لصليل السيوف وعويل الانتقام...
وستنفجر نفس الأمة الجائعة بعنف مترعٍ بالحقد من هذا العار الرقيع.
كان طاغور يرى أن القومية التي ولدت من رحم الرأسمالية الصناعية ليست سوى منظمة سياسية وتجارية تجني الكثير من الثروة من خلال غرس مخالب الجشع والأنانية والسلطة والرخاء على مذبح الإنسان الأخلاقي أو الإنسان الكامل. وعزا ناقدًا حقبة ما بعد الكولونيالية بينديكت أندرسون وإرنست غيلنر ولادة القومية إلى عصر التنوير الأوروبي والثورة الصناعية. ووفقًا لهما، أتيح صعود القومية في أوربا الغربية بسبب انحدار أساليب الفكر الديني في أعقاب نشوء العلمانية العقلانية في عصر التنوير أو عصر العقل. وكانت المبادئ الرئيسة لهذه الحركة الفكرية تمجيد العقل والإيمان بالكرامة الإنسانية وكان لهم دور فعال في تحطيم منظومة الإيمان القديمة المرتكزة على اللاهوت وإفساح المجال لصعود منظومة اجتماعية سياسية دنيوية وواقعية للأمة ملائمة لعالم علماني "ذي امتداد ملحد للزمن الخاوي المتجانس". ويقتفي غيلنر نشوء القومية في صعود التصنيعية أو النظام الاقتصادي الرأسمالي في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
نظر طاغور إلى القومية كتهديد متكرر للبشرية، حيث تدوس الروح البشرية وتزعزع التوازن الأخلاقي للإنسان مُعتمةً على الجانب الإنساني في ظل منظمة بلا روح. ولهذا نجد أن تأليه الأمة يولد الحصرية، والتعصب، والانصراف الكلي الثقافي، وجنون العظمة ورهاب الأجانب. واعتبر طاغور المستعمِرين مثالاً جليًا لقومية كهذه، ازدهرت على مذبح التضحية بالآخرين ونهبهم.
رأى طاغور أن الأنظمة الرأسمالية أو القومية، أو الإمبريالية، أو الاستعمارية كانت تدمر الروح الإنسانية والبشرية جمعاء. فلقد تمحورت مقالاته النقدية للحضارة الحديثة حول هذه الانتقادات: مساواة الإنسان المعاصر للتقدم والنجاح مع مراكمة الثروة، وفهمه للعلاقة بين الشرق والغرب، ورأيه بالعلوم والتكنولوجيا كأداة لتسريع وتيرة التقدم للإنسان المعاصر. لذلك يعتبر الإنسان المعاصر أن "الآخرين" يشكلون عقبة في طريق تقدمه ويعمل على تعريتهم من جميع إمكاناتهم لاستغلالهم دون أدنى رحمة ضاربًا عرض الحائط القانون الأخلاقي وتحويله شعارًا للتفوق العنصري من أجل إرضاء رغباته اللامحدودة في إشباع الذات وشهوات النهم. إن فكرة التقدم بمفهومها المجازي تؤدي إلى تدمير الجنس البشري عندما يسمح التقدم لمجالات الحياة بالإنتاج المفرط للأدوات على نحو جشع. يقوم الناس ببناء المؤسسات الضخمة ساعين من خلال ذلك إلى الازدياد اللامحدود للسلطة باسم التقدم. لذلك رأى طاغور أن هذه المنظومات الفاتكة بالجنس البشري تتساوى مع الحيوانات الضارية، وأن البيروقراطية التي تحجم معنى الإنسان إلى مفاهيم عامة ستدمر عالم الحياة البشرية وآفاقها برمته، وبالمثل نظام التسويق ووسائل الإعلام التي تحجم البشر أيضًا إلى منتجين ومستهلكين ومتلقين سلبيين على التوالي. وبذلك فإن هذه المنظومات المبنية على مبدأ الرغبة المستشرية في التقدم تسخف الحب والحقيقة والعلاقات الإنسانية، وتسمح لمفاهيم أدنى قيمة أن تسود. لقد عملت هذه الأنظمة على إقصاء الناس عن أساس الحياة أو جوهرها. ونتيجة لذلك تتفشى الماديةويتصدر السعي للسلطة والثروة الأولوية في الحياة البشرية، ويمارس النظام الرأسمالي القائم على الربحية تأثيرًا مباشرًا على النظام الاجتماعي.وتنتج هذه الأنظمة انقسامات طبقية حادة تدمر الأواصر الاجتماعية، كما أنها تجفف منابع الحياة من المفاهيم الإنسانية، وتحطم العالم بالقوة التي ترغم الناس على ارتكاب الظلم وترهيب الناس بالجملة. وكما شرح طاغور، فإن ازدياد حجم الملكية الخاصة أو التمتع بميزات حصرية، يؤسس لفكرةالصالح العام أو السعادة العامة، وينتهك أواصر التناغم والمعيشة مجبرًا الإخوة على الافتراق والتحول لأعداء. وعلاوة على ذلك، فإن الجشع التراكمي للسلطة والتملك لا حدود لاكتماله وقوته، كما أن الحصول على المواد يتركز في أيدي قلة لإرضاء رغباتهم المتعاظمة.
وكان محبطًا لطاغور أن يلاحظ أن السعي الدؤوب وراء الثروة كان قد تجذر لدى الهنود في نظام الحيازة ومحاكاة المعرفة الغربية، حيث كانت قوى الفكر العملاقة تطغى على القوة الروحانية، وكان العلم يوفر أسلحة الموت من أجل سحق الضعفاء ونهب الغافلين. وكانت المعرفة العلمية تعزز قوة البشر، فيما تغفل الإسهام في تطور البشرية. وأدرك طاغور أن نظام الاختزال المستخدم في العلم لم يستطع توفير أو استبدال كمال الوجود البشري – أي الجمال، والفن، والخير والحب. وكغيره من النقاد الكثيرين، من غاندي إلى ماركس، آمن طاغور أن العلم والتكنولوجيا عززت الربح على حساب البشر والمادية الجوفاء على حساب القوة الروحية.
وبالتالي نجد أن الإنتاج الصناعي العملاق قد قام باغتصاب مكان الروح. وبدأت الدول القومية، بمساعدة العلم، بجني الثروات بسرعة مذهلة واستدراج كل دول الجوار إلى فكرة الجشع للرفاه المادي والشك المتبادل. ونتيجة لذلك، تزداد حدة المنافسة، وتتوسع المنظمات، وتكتسب الأنانية صفة التفوق، ويحتل الجشع والخوف مساحة أكبر في المجتمع ليصبح في نهاية المطاف القوة المتحكمة. فكلما ازدادت الثروة تقلص الشعور بالأمان ولذلك فهم ينشدون الخلاص والأمان من خلال الأسلحة. ترفع الدول المتجاورة السلاح ضد بعضها البعض، وتتقوض الروابط الحياتية للمجتمع بإعلان الحرب بين الرجال والنساء، وبين الطبقة العاملة ورأس المال، ويُستبدل التنافس الناشئ عن السيكولوجيا البدائية في القتال بالرابط الطبيعي للتآلف والتعاضد. ويتسبب الضغط المتواتر للهمجية على حساب الإنسان بتمزيق البشرية إلى أشلاء. هذه هي الحقائق التي تواجه شعوب العالموالعبرة الوحيدة المستقاة منها هي أنه يجب على شعوب الأرض أن تستجمع قواها المادية والمعنوية والفكرية إلى أقصى درجة ممكنة لهزيمةالآخرين في صراع القوة هذا.
إن العالم اليوم تحت التهديد المستمر بالإبادة الجماعية. فحيثما توجد الزوايا المظلمة، ثمة ريبة من حقد خفي. ويعيش الناس في حالة ارتياب سرمدي تجاه بعضهم الآخر. فكل وطء قدم وكل حفيف كفيلان بأن يثيرا الرعب في الأرجاء. فالأمة التي صلواتها تجديف وتعيش في وهم التفاخر الوطني لا تستطيع أن تخفي حقيقة أنها الشر الأعظم للإنسانية.
وبهذا تكون الشعوب الغربية التي ابتدعت مفهوم القومية تشل الطبيعة الأخلاقية مؤسِّسةً لاضمحلال الكفاءة. كما أن الشقاق الكارثي يعمل على خنق العالم بدخان الإرهاب والريبة الأسود، ويخلف الإيمان المتضعضع الملازم ريبة عالمية وعارًا أخلاقيًا.
خاتمة
لوضع حد للعنف والإرهاب المتصاعدين، والذين أطلقت لهما العنان الثقافة الأوربية الصرفة، ولتخفيف العبء المادي الذي تئن البشرية تحت سياطه، كان مطلوبًا منا التعبير بوضوح عن رأي طاغور العالمي وإعادة اكتشافه للأخوة العالمية المتأثرة بالثقافة الأبانشادية في التضحية بالذات بدلاً من الأنانية. فيتم استبدال الثقافة العدوانية والمتقوقعة والآلية بروح عابرة للحدود الضيقة للأمم والطبقات الاجتماعية والعقائد، تحمل الخير للبشرية. يعتقد طاغور أن المكننة عززت السعي للثروة والسلطة على حساب الناس، والمادية الجوفاء على حساب التواصل العاطفي. بيد أن طاغور لم يرفض كليًا دور العلوم والتكنولوجيا إنما أعاد تصور دور العلوم مع رفض التفوق الذي تحظى به. كما زعم أن العلم قدم شكلاً من أشكال الحقيقة، ولكن ليس كل الحقيقة، ويمكن أن يخدم أهدافه الخاصة. ونظرًا لتفوق الآلة على الإنسان، روج طاغور لفكرة التغيير الجوهري فيما يتعلق بمفهوم الحضارة. وعلى عكس الهدف الغربي بتعزيز المكننة للتحكم بالطبيعة أو الأعراق الأخرى على نحو أفضل، زعم أن المثال الهندي للحضارة يركز على الحياة التأملية، وإدراك المطلق، اللانهائي، وليس النجاح في السيطرة السياسية والعسكرية والاقتصادية. فالحضارة هي ابتكار الفن؛ اكتشاف مستمر لإنسانيتنا المتسامية التي تقودنا إلى الإدراك الموضوعي لرؤيتنا للكمال الروحي. وهكذا أدرك طاغور أن الحضارة القادمة ستكون مبنية علىتعاون عالمي وستكون المثال الروحي للتبادلية، وليس مثالاً اقتصاديًا للربح والمنافسة والاستغلال. وبالتالي بدلاً من إبادة الشعوب المختلفةواستعبادها كما حصل في أستراليا وأمريكا، حاولت الهند أن تنال الوحدة الاجتماعية وبنفس الوقت السماح بالاختلافات الفردية. وعملت على خلق التنوع والحيلولة دون الغيرة والمنافسة. وبالتالي، كانت فلسفة طاغور عن الصداقة الكونية الحميمة تشير إلى الصلة بين الشخصية الفردية للإنسان والروح الجماعية. وإذا ما عولنا على الأبانشاديين، فإن طاغور عرَّف "الدارما" بأنها إدراك للذات المطلقة من خلال التضحية بالذات. إن الذات بحسب طاغور ليست الأنانية، إنما نكران الذات والتفاني في الكون الأكبر حيث يمكن للمرء أن يكتشف ذاته الكاملة أو الكلية. لذلك يجب أن يجد كل شخص مكانه في المطلق من خلال العيش، والكينونة والارتباط بعطاء الذات وسبل اكتشاف إمكانات الذات الكامنة.
لذلك اعتقد طاغور أن الطبيعة ليست شيئًا يمكن السيطرة عليه أو تدميره؛ بل مصدرًا للحياة يستحق كل الحب والتقدير. إن الإدراك الحقيقي للحياة ينبثق من اتحاد الفرد والكون – فالجنس البشري يجب أن يستعيد ذاته ويكتشفها في هذا الكون الفسيح. ففهم هذه الفلسفة علاج ناجع للعالم المسكون بالإرهاب والمفلس روحيًا. وبتلك القناعة الموجودة في قلبه، يتحدى طاغور النظرة البشرية للعالم والمتأثرة بالتنوير حيث يقف البشر بتعال في المركز ويهيمنون على غيرهم من المخلوقات. ولا يساعد على ربط الصلة بين الفرد والعالم سوى الخير والحب. فبعيش حياة الخير يعيش المرء حياة الكل ويندمج في المطلق.
وبإحلال الفرد في صدارة المجتمع، فإن أفضل ما في التعبير الفردي سيمكِّن التواصل مع العالم ككل. ولكي ندرك كلية الكون يجب على الفرد التخلص من الصيغة السلبية للحرية بمعنى قدرة المرء على فعل مايريد، لكن يجب علينا أن نستخدم حريتنا بكشف الحقيقة والخير والبساطة فيما يتعلق بالأكبر والجماعي مما يقودنا إلى الحرية الإيجابية. فقوة الإرادة هي جزء لا يتجزأ من اكتشاف وكشف الإمكانات البشرية الكامنة للخير المطلق والحب، وليس عن طريق سحق بني البشر للمضي قدمًا أو السعي للقمة. إنها الحرية من عزلة الذات، والأشياء التي توحي بشعور التملك.ويوضح طاغور، معولاً على الأبانشادية، أنه على الرغم من أن الأفراد ينشدون التعبير على نحو منفصل، فإن نجاحهم ليس فرديًا أبدًا في طبيعته.
يجب على البشر أن يكتشفوا ويشعروا ويتمثلوا بالخالد، البارئ في كل أعمالهم الإبداعية. والهدف النهائي من الحرية هو أن تعرف "أن نعرف أنناأحرار"، وإعادة توجيه الوعي البشري من انعزال الذات إلى الاتحاد في الكل. ويؤكد طاغور على نحو قاطع أنه
عندما تكون الحضارة على استعداد لبيع روحها باسم التقدم، اختار أن أكون بدائيًا في ملكيتي المادية آملاً في تحقيق حضارتي الخاصة في عالم الروح.
إن رؤية طاغور للبشرية، والتي تجسدت في فلسفته لمفهوم الأخوة العالمية المناسب في الوقت الحاضر لمقاومة فساد الحضارة الحديثة، يجب أن تُعتمد اليوم لإعادة انتشال الهند بشروطها من الحالة المزرية لمحاكاة عبودية الحياة الغربية.
لكن في الوقت نفسه لم يكن طاغور يومًا رافضًا تمامًا للغرب ولم يشجع قط على تنمية كراهيته. ولم يكن ينظر إلى الشرق والغرب بوصفها كيانات متجانسة، وميز الجمال والإجحاف في كليهما. لقد شجع طاغور فكرة أن الهند والشرق يجب أن يعيدا النظر بعلاقتهم مع الغرب عن طريق التفكير مليًا بأنفسهم. فمن الواجب على الهند أن تسلط الضوء على فكرة احتقار الذات لديها وتستعيد مسؤوليتها تجاه الإنسانية من خلال تحسين طريقة التفكير والثقافة لديها وما هو الأفضل والدائم في تاريخها.
في قصيدته غروب شمس القرن حث طاغور بشغف الهند على سلوك هذا الطريق عندما قال:
لا تخجل، يا أخي، أن تقف أمام
المستكبرين والأقوياء
برداء البساطة الأبيض
ليكن تاجك التواضع، وحريتك
حرية الروح.
ابنِ عرش الله على فقرك العاري كل يوم
ولتعلم أنْ ليس كل جبارٍ عظيمًا وأن الكِبْرَ
لا يدوم.أراد طاغور منا أن نحقق صحوة الوعي الكامل في حرية الروح، حيث لا وجود للخصومة أو التنافس، وحيث المجتمعات والأفراد في أمان. فالأنظمة التي تأسست على هذه المبادئ تقاوم التشتت عن طريق تحطيم أسوار الذات الضيقة بينك وبيننا، وتمهد الطريق لتقدم الإنسانية بالتعاون المتبادل والمعاملة بالمثل بوضع كل شخص في نطاقه والتحرك يدًا بيد على إيقاع الحياة. في قصيدته حيث يكون العقل بلا خوف يحثنا الشاعر على الخروج من الحدود الضيقة لجدراننا ومد اليد للبشرية بغض النظر عن العقائد والأديان والطبقات الاجتماعية:
حيث يكون العقل دون خوف
ورؤوسنا متسامية؛
حيث تكون المعرفة حرة؛
حيث لا يكون العالم متشرذمًا
إلى أشلاء بجدراننا المحلية الضيقة؛
حيث تخرج الكلمات من عمق الحقيقة.