** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 مستقبلنا الشفاف(*)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نابغة
فريق العمـــــل *****
نابغة


التوقيع : المنسق و رئيس قسم الفكر والفلسفة

عدد الرسائل : 1497

الموقع : المنسق و رئيس قسم الفكر والفلسفة
تعاليق : نبئتَ زرعة َ ، والسفاهة ُ كاسمها = ، يُهْدي إليّ غَرائِبَ الأشْعارِ
فحلفتُ ، يا زرعَ بن عمروٍ ، أنني = مِمَا يَشُقّ، على العدوّ، ضِرارِي

تاريخ التسجيل : 05/11/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2

مستقبلنا الشفاف(*) Empty
07022016
مُساهمةمستقبلنا الشفاف(*)

مستقبلنا الشفاف(*)
في العصر الرقمي، لم يعد بالإمكان حفظ الأسرار. وستكون لذلك
تبعات لا تقل عما شهدته الكائنات الحية في تطورها كما وصفه <داروين>.
-
 
 باختصار

  قبل نحو 540 مليون سنة تزايد تنوع المتعضيات organismsالتي كانت تعيش في بحار الأرض البدائية primordial بصورة كبيرة جدا.

  ومن الفرضيات التي وضعت لتفسير هذه الظاهرة، التي تدعى الانفجار الكامبري Cambrian explosion، أن الشفافية التي سادت المحيطات فجأة هي التي أدت إلى هذه الطفرة في تطور الأنواع. ومن المعتقد أن هذه الطفرة تقدم مُماثلة analogy تسمح بفهم التحول الذي ستحدثه التقانة الرقمية في مجتمعاتنا. فمن المعتقد أن شفافية المعلومات سترغم المنظمات على التطور.

  تأقلمت الحيوانات مع الظروف المحيطة بها آنذاك باتخاذ هياكل خارجية exoskeletons وبالتمويه وبأساليب لصرف انتباه خصومها. ومن المتوقع أن تطور الدول والشركات أسلحة مماثلة لمواجهة ظروف يصعب ضمنها حفظ أسرارها.

  وستؤدي الشفافية الناشئة إلى أنماط جديدة من المنظمات. وسوف يؤازر الانتقاء الطبيعي natural selection الأكثرَ مرونة والأسرع تطورا من بينها.

 
 
[rtl]قبل أكثر من نصف بليون سنة انطلقت موجة خلاقة من التطور البيولوجي سُمّيت الانفجار الكامبريّCambrian explosion. وفي «لحظة» جيولوجية لا يتجاوز مداها بضعة ملايين من السنين، ابتدعت المتعضيات(1) أشكالا جديدة تماما لأجسامها ولأعضاء جديدة واستحدثت استراتيجيات لتصطاد ما تقتات به ولتدافع عن نفسها ضد من يحاول اصطيادها. ويختلف اختصاصيو البيولوجيا التطورية evolutionary biology حول الأسباب التي أدّت إلى هذه الموجة المذهلة من التجديد. لكن الفرضية التي وضعها [اختصاصي علم الحيوان في جامعة أكسفورد] تبدو مقنعة إلى حد بعيد. وتقضي هذه الفرضية أن الضوء كان الدافع الأساس في كل ما حدث. إذ يرى <باركر> أن الشروط الكيميائية التي سادت منذ نحو 543 مليون سنة تبدلت بحيث أضحى الجو والمحيطات أكثر شفافية بكثير مما كانا عليه في الماضي كلٌّ منهما. فقد كانت أنواع الحيوانات برمتها تعيش آنذاك في محيطات الأرض، وعندما تدفق نور النهار أضحت القدرة على الإبصار من أفضل مقومات البقاء في البحار. وهكذا تطورت أعين المتعضيات بسرعة كما أخذت تتطور أيضا أنماط السلوك والأجهزة المصممة للدفاع والتمويه.
 
[/rtl]
[rtl]وبينما كان الإدراك يستند من قبل إلى استشعار الأشياء عن قرب - باللمس أو بتحسس التباين في تركيز المواد الكيميائية أو موجات الضغط ضمن الوسط المحيط - أضحى بمقدور الحيوانات تعرُّف الأشياء وتتبعها عن بعد. وأضحت الحيوانات المفترسة أكثر قدرة على مطاردة فرائسها؛ كما اكتسبت الفرائس المقدرة على رؤية الحيوانات المفترسة وعلى مراوغتها عندما تقترب منها. فعندما لا يمتلك المرء حاسة البصر لترشده، تتخذ الحركة سمات من أبرزها البطء والغباء. كما أن حاسة البصر غير مجدية إن لم يمتلك المرء القدرة على الحركة. لذا، فقد تطور الإدراك والقدرة على الحركة سوية في سباق للتسلح بين الكائنات، وأدى هذا السباق إلى الكثير من التنوع الذي تشهده شجرة الحياة التي نراها اليوم.
 
[/rtl]
[rtl]إن فرضية <باركر> حول الانفجار الكامبريّ تُقدم أمثولة(2) يمكن بواسطتها فهم ظاهرة جديدة لا يبدو أنها مرتبطة بتطور الأنواع، وهي انتشار التقانة الرقمية. ومع أن التقدمات في تقانة الاتصالات قد أدت إلى تحولات مهمة في عالمنا – فاختراع الكتابة آذن بنهاية حقبة ما قبل التاريخ؛ وأرسل اختراع المطبعة موجات من التغيير اكتسحت جميع المؤسسات المهمة في المجتمع – لكن التقانة الرقمية تعد بآثار أوسع وأعمق بكثير من أي شيء شهدناه من قبل. ومن المتوقع أن تعزّز هذه التقانة قدرات بعض الأفراد والمؤسسات بينما تنتقص من قدرات الآخرين؛ مما يولد فرصا ومخاطر كان من الصعب التنبؤ بها قبل جيل مضى.
 
[/rtl]
مستقبلنا الشفاف(*) 2015_06_05_59
 
[rtl]فالإنترنت وضعت بمتناول الجميع أدوات للاتصالات تغطي أرجاء الأرض من خلال مواقع الاتصال الاجتماعي. وفتحت بذلك جبهة لم يسبق لأحد أن تمرس بشعابها. واليوم تولّد الخدمات التي تقدمها يوتيوب YouTubeوفيسبوك Facebook وتويتر Twitter وتمبلر Tumblr وإنستاگرام Instagram وواتساب WhatsAppوسنابشات SnapChat وسائل للإعلام توازي ما أتاحه الهاتف والتلفاز فيما مضى – كذلك فإن هذه السرعة التي تنتشر بها هذه الوسائل الجديدة تبلغ حدودا مدمرة لا يمكن معها الاستمرار بأساليب العمل التي كانت المنظمات تعتمدها في الماضي. فبينما تطلّب تطوير ونشر شبكات الهاتف والتلفاز من المهندسين عقودا من الزمن، بحيث تسنى للمنظمات على اختلافها أن تتأقلم، فمن الممكن الآن تطوير وسيلة من وسائل التواصل الاجتماعي خلال أسابيع بحيث تصبح متاحة للاستخدام من قبل مئات الملايين من البشر خلال بضعة شهور. وبالطبع، فإن هذه السرعة الفائقة التي يتم بها تطوير ونشر مثل هذه الابتكارات لا تتيح للمنظمات وقتا كافيا للتكيف معها.
 
[/rtl]
[rtl]ومن الممكن أن نُلخّص التحولات الكاسحة التي يشهدها العالم اليوم بفضل طوفان وسائل التواصل المستحدثة بكلمة واحدة، وهي الشفافية. فبإمكاننا أن نرى أبعد وأسرع وبتكلفة أقل وسهولة أكبر مما كان ممكنا في أي وقت مضى – كما يمكن أن يرانا الآخرون أيضا؛ ويمكننا كذلك أن نرى أن الجميع قادرون على رؤية ما نرى نحن، كما لو كنا في صالة مرايا تتيح لنا وللآخرين تتبع المعارف المشتركة بحيث تمكّن وتعيق كلا منا. وكأن لعبة الاستخباء(3)التي عهدناها منذ القدم، والتي أسهمت في تشكل أنماط الحياة جميعها على الصورة التي نراها على كوكبنا، قد تغيرت فجأة، بحيث تبدلت قواعدها وأجهزتها والمجالات التي كانت هذه الأنماط تمارس ضمنها. فليس لمن لا يمكنه التأقلم حظ بطول البقاء.
 
[/rtl]
[rtl]ومما لا شك فيه، سيكون لهذه التحولات أثر كبير في المنظمات والمؤسسات. فالحكومات والجيوش والكنائس والجامعات والبنوك نشأت وتطورت ضمن بيئات معرفية عكرة نسبيا، حيث تُحفظ بسهولة المعارف اللازمة لعملها ضمن إطار محلي، وحيث يسهل حفظ أسرار العمل ويكون الأفراد محدودي الأفق، إن لم نقل فاقدي البصر. لكن عندما تجد مثل هذه المؤسسات نفسها معرضة لضوء النهار فجأة تكتشف بسرعة أنْ ليس بوسعها الاعتماد على الوسائل التي كانت قد اعتادت على استخدامها فيما مضى، وأنّ عليها الاستجابة لشروط الشفافية الناشئة أو الاندثار. وكما تحتاج الخلية الحية إلى غشاء فعال يحمي مكوناتها من الأضرار المحيطة، كذلك فإن المنظمات تحتاج إلى وجيهة interface واقية تفصل ما يتم ضمنها من عمليات عن العالم المحيط بها، وهذا بينما تفقد الوجيهات القديمة فعاليتها.
 
[/rtl]
مخالب وعظام فك وأصداف(**)
 
[rtl]في الكتاب الذي ألّفه عام 2003 بعنوان «في لمحة بصر،»(4) يقدم <باركر> الأدلة على أن الأجزاء الصلبة الخارجية من أجسام الكائنات الحيوانية كانت أولى الأعضاء التي استجابت بصورة مباشرة لفورة الضغوط الانتقائية التي ولدها الانفجار الكامبريّ. فقد أدت الشفافية التي داهمت الكائنات البحرية إلى نشوء أعين تتميز بشبكيات يشبه تصميمها آلات التصوير التي نستخدمها اليوم، ودفع هذا بدوره إلى تأقلم سريع لمخالب وعظام الفك وأصداف وغيرها من أجزاء الجسم الدفاعية. كما تطورت المنظومات العصبية أيضا، استجابة لأنماط جديدة في سلوك الحيوانات المفترسة، وطوِّرت مقابل ذلك طرق جديدة للتهرب والتمويه.
 
[/rtl]
[rtl]وبصورة مماثلة، فمن المتوقع أن تستجيب المنظمات للضغوط التي تولدها الشفافية المجتمعية مدفوعة بتطبيقات التقانة الرقمية بتكيّف يتناول الأجزاء الخارجية من أجسامها. وإضافة إلى المكونات التي تستخدمها من أجل توزيع سلعها وخدماتها، فإن هذه الأجزاء من جسم المنظمة تتضمن المكونات التي تعالج المعلومات بغية التحكم في عملياتها وتقديم نفسها إلى الملأ. ومن هذه المكونات على سبيل المثال، الأقسام المعنية بالعلاقات العامة والتسويق والشؤون القانونية. ويمكننا هنا تتبع آثار الشفافية بصورة مباشرة أكثر من أي موضع آخر ضمن هيكل المنظمة. فالشائعات والآراء تنتشر في أرجاء الكرة الأرضية بواسطة شبكات التواصل الاجتماعي، خلال أيام، إن لم نقل ساعات؛ مما يدفع أقسام العلاقات العامة والتسويق للانخراط في المحادثات التي تجري ضمن وسائل التواصل والتفاعل مع ما يُطرح ضمنها من آراء، وذلك بناء على الشروط السائدة ومن خلال مداخلات مباشرة ونزيهة. أما المنظمات التي ستحتاج إلى أسابيع أو أشهر لتطوّر استراتيجيات مواتية للاتصالات، والتي تكتفي بتوظيف أقسام حقوقية لتحمي مصالحه، فستجد نفسها خارج الحلبة. ولا بد لذلك من مراجعة وإعادة تصميم الممارسات التي اعتادت المنظمات عليها، وإلا فإنها ستخفق لا محالة.
 
[/rtl]
[rtl]وقد أدت سهولة النفاذ إلى البيانات إلى أنماط جديدة من التعليقات التي يضعها الجمهور وتستند إلى ملاحظات مباشرة. ولقد أثبت <N. سيلڤر> [صحفي مختص بالبيانات الإحصائية] هذا الأمر بوضوح خلال حملة عام 2012 للانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة. فبينما حبكت المنظمات المختلفة قصصا تنبأت فيها بنجاح المرشح الذي تدعمه استنادا إلى بيانات انتقتها بعناية بحيث تدعم ما تصبو إليه من نتائج، عرض علينا <سيلڤر> شروحا توصّل إليها مستندا إلى جميع بيانات الاقتراع المتاحة. ولم ينجح نتيجة لهذا المسلك بالتنبؤ بنتائج الانتخابات بدقة مذهلة وحسب، بل تمكن أيضا من إزالة أي شك في أن تنبؤاته تحققت بالصدفة، لا أكثر. وهكذا، فإن تَوافر البيانات التي يتم التوصل إليها الآن بصورة متزايدة من خلال مسوح شفافة، يسهم فيها عامة الناس، سيجعل مستقبل الشبكات الإخبارية والمحللين السياسيين الذين يحيكون قصصا تستند إلى بيانات منتقاة، محفوفا بصعوبات متزايدة.
 
[/rtl]
[rtl]ويجابه منتجو السلع الاستهلاكية تحديات مماثلة إلى حدٍّ بعيد، حيث إن الآراء التي ينشرها من يستخدمون سلعهم باستخدام وسائل التواصل الاجتماعي قد بدلت موازين القوى التي سادت في الماضي بين المستهلكين والشركات المنتجة للسلع. فبينما يتراجع تأثير الجهود التي تبذلها الشركات في تسويق ما تنتج من سلع، يكتسب رأي المستهلك قوة أكبر. وتجهد الشركات المتجاوبة لتتعلم كيف تستجيب بسرعة على الانتقادات والشكاوى. وعندما يتجاوز حجم الانتقادات الحد، تقوم هذه الشركات بتعديل المنتج أو التخلي عنه كليا؛ إذ يتبين لها أن إنفاق مبالغ طائلة لتسويق منتجات متوسطة الجودة لم يعد مجديا.
 
[/rtl]
[rtl]والشفافية الناشئة تتطلب أنماطا سريعة ومنفتحة ومتجاوبة من التواصل، وهي ترجّح لذلك كفة المجموعات التي يمتلك أفرادها قيما ومعتقدات وأهداف مشتركة – وعلى الأخص، من يستطيع من هذه المجموعات التنسيق بسرعة أثناء الأزمات باستخدام قنوات معدة لهذا الغرض من التواصل الداخلي. وسندعو هذه التنظيمات «ديموخاصة»adhocracy لنميزها عن البيروقراطيات الضخمة المنظمة بصورة تراتبية. ومع تزايد الضغوط التي تولدها الشفافية المتبادلة سوف نشهد نشوء واحد من بديلين: يتطلب الأول اعتماد أنماط تنظيمية جديدة تتميز بقدر من اللامركزية يفوق بمراحل شاسعة ما تتمتع به المنظمات الكبيرة في يومنا هذا، بينما تؤدي ضغوط التطور الداروينيDarwinian وفقا للبديل الثاني، إلى انتقاء منظمات أصغر، واعدة بمستقبل شعاره «أكبر من أن تنجح» بدلا من الشعار الذي استُخدم تكرارا خلال الأزمة المالية الأخيرة: «أكبر من أن تفشل.»
 
[/rtl]
عمر النصف(5) للأسرار(***)
 
[rtl]ويستشهد البعض بعبارة شهيرة كتبها حول هذا الموضوع <L .D. برانديس> [القاضي بالمحكمة العليا في الولايات المتحدة] الذي يعدُّ أول المناصرين للشفافية، إذ قال: «إن ضوء الشمس هو أفضل المطهرات.» ولقد كان بالطبع على حق، من وجهتي النظر المهنيّة والمجازية. لكن من الممكن أن يكون ضوء الشمس مصدرا للخطر أيضا. فماذا لو أدّى حماسنا للتطهير إلى القضاء على خلايا صديقة أيضا؟ وماذا عن المجازفة بسلامة وفعالية المنظمات من خلال الكشف على الملأ عن آليات عملها الضمنية.
 
[/rtl]
[rtl]لقد كان <برانديس> عدوا لدودا للسرية. ويبدو أنه كان يعتقد أن فعالية المنظمات تزداد بازدياد شفافيتها. وبعد أكثر من قرن من الزمن يمكن أن نرى أن الحملة التي أسهم في إطلاقها قد أحرزت قدرا كبيرا من النجاح. لكن على الرغم من فيض من الخطابات السياسية التي تشيد بالفضائل الصرفة للشفافية، فما زالت السرية تسود في ردهات السلطة بأنواعها – ولأسباب جيدة.
 
[/rtl]
[rtl]ومن منظور بيولوجي، يمكننا أنْ نرى أنّ الشفافية هي بمثابة نعمة ونقمة في آن. فمن الممكن اعتبار الحيوان وحتى النبتة بمثابة كيان أو عميل agent مستقل له جدول أعمال ينشد من خلاله الاستدامة وحماية مصالحه وفقا لما يستشعر من أخطار ومواطن للنفع تُنبئه بها أعضاؤه الحسية. وتنتهج المنظمات التي يشيدها البشر سلوكا مماثلا. إذ يمكن أن ننظر إلى كل واحدة من هذه المنظمات على أنها كيان مؤلف من عدة مكونات حية عاملة - أي الناس الذين يعملون ضمنها. لكن بعكس الخلايا التي تتألف منها النباتات والحيوانات، فإن كلا من العاملين ضمن المنظمة يمتلك طيفا متسعا من الاهتمامات والإمكانات الإدراكية. كما أن النبات أو الحيوان ليس معرضا لأن تغادر خلاياه الجسم لتعمل لدى كائن آخر أو أن تشرع بتمرد؛ وفيما عدا الحالات التي يصاب فيها الكائن بالسرطان فإن كل خلية في الكائنات الحية عديدة الخلايا multicellular يتصرف كعبد مطيع سلس القياد docile. أما البشر، فهم على عكس ذلك, فلكل منهم قدراته الفردية واهتمامات شتى في العالم المحيط بهم.
 
[/rtl]
[rtl]لم يكن الأمر دوما على هذه الشاكلة. ففي الماضي، كان بإمكان الحكام الديكتاتوريين إدارة شؤون البلاد التي يحكمونها متحصنين بجدران عالية ومعتمدين على منظمات تراتبية hierarchical مؤلفة من موظفين يمتلكون معرفة محدودة للغاية عن المنظمة التي يعملون ضمنها ويمتلكون قدرا أدنى من المعلومات حول العالم القريب والأبعد من حولهم. ولقد تحلت المنظمات الكنسية خاصة بمهارة خاصة في الحد من فضول أعضائها وإبقائهم جاهلين, بل وحتى مُضَلّلين من خلال تزويدهم بمعلومات خاطئة حول العالم المحيط بهم, بينما تحيط بضباب من السرية العمليات التي تتم بين جدران الكنيسة وتاريخها وشؤونها المالية ومراميها. ولطالما أفلحت الجيوش في حروبها بفضل الحفاظ على استراتيجياتها سرا، ليس على أعدائها فقط، بل على الجنود الذين يخوضون تلك الحروب أيضا. فليس من المتوقع أن يحارب الجنود لو علموا بمعدلات الإصابات المتوقعة بالكفاءة التي يتحلون بها لو بقوا جاهلين بما قد يجابههم خلال المعارك التي يعدون العدة لخوضها. إضافة إلى ذلك، فإن الجندي الذي لا يمتلك معلومات سيكون أقل فائدة للعدو فيما لو استجوب بعد أسره.
 
[/rtl]
لا يمكن للمنظمات أن تعمل باستخدام الطرق التي اعتادت عليها عندما تصبح تحت أنظار الجميع. وليس لها حينئذ سوى واحد من خيارين: إما التكيف مع الشفافية الناشئة أو الزوال.
 
[rtl]من أبرز النتائج التي خرجت بها نظرية المباريات game theory أن على الناشطين في أي من مجالات العمل الجماعي، (ولنسمّ واحدهم بالعميل) ألا يفصحوا عن نواياهم. فحالما يفصح العميل عن نيته بالقيام بفعل ما يصير معرضا لخطر التلاعب بمصيره من قبل الآخرين. وليتمكن المنتجون من المنافسة المنصفة في السوق المفتوحة لا بد لهم من حماية الوصفات التي يستخدمونها لصنع منتجاتهم والحفاظ على خططهم للتوسع وغيرها من المعلومات. وتحتاج المدارس والجامعات إلى إبقاء أسئلة الامتحانات سـرية حتى يحين موعدها. وقد وعد الرئيس <أوباما> بحقبة جديدة من الشفافية في أعمال الحكومة لكن، على الرغم من تحسينات ملموسة في بعض جوانب هذه الأعمال، فإن السرية في العديد من هذه المجالات تُطَبّق بشدة، تفوق أي وقت مضى، كما يتمتع المدراء التنفيذيون في دوائر الدولة بكثير من الامتيازات. وهكذا ينبغي أن تجري شؤون الدولة. إذ ينبغي أن تبقى الإحصائيات الاقتصادية، على سبيل المثال، سرية حتى لا يتسنى استغلالها من قبل من لا يحق لهم ذلك. فلكي تنجح الحكومة في أداء مهامها لا ينبغي لها أن تفصح بيسر عما تمتلك من معلومات. بينما تجعل الشفافية المزمعة الحفاظ على السرية مهمة أصعب من أي وقت مضى. 
 
[/rtl]
[rtl]يمثل إفشاء <E. سنودن> لما كان يدور بين جدران وكالة الأمن القومي الأمريكية(6) كيف يمكن لرجل بمفرده أن يعرقل أنشطة منظمة ضخمة إذا اختار أن يطلق صفارة الإنذار ليحذر من تجاوزات لمسها أو أن يسلك سلوك الخلد mole الذي يحفر الأخاديد ليكشف عما في باطن الأرض. وعلى الرغم من أن <سنودن> استخدم منظمات الإعلام المعتادة ليُسرّب ما كان قد جمع من معلومات، فإن ردود الأفعال المضخّمة التي ولّدتها وسائل التواصل الاجتماعي كانت كفيلة بإبقاء الأنباء حول تسريباته حية، بحيث أضحت الوكالة والحكومة الفدرالية تحت ضغط مستمر أرغمها على الرد.
 
[/rtl]
مستقبلنا الشفاف(*) 2015_06_05_62
 
[rtl]ويبدو أن «جلد» وكالة الأمن القومي الأمريكية قد بدأ بالتأقلم جذريا مع الأوضاع الناشئة. وإن مجرد قيام الوكالة بالدفاع عن نفسها ضد اتهامات <سنودن> يعتبر إجراء غير مسبوق بالنسبة إلى منظمة عملت منذ إحداثها خلف ستار من السرية التامة. كما يبدو أن إحداث تغييرات كاسحة ضمن المنظمة أمر لا مناص منه، بينما يتم تصنيف الأسرار التي لا بد من كتمانها في عالم اليوم الذي يتميز بشفافية تفوق كل ما مضى من الزمن. وكما صرّح <J. برنر> [مستشار الرئيس السابق في وكالة الأمن القومي الأمريكي] بشأن التبدل المفاجئ في البيئة المعتمدة لعمليات الوكالة في اجتماع للخبراء عقد في مختبر وسائل الإعلام بمعهد مساتشوستس للتكنولوجيا (M.I.T.)، فلن يبقى سوى القليل من الأمور سريا بعد اليوم، كما أن ما سيبقى في عداد الأسرار لن يمكث كذلك لفترات طويلة... والغاية الحقيقية في شؤون الأمن الآن هي إطالة عمر النصف half-life الذي تتمتع به الأسرار. إذ يشبّه <برنر> الأسرار بالنظائر المشعة isotopes، عندما يشير إلى استحالة الحفاظ عليها. فكل ما بالإمكان إطالة عمر النصف للأسرار الذي يحدد سرعة تحولها إلى عناصر أخرى.
 
[/rtl]
[rtl]وبما أننا من المتفائلين، فإننا نفضل الاعتقاد أن الفترة المضطربة التي نحياها اليوم ستؤدي إلى نشوء منظمات أكثر التزاما بمعايير السلوك الأخلاقي للمجتمع المدني، وستؤدي إلى طرق جديدة وفعالة للحيلولة دون اتباع المنظمات لسلوك منحرف. لكن، ليس بوسعنا أن نستبعد إعاقة مستدامة لمنظمات الاستخبارات في بلادنا، إلى حدود تنتقص من قدراتها على تحديد ما تواجه البلاد من تهديدات.
 
[/rtl]
تضليل المعلومات(****)
 
[rtl]في سباق التسلح التطوري، ابتدعت الحيوانات في الحقبة الكامبرية طيفا من التدابير المضادَّة والمراوِغة، وقد نما مخزونها من هذه التدابير بمرور الزمن. فطورت أساليب للتمويه كما ابتدعت أصواتا لتنبه بعضها باقتراب ما يهددها من مخاطر وابتكرت علامات براقة لتوهم الحيوانات التي تحاول افتراسها بأنها سامة. وستؤدي الشفافية الناشئة إلى فيض من الأدوات والتقنيات في معركة المعلومات: حملات تنشد تشويه سمعة المصادر المعتمدة من قبل الخصوم وضربات استباقية وعمليات خداع وكثيرة غيرها.
 
[/rtl]
«سيبقى القليل جدا من الأمور سريا في المستقبل، كذلك لن يمكث ما هو سري لفترات طويلة ... والغاية الرئيسة الآن في المضمار الأمني هي إبطاء تراجع عمر النصف للأسرار.»
 

[مستشار رئيس وكالة الأمن القومي الأمريكية]
 
[rtl]وقد أوحت الطبيعة لنا بكثير من أساليب التمويه فيما مضى. فاختراع غمامة الحبر cloud of ink التي تطلقها رأسيات الأرجل cephalopods عندما تحاول الهرب من مفترسـيها, قد أعيد عندما طُوِّر أسلوب تتبعه الطائرات المقاتلة إذ تطلق غيوما من القصاصات المعدنية للتهرب من الصواريخ الموجهة بالرادار، أو تطلق قنابل تصدِر إشعاعات حرارية لتضلل الصواريخ المصممة لتتجه نحو الحرارة الصادرة عن محرك الطائرة. وبإمكاننا التنبؤ باستخدام غمامات لا تتضمن سوى ميگابايتات megabytes من المعلومات الـمُضللة. كما يمكن أن نتنبأ كيف سيتسنى اختراق مثل هذا التضليل بواسطة محركات بحث أكثر تطورا؛ مما سيحفز على تطوير أجيال أكثر فعالية من أساليب التضليل. وبفضل الجهود التي سيبذلها الأفراد والمنظمات من أجل حماية الخصوصية والسمعة يُتوقع أن يستمر على نطاق متسع انتشار برامج التشفير encryption وبرامج فك الرموز decryption.
 
[/rtl]
تمايز المنظمات(*****)
 
[rtl]من التبعات التي تتنبأ بها الأمثولة الكامبرية أننا سنشهد تنوعا كاسحا وتمايزا غير مسبوق في أنواع المنظمات. وعلى الرغم من أن هذا التمايز لم يحدث بَعد، لكن بإمكاننا استشراف بعض الدلائل المبكرة عنه. ففي الولايات المتحدة, نشهد نشوء نمط جديد من الشركات، يشار إليها أحيانا بالتسمية بي كورپ B Corp. وتسعى هذه الشركات إلى إبراز غايتين متلازمتين في عملها: الربح وخدمة المجتمع. وقد حطمت گوگل وفيسبوك صلاتهما بالتقاليد، وذلك بمنح مؤسسي كل منهما حقوقا غير مسبوقة في التصويت، بحيث أضحتا شركتين يتم التحكم في سياستهما من قبل مؤسسيهما مع أنهما شركتان مساهمتان ويمكن للجمهور اقتناء أسهمهما. وهذا بحيث يمكن للمؤسسين إدارة كل من هاتين الشركتين بالرجوع إلى خطط طويلة الأمد يقومون برسمها بمعزل نسبيا عن نزوات وول ستريت ومؤسساته المالية ذات النفوذ الواسع النطاق في الشركات والاقتصاد. كما أن وسائل التواصل الاجتماعي أدت أدوارا مهمة بتنظيم حركات احتجاج الربيع العربي(7) التي لم يسبق لها مثيل من حيث السرعة والاتساع، بحيث يمكن اعتبارها نوعا جديدا (وإن كان مؤقتا) من أنواع المنظمات البشرية. ولا بد أن الأيام الآتية ستنبئنا بالمزيد؛ لكن يبدو أننا نقف على حافة مرحلة جديدة سنشهد فيها تحولات جذرية في حياة المنظمات وأساليب عملها.
 
[/rtl]
[rtl]والسرعة التي ستتغير بموجبها المنظمات تعتمد على موقعها التنافسي. ولا ريب أن المنظمات التجارية هي الأكثر عرضة للتأثيرات الناجمة عن آراء الجمهور، إذ يمكن للزبائن استبدالها بمنظمات منافسة. وإذا لم توفر الشركات العناية اللازمة لرعاية العلامات التجارية التي ربما استغرق العمل على إخراجها وترويجها سنين طويلة، فقد تفقد هذه الشركات مكانتها في السوق خلال بضعة أشهر. أما الكنائس(8) والنوادي الرياضية فهي محمية إلى حدود أبعد، وذلك بسبب الجذور العميقة التي تُمَيّز ممارسة الشعائر الدينية والروابط المتينة التي تجمع محبي الرياضة بنواديهم المفضلة. لكن عندما تُنشر على الإنترنت أنباء عن ممارسات شاذة، كالاعتداء الجنسي على الأطفال أو الأذى الذي تتسبب به بعض أنواع الرياضة لأدمغة اللاعبين، وهي تجاوزات كانت تمر دون أن تحدث الضجيج الذي تسببه الآن، فلا بد لأعتى الكنائس وأكثر اتحادات الرياضة شعبية أن تتكيف أو تغلق أبوابها.
 
[/rtl]
[rtl]وتعد منظومات الحكومة محمية من الضغوط التي تفرضها الشفافية الناشئة أكثر بكثير من غيرها. ومع أن حركات الاحتجاج التي تُشْعِل وسائل التواصل الاجتماعي نارها قد تزيل الحكام والأحزاب الحاكمة، إلا أن أجهزة الدولة الضمنية غالبا ما تكون قادرة على الاستمرار بعملها دون أن تتأثر كثيرا بتغير القيادات السياسية. فغالباً لا تواجه أجهزة الدولة ضغوطاً تنافسية، ولذا فهي لا تتطور بسرعة. لكن ينبغي أن نتوقع تغيرات ملموسة حتى في ممارسات هذه الأجهزة، وذلك لأن قدرة المواطنين والمتابعين من الخارج على مراقبة أداء هذه المؤسسات لا يمكن إلا أن تتزايد. والآن نرى أن الكثير من الحكومات تتيح، بسبب الضغط الشعبي، النفاذ إلى طيف شاسع من البيانات الجديدة الفجة التي تنجم عن عمليات تقوم بها أجهزة الدولة المختلفة. وبفضل مثل هذه الممارسات، مقترنة بالتقدم المحرز في مضمار تحليل أنماط واسعة النطاق والأساليب التي طُوِّرت لاستعراض البيانات، ومع انتشار الصحافة المستندة إلى البيانات، إن كانت تمارس من قبل المؤسسات الصحافية أم من قبل المواطنين أنفسهم، سنرى ولادة دارات للتغذية الراجعة feedback loops المجتمعية تحفز السعي نحو شفافية أكبر في المؤسسات بأنواعها.
 
[/rtl]
[rtl]وكما يمكن لمستعمرات النمل أن تنجز أشياء لا يمكن للنملة أن تقوم بها منفردة، يمكن للمنظمات البشرية أن تتجاوز قدرات الأفراد، لتولد أفعالا وخططا ومعتقدات وذكريات فوبَشرية superhuman - وحتى قيما فوبَشرية. لكن هنالك عوامل ستضع حدودا ذاتية لهذا النظام البشري الناشئ. وسواء أكان هذا لصالح البشرية أم لا، فإننا قد اتخذنا مسلكا تطوريا للحد من إمكانات مؤسساتنا الفوبَشرية بجعلها عرضة للمحاسبة بموجب معايير يضعها أفراد من البشر. وهذه الدينامية للتنظيم الذاتي، وهي بالطبع مدينة للإمكانات المتسارعة للتواصل بين الإنسان والآلة، تمثل خاصة فريدة لجنسنا البشري كاللغة البشرية ذاتها.
 
[/rtl]


[rtl]المؤلفان[/rtl]
 
     Daniel C. Dennett - Deb Roy
 <دنِّيت> أستاذ جامعي ومدير مساعد في مركز الدراسات الإدراكية (9) بجامعة تافتس Tufts University. من أحدث الكتب التي ألّفها: «مضخات الحدس وأدوات أخرى للتفكير»(10) و«قبض عليه فوق المنبر: التخلي عن الاعتقاد»(11) الذي ألّفه مع .

 
 <روي> أستاذ مساعد في المعهد (MIT)، ومدير مختبر الآلات الاجتماعية (12)، في مختبر وسائل الإعلام في المعهد MIT، وهو أيضا العلمي الرئيس في مضمار وسائل الإعلام لدى تويتر Twitter. ويقدم <روي> المشورة إلى مجلس وسائل التواصل الاجتماعي التابع للمنتدى الاقتصادي العالمي.
مستقبلنا الشفاف(*) 2015_06_05_60_bمستقبلنا الشفاف(*) 2015_06_05_60_a



  مراجع للاستزادة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

مستقبلنا الشفاف(*) :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

مستقبلنا الشفاف(*)

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: منبر البحوث المتخصصة والدراسات العلمية يشاهده 23456 زائر-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: