anas مرحبا بك
عدد الرسائل : 10
تاريخ التسجيل : 14/07/2010 وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 17
| | الآخر و عقدة الوحدة في مجموعة | |
إذ بعد مشوار من الكتابة الشعرية ، تمخض عن مجموعتين شعريتين ، جاءتا في سنوات متفرقة ( نافذة الجسد 1987 ) ، ( ترميمات 1999 ) و تأتي مجموعته الشعرية الثالثة ( يحدث في النسيان 2003 ) معلنة ( مرحلة التفاصيل ) الكتابية ، بصبغة هادئة لا سبيل لها سوى الإفصاح عما يجول في دواخل النفس البشرية ، من أنات و فتح لدروب شاسعة مؤدية إلى الآخر / المقابل للأنا في اليومي المعاش و غيره . إذ نلاحظ الأخير مسيطراً سيطرةً تامة على عملية القول لدى المقري حتى كأنه لا يريد أن يفارقه بـ ( لعنته ) إلى النص الأخير من مجموعته .
المقري يعي تماماً كيفية التعامل مع الآخر عن طريق الفهم الشامل ، الفهم الأهم لما يعتمر في الذات الإنسانية ، و يعمر بها ، ابتداء من ذاته الشخصية ، و انتهاء بالذات الأخرى ، إذ تغلب الأخيرة في نصه ، من خلال التعامل معها بشكل طبيعي جداً ، و عميق جداً ، الأمر الذي يجعله يرى من منطلق القادر المفصح .
الأسلوب الوصفي في الكتابة لدية ، أسلوب تم اختياره بدقة و ذكاء غير قليلين ، كأنه يصفُ ما يحدثُ من بعيد ، حيث تكون الرؤيا أشمل ، و فرصة ذهبية لالتقاط الحدث من أكثر الزوايا اتساعاًُ . تماماً كما يفعل المؤرخ في تأريخه ، إذ لا يكتب الأخير عن الحدث التاريخي و غيره إلا بعد انتهائه و وضع اللمسات النهائية عليه ، سوى أن ما يميز المقري عن المؤرخ هو أن المقري عندما يلتقط لنا الصورة إنما هو بصدد تركها لنا مفتوحة للإضافة ، و الزيادة ، سامحاً للمكابدات الذاتية أن تقول رأيها هي الأخرى ، و التغيرات التي يمكننا أن نتخيلها كمتلقي ، و المؤرخ تتصف أعماله بالثبات التام .
يأتي لنا المقري بصور ناضجة متكاملة المبنى ، مطعماً أساليبه بلغة فلسفية كافية جداً لإضفاء نوعٍ من الحكمة المدروسة لصاحبها المتكلم ، و مما لا شكّ فيه أن ضمير المتكلم ، كفيل جداً بإثبات ( الأنا ) كلغة على الأقل ، بيد أنه لا يتوانى عن ذكر الآخر – بأي شكلٍ من الأشكال – بين زوايا نصه المشحون بالإنسان ، و نسياناته .
ابتداء من الذات الواحدة ، أو النفس التي لا تشاركها أخرى في ذات الجسد الواحد ، يطرح المقري حيرته ، فمن نصه ( صرت الذي هو أنا في المرآة ) ، يقول :
أنا الذي هو كنت في المرآة لم أكن الذي كنت هو خارجها .
حالة من التناقض الذاتي ، و الشعور في تفاصيل تفاصيل الأنا إلى درجة أنها تتحول إلى (آخر) تام المعنى ، و المبنى ، هكذا يقرأ المقري ذاته مرتين ، في الأولى التي يعرفها هو تمام المعرفة ، أي التي تعيش فيه ، و يعرفها الآخر بعض المعرفة ، من خلال التواصل معها ( مع المقري ) في الزمن المعاش . و في الثانية يقرأ المقري ذاته الخارجة عنه ، المنفصلة بالكامل ، و التي – بلا شكّ – ذات حضور و فعل أقوى من الأولى ، مع الآخر .
أيضاً هناك بعض الشعور بخسرانه في داخله من خلال تنكر الآخرين طبعاً ، و في أكثر الطرق قسوةً ، فالتجاهل و إعطاء الحقّ المتمثل بما يصدر عن الذات وحدها ، لأحدٍ غيره ، يخلق لدى المقري حيرةً أخرى ، ليست بأقل من حيرته الأولى ، فمن نصه ( جثة النصر ) ، يقول بلغة إخبارية لا تودّ سوى الإفصاح التام عما يحدث من جانب ، عما يجب أن يعيه و يفهمه من حضر الحدث :
يهتكون النسيان بحثوا عنه في الهيبة صرخ أقل من رصاصة : - أنا لست قميص الشعب أو حذاء الدولة لكنهم تحدثوا عن تفاصيله كأنه جثة النصر كأنه ليس هو كأنه كانهم كأنه كان .
أما في نصه ( الأيام الصعبة ) فنحن في حضور مباشر مع أشخاص ( آخرين ) متعددين ، يورد لنا المقري فيه كم كان متواصلاً معهم عن طريق الشهيق و الزفير حتى ، فنجد كل من ( كارل ماركس ) ، ( مارسيل خليفة ) ، ( فيروز ) ، ( سيد درويش ) ، (جان بول سارتر ) ، ( سيمون ) ، ( كامو ) و ( ميلان كونديرا ) ، جميعهم يرافقونه بلا هوادة ، ليثبتوا في النهاية عكس ما كان يظنّ أنهم يعتقدون ، فيعتقد بهم من جديد منذ سهولة الأيام حتى صعوبتها !
في نصه ( دروس خصوصية في الحرية ) يبدأ المقري بعدها بوضع الأساسات الخاصة برؤاه بشكل تعليمي محض للآخر (متلقي شعره ) ، و من خلال لغة الحكيم يحاور و يلغي ما تعارفت عليه الناس في السابق ، لبداية جديدة كل الجدة ، تفضي إلى حياة مختلفة في معناها . ابتداء من المطالبة في التعبير عما يجول في الخاطر و ما لا ترضاه الذات ، و إن كان ملازماً لمشاكل لا حدّ لها مع المحيط ، يقول :
ليست الحرية أن تقول كل ما تعتقد أنه حقيقة بل و تقول أيضاً كل ما تعتقد أنه كذب .
ثمّ لا يجد المعنى إلا من خلال الاصطدام بالآخر ، و مشاركته لعبة الحياة ، حتى و إن كان الآخر رافضاً لها ، باعتبار ما يقوم به على هذه الصورة حرية ذاتية مكتسبة ليس من حق أي أحد الحول بينه و بينها بأي شكل من الأشكال ، يقول : لا تنتهي حريتك حين تبدأ حرية الآخرين بل يصبح لها معنى المعنى حرية مجاورة .
منطلقاً من الذات إلى الآخر ، و العكس صحيح فيما يتحول إلى ما يشبه وصايا أخيرة لمن يحب ، فمن نصه ( ثلاثة كؤوس ) يقول :
لنشفى من فكرة الأهل و عصا الأيديولوجيا
منتقلاً إلى ( التفرد ) التام عن الآخر ، مع الاعتراف التام به و بوجوده ، و بفعل الكفيل في التغير بثقة تامة ، غير أنه يظل ( هو ) في وحدانيته و اختلافه عن ( الآخر ) ، يقول من نصه ( لم أستطع ) :
شعراء كثيرون كانوا يتحدثون مع العصافير و يوردون عبارات قالتها الحمام شعراء آخرون طلبوا من الموت ألا يأتي مبكراً و ناموا بأحضان السحب شعراء أناروا للأمة طريق الثورة و بعضهم استشهد في سبيل الوطن ......... ......... لم أستطع أن أكون واحداً منهم .
يتبقى للمقري أن يقف في ضد ( الآخر ) مجتمعه أيضاً باعتباره الموجود المفروض عليه ، بكل ما يحمل من معتقدات و عادات ، و مفاهيم مختلفة تماماً في أصلها إلى الأخرى الذي ينتمي إليها هو ، في الوقت الذي لا يتوانى فيه المقري ، عن تحدي الذات بحد ذاتها – باعتبارها آخر طبعاً - و الخروج عليها ! ، يقول من نصه ( علب أفكار ) :
أغلق المفاهيم التي ضاقت من بعضها أغلق عشرين مفهوماً حول الجنس و مفهومين حول الحرب أغلق علب أفكار فتحها مخزنو القات و بدون هذه المفاهيم و الأفكار بدون الشخص الذي كنته طوال النهار أحاول أن أنام .
و لا ينسى المقري أن تكون علاقته بالأنثى مغايرة أيضاً ، منتهجاً ذات النهج الأول في الحياة ، مما يجعلهما ( هو و أنثاه ) بالضرورة متبادلين في الذات ! باعتبار الآخر و ما يترتب عليه لدى نظرية المقري فيه ! يقول من نصه ( كأنك وحدي ) :
ستكتشفين غداً أن الظل الذي كان يتبعك لم يكن ظلك بل هو ظلي و سأكتشف أنا أن التي كانت تمشي إلى جواره لم تكن أنت كأنني وحدك في الترقب كأنك وحدي في الغياب .
و يظل هذا الشعور بضياع الذات من شدة التصاقها بالآخر مسيطراً على نظرة المقري الشاملة في النص ، فمن نصه ( لم نكن نحن ) يقول :
بعد أيام كثيرة ستنكشف الصورة و سيعرف الآخرون أننا لم نكن نحن .
| |
|
الأربعاء يوليو 14, 2010 12:57 pm من طرف روزا