أُنَاسٌ عَلى الجِسر
نشرت بواسطة:
فيسوافا شيمبورسكا 2014/09/24
المصدر: ويكيبيديا
كَوْكَبٌ غَريبٌ، على ظَهرِهِ أُنَاسٌ غُرباء،
خَاضِعُون لِلوَقتِ ولا يُودُّونَ الاعترافَ بِذَلِكْ،
يملكونَ أساليبهم في التَّعبيرِ عنِ المقَاومَةْ
يصنعونَ صُورَاً صغيرةً على هذا النَّحو:
لا شيءَ مميَّزٌ لدى أوَّلِ نظرةْ،
في الوسعِ أنْ ترى مياهاً،
ضِفَّةً،
قَارِباً صَغِيرَاً يُعانِدُ التيَّارْ،
في الوسعِ أنْ ترَى جِسرَاً فَوْقَ المِياهْ،
وأَنَاساً على الجِسرْ
أنَاساً يحثُّونَ الخُطَى،
فالمطَرُ قد بدأ يَسُوطُهُم مِن سحابةٍ قاتمةْ.
لكنْ لا شَيءَ آخرَ يحَدُث..
السَّحَابَةُ لا تُغيِّرُ الشَّكلَ ولا اللَّونْ،
والمطرُ لا يَتوقفُ ولا يَزِيدْ،
يواصلُ القَارِبُ الإبحارَ دونَ حرَاكْ،
يَركُضُ النَّاسُ علَى الجِسرْ،
تَمَامَاً حيثُمَا رَكَضُوا من قبلْ.
مِن الصُّعوبةُ أن تمرَّ بهذا دونَ تعليقْ:
هَذِهِ الصُّورةُ بأيَّةِ حَالٍ بَرِيئَةْ
قد توقَّفَ الزَّمنُ هُنَا،
قَوَانِينَهُ لم تَعُد تُرَاعَى.
تَأثِيرهُ مُنكَرٌ على الأحداثْ،
مُتَجَاهَلٌ وَمُهَانْ..
بسببِ متَمَرَّد،
مثل هِيرُوشِيق أوتَاقَاوا
(كائنٌ -بالمناسبة-قد رحلَ كما ينبغي منذُ أَمدٍ بعيدْ)
الزَّمنُ تعثَّرَ وسَقَطْ.
ربمَّا هي محضُ مزحَةٍ تافهةْ،
نَزوَةٌ على حفنةٍ من المجَرَّاتْ،
علينا-تحسباً- رغم ذلك
أن نُضيفَ تعليقاً أخيراً
هُنَا ولأجيال يُعتَبَر مِن اللَّائقِ
أن تُولَي هَذِهِ الَّلوحَةُ تَقدِيراً،
أن تُمجَّدْ..
للبَعضِ حتىَّ هذا غيرُ كافٍ،
يمضونَ حدَّ أن يسمعوا ثَرْثَرَةَ الَمطَر،
ليحسِّوا برودةَ قطراتهِ على الظُهورِ والأعناق،
ينظرونَ صوبَ الجِسرِ والنَّاس،
كما لو أنَّهم يُبصِرونَ أَنفُسَهُم هُنَاك، في ذَلِكَ السِّباَقِ الَأبَدِيّ
بِطولِ مسافةٍ لا تُطوى ولا تنتهي،
ولدَيهِم قدرةَ أَنْ يُصَدِّقُوا
أنَّ هذا حقيقي.
ـــــــــــــــــــ
ولدت الشاعرة البولندية فيسوافا شيمبورسكا في كورنك، غربي بولندا في 2 يوليو 1923 ثم عاشت منذ
العام 1931 في كراكوف، المدينة التي ارتبطت بها فيما بعد. درست اللغة البولندية والأدب ثم تحولت لدراسة علم الاجتماع في الفترة ما بين 1945 و1948 بالمدينة ذاتها إلا أنها لم تكمل تعليمها الجامعي لأسباب ماديَّة. ظهرت الشاعرة على الساحة الأدبية لأول مرَّة لدى نشرها قصيدة (أبحث عن الكلمة).
أنتجت فيسوافا 16 كتاباً شعرياً من بينها لهذا السبب نحن أحياء، مساءلة النفس، نداء إلى ييتي، ملح، مائة وواحد قصيدة، مائة فرحة، قصائد منتقاة، رقم ضخم، أناسٌ فوق الجسر، البداية والنهاية، لحظة، وقد ترجمت أشعارها إلى الإنجليزية، الألمانية، الفرنسية، السويدية، التشيكية، الإيطالية، الصربوكرواتية، السلوفاكية، الرومانية، البلغارية، المجرية، العبرية، الدنماركية، الصينية، اليابانية، العربية ولغات أخرى أيضاً.
حازت فيسوافا على جوائز عدّة منها: جائزة غوتة ( 1991 )، جائزة هيردر ( 1995 )، الدكتوراة الفخرية
من جامعة آدام ميكيوفيتش ببوزنان ( 1995 )، وفي العام 1996 حازت على نوبل في الأدب، وجاء في
حيثيات خطاب الجائزة: (منحت الجائزة للشعر الذي استطاع من خلال السخرية المحكمة أن يضع السياق
التاريخي والبيولوجي تحت الضوء في شظايا الواقع الإنساني)، حينها قالت في خطابها للجمهور في ستوكهولم: (المعرفة التي لا تُبدِي تساؤلات جديدة هي معرفة ميِّتة، تفقد حرارتها كما نعلم من التاريخ الحديث والقديم، ومن الممكن أن تشكل خطراً على مجتمعات بأكملها. لذا أقدِّر كلمتين صغيرتين هما:” لا أدري”، صغيرتين لكن بأجنحةٍ قوية تظهر لنا مناطقاً غير معروفة بدواخلنا أو في كوكبنا). الجدير بالذكرِ أيضاً، أن شيمبورسكا مترجمة للأدب الفرنسي وكاتبة للمقالات الأدبية.
*ترجمة: أنس مصطفى
شاعر ومترجم من السودان