القاعدة والحوثيين باليمن.. تحولات طائفية
علي بكر شهدت الساحة اليمنية تطورا في الصراع بين السلطة والحوثيين( جماعة أنصار الله)، حيث دخل تنظيم القاعدة على خط الصراع ليضفي عليه أبعادا طائفية، عبر تبنيه عمليات تستهدف الحوثيين بشكل مباشر، كان آخرها التفجير الانتحاري الذى وقع يوم الخميس 9/10/2014، في ميدان التحرير وسط العاصمة صنعاء، مما أدى إلى مقتل أكثر من 50 شخصا، وعشرات المصابين.
وسبق هذه العملية عدد من العمليات المشابهة التي استهدفت الحوثيين في العديد من المناطق مثل "صعدة"، و"عمران"، و"مأرب"، و"البيضاء"، وغيرها من المناطق فى اليمن، خاصة بعد أن بدأ الحوثيون يقدمون أنفسهم على أنهم يحملون لواء مواجهة "القاعدة"، من أجل القضاء عليها وعلى الذين يدعمونها في البلاد.
أسباب تصاعد نشاط القاعدة فى اليمن:في الوقت الذي يعيش فيه اليمن ظروفا سياسية وأمنية حرجة تنذر بتدهور الأوضاع من السيئ إلى الأسوأ، لا سيما بعد اعتذار أحمد عوض بن مبارك عن عدم تشكيل الحكومة، إثر تهديد الحوثيين بمزيد من التصعيد والتظاهرات، في حال المضي بتلك التسمية، جاء تصعيد القاعدة من عملياتها ضد الحوثيين والدولة اليمنية على حد سواء، حيث نشر تنظيم القاعدة في اليمن تسجيلاً مصوراً على الإنترنت، يصور إعدام 14 جنديا يمنياً يقول إنهم الحوثيون الشيعة، هذا بالإضافة إلى عدد من العمليات الأخرى التى نفذها التنظيم ضد رجال الجيش اليمنى فى عدد من المناطق، حيث أعلن التنظيم أنه قام بقتل أكثر من 50 جنديًّا في الجيش اليمني بمحافظة شبوة جنوبي البلاد، خلال شهر واحد.
وبذلك، يكون تنظيم القاعدة يقاتل على جبهتين، هما الحوثيون والحكومة اليمنية، لكن التنظيم صار أكثر اهتماماً فى المرحلة الراهنة بالحوثيين، خاصة بعد سيطرتهم على العاصمة. ويمكن تحديد أهم الأسباب التى أدت الى تصاعد نشاط القاعدة فى الفترة الراهنة فى النقاط الآتية:
-
البعد العقائدي في الصراع، حيث أتاحت أزمة الحوثيين فرصة للقاعدة للعودة إلى واجهة الأحداث، والحصول على قدر كبير من تعاطف اليمنيين، من خلال الظهور بمظهر المدافع عن أهل السنة فى مواجهة الحوثيين الشيعة، إذ أعلنت "القاعدة" عن نقل المعركة إلى العاصمة صنعاء لمواجهة الحوثيين. كما تشير بعض التقارير إلى أن كثيراً من المقاتلين التابعين للتنظيم قد وصلوا الى صنعاء للمشاركة فى القتال من أجل " للدفاع عن "أهل السنة"، مما جعل من اليمن ساحة لتصفية الخلافات العقائدية.
-
غياب الدولة اليمنية، خاصة بعد سيطرة الحوثيين على العاصمة والمقرات الرئيسية للحكومة اليمنية، وانشغال الجيش الحكومي بالأوضاع الداخلية، حيث استغل التنظيم هذه الاضطرابات في تعظيم نفوذه فى المناطق التى يسيطر عليها في العديد من المدن اليمنية، خاصة في المحافظات الجنوبية، مما أوجد له قاعدة للانطلاق، وأماكن للتدريب والتجنيد.
-
التسليح والتمويل الجيد، حيث تمكن أعضاء تنظيم القاعدة من الاستيلاء على كميات كبيرة من الأسلحة والمعدات والذخائر من مواقع الجيش اليمني التي هاجمها التنظيم في الآونة الأخيرة في جنوب وجنوب شرق اليمن، مما زاد من حركة التنظيم ونشاطه، في الوقت الذي أصبحت فيه الدولة اليمنية عاجزة بصورة غير مسبوقة عن مواجهات التحديات الداخلية، وعلى رأسها القاعدة والحوثيون.
-
الطبيعة الجغرافية الصعبة، حيث يساعد هذا العامل تنظيم "القاعدة" على ممارسة نشاطه بصورة فعالة، حيث يتمركز التنظيم في البؤر غير المستقرة والمساحات الشاسعة، ذات التضاريس الصعبة، مما يجعل من الصعوبة بمكان الوصول إلى قواعد التنظيم ومعسكراته، ونقاط انطلاقه.
تداعيات تصاعد نشاط القاعدةمن المرجح أن عودة النشاط لتنظيم القاعدة فى اليمن، فى ظل الظروف الحالية التى يمر بها اليمن، سوف تكون لها عدد من التداعيات، من أهمها:
-
إشعال حرب طائفية، حيث إن أخطر ما فى الأزمة اليمنية، فى ظل الصراع بين القاعدة والحوثيين، هو تحول الصراع السياسى فى اليمن إلى صراع طائفى من الدرجة الأولى. وهذا الصراع إذا اشتعل، فى ظل الأزمة الأمنية والسياسية الحادة الى تمر بها البلاد، فضلا عن غياب شبه كامل للدولة ومؤسساتها، فلن يكون بإمكان أحد السيطرة عليه، ولن تتوقف تداعياته على اليمن فقط، بل سينتقل هذا الصراع الطائفى إلى خارج اليمن، خاصة أن هناك حالة من العنف الطائفى تشهدها المنطقة عقب الأزمة السورية والعراقية، والتى فتحت أبواب الصراعات الطائفية على مصراعيها فى المنطقة.
-
تحول اليمن لبؤرة جاذبة للجهاديين، خاصة أن تنظيم القاعدة قد أعلن صراحة أنه يخوض الحرب ضد الشيعة للدفاع عن أهل السنة فى اليمن، وأنه يدعو أهل السنة إلى حمل السلاح، والوقوف إلى جواره فى حربه ضد الحوثيين من أجل الحفاظ على أهل السنة وحقوقهم، وحتى لا يحدث لهم ما جرى لأهل السنة في العراق وسوريا. هذا الخطاب الطائفي من قبل القاعدة سوف يستدعى الجهاديين من خارج اليمن للمشاركة فى القتال ضد الحوثيين، مما سيجعل من اليمن بؤرة جاذبة للجهاديين من خارجها، الذين سيتدفقون على البلاد من أجل نصرة الإسلام، والدفاع عن أهل السنة ضد الشيعة الروافض –حسب اعتقادهم- مما يعنى احتمالية "أفغنة" اليمن فى الفترة المقبلة.
- تعميق أزمة الدولة اليمنية، فالنشاط المتزايد أخيرا لتنظيم القاعدة فى اليمن ضد الحوثيين والدولة اليمنية، على حد سواء، سيزيد من الصعوبات التى يواجهها الرئيس اليمنى "عبد ربه منصور هادي" من أجل استعادة سلطة الدولة على كامل الأراضى اليمنية التى أصبحت شبه منعدمة، خاصة أن القاعدة تصعد من هجماتها ضد الدولة منذ تولى الرئيس هادى الحكم، حتى لا يحدث استقرار سياسى فى البلاد يؤثر فى نشاط التنظيم وبقائه.
وأخيراً، فان تصعيد الحوثيين فى اليمن قد منح تنظيم القاعدة فرصة كبيرة فى الحصول على قدر كبير من المساندة داخل اليمن، من خلال تعاطف أبناء القبائل معه ودعمهم له، بعد أن أعلن أنه يدافع عن أهل السنة فى البلاد، وحصوله أيضا على دعم من خارج اليمن، من خلال التنظيمات الجهادية والقاعدية فى المنطقة التى ستساند التنظيم فى مواجهة الحوثيين. كما أن الاضطرابات الحالية، وعدم الاستقرار السياسيى يصبان فى مصلحة التنظيم، وزيادة نشاطه، خاصة أن هناك احتمالية كبيرة لأن يتحول اليمن لساحة حرب مفتوحة بين اليمن والحوثيين، مما يعنى أن موجة العنف فى اليمن لن تكون قصيرة الأمد.