** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
الرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 أوراق فلسفية عبدالله باعلي

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
يوسف هاشم
مرحبا بك
مرحبا بك
avatar


عدد الرسائل : 44

تاريخ التسجيل : 08/07/2015
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 6

أوراق فلسفية عبدالله باعلي Empty
09072015
مُساهمةأوراق فلسفية عبدالله باعلي

أوراق فلسفية

عبدالله باعلي

يومئ اللفظ الإغريقي فيليا φιλία إلى شيء جوهري ظل يطبع ممارسة الفلاسفة: عشق الحكمة. عشاقُ حِكْمة، وطالبو حقيقة؛ كذلك هم الفلاسفة، يتسمعون النداءات، ويتعقبون الآثار: بارمنيدس، سقراط، ابن باجة، نيتشه…
الشوق، هنا، قوة دافعة (élan) تعمي العاشق «عن كل ما عدا المُشتاق إليه، وهو قوة تسافر من هذا لهذا، زادها الإطراق والتفكير والوجوم والسهر والتتبع والتحير»(1). ليلى في كل مكان، وليست في مكان. هكذا يكون العاشق/الفيلسوف، منذوراً للترحال، مُجَاِوزاً الحدود، مغترباً عن كل وَطن، مُمْتلكا قوة اللاتوطن déterritorialisation، التي تجعل الارتحال مقاماً لا يحده حد، ولا يرقبه “بُدّ”.
-II-
أن تكون فيلسوفاً بالمعنى الإغريقي πιλοσοπος/ philosophos معناه أن تهجر الظِّلال وتخرج إلى الشمس. ذلك شأن السجين المتحرر في أمثولة الكهف لـ أفلاطون: يخرج تاركاً صحبه حبيسي الظلال، في الكهف، بينما يعانق هو نور الشمس(2).
يُعَبر هذا الخروج sortie عن تحول عميق للصوفيا σοπία تكف، معه، عن أن تَقْبَل ما تُصَادف(3)، إلى أن تصير كشفاً dévoilement. ثمة نمطان من المعرفة/الصوفيا، «تتفوق»(4)، إحداهما على الأخرى؛ فيصير الخروج انتقالاً من معرفة تكتفي بالحجاب، معتبرة أنه الحق، إلى معرفة مُجاوزة للحُجُب متطلعة لما وراءها(5). إنها بهذا المعنى شَوقٌ ومحبة لذلك الذي لا يقبل التحجب؛ للحقيقة(6) كـάλήθεια/alêthéïa.
إن الفيليا تقتضي الخروج كقصد intention، ولم تكن أمثولة الكهف الشهادة الوحيدة على ذلك: فلننظر إلى القصيد البارمينيدي وهو يصور لنا رحلة فيلسوف، ينتقل من عماء اللاتمييز إلى نور الحقيقة(7). هو العاشق مدفوعاً بقوة الشوق يسعى إلى حيث يتوق قلبه(8)، ملهوفاً للقاء ذاك الذي لا يحتمل الاحتجاب: نور الكون l’être، تاركاً وراءه ظلمة اللاكون(9) le non-être.
ولا ينبغي تصور هذا الخروج كأنه بسيط أو نهائي؛ حيث أنه يقتضي المُعاودة répétition؛ فهو خروج مُتَعَدِّدٌ، مُتَعَدّ dépassant يطمح للواحد. وهو ما يجعل الخارجle sortant خارجاً عن نفسه/عن تعدده؛ خارجاً عن الديكرانوي(10) διχρανοι، طالباً وحدته.
إن ما يضمن وحدة الفيلسوف هو موضوع رغبته؛ وهو طريق الحقيقة التي يختارُ، متجنبا طريق الظن التي يمكن أن توقعه في الضلال متخبطاً، كأي ديكرانوي، في البروتون دوكساس(11) βροτοων δοζας. بهذا المعنى يتحقق وجود الفيلسوف باعتباره وجوداً مُتخارجاً(12) EK-sistence، يمنحه شرف تحريض الحقيقة على الانكشاف؛ على بسط بهائها أمام من يرتحل لطلبها، متخطياً العقبات والعتمات.
هذا الخروج، إنه ميزة الإغريق، أولئك «المكتشفون، المسافرون، المستوطنون»(13). إنه سرهم العظيم: التمع مع الأوائل، كنجمة بعيدة، وصار إلى تكشفه حتى بلغ تمامه أيام سقراط، حيث اتخذت الفيليا φιλία وجهها المدني، فصارت الآغورا Agora عنواناً جغرافيا لهذا الخروج المسترسل والمشترك (بين الأصدقاء) والذي أمكن تسميته فيلوصوفيا Φιλοσοφία.
-III-
ليست الفلسفة إغريقية إلاَّ بقدر ما فيها من خروج. بل ليس الإغريق إغريقاً إلا بقدر جسارتهم على الخروج: بالكتابة، وبتعرية السياسة عن ظلال الآلهة، وبعملهم على جر الشأن الديني، نفسه، كي يعرض على أبناء المدينة(14).
ضمن هذا الخروج الجمعي يعثر الإغريقي على ذاته كمواطن citoyen؛ يعثر بالأحرى على «المواطنة citoyenneté كبعد أساسي للوجود»(15)، يسمح له بالتداول délibérer مع بقية الأشباه/المختلفين (المواطنون) حول مختلف القضايا العمومية. تعثر الفلسفة، كذلك، على كامل مشروعيتها(16)، في هذا المناخ؛ إذ هي «تستهدف العلانية أساساً»(17).
أما الخروج  فمعناه، ههنا، الانضمام إلى «مجتمع الأصدقاء» أولئك الذين لا تجمعهم الـ φιλία، إلاَّ بقدر صراعهم(18). ينبغي تقوية الخصم، هكذا ينصح غريب أفلاطون(19). لكن لا ينبغي فهم هذه الدعوة باعتبارها دعوة للانهزام (فلا أحد ينهزم في هكذا عراك)(20)، بل ينبغي فهمها في اتجاه أنها تسمح، حين يتقوى الخصم، بتقوية قوة السَّحْب فتتحقق الأليثيا، التي ليست هي الحقيقة veritas؛ إنما هي أكثر من ذلك: إنها القوة التي تفك الطيات déplier، وتنزع الحجب dévoiler؛ إنها قوة الخروج(21) se manifester.
-IV-
لم تحظ الفلسفة العربية بمثل هذا الخروج. لم يكن ممكناً أن يلتقي الفلاسفة لقاء أصدقاء؛ حيث لم تكن ثمة مدينة Polis تسمح بهذا الخروج الجمعي، المتعدد، والاختلافي. ولم تكن هناك مواطنة citoyenneté.
ولعل غياب هذا «البعد العمومي للوجود» قد حَرَمَ الفلسفة من خروجها الشرعي، وبالتالي فقد فرض على الـ φιλία أن تظل سرية، وفرض على الفيلسوف أن يجول مقنعاً بأسماء: الإمام، الشيخ، الطبيب، الوزير، القاضي، الشاعر.. فرض عليه أن يكون «مُسافراً وحيداً، يمشي في وسط مُعاد، مفروضاً عليه: إما أن يتسلل، أو أن يشق مسلكاً مُشددا قبضتيه»(22). فُرِضَ عليه، بمعنى آخر، أن يَزُجّ بنشاطه الفلسفي في حقول اللافلسفي le non philosophique الملغومة، دوماً(23).
كان حضور الفلسفة بئيساً (وليس تراجيديا)، إذ لم تكن ثمة مدينة Polis، ولم يكن هناك أصدقاء. يعيش الفيلسوف محتاطاً من ألغام الفقهاء وتقلبات الساسة، ومن سعار العامة. لهذا امتنع اللوغوس كخروج، وصارت الفيليا φιλία سراً ينبغي كتمانه، أو ممارسة ينبغي تبريرها باسم الدين، أو باسم علم نافع(24).
كيف يُصَرِّفُ الفيلسوف غربته في هذه الحال؟ وكيف يحفظ صلته بالحكمة؛ حيث تتعذر الفيليا φιλία كخروج؟ بـ «التوحد»، يقول ابن باجة. وما التوحد؟ إنه الاعتزال الذي تحيا به الفلسفة. فكيف يتوافق الاعتزال، وهو ترك الخروج/الانفتاح، مع الفيليا φιλία؟ كيف يمكن للفلسفة، ابنة المدينة، أن تحيا في الظل؟
لعلنا نتلمس، عند ابن باجة، أشكلة جديدة لسؤال “المدينة” في الفلسفة العربية؛ تُسقط من تشابكاتها الاعتبار السياسي. لقد كان الأمر معه مخالفاً للمنحى الذي ذهب فيه الفارابي (وابن رشد، فيما بعد)(25). هكذا لم يعتبر ابن الصائغ أن كمال المدينة هو ما يضمن حياة الفلسفة؛ وبالتالي فليس هو ما يحدد مهمة الفيلسوف، بل، لعله «يُسقط هذا الذي نقوله [أي صناعة الفلسفة] متى كانت المدينة كاملة، وتسقط منفعة هذا القول، كما يسقط علم الطب وصناعة القضاء وغير ذلك من الصنائع التي استنبطت بحسب التدبير الناقص»(26).
الحاجة إلى الفلسفة، إذاً، هي وليدة المدن الناقصة؛ هذه التي ينوجد فيها الفيلسوف مثل «العشب النابت من تلقاء نفسه بين الزرع»(27). وهي حاجة فردية، على أي حال.
ليس الفيلسوف، إذاً، نتيجة للشرط المدني، إذ «مِن خواص المدينة الكاملة أن لا يكون فيها نوابت»(28). لهذا فليس مطلوب النابتة أن يُناضل لاكتساب مشروعية وجوده داخل المدينة، إنما غايته أن يحقق سعادة المفرد، بالتوحد. لكأنّ التوحد علاج traitement لأمر «خارج عن الطبع»(29).
تدبير المتوحد، إذاً، هو تدبير لغربة الفيلسوف في المدن الناقصة، أو توطين قسري له حيث لا ينبغي. وليس هناك سوى إمكانيتين أمام المتوحد: إما أن يعتزل «عن الناس جملة، ما أمكنه، فلا يُلابسهم إلاّ في الأمور الضرورية “أو” يُهاجر إلى السِّير التي فيها العلوم»(30).
ولا يَعتبر ابن باجة العزلة أمرا طبيعيا؛ إذ الإنسان مدني بالطبع(31)، ولا شيء يوافقه غير الاجتماع. لكن وجود الفيلسوف في المدن الناقصة غير طبيعي بالمثل(32)، فكيف يمكن حل هذا الإشكال بغير الاعتزال؟
إن الاعتزال ضرورة nécessité لا محيد عنها، وهو «بالعرض خير»(33). لهذا فإن تدبير المتوحد إنما هو، في الواقع، تدبير لاستحالة الفيليا φιλία كخروج؛ تدبير لمأزق الإقامة العرَضية في المدن الناقصة، وتحريض على فلسفة الطيّ philosopher le pli.

التتمة في العدد

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

أوراق فلسفية عبدالله باعلي :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

أوراق فلسفية عبدالله باعلي

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: