2014-06-15 الفكر, والصراع مع الذات
|
| |
يقول المفكر الإجتماعي الدكتور علي الوردي في كتابة وعّاظ السلاطين, \" أن من خصائص الطبيعة البشرية أنها شديدة التأثر بما يوحي العرف الإجتماعي إليها من قيم وإعتبارات فالإنسان يود ان يظهر بين الناس بالمظهر الذي يروق في أعينهم فإذا احترم الناس صفة معينه ترى الفرد يحاول شتى المحاولات للاتصاف بتلك الصفة وللتباهي بها والتنافس عليها \", أي ان الإنسان صنيع حضارته ومحيطه الذي يعيش به فهو يتأثر أيما تأثر بالمعالم التي تتفاعل حوله, فهو أيضاً لا ينفك أن يتقمص تلك الظروف التي تحيط به ويتخلق بها, وهذا مؤكد في علم الإجتماع, وكما ان هذا التطبع ينطبق تماماً على أخلاقيات الإنسان كذلك ينطبق على فكره وجوهره الروحي, فحين يؤمن إنسان ما بفكرة ذات أبعاد واتجاهات معينه يشاركه في الإيمان بها كثير من الأشخاص الذين يعيشون حوله فأنه لا يجد غضاضه في البوح بها والتحدث عنها, بل الإستماته في سبيل نشرها والإعلام بها, وعلى النقيض من ذلك عندما تكون الفكرة المختزلة في عقلية ذلك الوحيد في عالمه الداخلي, يكون البوح بها يمر بإعتبارات كثيرة منها ماهو متعلق بشخص الإنسان حامل الفكرة ومدى قدرته في بذلها وإقناع المحيط بها, ومنها ما هو متعلق بمحيطه وهنا تكمن صعوبة إبداء الأفكار إن كان المجتمع غير متقبل لها او ان تلك الأفكار جديدة في نوعها ومضمونها فأن التصنيف الأولى للمجتمع تجاه تلك الفكرة او مجموعة الأفكار سوف يكون تصنيف سلبي رافض لها رافض حتى بالحديث عنها او تسويقها, وسيجعل من هذه الفكرة عدواً يهدد معتقده او ما تعارف عليه مجتمعه, لذا كان من المهم ان يكون نبي الفكرة ان يمهد لرسالات فكرته وان يعي أولا مدى تقبل عقلية مجتمعه لتلك الفكرة أي فكرة قد تكون غريبة في نظر محيطه, ولما كان الإنسان أبن بيئته فأنه كذلك بطبعه مدني إجتماعي يحب ان يتعايش في هذه الحياة يحمل بين جنباته عقيدة ومبدأ وفكر, وتختلف من شخص إلى أخر مدى قوة إيمانه بهذه الركائز الوجودية للإنسان كإنسان مجتمعي متقبل للتغيير, فمنهم من يؤمن بعقيدته دون إيمانه بالمبدأ والفكر, وهنا قد ينطبق على هذا الإنسان مسمى الإنسان الفطري البحت, ومنهم من يؤمن بعقيدته ومبدأه دون الفكر, وهنا قد ينطبق عليه مسمى الإنسان الثابت والمتعايش مع ذاته فقط لا يهمه متغيرات عالمه من حوله, وهناك من يؤمن بالمعتقد والمبدأ والفكر, وهذا الإنسان المنشود في تأسيس حضارة إنسانية واعية متقبله للتغير رافضه للتقليد, فعقيدة دون مبدأ شبيهه بالإنسان ناقص الأهليه فتعامله محدود في عالم مليء بمتغيرات كثيره ومعقده, وعقيدة دون فكرة كإنسان منعدم الأهلية فتعامله منعدم لا وجود له ولا يمكن لها ان تحدث اثراً في بيئته, هكذا الإنسان بطبعه وركائز الوجود الإنساني الثلاث, عقيدة, ومبدأ, وفكرة, يعيش الصراع مع ذاته ان كان ذا تميز في ركائزه إما إيجاباً بالتوافق مع مجتمعه فيحتم عليه الواقع التباهي بالصفات التي قد يرضى عنها مجتمعه فقط دون ذاته, أو بالسلب إن كان مخالفا مناقضاً وثائراً على عادات مجتمعه وبيئته فيعيش حالة الشذوذ التعايشي والإنفصال عن بيئته.
الباحث: عامر بن خلف الشيخ