منقول من إيلاف:
http://www.elaph.com/Web/opinion/2012/6 ... ry=opinion
في مثل هذا اليوم، قبل عشرين عاما، قامت الجماعة الإسلامية بإغتبال المفكر الليبرالي "فرج فودة" أمام مكتبه في 8 يونيو عام 1992. "فودة" لم يكن ينادي بالدولة المدنية وإنما كان يحارب الإسلام، ويتهكم علي الشريعة الإسلامية، لذا فهو يستحق القتل مائة مرة " ولو بعث من جديد سيقتل من جديد " كما يقول " منتصر الزيات "، لأنه حسب تعبيره " كفر " حين سخر من الشريعة الإسلامية، وهذا هو رأي علماء الدين أيضا (أنه يستحق القتل): وجريمة الذين قتلوه هي (الافتئات) علي السلطة فقط.. لكن قرار القتل كان (صائبا).. وأي مفكر سوف يتكلم مثلما تكلم فرج فودة (يقول الزيات).. أنا أدعو إلي قتاله!
فرج فودة قتل لأنه أعلن صراحة رفضه تطبيق الشريعة الإسلامية مؤكدا عجزها عن تقديم أية حلول لقضايانا المعاصرة. ومن هنا عمد بعض شيوخ الأزهر إلي وصفه (بالمرتد) – بعد مناظرته الشهيرة بمعرض القاهرة الدولي للكتاب - وهو ما اعتبر تصريحا بالقتل وضوءا أخضر لتنفيذ عقوبة الموت. الأخطر من ذلك أنه عقب اغتياله بارك الشيخ محمد الغزالي ما حدث أمام المحكمة قائلا: "من يعترض علنا علي تطبيق شريعة الله فهو كافر ومرتد ، ومن الواجب إهدار دمه أما قاتله فلا تجب معاقبته".
كل المصلحين الحقيقيين تحفظوا علي تطبيق الشريعة الإسلامية، فقد اضطهد كل من: "ابن رشد" ، "علي عبدالرازق" ، "طه حسين"، وغيرهم.. (كفر) ابن رشد سنة 1189 وأحرقت كتبه 108 كتابا ، لأنه نادي بالتأويل، وحجته الأساسية: أن الله لا يمكن ان يعطينا عقولا ويعطينا شرائع مخالفة لها، وهو القائل: " الحق لا يضاد الحق بل يوافقه ويشهد له "، وعلي نفس المنوال سار " علي عبدالرازق " في كتابه " الإسلام وأصول الحكم " حين أعلن: أن الإسلام دين فقط، ونادي بأعلي صوته (لا) للشريعة.
جريمة فرج فودة أنه واجهنا – في التسعينيات من القرن العشرين- بمعضلة لم يسبق لها مثيل حيث الصدام بين (أهم الإنجازات العقلية والأخلاقية) للإنسان المعاصر " الميثاق العالمي لحقوق الإنسان " والشريعة الإسلامية، سواء فيما يتعلق بحرية الرأي أو التعبير أو حرية تغيير العقيدة، التي أصبحت أحد الحقوق الأساسية اليوم ، وحسب علماء الدين الإسلامي فإن الشريعة ترفض (الارتداد عن الدين) حيث أن عقوبة (المرتد) هي (القتل) وهو ما يتعارض وحقوق الإنسان اليوم.
وهذا يفسر لماذا نلجأ دائما إلي تجزئة عالمية حقوق الإنسان والتشكيك فيها، ونحاول الالتفاف عليها من خلال التركيز علي الخصوصيات الدينية والثقافية، وهو نوع من التهرب (اللا أخلاقي) من تطبيق معايير حقوق الإنسان العالمية، ومن الامتناع عن الانخراط الكامل في المسؤولية الجماعية عن العالم، بينما سجلنا في مجال حقوق الإنسان هو الأسوأ عالميا.
المشكلة الأخري التي واجهنا بها " فرج فودة " هي: لو ان قواعد الشريعة منسجمة فعلا مع العقل البشري ، لما شهدنا كل هذه الأدبيات والتفسيرات والتأويلات (والفتاوي). لا يوجد فهم موحد للشريعة، هناك دائما رؤي مختلفة ومدارس شرعية متعددة. مغزي هذا الاختلاف والتعدد وسببه في نفس الوقت هو (استعمال العقل)، فالكل يؤكد علي وجود الشريعة الواحدة لكن حين يعمل الإنسان عقله في هذه الشريعة يحدث الاختلاف في وجهات النظر الإنسانية، مما يؤكد أن الفهم الإنساني جزء لا يتجزأ من الشريعة كما تحققت في التاريخ.
لذلك فإن الاجتهاد ضروري لرفع التناقض (أو حله) بين أحكام الشريعة وحقوق الإنسان/ مثل: الحريات الدينية (خاصة تغيير الدين).. وضع المرأة (غير مساو للرجل).. الموقف من غير المسلمين (المؤمن وغير المؤمن).. العقوبات المحظورة (الحدود)، فضلا عن ان حقوق الإنسان كلها قائمة علي " الفرد " في مواجهة الجماعة والدولة، بينما مصالح الأمة أو الجماعة تحتل المرتبة الأولي في الشريعة الإسلامية.
الأخطر من ذلك هو ان الناس في حكم الشريعة الإسلامية يحددون وفقا لانتمائهم الديني، وهو ما يتعارض مع مفهوم " الكرامة الإنسانية " في الميثاق العالمي لحقوق الإنسان: " أن الاعتراف بكرامة جميع أفراد العائلة الإنسانية، وبحقوقهم المتساوية وغير القابلة للمساومة ، هو ما يمثل أساس الحرية، والعدالة، والسلم في العالم. وهو ما يؤكد أن مفهوم الكرامة بالمعني الحديث ، لم يعد مفهوما أخلاقيا وحسب وإنما أصبح مفهوما قانونياّ أيضا ، فهو: المبدأ الأساسي الذي يشمل المساواة بين الأفراد جميعا ، ويمنع في الوقت نفسه - جميع أشكال التمييز بينهم ، أو المعاملة اللا إنسانية أو المهينة التي تمس كرامتهم".
رحم الله فرج فودة.. الخلاصة المبكرة للصدام الدموي القادم في مصر...
_________________
الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الأِسْلامَ طينًا.