«الحشد المسيحي» وقصف الطيار الإيراني «الخاطئ» لبغداد

يلخّص خبران نشرتهما وسائل الإعلام أمس التراجيديا السوداء التي انحدر إليها العراق: يتحدث الأول عن ضمّ «الحشد الشعبي» المكوّن من فصائل شيعية لفصيل يتألف من 800 عنصر متطوع مسيحي يدعى «كتائب بابليون»، فيما يكشف الثاني عن أن طيار المقاتلة الجوية التي قصفت حيّا في شرقي بغداد بالخطأ وقتلت وجرحت العشرات من المدنيين هو إيراني الجنسية، وأنه من ضمن 38 طيّاراً إيرانياً يشاركون في العمليات العسكرية العراقية ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» في العراق.
ريان الكلداني، أمين سر الفصيل المسيحي، قال إنه يتلقى الدعم من الحكومة العراقية ولكنه يخضع بشكل رسمي لقيادة الحشد الشعبي، الأمر الذي يفيد، مما تأكد من أنباء متراكمة، أن الحكومة العراقية، في سبيل الانتصار المزعوم على تنظيم «الدولة الإسلامية» تكتّل مواطنيها على أسس دينية تتواجه فيها الطوائف وتسود فيها غلبة قانون أديان أو مذاهب على أديان ومذاهب أخرى، وهو ما يمكن أن يعدّ سبباً مباشراً في تدعيم حجج التنظيم المذكور في ادعائه الدفاع عن السنّة، أو حتى سبباً في تخليقه لو لم يكن موجوداً، وهو ما يفتح باباً جديداً لحروب الإبادة الجارية ويضيف إليها ذرائع جديدة.
ويفيد هنا التذكير أن ميليشيات «الحشد الشعبي» الشيعية انطلقت بعد سقوط مدينة الموصل في حزيران/يونيو من عام 2014 إثر فتوى للجهاد أطلقها المرجع الشيعي الأعلى السيد علي السيستاني والتي ما لبثت أن قوننتها الحكومة العراقية وقدّمت الدعم المالي والعسكري لمتطوعيها.
استطاع الحشد تشكيل قوة عسكرية كبيرة استطاعت صدّ تنظيم «الدولة الإسلامية» والمشاركة في استعادة بلدات ومدن منه، ولكن الفتوى التي انطلق منها جعلته كياناً موازياً للدولة التي تستمد شرعيتها من الانتخاب والقانون بينما يستمد «الحشد» شرعيته من قداسة الفتوى، وثبوت أن هذه القداسة أعلى مقاماً من القانون يجعل من الدولة أمراً نافلاً وقابلاً للحلّ، وهو ما أكدته وقائع كثيرة تحدى فيها الحشد الدولة ومؤسساتها.
وإذا كان كثير من العراقيين يئنون تحت وطأة النفوذ الإيراني الهائل على حكومتهم فيما سبق، فإن وجود كيان شيعي مواز للجيش وقوات الأمن، والسيطرة الإيرانية المباشرة على قيادته جعلا المعادلة العراقية الهشّة أصلاً في مهبّ الريح، وإذا كان تطويع مئات من المسيحيين وإضافتهم إلى القوة الشيعية المهيمنة لن يضيف على ميزان القوى الكثير، فإنه سيحمل مزيداً من خلط الأوراق الطائفية وإضافة ضحايا جدد للحرب السوداء القائمة.
ويأتي خبر الصاروخ الخاطئ للطيار الإيراني ليحوّل المأساة في بلاد الرافدين الكربلائية إلى ملهاة حديثة من نوع بشع فيجعلنا نتساءل عن كيف يمكن لطيار من إيران، وهي بلد كانت عدوا للعراق لفترة طويلة من الزمن، أن يقود مقاتلة عراقية في سماء عراقية ويقتل «بالخطأ» مدنيين عراقيين ويجري كل ذلك باسم الحكومة العراقية.
هذان الخبران يدلان على أن الحكومة العراقية قد عملت كل ما تستطيع عمله لتفقد كل شكل من أشكال الشرعية، فتغطيتها، بغير إرادتها (وربما بإرادتها) لحشود شعبية من طبيعة دينية ومذهبية، أفقدتها معناها القانونيّ وسلطاتها على البلد، وخضوع حشودها للقرار الإيراني أفقداها أهم أسس سيادتها على الأمن والجيش والبلاد.
وبهذا المعنى فإن الدولة العراقية لم تعد موجودة. ما هو موجود، ربما، هو أرض محتلّة وسلطات بلا سيادة وخراب بدون حدود.
رأي القدس