الثقافة والمجتمع المدني
المحجوب حبيبي
2015 / 7 / 6
الحزب والمجتمع المدني
أو الحزب والتنظيمات الجماهيرية
مقدمة:
كل الأدبيات التي أصدرها الحزب حول التنظيم الجماهيري أكدت على الاستراتيجية التي يكتسيها عمل الحزب في صفوف الجماهير، سواء كانت هذه الجماهير منظمة في منظمات أو غير منظمة، وتؤكد الأدبيات على:
- أنه لا يمكننا وحدنا كطليعيين أن ننجز المهام الجسام دون العمل في صفوف الجماهير وتربيتها وإيقاظ نشاطها الثوري الذي يحفزها على العمل والتنظيم والممارسة اليومية، بصرف النظر عن وعي هذه الجماهير. ذلك الوعي الذي ينبني ويتطور في جريان العملية التنظيمية التكوينية والممارسة الحياتية النوعية.
- إن الممارسة في صفوف الجماهير تنطلق من معرفة الواقع وحقائقه...
- المعرفة تكمن في الممارسة اليومية والنضال العام للحزب.
- استلهام المعرفة العلمية / النظرية وامتلاك المنهج العلمي لقراءة الواقع واستخلاص النتائج... وأن الواقع التجريبي يكون مقياس الواقع النظري...
- أنه في مواجهة مشكلات الرفض/الصمت/اللامبالاة (الجماهيرية) علينا أن ندرك الأسباب والمكونات التاريخية والأيديولوجية الكامنة وراء هذه المشكلات، وأن نعمد إلى أساليب وصيغ بيداغوجية تدريجية...لإشراك الناس في التعبير عن حاجياتهم الحقيقية المرتبطة بمختلف ضروب الحياة، وربطها بالمتطلبات الجوهرية للمرحلة كالحاجة إلى التنظيم والوعي والتثقيف وتحقيق الديموقراطية... – مع اعتماد المبادرة والمساهمة والنموذجية سيرة وسلوكا - ولقد قدم الحزب مخططاً للعمل في صفوف الجماهير وهيكلة تنظيمية لذلك .
ويتوفر الحزب على مجموعة وثائق في الموضوع من المفروض أن تكون محط دراسة وتنفيذ ليتم إغناءها ومراجعتها وتطويرها بما يناسب كل مرحلة يجتازها الحزب.
إلا أنه وللأسف ومن موقع المسؤولية نلاحظ قصوراً ملموساً في هذا المجال الخطير الإستراتيجي لذلك فأنني أسجل باعتزاز وتقدير اهتمام الأخوة بهذا الموضوع الخطير الذين عبروا باستمرار عن وعيٍ كبير بالقضايا الجوهرية التي يواجهها الحزب، وعن إدراك متقدم للأولويات التي يحتل فيها المجتمع المدني كمجال للصراع وللتنظيم أولوية ستثير العديد من القضايا الفكرية – للمراجعة والتطوير – بما هي قضايا من صلب اهتماماتنا كاشتراكيين علميين.
وفي نفس الآن تنفيذاً لقرارات المجلس الوطني(10ماي98) وخاصة فيما يتعلق بطرح القضايا على أساس ملفات وبرامج وبدائل في كافة المجالات والقطاعات...
وعلينا أن نفكر في طريقة عملنا مستقبلاً كحزب وكفصيل من فصائل اليسار، عملنا وسط الحركة النقابية والمنظمات الجماهيرية والمجتمع المدني، حول الملفات الكبرى التي سنصطدم بها... (أنظر ص7و8 من النشرة الداخلية 10 ماي 98).
في إطار هذا التوجيه أساهم في معالجة الموضوع الذي حددتموه لي "الحزب والمجتمع المدني" وفق الخطاطة التالية:
-;- دعوة إلى المراجعة ونداء للتجديد.
-;- بعض المفاهيم والمقولات الأساسية في المجتمع المدني.
-;- في نقد التصورات والمفاهيم الخاطئة.
-;- المجتمع المدني بنية نظرية وممارسة عملية متكاملة.
-;- الحزب والتنظيمات الجماهيرية القائمة.
-;- الحزب والمجتمع المدني: خطوة كبيرة للانتقال للجبهة.
-;- جرأة المراجعة والتقييم؛ دعوة إلى التجديد
قوى اليسار وفي مقدمتها حزبنا مطالبة أن تعمل كل من موقعها، على حل الإشكاليات الكبرى المطروحة، ومطالبة أن تحل وتحسم مدخلات المرحلة الأزموية/التي يمر بها الفكر والممارسة ذات المرجعية الاشتراكية.
وذلك بمراجعة أسس ومنطلقات الأزمة الكبرى أزمة الانهيارات الفظيعة.
مراجعة الأفكار والتصورات وأشكال الأداء وأسباب الإعاقة وعوامل الإحباط، مراجعة صريحة شجاعة وجريئة تعتمد المنهج العلمي، تتناول الأحكام القيمية والأحكام الناجزة، والقرارات القبلية التي طالما صادرت من داخل رحاب الاشتراكية العلمية (الماركسية) العديد من الأفكار والنظريات وأدخلتها إلى الظل إن لم نقل قامت بإعدامها، لأنها لم تتوافق ووصفات جاهزة أو قوالب مصونة لا يأتيها الباطل من أي صوب.
و لقد طالت تلك الهجمة الاجتهادات والآراء. كما طالت المقولات والمفاهيم وبسطتها واختزلتها, بل وفسرتها بسطحية قل نظيرها. الأمر الذي نضب معه معين الإبداع والخلق، وانتكف معه العديد من المفكرين والأطر القيادية المجتهدة إلى الصمت والإحباط حتى لا تعلق بهم نعوت وأحكام جاهزة بدورها وقابلة للتنفيذ.
وحزبنا وهو ينخرط بشجاعة في هذا النهج من المراجعة وهذا المسار من العمليات النقدية، معطيا انطلاقة القراءة العميقة لكل التراث الاشتراكي بمختلف معطياته، وبالأساس أدبياتنا الإيديولوجية، وبرامجنا السياسية وصيغنا التنظيمية في محاولة لاختبار أطروحاتنا وتحاليلنا وخططنا وما أضفناه من إنتاج نظري للفكر الاشتراكي وما استطعنا أن نجزه من برامجنا على المستوى العملي...هادفين من ذلك كله أن نتسلح برؤية موضوعية متكاملة عن برنامجنا في النضال الديموقراطي دون تمجيد مبالغ فيه ولا انكفاء عن الذات، وفي نفس الآن بلا قسوة على هذه الذات...
في هذا الإطار سنتدارس اليوم موضوع من أكثر المواضيع مدعاة للجدل بالرغم من كونه في نظرنا من أهم الموضوعات التنظيمية والتعبوية والفكرية التي أسالت الكثير من المداد أيضا كمضمون نظري عريق في التاريخ إنه موضوع (المجتمع المدني والحزب).
وقبل الدخول في تفاصيله ومعطياته وأسسه النظرية، أستسمحكم أن نراجع بعض المفاهيم والمقولات التي سنحتاج إليها في تناول هذا الموضوع، ودونها سنكون كمن يتناول أكلة دون أن يعرف محتوياتها في أقل التقديرات...
ما الحزب ؟
يعرف الحزب بأنه الجزء الأكثر فعالية وتنظيما من طبقة أو فئة أو إئتلاف طبقي، وارتبط الحزب بالانقسامات الطبقية والمصلحية التي عرفتها المجتمعات حيث لم تعد تلك الطبقات متجانسة واختلفت مصالحها وسيطرة طبقة معينة على السلطة والثروة والتوجيه الإيديولوجي، فيكون الحزب أهم أداة تستخدمها الطبقة أو إحدى فئاتها الواعية لاستمرار سيادتها... وتعتمده فئات وشرائح من طبقة معارضة لرفع رفع هيمنة الطبقة النقيض أو التخفيف من سيطرتها أو اقتسام الحكم معها...الخ
والحزب يعمل عن وعي وتدبير وتخطيط لتحقيق أهداف سياسية معينة أهمها الوصول إلى السلطة لتنفيذ برنامج أو برنامجا مشتركا مع تحالف معين يتقاطع معه كلا أو جزءا في الأهداف والاختيارات؛ والحزب تنظيم اجتماعي طوعي يجمع أعضاؤه حول مبادئ واختيارات معينة وغايات سياسية محددة.
ويهدف أساساً إلى تنظيم المجتمع وقيادة النضال للحصول على السلطة لتنفيذ نهجه والحزب جزء من البناء الفوقي، وهو عكس المنظمات الاجتماعية (النقابية والثقافية والعلمية والرياضية والخيرية...) ينتمي للمجتمع السياسي، كالسلطة والدولة. وللحزب السياسي أساليب الإقناع والتبشير بالأفكار والبرامج وتوحيد المنتمين والمناصرين معتمداً قوته المادية الملموسة؛ الأفكار والتنظيم والأموال والإعلام...
وقد يحتاج الحزب الطبقي لكي يعبر عن مصالح فئات اجتماعية ومجاميع مختلفة داخل الطبقات الكادحة والمتضررة متواصلا معها عبر أقنية جماهيرية وتنظيمات وأحزمة يمرر من خلالها توجهات وخيارات وبرامج للإنجاز في المجالات الثقافية والاجتماعية... ويبحث الحزب الاشتراكي العلمي عن تحالفات ويهيئ الأرضية الملائمة لذلك، ليتمكن من الدفاع عن المصالح الحيوية للطبقة العاملة وعموم الكادحين... وباقي الحلفاء
المجتمع المدني
المجتمع المدني يمكن تعريفه نظرياً(حسب القراءة الغرامشية) بأنه المجال الأكثر تنوعاً وغنىً للمعرفة الاجتماعية والفلسفية، أي أنه مجال للدراسة والبحث والتحليل الفلسفي. وهو مجال للممارسة التنظيمية والسياسية والتربوية وهو ثالثاً مجال للهيمنة.
ومفهومه لا يستقيم إلا ضمن رؤية الاشتراكية العلمية، أنها الحرية الواسعة والشاملة كاختيار جمعي وضد الجمود العقائدي.
ولا يمكن لمفهومه أن يتضح إلا ضمن مضمون ديموقراطي متعدد الأبعاد.
والمجتمع المدني باعتباره مجالاً للمعرفة الاجتماعية والفلسفية، فأنه يُدرس ويُحلل ضمن مقولة البنية الفوقية وليس العكس. وحيث أن هذه البنية شديدة التعقيد والتنوع فإنها تحمل العديد من الأفكار والتصورات الحقوقية والدينية والفلسفية والأخلاقية والجمالية والسيكولوجية والاجتماعية وكذا المشاعر والميول... ولكل هذا انعكاساته المعبر عنها من خلال مؤسسات ومنظمات وجمعيات...
والمجتمع المدني حقل وميدان للصراع بين الدولة البورجوازية باعتبارها المؤسسة المهيمنة والمستحوذة على قيادة المجتمع السياسي من جهة وبين الأحزاب المناهضة لها والمعبرة عن مصالح طبقية قصد هيمنة ناشئة من جهة أخرى.
وتكوينات المجتمع المدني من مؤسسات ومنظمات مختلفة، قانونية ومطلبية متعددة الاهتمامات (ثقافية-علمية-بيئية-إعلامية..) تمثل كلها مجالات للصراع وللسيطرة والمصادرة. لأنها وسيلة هامة من وسائل الصراع الطبقي. وهذه المقولة تجعل علاقات الإنتاج تحتل درجة متأخرة – باعتبارها أي علاقات الإنتاج مقولة تقليدية وأرثوذكسية معبرة عن التوجه الاقتصادي - وفي ضوء هذا التفسير المغاير لما كان متبعاً يصبح العمل داخل المجتمع المدني –ومن خلال تنظيماته المختلفة والمتعددة وبكفاءة واجتهاد المثقف العضوي/الطليعي - أكبر عملية نقل للاشتراكية العلمية، من شكلها التجريدي المنطقي التاريخي إلى الشكل الممارساتي المشخص. بمعنى التحويل الخلاق لنوع راق من الثقافة المعاصرة؛ ثقافة الحرية والعدالة والديموقراطية والمساواة إلى الوعي الشعبي أي تصبح ثقافة جماهيرية وليست نخبوية.
العلاقة المندمجة بين الحزب والمجتمع المدني
يتجلى الاندماج انطلاقاً من اعتبار الحزب "مثقفا جمعيا" يعمل من خلال ممارساته وبرامجه الموجهة إلى الأوساط الجماهيرية بالمجتمع المدني أي من خلال مؤسسات المجتمع المدني المنظمة التي ينشئها وينظمها الحزب، لبناء كتلة ثقافية (بأخلاق وقيم وتوجهات ومطالب ومتمنيات وتطلعات) ستسهم في طرح الخيارات الثقافية التي تعتبر ركيزة كل تقدم وكل تطور. وبواسطة هذه التنشئة الاجتماعية المتعددة الاختصاصات تحدث أكبر قفزة نوعية للتغيير، وهي نقل الجماهير من أسر الأيديولوجية الرجعية إلى مستوىً من الوعي التحرري (أي الانتقال من الغريزة الطبقية إلى الوعي الطبقي-غرامشي-)
هذه العلاقة المندمجة والأساسية أملتها الضرورة المترتبة عن المعضلة التي تشل النضال السياسي، إنها معضلة الجهل/الأمية والتخلف الثقافي والفكري.
إن السيطرة المخزنية ارتكزت إلى القمع بكل صفاته البشعة وأشكاله المدمرة بما فيها التجهيل وتعميم الأمية. وتتوج هذا النهج من خلال ثقافة التضليل التي تشيعها أحزاب التناوب المخزني وما تتوفر عليه من (رصيد) ستحوله لشعارات للتلهية والانتظارية...
لأجل مقاربة بين المناضل الطليعي والمثقف العضوي.
• إن المناضل الطليعي لا يمكنه إلا أن يكتسب عن جدارة واستحقاق مفهوم ومواصفات المثقف العضوي، لأن دوره هو أن يقوم بمهام التنظيم والتثقيف والتوجيه الجماهيري باعتباره ناشراً للوعي، وباعتباره المعلم والقائد والموجه للحركة الجماهيرية في مجال من المجالات. ومادام المثقف العضوي / الطليعي ينتمي إلى المثقف الجمعي فأن المهام والوظائف التي ينجزها تعبر عن خيارات وبرامج وتوجهات (الحزب) للتأثير على الرأي العام وتكييفه مع متطلبات المرحلة.
لأن المعطى النظري التجريبي أكد أن كل جماعة تدرك حاجياتها ومطالبها المتوقعة والمحتملة والضرورية وتبحث عن إمكانيات الاستجابة لتلك الحاجيات(أنها تشعر بنوع من الانتماء) وعندما يلتقط الحزب إشارتها المبنية على البحث والتنقيب، فإنه ينجز من خلال مناضله الطليعي/العضوي وظيفة التأطير للجماعة، وإذا لم تجد الجماعة إياها هذا المثقف العضوي فإنها تخلقه لأن حاجتها إلى من يعبر عنها وعن مطالبها ووظائفها وحاجياتها، وقد يكون هذا الخلق مشوهاً، وقد يكون مضادا ورجعياً.
وليكتسب المناضل الطليعي مواصفات المثقف العضوي ضروري أن يلتحم بالواقع الفعلي للجماهير وللصراع الطبقي وأن يتميز بالوعي والانضباط والأخلاق النضالية العالية.
الوعي الاجتماعي وعي جمعي:
إن الوعي الاجتماعي تحفزه وتبنيه المصالح والقيم والأفكار والمبادئ والمثل التي تتربى عليها جماعة تشارك في نشاط حيث تتلقى محفزات ومثيرة محركة تترجم في أعمال وتصرفات تلك الجماعة الجماهيرية.
والوعي منظومة معقدة من العمليات العقلية التجريدية التي تتأثر بعوامل موضوعية وأنشطة ومثيرات داخلية وخارجية وتغيرات دينامية، ناتجة عن توترات وأزمات ورغبات ينشأ على إثرها وعياً انتقادياً ومناوئاً يكون بدوره حافزاً لتدقيق المواقف والأهداف والأولويات وتحديد الوسائل والأساليب والكيفيات والانخراط في الإنجاز.
والوعي معناه الواسع؛ المعارف والمثل والبواعث والحوافز والتطلعات والتصورات والغايات والوسائل والمواقف والأمزجة والأحكام والمقاربات وكل ما يدخل في النشاط العقلي الفعال، إنه أداة للموقف الإبداعي الفاعل في الواقع الموضوعي قصد تغييره أو خلقه.
إن هناك ثلاث مفاهيم كبرى في نظرية المجتمع المدني التي ترتكز إلى التاريخية كفلسفة وكتصور للواقع.
هذه المفاهيم هي: المثقف الجمعي الحزب كموجه/قيادة ثقافية وإيديولوجية
المثقف العضوي كفاعل يجسد اللحمة بين النظرية والعمل
المجتمع المدني كمجال للتنظيم وحقل للصراع/ مقولة فلسفية واجتماعية
انطلاقاُ من هذه المقاربة ما هي المعيقات النظرية والمنهجية التي تحد من إمكانية تطوير أدائنا في صفوف الجماهير بالرغم ما نتوفر عليه من مقررات ودراسات ونشرات للإنجاز والتنفيذ.
نقد التصورات والمفاهيم الخاطئة:
نحن نريد أن ننتقد التصورات والمفاهيم الخاطئة التي يمكن أن تلعب دوراً معرقلاً في تحقيق هدفنا الاستراتيجي "المعبر عنه" والذي أداتنا إليه الجماهير الواعية المنظمة التي لها رغبة أكيدة وممارسة حقيقية من أجل تحقيق الديموقراطية على طريق الاشتراكية بكل مضامينها الشاملة والسامية.
وأهم هذه التصورات الخاطئة التي ينجم عنها عرقلة وتعطيل سير أي منظمة من منظمات المجتمع المدني، لأي سبب من الأسباب، وبخاصة لما يكون ذلك صادراً عن مناضلين أو مناضلات من نفس الحزب ولحسابات غير نضالية ولاحزبية.
كما أنه من أخطر المفاهيم الخاطئة الدعوة إلى انغلاق الحزب بدعوى أن أي انفتاح معناه التخلي عن المبادئ والخيارات والضبط (وكذا) في زمن التواصل وزمن التداول الواسع للمعلومات. إن الدعوة للانغلاق معناها الانغلاق الفكري والانغلاق التنظيمي والانكفاء على الموارد الذاتية والتقوقع والتكلس...
والحزب كي يكون وفياً لأهدافه في النضال الديموقراطي والتي لا يمكن تحقيقها إلا ببناء تنظيمات المجتمع المدني التي تغذي الحزب بمختلف حاجياته. بالإضافة لضرورة الرد الحاسم والتنظيمي على مأزقية الوضع الراهن الناتجة عن انتكاسة القوى اليسارية الدولية والقومية وانعكاساتها الخطيرة قطرياً حيث بقي حزبنا وبعض الحلفاء (المتوقعين) والمحاصرين نحمل مشعل النضال والكفاح من أجل تحقيق ديموقراطية من الشعب وإلى الشعب. ولقد انهارت قوىً كانت محسوبة على الصف التقدمي والوطني لتشارك في التناوب المزعوم، بعد أن كانت قد صدت عن دعوتنا للجبهة. ولقد انحازت هذه القوى وتمترست في خندق (المخزن). وقد أصبحنا في وضعية تتطلب تجميع قوى الشعب الكادح من فئات وشرائح واعية وتنظيمها من خلال روابط الأحياء وروابط الصناع والحرفين والتجار... ومجالس العمال والعاملات ولجن مختصة وجمعيات ومنظمات اجتماعية وثقافية وتربوية وفنية ومراكز للبحث والدراسة ومختلف تنظيمات المجتمع المدني وجعلها قوى للتربية والتثقيف الجماهيري وكذا آليات للتحريك والضغط من أجل المطالب وتحقيق الوسائل والتجهيزات التي تمكن تلك الجماهير من التربية والتثقيف...
إننا لا يمكننا أن نستكين للانتظارية والتفرج عن الواقع وكلما طرحت قضية من القضايا التي لها علاقة بتعبئة الجماهير ومواقفها نكون في وضعية من لا حول له ولا قوة الأمر الذي يجد معه دعاة التقوقع والانكماش ما به يبررون تخاذلهم وانسحابهم الأمر الذي يحقق للقوى المخزنية الرجعية مخا تتمناه من إقصاء لنا وإبعاد يريحها من متاعبنا ومطالبنا التي لا تقبل الإرجاء ولا التأخير وهكذا يحسم الموقف لصالح قوى التحالف المخزني اليميني التي تخلو لها الساحة كي تمرر من المواقف ما تريد... وتستمر هيمنتها دونما تخفيف أو حد من تفاقمها وتصرفاتها الأمر الذي يخل بالتوازن الاجتماعي والسياسي... ويفرغ النضال الديموقراطي من محتواه، حيث يفقد المجتمع المدني شروط نموه كمقولة وكواقع ويجعل الحركة الجماهيرية في وضعية انفعالية قابلة بالاستسلام كقدر وقضاء. إن الشرائح والفئات الواعية من الجماهير والمثقفين المفترض عضويتهم أمام المواقف السلبية للقوى الديموقراطية الجدرية، وضعف حضورها السياسي والثقافي والتربوي والتنموي... في مختلف الحقول التنظيمية الجماهيرية إلى انعدامه أدى بتلك الشرائح والفئات إلى نوع من اليأس ونوع من الإحباط بل لم تعد البيانات والشعارات موضوع اهتمامهم وعنايتهم وإن استمرار تزايد الأزمات وتصاعد ثقل المعاناة، وما يتهدد المجتمع من مخاطر بشكل طردي وما تقوم به القوى الانتهازية من تغليط وتضليل في الساحة الجماهيرية بواسطة وسائل إعلامها الواسعة الانتشار كل ذلك له تأثيراته الخطيرة...
ومطلوب بإلحاح الانفتاح على المثقفين والشرائح الواعية من الجماهير وإخراجها من ضياعها:
• بإبراز المصالح والحاجيات المشتركة بين مكوناتها.
• بإعلان المخاطر التي تتهدد كيان المجتمع وتتهدد شرائحه وفئاته
• بنشر الدراسات والأبحاث التي تتناول مختلف متطلبات البناء الديموقراطي التنويرية والسياسية والفكرية...
• بفتح الاتصالات على مستوى كل إقليم مع عناصر تلك الفئات والشرائح قصد تأسيس ما يناسب التنظيمات...
إن ما يعترضنا أحيانا قد يكون الفهم المغلوط للكثير من الأطروحات الاشتراكية العلمية أو الرؤية التقديسية للمفاهيم والنصوص إلى درجة أن البعض يرى في من يجرأ الدعوة إلى مراجعتها يكون منحرفا أو مندسا...غير أن جميع مفكري الاشتراكية العلمية يعتبرون أن الفكر الاشتراكي العلمي كفكر حي قابل للنمو والتطور والتجديد والتغيير في ظل معطيات الواقع الموضوعي القائم؛ غير أنه لاعتبارات تاريخية وظروف محددة علقت به ملابسات وتأويلات وتقديس للنصوص وصل حدود الثبات أدى إلى نوع من الجمود العقائدي وإلى أخطاء جعلت قوى الاشتراكية تصاب بالتكلس والجفاف الفكري وما نجم عن ذلك من نتائج رهيبة...وإنه من الضروري حفاظا على ذلك الحلم الجميل الذي كثيرا ما دغدغ تطلعات الكادحين وحفز هممهم للنضال والتضحية ينبغي أن نناضل فكريا ضد دعاة الجمود وضد سدنة تقديس النصوص وما يروجونه من أفكار خاطئة ولا تاريخية وأطروحات ميكانيكية وسطحية، وإن اقتضى الحال خوض المعارك العلنية ضدهم دون حرج ولا تملق لأحد.
علينا أن نعلم بأن الهيمنة والشمولية كانت سببا فيما طال النماذج البيروقراطية من أخطاء قاتلة وأن الاشتراكية مطلب أممي تلتقي حوله تجمعات بشرية كبرى عبر مسارات من التطور والنمو يترتب عنها تحولات تاريخية بسبب الوعي الاجتماعي العام. وأن الاشتراكية بدون ديموقراطية ودون تعددية تكون خيارا مشلولا مهددا بالبيروقراطية وفاقدا لشرط من شروط وجوده النظري وهو الجدل، وأن الاشتراكية بدون عمق إنساني تخلو من الروح والمعنى وأنها دون حرية ودون عدل تكون باردة وكئيبة وبلا أفق. إن الديالكتيك يقول بالنقائض وبالرأي والرأي الآخر وبنفي النفي...
علينا أن نوضح بشكل علمي لا يقبل اللبس ولا الغموض أننا كاشتراكيين علميين نقبل بالاقتصاد المختلط ونقل بالتعددية السياسية وبالاحتكام لصناديق الاقتراع ونقبل باقتسام السلطة على قاعدة برامج تخدم مصالح الشعب وتسهم في تقدمه وارتقائه فقط إننا نستحضر البعد الاجتماعي في برامجنا التي نميز فيه بين ما هو استراتيجي حيوي وما هو مرحلي ثانوي بين ما هو خاص وما هو عام، بمعنى أننا نؤمن بتخطيط حاجياتنا ومقتضياتها ونطالب كل قطاع من القطاعات ( العام، والخاص، والمشترك، التعاوني...) بالمساهمة في تخطيط تلك الحاجيات والمقتضيات والعمل على تحقيقها مع مراعاة معايير الجودة وتوفير أكبر قدر لإشراك العمال كمنتجين لا كمأجورين فقط مع توفير شروط الحماية لمختلف أطراف الإنتاج بما يفي بالحاجيات الاجتماعية الحيوية ويحقق مستوى من التنافسية التي تقتضيها حرية السوق الدولية ...
وهذا ما سيجعلنا قادرين على إدماج الفئات والشرائح المنتجة من مهنيين وصناع وحرفيين في تنظيمات المجتمع المدني وآلياته النضالية من أجل التنوير والديموقراطية تلك التي نعتبرها جميعا ركيزة أي نماء أو تطور وهذا ما سيجعلها تخفف من الاستغلال والجشع لصالح التنمية والارتقاء بالإنتاج...
علينا في هذه المرحلة التاريخية من التحالفات الواسعة أن نشيع اختياراتنا الأساسية في الدولة الديموقراطية من حيث أنها دولة الوفرة والكفاية دولة العدالة في التوزيع، دولة إرضاء الحاجيات، ورعاية الكفاءات والإبداعات، دولة الحقوق والواجبات والعدالة وحكم القانون وفصل السلط، وتحقيق وحماية الحريات الفردية والجماعية دولة المواطنة الحق الغنية بمعاني الحقوق والكرامة والعزة والتضامن والبذل والعطاء والخلق والإبداع...إننا كاشتراكيين علميين لن نتحرج أبدا في طرح خيارنا الديموقراطي الذي نبغي أن تجمع حوله أوسع قوى المجتمع المدني وإن اختلفت في انتماءاتها الطبقية.
حركة الحزب في المجتمع المدني – خطوة على طريق بناء الجبهة
إن أنشطة الحزب في المجتمع المدني وحركيته الجماهيرية الواسعة والتعبئة الإعلامية ، ستعطي صحيفة الحزب إمكانية كونها المعبر الأمين عن مطالب ومشاغل وتنظيمات المجتمع المدني فبالإضافة إلى تعبيرها عن المواقف المبدئية للحزب وقضاياه ووجهات نظره في السياسة المتبعة _ فإن الجريدة عن توجيه وإصرار تتحول ضمن هذه الإستراتيجية إلى مدرسة لعموم جماهير المجتمع المدني, وستكون وسيلة تعميق وتأكيد الحاجة الاجتماعية للتنظيم. وستستقطب اهتمامات القوى النازعة إلى التحالف والقوى الوحدوية. وكما أنها ستكون المنبر الأمين لكل المثقفين العضويين والانتيليجنسيا التي تلتقي جزءاً أو كلاً مع الأهداف والاختيارات المعبر عنها.
جريدة لأجل التفاهم المشترك ولأجل النضال المتعدد الجبهات ولأجل الخبر الصادق – وحيث أن الحركة الحزبية في صفوف الجماهير، ولأجل تأطير وتنظيم المجتمع المدني وإبراز قضاياه وهمومه ومشاكله ومواقفه، فإن الموضوع سيفتح العديد من الإمكانيات للسير اتجاه الجبهة الوطنية الشعبية، حيث تبتدئ الخطوات إليها بأشكال من التحالفات الأكثر جماهيرية والأكثر اجتماعية والأكثر مطلبية، ستكون البدايات بأشكال من التعاون القابل للتطور حيث بقدر تطور تلك التنظيمات بقدر ما تدلل العقبات وتخفف التناقضات وتتحقق المكاسب. والحزب يقبل التعاون مع القوى (التنظيمات والجمعيات) من أجل ضمها إلى تنظيماته الموازية في ممارسة نضالية مشتركة، كشكل من التعاون التكاملي تحقيقاً لأهداف جبهوية " محدودة ".
فالحزب يبحث عن علاقات ديموقراطية يقيمها مع تنظيمات مختلفة، ويسهم مع تلك التنظيمات في بلورة اتجاهات وخيارات معبرة عن المضمون الاجتماعي المطلبي للمرحلة أي يتكامل معها ويساهم في تحديد الأهداف الواضحة والبرامج المحددة والمتكاملة حقوقياً وثقافياً وتربوياً واجتماعياً ومطلبياً، ويعبئ طاقاته للمساهمة في إنجاز وتحقيق تلك الأهداف والبرامج.
وعبر صيرورة من العمليات والمبادرات (المنوه بها سابقاً) يصل التحالف إلى مراحل أرقى تبحث فيها هذه القوى عن القيادة المرشحة لتوجيه وتسيير تحالفاتها وقيادتها وخلال هذا المسار تنحل علاقات وتنشأ أخرى، وتتطور برامج وتوحد تنظيمات وتتبلور مواقف وتوجهات جديدة وآفاق.
وأمام العسر الذي واجه طرحنا الجبهوي وما حصل، فإننا في حاجة ماسة إلى تطوير وتجديد هذا الطرح الجبهوي، ليصبح موجها نحو تنظيمات المجتمع المدني وجماهيرها وليس اتجاه القيادات والزعامات، ضرورة توسيعه من خلال طرح اهتمامات فئات وشرائح اجتماعية متوسطة ومتضررة أيضاً.
إن الجبهة التي نحن بصددها هي الخلاصة المركزة لعملنا الدؤوب في صفوف المجتمع المدني. إن تكوين أغلبية جماهيرية وجعلها تلتف في نفس الآن حول مطالب متعددة؛ ثقافية حقوقية اجتماعية -روابط الأحياء-
مطلبية –روابط التجار والصناع والحرفيين والنقابات التي بقيادتنا.
كل هذا المجموع سنطلق عليه البرنامج النضالي متعدد المهام للجبهة. كقوى متعددة وتكوينات وتحالفات وائتلافات وقتية
(آنية) واستراتيجية وحدوية، قد تصل في النهاية لتكون حزباً أكثر تنظيماً وأرقى برنامجا ...
ولكي نصل إلى هذا الهدف والغاية يتطلب الأمر:
ـ ضرورة التوفر على برنامج عام مشترك / أو برنامج مرحلي يتم الاتفاق عليه ـ يتم الانضمام إليه ـ يتم الانضمام إلى جزء منه...
ـ البرنامج يعكس الأهداف والمصالح المشتركة ـ يستقطب تعاون خلال مرحلة مشتركة...
ـ البرنامج لا يضر بمصالح القوى المتحالفة
ـ قد يعبر البرنامج على مصالح أكثر من طبقة لكل منها نقط في البرنامج مقبولة من جميع الفرقاء، مع تجنب القضايا التي تثير حساسية هذا الطرف أو ذاك...
ـ ينعكس البرنامج في بيان أو ميثاق بنود محددة...
ـ البرنامج يعتمد البحث عن تسويات.
من الطبيعي أن الأمور لا تكون دائماً كما هو مخطط لها، وقد تتعرض البرامج للاهتزاز. لكن أهم شيء هو المحافظة على الاستمرارية والضغط بوسائل غير مباشرة.
وعلى المناضلين أن يعرفوا أن الجبهة لا تعتبر الخلاف الإيديولوجي عرقلة في بناء التحالفات مع القوى الديموقراطية والوطنية.
*بالنسبة لتنظيمات المجتمع المدني ضروري إنماء الثقة معها والمحافظة على استقلاليتها التنظيمية والجماهيرية والمحافظة على مبدأ التقدمية والعلمانية كصيانة لها من الاختراق والمحافظة على مبدأ الديموقراطية.
تنمية روح الإخاء والتعاون بين التنظيمات.
الاتفاق على حق الانتقاد الرفاقي/الأخوي لتعزيز التضامن وصيانته وتجنب الوقوع في الأخطاء/وعرقلة سير التنظيم.
التأكيد على أهمية العمل الوحدوي.
إبراز الجوانب التي تخدم المصالح المشتركة.
التحفيز لأجل اتخاذ المواقف الصالحة للمرحلة.
- See more at:
http://www.ssrcaw.org/ar/show.art.asp?t=2&aid=475228#sthash.l4fgbSb9.dpuf