04 سبتمبر 2014 بقلم
محمود كيشانه قسم:
الفلسفة والعلوم الإنسانية تحميل الملف حجم الخط
-18
+ للنشر:ملخص الدراسة:
المسؤولية والجزاء أحد الأسس المهمة التي لا تقوم أية فلسفة أخلاقية بدونها؛ فالمسؤولية والجزاء مبدأ أخلاقي صرف؛ فما دام الإنسان يمتلك حرية إرادة فهذا يعني أنّ هناك مسؤولية ملقاة على عاتقه، وهذه المسؤولية يتلوها جزاء، إنْ خيرًا فخير، وإنْ شرًا فشر، وقد أسقطت الاتجاهات النفعية القديمة والحديثة هذا المبدأ الجوهري، أو على الأقل فهمته فهمًا يؤدي به إلى تفريغه من مضمونه ليكون شيئًا آخر لا يمتّ لمعناه الأصلي بِصِلة. مع أنّ هذه الاتجاهات لو تمعنت قليلاً لوجدت أنّ المسؤولية ـ كما فهمها المحققون ـ أساس خلقي لعمارة الكون وتنمية الحياة الإنسانية.
[1]فالمسؤولية لازمة من لوازم الحرية؛ إذ ما دام الإنسان حرًا فلا بد أن يكون مسؤولاً، والحرية تعني القدرة على الاختيار وعلى المفاضلة بين الأفعال، كما تعني شعور الفرد بقيمته وأهليته لتحمل نتائج أفعاله، فمن الطبيعي بعد هذا أن يكون مسؤولاً عن أفعاله، بخلاف الشخص المقيد بقيود داخلية أو خارجية فإنه يجد لنفسه العذر في عدم إمكانه الوفاء بالتزاماته، وعدم مسؤوليته عن ذلك.
[2] ومن ثم، فقد أدرك الفارابي أنّ الإنسان مخلوق مكلف مسؤول، وهذه المسؤولية وذاك التكليف أبانت عنهما ـ في تأكيد للدكتور أبي اليزيد العجمي ـ العديد من الآيات والأحاديث النبوية، كمظهر من مظاهر الأهلية والتكريم.
[3]ومن ثم لا تُفهم فلسفة الأخلاق عند الفارابي كاملة بدون مسألة المسؤولية والجزاء، وقد كان ولوجه لتلك المسألة وحديثه فيها نتيجة ضرورية ومنطقية لتأثيرين ظاهرين عليه:
أ- الاعتقاد الديني.
ب- الاعتقاد الفلسفي، خاصة ما تأثر فيه بأفلاطون وأرسطو.
إذ كانت محاولات الفارابي واجتهاداته وآراؤه وأفكاره الفلسفية نتاجًا طبيعيًا لمحاولة التوفيق بين الفلسفة والدين، وكانت نتاجًا طبيعيًا لتأثره بهما في أغلب آرائه؛ فقد كان من الطبيعي إذن أن تشمل فلسفة الأخلاق عنده بعدًا مهمًا في تنظيرها وتقعيدها، وهو البعد الخاص بالمسؤولية والجزاء. وعليه، فإنّ المسؤولية قد شغلت حيزًا من هذه الفلسفة، لكنّ الفارابي كان له رأي خاص ربما لا نجده عند أحد من الفلاسفة غيره، وهذا ما سيظهر في السطور القادمة.