** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh

موقع للمتابعة الثقافية العامة
 
المثاقفة والاتصال بالآخر فى الحضارة العربية محمد حافظ عبد الحليم I_icon_mini_portalالرئيسيةالأحداثالمنشوراتأحدث الصورالتسجيلدخول



مدونات الصدح ترحب بكم وتتمنى لك جولة ممتازة

وتدعوكم الى دعمها بالتسجيل والمشاركة

عدد زوار مدونات الصدح

إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوع
 

 المثاقفة والاتصال بالآخر فى الحضارة العربية محمد حافظ عبد الحليم

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
نابغة
فريق العمـــــل *****
نابغة


التوقيع : المنسق و رئيس قسم الفكر والفلسفة

عدد الرسائل : 1497

الموقع : المنسق و رئيس قسم الفكر والفلسفة
تعاليق : نبئتَ زرعة َ ، والسفاهة ُ كاسمها = ، يُهْدي إليّ غَرائِبَ الأشْعارِ
فحلفتُ ، يا زرعَ بن عمروٍ ، أنني = مِمَا يَشُقّ، على العدوّ، ضِرارِي

تاريخ التسجيل : 05/11/2009
وســــــــــام النشــــــــــــــاط : 2

المثاقفة والاتصال بالآخر فى الحضارة العربية محمد حافظ عبد الحليم Empty
29062015
مُساهمةالمثاقفة والاتصال بالآخر فى الحضارة العربية محمد حافظ عبد الحليم


2015-06-23
المثاقفة والاتصال بالآخر فى الحضارة العربية
المثاقفة والاتصال بالآخر فى الحضارة العربية محمد حافظ عبد الحليم Iq%281%29
أدرك العرب مبكرا قيمة التواصل الثقافى بين الامم والشعوب ودوره فى تحقيق التلاقح المطلوب لإنجاز التراكم المعرفى الذى يمهد لميلاد حضارة جديده،ففى حالة الحضارة العربية الاسلامية كان الانفتاح على الآخر ايجابيا تضافرت خلاله ظروف ذاتية كالقيم التى جاء بها الاسلام ليحض أتباعه على ملاحقة الحكمة أينما كانت واعتبارهم هم الاولى بها،وظروف أخرى موضوعيه ارتبطت بحركة التوسع الجغرافى ودخول شعوب متعددة اللغات والهويات الثقافيه فى الاسلام. والصلة بين الشرق والغرب اتخذت عبر تاريخها أشكالا متعدده منها الصدام والمواجهة والحروب، ومنها الشكل الثقافى الذى تمثل فى تدشين حركة الترجمة من اليونانية الى العربية فى العصر العباسى، تلاها ماقام به بعض المستعربين من اللغة العربية الى اللغة اللاتينية التى كانت لغة القرون الوسطى فى الغرب الاوربى. ولقد كان لهذه الصلات فى شكلها الثقافى دورا بالغا من جهة التأثير والتأثر، فإن كان الغرب يتباهى حاضرا بأنه حمل الى العالم القيم التنويريه التى رسخت لقيام العقلانية والديموقراطية وحرية المعتقد ودولة القانون وتحرير المرأة وغيرها، فقد كان الشرق سباقا" فى الماضى هو الآخر بإيصال الفلسفة والعلم الى الغرب لدرجة تجعل من الصعب تصور الحضارة الغربية بدون ثمار العلم العربى وابداعاته المشهوده فى هذا المضمار، مما يدفعنا للتساؤل : كيف استطاع الشرق العربى انجاز ذلك ؟ لقد نجح الشرق العربى فى الوصول الى درجة عاليه من المثاقفة خلال القرنين الثالث والرابع الهجرى ، تمت على أثر التمازج الذى حدث بين شعوب مختلفة الثقافات ماأدى الى اطلاق قوى المجتمع نحو تعرفها على ثقافات بعضها البعض بمشاركة جميع النخب الاجتماعية والاقتصاديه والسياسية والثقافية ، فكان تأثر وتأثير الحضارة الاسلامية بالحضارات الاخرى واضحا وحاضرا سواء التأثيرات العلمية واللغوية والادارية والاقتصادية وغيرها. في ماهية المثاقفة: ونقصد بالمثاقفة هنا،معناها كما عرفه علماء الاناسة وهو(التفاعل بين الثقافات والتأثير أو التأثر المتبادل نتيجة الاتصال الحاصل بينها واحتكاك بعضها ببعض) ويكون من نتائجها التطور الثقافي الذي يطرأ حين تدخل شعوب تنتمي إلى ثقافات مختلفة في اتصال وتفاعل يترتب عليهما حدوث تغييرات في الأنماط الثقافية الأصلية السائدة،ولذلك فالمثاقفة تعبر عن أوجه التبادل الثقافي بين الحضارات البشرية المتعددة وعن حالة وسطيه بين الذوبان والممانعه في التعاطي مع ثقافة الآخر، وهي اتجاه يسعى أن يكون وسطا بين الانفتاح المطلق الذي يؤول إلى الانصهار في ثقافة الآخر وبين الانغلاق المطلق الذي يؤول إلى الانعزال تماماً عن الآخر. وتتجلى مظاهر هذه المثاقفة فيما تقتبسه ثقافة ما من غيرها من الثقافات وتعمل على استيعابه وتأصيله في كيانها حتى يغدو جزءا منه بعد أن كان في المنطلق طارئا على ذلك الكيان ووافدا عليه من الفضاء الخارجي،وهى تقوم على الندية والاحترام والتسامح والاعتراف بخصوصية الآخر واختلافه، وتتواصل الشعوب في إطارها بهدف الاثراء المتبادل، لهذا فهي تفترض الثقة والرغبة في التقدم والتطور واكتساب شتى أنواع العلوم والفنون والمعارف، وينبغى التفريق بينها وبين الاستلاب والغزو الثقافي الذى يحمل بين أهدافه محوَ الآخر وفرضَ التبعية عليه، ومعاملته بنظرة فوقية متغطرسة، والشعوب الساعية نحو المثاقفة ترفض أشكال الغزو الثقافي ،ولعل ذلك هو ماعناه المهاتما غاندي حينما عبر عن ذلك فى مقولته الشهيره: إنني أريد أن أفتح نوافذ بلادى لجميع الثقافات، لكنني أنكر عليها أن تقتلعني من جذوري"،ومن هنا فالمثاقفة تعد رافداً مهماً تسعى كل أمة من خلاله إلى معرفة الآخر واستثمار ما لديه من معطيات إنسانية وحضارية، وإلى تنمية كيانها الثقافي بشكل إيجابى وخلاق لايضر بمقومات الهوية الوطنية. ولا تقتصر مظاهر المثاقفة على جانب الأخذ والاقتباس فقط بل تتمثل كذلك في جانب البذل والعطاء الذي يمكن أن تؤثر به ثقافة ما في غيرها من الثقافات بحكم المخالطة والجوار ، وذلك لان المثاقفة عملية مشتركة تقوم على مبدأي الأخذ والعطاء وان كانت مسالة التأثر والاستيعاب يمكن أن تحصل من جانب دون آخر كما يمكن أن تكون كلية أو جزئية. والمثاقفه ظاهرة طبيعية قديمة قدم التاريخ وان لم تكن على مستوى واحد من الحضور والتجسد في مختلف المراحل التاريخية إلا أن ذلك الحضور قد ظل قائما، لدرجة تجعلنا لا نكاد نجد عند التأمل و إمعان النظر مجتمعا إنسانيا لم يعرف هذه الظاهرة أو استمر وجوده في غنى عنها فكل الثقافات قد استفادت من غيرها بدرجة أو بأخرى وخاضت غمار تجربة المثاقفة في مرحلة ما من مراحل تاريخها. ويكاد يدرك معظم العاملين فى حقل البحوث التاريخية أهمية المثاقفة المؤسساتية التى أجراها العباسيون فى القرن الثالث الهجرى فى عهد المأمون مع الموروث اليونانى ،وحدث على أثرها التوازن بين العرب والفرس الذين ثاقفت نخبهم العلمية الجانب العربى من دون إستئذان أو رد فعل من جهة العرب. وقد كان بن المقفع هو رائد المثاقفة الفردية فى ذلك الوقت حيث أدخل الى الثقافة العربية طريقة جديدة للتفكير فيما يخص العلاقة بين الحاكم والمحكوم وبين المفكر النخبوى ورجال السلطة (رسالة الصحابة مثالا") مؤسسا بذلك لموضوعة الآداب السلطانية التى بنى عليها الماوردى من بعده فكرة العلاقة بين الرعية والسلطان على أساس وجود الطرفين حيث لم تكن من قبل سوى طرف واحد ، ومن ثم بدأت مثاقفة جديده تبدو فى ظاهرها مثاقفة دينية لكنها فى مقدماتها ونتائجها سياسية ،أفضت تراكميا الى ثقافة نقدية سياسيه لاتقبل بالفرضيات أو الاجوبة المألوفه آنذاك،وانما فتحت الباب للتساؤل الاستقرائى الذى يعمل على تغيير طرق تشكيل الذهنية القابله. وإن المتأمل فى مسار الحضارة العربية الإسلامية يتبيّن أنها لم تبلغ أوج ازدهارها إلا عندما جنحت الى التفاعل والتثاقف مع بقية الحضارات،والذى كانت الترجمة من اهم أشكاله التى تعد أرقى طرق التواصل الثقافى بين الحضارات، فقد لعبت الترجمة دورا مؤثرا فى تشكيل الثقافة العربية الاسلامية من خلال الانفتاح على تراث الأمم السابقة سواء تراث الشعوب التى دخلت تحت سيطرة الدولة العباسية أو الشعوب المجاورة كاليونانية والهندية والصينيه. أهمية الترجمة فى تفعيل المثاقفه: الترجمة من أيسر سبل الانتقال الفكري والمعرفي بين مختلف شعوب العالم على مر العصور،وهى فعل ثقافي تواصلى يربط بين الحضارات،والمترجمون رسل التنوير وهم (خيول بريد التنوير) كما يقول بوشكين شاعر روسيا العظيم،ومنذ قديم الزمان وحتى يومنا هذا لم تفقد الترجمة أهميتها أو ضرورتها أو فاعليتها، فهي الوعاء الذي تنقل من خلاله المعرفة من بلد إلى آخر ومن لغة إلى أخرى. وتكتسب الترجمة مكانة هامة في مجال انتقال المعارف والافكار من مجتمع إلى آخر لعدة أسباب: 1- فهي الأداة التي يمكن عن طريقها مواكبة التطور الحاصل فى الحركة الثقافية والفكرية في العالم. 2- ولأنها تعمل على تجسير الهوة الفاصله بين الشعوب المتقدمة حضاريا والاخرى التى لم تأخذ نصيبها من الحضارة بعد. 3- وهي الوسيلة الأساسية للتعريف بالعلوم والتكنولوجيا ونقلها وتوطينها،كما أنها عنصر أساسي في عملية التربية والتعليم والبحث العلمي ومن ثم فهى سيلة لإثراء اللغة وتطويرها وعصرنتها. 4- والترجمه محرض ثقافي ينتج الأرضية المناسبة التي تعمل على تمكين المبدعين والباحثين والعلماء من الوقوف عليها للانطلاق إلى عوالم جديدة توسع من دوائر الادراك المفضى الى الابتكار والابداع . أدرك العرب أهمية الترجمة فشرعوا مبكرا فى المضى قدما بترجمة معارف غيرهم إبان العصر الاموى وتحديدا فى عهد خالد بن يزيد بن معاوية في القرن الأول الهجرى،حتى وصلت الى عصرها الذهبى فى عهد المأمون الذى نهض بالبلاد نهضة علمية جديرة بالتقدير والاعجاب،فقد اهتم المأمون اهتماما شديدا بحركة الترجمة من اللغات الاجنبية الى اللغة العربية وقويت تلك الحركة بفضل عطائه السخى ،وحرصه على أن يثير فى نفوس من حوله كوامن الرغبة فى العلم وادراك حقائق الاشياء والتطلع لمعرفة ثقافات الشعوب وحضاراتهم. ففى بداية الامر جعل المأمون من قصره مقرا للعلماء من كل جنس ودين فمنهم اليونانى والسريانى والعربى وغير العربى،وكانت تأتيه القوافل من مشارق الارض ومغاربها محملة بنوادر الكتب القديمة والقيمة مدونة باللغات الفارسية والسريانيه واليونانية،كما أنه قرب إليه علماء اليهود والنصارى الذين أخرجوا بدورهم ماكان بحوزتهم من نوادر الكتب وجلبوا له من أديرة سوريا وأسيا الصغرى وسواحل الشام مخطوطات نادرة فى الفلسفة والتاريخ والهندسة وترجموها بدقة وعناية فائقه. ثم تفتق ذهن المأمون بعد ذلك بضرورة وجود مؤسسة رسمية تقوم برعاية هذه الحركة وتحفظ لها استمراريتها وتنقلها الى المسار العام الذى يعطى الفرصة للجميع فى التفاعل معه والاستفادة منه، فبعدما كانت الكتب المترجمة ومخطوطات التراث ودفاتر العلم تُحفظ فى قصر الخلافة فى بغداد، فقام بتحويل بيت الحكمة الذى أنشأه هارون الرشيد الى أكاديمية بالمعنى العلمى الدقيق للكلمة، فأصبح فيها أماكن للدراسة والترجمة وأماكن لحفظ الكتب وتخزينها بطرق آمنه تقيها من التلف والضياع،وأماكن أخرى للكتابة والتأليف ،والمرصد الفلكى الذى يعمل به كبار علماء الفلك والتنجيم والرياضيات. عوامل إزدهار حركة الترجمة: ولقد توفرت مجموعة من العوامل التى أدت الى إزدهار حركة الترجمه وإتساع آفاقها فبالاضافة لكونها كانت من ثمرات وصول العباسيين الى الحكم وأنها كانت قرارا سياديا من أعلى قمة الهرم السلطوى، إلا أن هناك أسباب أخرى أدت الى هذا الازدهار منها : 1- توفر إرادة الرغبة فى محاكاة ومسايرة الشعوب المغايرة فى الملة وماهم عليه من سعة الاظلاع والغوص فى بحار المعارف ،وهذا الامر يوضحه المؤرخ الكبير بن خلدون فى مقدمته قائلا: أراد المسلمون دراسة العلوم الفلسفية فقد سمعوا القساوسة والرهبان يتحدثون عنها الى رعاياهم والعقل البشرى يميل الى التعلم،لذلك طلب الخليفة المنصور الى امبراطور بيزنطه ان يرسل اليه الترجمات العربية لكتب الرياضيات، فأرسل الامبراطور اليه مؤلفات إقليدس، فقرأ المسلمون هذه الكتب ودرسوها ،فازدادت عندهم الرغبة فى معرفة أكثر. 2- إنتقال عاصمة الخلافة من دمشق الى بغداد حيث تشكل نقطة التقاء لعديد من الثقافات المختلفه ،وتتميز بأنها مجتمع متعدد الثقافات والاثنيات من مسيحيين ويهود وفرس تم صهرهم فى بوتقة واحده برعاية النخبة السياسية الحاكمة التى وفرت لهم الحماية مما أدى الى خلق ثقافة جديدة نظرت الى التراث الضخم للحضارات السابقه نظرة ايجابية فأخذت تنهل من هذا الارث الضخم فى أكبر وأطول حركة ترجمة عرفها التاريخ. 3- حالة الجدل الدينى التى نشأت فيما بين الفرق الاسلامية بعضها بعضا من جهة ، وفيما بينها وبين اليهود والنصارى من جهة أخرى ،فحينما رأى المسلمون أهل الديانات الأخرى يتسلحون بعلوم اليونان كالمنطق والفلسفة واستخدموها فى جدالهم ، شعر المسلمون بأهمية هذه العلوم فعكفوا على دراستها وتعلمها للرد على أصحاب الديانات الاخرى ،ومن هنا ظهرت الحاجة الماسة لترجمة معارف اليونان للاستفادة منها. 4- كان لإتساع الدولة الاسلامية فى العصر العباسى الاول دورا كبيرا فى ازدهار حركة الترجمة وذلك أدى الى توحد اللسان على اللغة العربية،وهذا الامر جعل الشعوب غير العربية تقوم بنقل وترجمة تراثها العلمى القديم للتعريف به ونشره لتحقيق الفائدة منه. 5- التطور الاقتصادى العظيم الذى شهده العصر العباسى الاول مما أدى الى توفير احتياطى نقدى كبير تم توظيف جزء منه فى جلب الكتب الاجنبية من كل مكان والانفاق ببذخ شديد فى الترجمة والمبالغة فى العطاء للمترجمين الذين شجعهم ذلك على جلب نوادر الكتب من أماكن بعيده وعملوا على ترجمتها. 6- إنتقال صناعة الورق من الصين الى البلاد الاسلاميه ساهم فى تعزيز حركة الترجمة بعدما كان يلجأ الكُتاب والمترجمون للكتابة على الجلود والحجارة وجريد النخل فسهل هذا الامر كثيرا فى تداول الكتب وسهولة حملها وتخزينها. 7- الاشتراطات التى وضعتها الدولة للالتحاق بدواوينها والتوظيف باداراتها التى يمكن للموظف ان يرتقى فيها بالتدريج حتى يصبح واليا"،وكان من بينها أن يجتاز المتقدم لامتحان عسير فى شتى مجالات المعرفة وفى معظم الفنون والعلوم مما يستلزم قراءة كل مايترجم من الحكمة اليونانية ،ومانقل عن الفلاسفة والحكماء اليونانيين والهنود خاصة فيما يتعلق بتدبير الملك وامور الادارة والسياسة. طرائق الترجمة وبروز ظاهرة فرق العمل والأُسر العلميه: وإن من أهم مايميز تلك الفترة أيضا" هو بروز ظاهرة جديدة وفريدة فى الفضاء المعرفى بل وربما انفردت بها الحضارة الاسلامية فى ذلك الزمن وهى ظاهرة الأُسر العلمية أو مانسميه بلغة عصرنا(فرق العمل العلميه) وهذه الظاهرة ساهمت بشكل كبير فى ازدهار النهضة العلمية التى دشنتها حركة الترجمة، فمما لاشك فيه أن هذا التطور قد أدى بطبيعة الحال الى خلق جو علمى نشط، يعمل فى إطاره المترجمون ضمن برامج علمية معينة يسيرون وفقا" لها فى أثناء نقلهم وترجمتهم لعلوم الامم الاخرى الى العالم الاسلامى. وقبل الحديث عن تلك الظاهرة لابد أن نشير أولا عما يمكن أن نسميه بالطرائق العلمية للترجمة والتى كان منها على سبيل المثال: -طريقة يوحنا بن البطريق والمساه ب (طريقة اللفظ) حيث كان يترجم بعض الكلمات المفردة التى لها نظير فى العربية بلفظها وينقل بعض الكلمات الاخرى التى لانظير لها بنصها اليونانى معربا،وهذه الطريقة تسبب نوعا من الغموض ولها عيوب كثيره وكان من مشاكلها ان المترجمين لم يكونوا يستطيعون النقل من اليونانية الى العربية بصفة مباشرة ،فكان بعضهم ينقل الكتب من اليونانية الى السريانية ثم يأتي آخرون يعملون على نقلها من السريانية الى العربية وبهذا تتغير مقاصد ومعاني النصوص التي يقصدها كتابها -طريقة حنين بن اسحاق فقد كان أعلم بلسان العرب إضافة لإتقانه للغة اليونان والفرس والسريان وهى الطريقة التى إتبعها أشهر المترجمين فى العصر العباسى ومازالت متبعه حتى العصر الحالى، وهى أفضل من الطريقة الاولى ويسمونها ب(طريقة المعنى)حيث يقوم المترجم بقراءة العبارة التي يريد ترجمتها فيضعها باللغة العربية او غيرها بمعنى يطابق ما يرمى إليه النص الأصلى وقد تزيد كلمات العبارة المترجمة عن الاصل او تقل فلاعلاقة بعدد كلمات النص الاصلى او المترجم، المهم ان يكون المعنى مطابقا لما اراد صاحب النص. وقد أدى ذلك الأمر كما أسلفنا الى ظهور فرق العمل التابعه لكل مبتكر لطريقة معينة فى الترجمه وهذه الفرق كما رأينا لها برنامجها وخطتها فى العمل،وربما نلحظ من خلال التراتب السردى للاحداث والاسماء أنها سارت تحت رعاية أسماء أُسر عائلية بعينها تكفلت خلالها هذه الأُسر والعوائل بالانفاق على المتطلبات اللازمة لتسيير حركة الترجمة ونجاحها،ومن أشهر هذه الفرق العائلية: -فريق بنى حنين بن اسحاق: قلد المأمون حنين بن إسحاق رئاسة بيت الحكمة،وقد جمع حنين حوله فريقا متميزا من المترجمين فاق نشاطه الخيال ،وجمع بين النصارى والسريان والفرس ،حيث ساد بينهم أخلاقيات العلماء من تقدير وتسامح لم يتطرق اليه صورة من صور التعصب لجنس أو لدين معين، وإنصب معظم إهتمام هذا الفريق على ترجمة ونقل المؤلفات والكتب الطبيه وبعض الترجمات الفلسفيه ويمكن تسميته فريق حنين للترجمة الطبيه،وكان من أشهر المترجمين فى هذا الفريق بالاضافة لحنين ابن اسحاق ابنه اسحاق بن حنين وحبيش بن الأعسم. -فريق بنى قرة:وهذا الفريق عمل تحت قيادة ثابت بن قرة وانصب عمله الاساسى على ترجمة المؤلفات الرياضية(الحساب والهندسة)ومن هنا يمكن تسميته بفريق (الترجمة الرياضية) لذلك وضع لهم ثابت أسسا معينة سار عليه هو واعضاء فريقه منها ضرورة تحصيل العلم الى حد الوصول لدرجة الاتقان،ومن أشهر مترجمى هذا الفريق سنان بن ثابت وثابت بن سنان. -فريق بنى بختيشوع:ويكاد يتميز هذا الفريق عن غيره بانفراده بالترجمة الطبية وقد ساعده على ذلك أن جميع أعضائه كانوا من الاطباء المهرة،ومساهمته أيضا فى العملية التعليمية الطبية ومايرافقها من أهمية ترجمة الكتب والمصادر اللازمة،ومن أشهر أعضاء هذا الفريق جورجيس بن بختيشوع وجبرائيل بن بختيشوع. والحديث عن الأُسر والفرق العلمية ينبغى ألا ينسينا المجهودات الكبرى التى قام بها الاخرون سواء كانوا أفرادا" أو مجموعات،فمن يستطيع أن ينكر الدور الذى قام به التراجمة السريان ومدارسهم الشهيرة التى أسسوها من أجل هذا الغرض؟ ومنها مدرسة نصيبين الاولى التى يعود الفضل فى تاسيسها للاسقف يعقوب أفراماط الذى إستهوته شهرة مدرسة أنطاكية التى كانت تشبه مدرسة الاسكندرية فى ذلك الوقت،فأسس مدرسه نصيبين على هديها،وكذلك مدرسة الرها التى كانت من اهم المدارس السريانية وقامت على أكتاف أساتذة مدرسة نصيبين بعدما هجروها بعد سقوطها على أيدى الفرس،ثم نشأت بعد ذلك مدرسة نصيبين الثانية لتكون بديلا عن مدرسة الرها بعدما تعرض مؤسسوها الى أشكال مختلفة من الاضطهاد بسبب الخلاف المذهبى. أما عن المجهودات الفردية فهناك الدور الكبير الذى قام به واحد من أهم المترجمين فى العصر العباسى وهو عبد الله بن المقفع الذى كانت له أدوارا مشهودة فى عملية المثاقفة بصفة عامة كما أسلفنا،حيث انه لم يكتفى فقط بالترجمة المتميزة المبنية على دراية تامة باللغات التى يترجم عنها واتقانه للغة العربية ،وانما لبلاغته وفصاحته ولما قام به كذلك من ابتكار موضوع الاضافات والشروحات والتعليقات التى كان يضيفها لتوضيح مايقوم بنقله وترجمته،ويأتى يعقوب بن اسحاق الملقب بالكندى أيضا بابداعاته ونبوغه فى مجال الترجمات الفلسفية التى عالج فيها الكثير من الموضوعات التى أفاد بها الفكر الفلسفى الاسلامى فوائد عظيمه ،جعلت الكندى يحتل مكانة ساميه عند الخلفاء العباسيين وبخاصة المأمون،ولايفوتنا أن نذكر أسماء أخرى شهيرة كان لهاإبداعا مشهودا فى حركة الترجمة كيحيى بن عدى وقسطا بن لوقا وماقاموا بترجمته من كتب عديده فى مجال الفلسفة والسياسة والطب والطبيعيات. يتضح مما سبق أن الترجمة كانت سمة أساسية من سمات العصر العباسى الاول وخطت بالفكر الاسلامى حينها خطوات واسعه نحو الرقى والابداع،فقد كان لها اثرا واضحا في تطوير الدراسات الانسانية والدراسات التاريخية والجغرافية واللغوية والادبية،التى وسعت مدارك الانسان العربى فى ذلك الوقت فأقدم بقوة لخوض غمار العلوم والاداب فأدى هذا التوسع الى انفجار الفعالية العقلية بما لاعهد للعرب بها من قبل، وبدا كما لو ان بشر هذا الزمان من الخليفة الى ابسط مواطن قد اصبحوا طلابا للعلم والمعرفة او على الاقل حماة لهذه القيم الحضارية. فقد كان طلاب العلم والمعرفة يسافرون عبر ثلاث قارات ويعودون الى اوطانهم مثل النحل المثقل بالعسل، لينقلوا الكنوز القيمة الثمينة التي اختزنوها من نوادر الكتب والمخطوطات الى جماهير المريدين المتلهفة،ويكتبوا بهمة ونشاط لا يصدق تلك المؤلفات الموسوعيه التي استمد منها العلم الحديث باوسع معانيه، اكثر مما يظن بصورة عامة،كما غدت بغداد عاصمة العباسيين كعبة القُصًاد وموئل العلماء والادباء ومحط انظار المثقفين والعلماء ومقصد طلاب المعرفة من أنحاء العالم،وأصبح يومها خريج بغداد له المكانة المرموقة والاحترام البالغ لما بلغته من الشهرة بفضل مراكزها العلمية المتطورة والتي اخذت بالاساليب المنهجية، فالمسلمون حينذاك لم يكونوا مترجمين فحسب بل كانوا مبدعين فى كل مجالات العلوم التى عملوا عليها فأضافوا وشرحوا وازالوا الغموض واللبس الحاصل فى كثير منها، واحيوا الكثير من العلوم القديمة ونفضوا عنها غبار الزمن ،فكانت نبراسا لهم فى تقدمهم ومنارة لغيرهم من الشعوب التى نهلت منها، فبازدهار حركة الترجمة إتسعت آفاق الثقافة العربية لتشمل موضوعات كثيرة لم تكن موجودة من قبل وفتحت مجال البحث والمثاقفه فى افكار لم تكن مالوفة او معروفه،وكثرت المصطلحات العلمية والتعابير الفلسفية الامر الذى أدى الى إثراء اللغة وهذا بدوره أدى الى تطور حضارى غير مسبوق. إلا انه ومع بداية الألف الثانى الميلادى خبت الاهتمام بالتفاعل مع ثقافات الآخرين والتواصل معها فبدأ منحنى الترجمة فى الانحدار والنزول تحت تأثير عوامل متعدده ،من ضمنها وقوف بقايا الأمويين فى الأندلس فى صف العقل الفقهى التقليدى الذى حرًم شتى صور الابداع ووقفوا ضد حركة الترجمة واعتبروها من الهرطقات التى تتسبب فى ادخال ماليس من الدين فى عقول المسلمين ،وبرز النزاع الايديولوجى الذى كان من آثارة إضطهاد المخالفين وحرق كتبهم ومؤلفاتهم،وانتقلت العلوم والمعارف التى أبدعها العرب أو ترجموها وشرحوها عن اليونان والفرس وغيرهم الى أوربا لتجد ملاذا حاميا ورعاية خاصة لتبدأ دورة حضارية أخرى فى التشكل من جديد. إن دروس المثاقفة الحضارية التى تناولناها فى هذه الدراسة، وماتولد على أثرها من حركة الترجمة الواسعة مازالت حاضرة أمامنا ويمكنها أن تلهمنا بالعديد من الافكار والرؤى إذا توفرت لدينا إرادة العودة الى حركة التاريخ والتأثير فيمن حولنا والتأثر بما لدى الآخر من الخبرات والمعارف،وبرأيى يمكننا إستنساخ ذات التجربة عبر تدشين حركة ترجمة كبرى تتوسل استراتيجية واضحة المعالم وتتبنى خطة علمية مدروسة ،خاصة ونحن فى عصر تتوفر فيه كافة الآليات والوسائل الحديثة للتماس مع كافة المستجدات الجارية من حولنا. لقد رأينا كيف كان جو الحرية مفتوحا على أقصى مدياته وانصهر فيه الجميع من كل دين وجنس ولون، لابديل عن جو الحرية الفكرية والسياسية التى ترعى شتى الافكار على إختلافها وتنوعها دون إقصاء أو مصادرة،الحرية التى تعين على إحياء ماأندثر فى عالمنا من علوم وأفكار وفى طليعتها الفلسفة التى يتم محاربتها حتى فى قاعات الدرس والتقليل من شأنها وتقزيم روادها ومخرجاتها،الحرية التى ترفد البحث العلمى بأهم مكونات بنائه وبقائه حيث لاتحريم ولاتجريم ولاتكفير، فينبغى أن يبقى البحث العلمى بعيدا عن يخضع للنظرة السطحية أو أن تناله الفتاوى العتيقة التى تأتى من خارج العصر فتدفعه الى الانزواء والذبول. لاغنى والأمر على مافصلناه إذن عن الرعاية المؤسسية الدولتيه التى تشيع أجواء الرغبة فى التلاقح الحضارى والتطلع الى مالدى الآخر من أحدث العلوم والمناهج المعرفية ونقلها وتطبيقها وفق أحدث المعايير ،لا مجرد النقل والحفظ، لقد رأينا كيف اضطلعت الاسر العلمية بدورا بارزا فى إزدهار هذه الاشراقة التاريخية ،ومن ثم ينبغى ألا نغفل عن هذا الدور بتشجيع المؤسسات الاسرية العاملة فى الحقل الاقتصادى وحثها على القيام بأدوار مشابهة بدءا من توفير الرعاية المالية والاجتماعية وانتهاءا بتخصيص المقومات المادية اللازمة من حوافز وجوائز للابداع فى هذا المجال وهناك أمثلة ونماذج متعدده لهذا الامر فى أكثر من دولة عربية. وإذا كنا نروم الانعتاق من أزمتنا الحضارية الراهنة فبالاضافة لما ذكرناه،فلامناص إذن من إشاعة الحس الحضارى الذى يدور مع القيمة حيثما دارت، إذ من الواضح كما رأينا أن حركة الترجمة والنقل تمت فى ذلك العصر فى إطارٍ من الوعى بما هو شأن إنسانىٌّ عام، وما هو شأن ثقافى خاص، فقد أدرك المسلمون آنذاك أن التراث اليونانى السابق عليهم اشتمل على نصوص تخصُّ اليونان أنفسهم كفنون الأدب ، واشتمل كذلك على كتب العلوم والفلسفة والسياسة والطب وغيرها فمنحوها الأولوية باعتبارها النصُّ الأَوْلى بالمعرفة ، من حيث طابعها الإنسانى العام، لا الثقافى الخاص ، ومن هنا تأتى فكرة التراتب وإعطاء الاولوية للأهم فالمهم ، بدلا من الدوران فى دوائر مفرغة دون تدبر أو رويه ، إن إستلهام دروس التاريخ والاعتبار منها واستيعابها فى كل خطوة من خطوات الحاضر والمستقبل أمر لابد منه ، وإلا فنحن كما قال هيجل فى مقولته الشهيرة : يبدو من التاريخ .. أن أحداً لم يتعلم من التاريخ!! ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ * مهندس معمارى وباحث_مدير تحرير سابق لمجلة المسكن السعودية. المصادر والمراجع ****** 1- مريم سلامه كار: الترجمة فى العصر العباسى مدرسة حنين بن اسحاق وأهميتها 2-إبراهيم أبو عرقوب : الاتصال الانسانى ودوره فى التفاعل الاجتماعى 3-أورنك زينب الأعظمى: حركة الترجمة فى العصر العباسى 4-ديمترى غوتاس :الفكر اليونانى والثقافة العربية 5-محمد زرمان: الترجمة وفعل المثاقفه 6-نصر الدين جار النبى سليمان:حركة الترجمة وأثرها الحضارى 7-عبد الخالق عيسى :الاتصال الثقافى وحوار الحضارات فى العصر العباسى 8-أحمد محمد الجملك اثر جهود السريان على الحضارة العربية الاسلامية 9-توفيق بن عامر : المثاقفة والتغيير 10-يوسف زيدان:حركة الترجمة والنقل درس تاريخى 11-معن على القابله:حركة الترجمة فى العصر العباسى تواصل مع الآخر




الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي ملتقى ابن خلدون للعلوم الفلسفة والأدب بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
مُشاطرة هذه المقالة على: reddit

المثاقفة والاتصال بالآخر فى الحضارة العربية محمد حافظ عبد الحليم :: تعاليق

لا يوجد حالياً أي تعليق
 

المثاقفة والاتصال بالآخر فى الحضارة العربية محمد حافظ عبد الحليم

الرجوع الى أعلى الصفحة 

صفحة 1 من اصل 1

 مواضيع مماثلة

-
» أحلام الحضارة أم أحلام الهامش والمهمشين : (تأمل4) ـ محمد قرافلي
» أروع القصص العربية محمد الــمــر
» أروع القصص العربية Mohamed kamel El khatib محمد كـامل الخطـيب الحــرب والسـلـم
» الشاعر محمد آدم: ثقافتنا العربية تقدّس الجسد ليلاً وتستعيذ منه نهاراً! - حاوره: نضال بشارة
» بين المثاقفة والعولمة

صلاحيات هذا المنتدى:تستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
** متابعات ثقافية متميزة ** Blogs al ssadh :: دراسات و ابحاث-
إرسال موضوع جديد   إرسال مساهمة في موضوعانتقل الى: