ب فيها
الكاتب: ياسين طه حافظ |
|
الحياة والحب فيها
ياسين طه حافظ
1
وصعبٌ ان تطلع الزهور
في ألَمِنا الصامت وعزلتنا المثقّبة بالرصاص
وفي أيامنا المتشابهة وكلماتنا فاقدةِ الضوء،
التي تتساقط نصفَ ميتة، اننا في حيرة.
كنتُ في زاوية احاول التوفيقَ بين عِوَزي وصيحات الروح،
بين ان أعيش، او اشتبكَ مع حيواناتٍ مدجّجة.
كنت في ساعة رمادية ، الغضبُ فيها مثل
حيوان حرشفي يتوسط الغرفة.
وفي اشدّ الساعات حرجاً وتحفزاً ورعبا،
طلعتِ أنتِ
من غير طرقِ باب
ولا انتظار،
جئت رسولةَ إلهِ الحياة.
خفقتْ الحياةُ على النوافذ
وتحفّزَ الشارعُ للحركة
وانحسرتْ الى ماوراء التلالِ الغيوم.
حين رأينا ذلك الجمالَ، جمالَكِ،
ما صدّقنا انك مهمومةٌ بهمومنا وأنكِ
حائرةٌ ايضا بين هيأتِك الباهرة وتوق روحكِ
وان افراحَ جسدكِ مؤتسَرَة بين متاعبك
والطمعِ، متعدّدِ الأوجه فيك:
الناسُ والبيت والعمل والمهمةُ الصعبة الأُخرى
وعليكِ مهمةُ إيقاد المصابيح في ظلمات الارواح!
ياشرفَ الراهبات: منكسرةَ الابتسامة تضحّين
ومثلي لا تجدين حلّاً بين ان تعيشي حياتكِ
وبين ان تمنحيها لكي يعيش الناس.
هو هذا العيش الصعب!
سلاماً! البهاءُ مجدُك ومجدك ان تصوغي وردةَ العصور.
احتملي الالم. الموسمُ صعبٌ
وصعب ان تطلع الزهور!
القوس الفضي
سأحدّثُكِ أكثر عن سلالةِ المشردين،
عن آلاف البشر ظلوا يعيشون على العشب
والسمكِ الذي قد يطرأ صدفةً،
غادر ملوكهم الأقدمون وظلوا:
أنا احبكِ كل هذا الحب وانت لا تعرفين،
أني مطارَدٌ، أني من بقايا السومريين...
لذلك، فحين وضعتُ فمي على حرير ذراعك
احسستُ وراء بشرتك هزاتٍ بعيدة،
ضوضاءَ، تراتيلَ وايقاعَ رقصات.
وسمعت موسيقى من ذلك المعبد
الذي ضاع مَلِكاً ومباهج. جواريه
جمالهن من نمطٍ نادر، غادَرْنَ العالم، منذ زمان.
من ذلك المجد انتِ. هل عرفتِ نفسَكِ الان؟
بعد ان بادلتِني الفرح،
وانحنيتِ كقوس فضي تلتقطين ايشاربَكِ الشذريّ،
ومبتسمةً رفعتِ رأسَكِ قليلاً قليلا،
وانسحبتِ معكِ بقية قبلتي،
أحسستُ ان العالم يخلو واني بقيت وحدي
وحولي الموسيقى مهاجرةً تغيب.
نحن اعتدنا الهجرَ،
والارض القَفْر
وموتَ الطيور التي خطأً تمرّ في طريقها
الى أعشاش السنةِ الماضية.
لماذا لم تعرفي أنتِ الإستثناءَ الجميل،
لم تعرفي فرحَ العودة للحقول
ومثلما التقينا، ستلتف ذراعاي على مجد العالم
وسيزداد تنفسُنا خفقةً إثرَ خفقة
حتى أسمع حركة طير
هبط لحظاتٍ ولا صوت بعد.
بكِ وَسِعَ الصمتُ السقوطَ الجميل
و ما عدتُ اذكر أرضاً قفرا
ولا ذلك العالم الذي اورثني قِنانةً وفقرا
واضاعني في القارات....
البذور تنتظر
كذبٌ إذا قلنا عرفنا الكؤوسَ تُدار
او عرفنا أيَّ نوعٍ من الحفلات، عدا
تجمّعات الحزن بعد الموت وهوَسِ الاعراس
الذي ينتهي في ساعات،
لتتوالى الاخبارُ السيئة والعِوَزُ السيئ والحلول السيئة.
لن نرى في القرى المهمومةِ الا الاصواتَ
المُخَدَّشة من خيبةٍ او من سعال
ولن نرى من نسائها الا المِشْيات المتراخية من تعب.
والرغبات التي تُطفأ ما ان تصل البيوتَ
لكنهن ما ان يجدنَ فرصةَ استيقاظ حر،
حتى ينهضن دافئاتٍ من النوم
وقد احتدمن توقاً حاراً
ليتوغّلَ جَسَدٌ بجسد!
اننا لا نكشف كلَّ شيء. الاحوالُ تُخفي وتُعْلِن
مئات ماتوا بصمت،
احزانهم معهم وجراحهم لم تشف .
وها هوالعاشق يحملُ الاثمَ بسبب محبته،
الخارجُ عن القانون لانه يزرع الارض البور،
والذين تتعقبهم الشرطةُ
لانهم يبذرون بذورا محسّنةً تنتج اضعافاً،
يصفونها هم بذورَ الشر،
ويصفها اساطينُهم بذورَ النار،
وهذا الوصف هو ما نتفق معهم عليه!
فرغم اختلافنا، نعم. هي بذورُ النار التي نعرفها نحن!
ليلةَ امس تخبّطت الغربانُ على نافذتي
وفي الصباح وجدتُ أمراً بالقاء القبض
او المثول بهدوء .. ،
ضاعت القبلات،
وظل في فمي رماد مر..
تلك الأرغفة اليابسة
أُحاول دائما نسيانَ الازمنة المُدْقِعة، أدفعُها
بعيداً عني وألهو بسواها جديد.
لكني اليوم مررتُ بالمكان الواسع الذي كان
مَجْمعاً لامثالنا الهاربين، الآملين بعيش آمن
فتذكرت الأرغفةَ اليابسة والكلماتِ اليابسة
وورود النيكوتين الساخرة من وجودنا
وتلك الاغطيةَ الرخصية تمنح نوعاً من الدفء
لا يعادي البرد،
وقمصاننا جلابيبُ قديمة أو بقايا أقمشةٍ دارسة.
كل هذا يختفي حين نمدّ ايدينا الى الطعام
ساخنا يجيء، فنرى الأعزَّ الأجمل في الدنيا.
هي لحظاتٌ تفصلنا عن الكون الأحدب.
تذكرتُ تلك الايام وانا أراكِ تتكلمين بعذوبة
كما ستذوبين
ويدك الطرية حد الاشتهاء
والرخوةُ التي لا اظنهُّا تستطيع منعَ احد .
تغيّرت الساعاتُ حولي
بعيدةٌ الآن حدودُ المستنقعات
والحجرة التي كنت اعيش فيها إمّا مسحَتْها الرياح
او ظلّتْ خاليةً حتى الآن
او ان سلالةَ فقراء وصلوا من الأصقاع
وجدتْ سقفاً فاستراحوا
ليكملوا بعدها الطريق....